والفطرة تهتدي بهدى العقل ، أمّا الغريزة فهي لا ترجع إلى المعرفة لأنّها أحاسيس جسمية ، ولكنّ العقل يمكنه أن ينظمها ويرشدها إلى الكمال الإنساني .
الفرق بين المعرفة الفطرية والمعرفة غير الفطرية (الاكتسابية) :
من الضروري هنا أن نعرف الفرق بين المعرفة الفطرية والمعرفة غير الفطرية (الاكتسابية) لكي نطمئن إلى أنّ الإيمان بالله من الأمور الفطرية وليس من رواسب البيئة والتربية . وهذه الفروق هي ما يلي:
1- المعارف الفطرية تتحقق بوحي الفطرة وهدايتها ولا تحتاج إلى تعليم معلم لتحققها ، ويكون دور المعلم تربيتها وتهذيبها.
أمّا العلوم والمعارف غير الفطرية مثل تعلم الطب والهندسة والتاريخ والآداب وغيرها، فإنّها تحتاج إلى تعليم معلم لكي يتعلمها الإنسان وبدونه يبقى جاهلا بها.
2- العلوم والمعارف الفطرية عامة لكلّ البشر وتوجد في كُلّ إنسان بغضّ النظر عن ثقافته أو موقعه الجغرافي ، أمّا الأمور غير الفطرية فهي تختصّ ببعض الناس دون غيرهم ، فمن أمكن له أن يتعلمها عرفها ، ومن لم تسنح له الفرصة لذلك يبقى جاهلا بها.
3- المعارف الفطرية ، لا تخضع للعوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، أمّا المعارف والأمور غير الفطرية فإنّها تتأثر بالعوامل المختلفة لأنّها اكتسابية .
4- الدعاية والإعلام قد تضعف أثر القناعات الفطرية ولكن لا يمكنها أن تزيلها كلياً لأنّها جزء لا يتجزأ من الإنسان ، أمّا العلوم غير الفطرية فإنّها قد تستأصل كلياً بالدعاية وما تسببه من غسيل لدماغ الإنسان وتغيير في أفكاره وقناعاته ، وذلك لأنّها مكتسبه ويمكن استبدالها بمفاهيم وعلوم مكتسبة أخرى تتغلب عليها.
الفطرة وعلم النفس:
يقوم علم النفس على دراسة النفس الإنسانية من جوانب مختلفة. ويذكر علماء النفس للإنسان ميول وأحاسيس طبيعية متعددة يختلفون في تحديدها وعددها ، ولكنهم متفقون بشكل عام على أنّ الإنسان له الأحاسيس الفطرية التالية:
1- الإحساس باللذة والألم
2- الإحساس بالعواطف والشهوات.
3- الميول الشخصية مثل حبّ الذات والرغبات الجنسية التي هدفها الإنسان نفسه .
4- الميول الراقية التي تدفع الإنسان نحو الكمال مثل:
• حبّ الاستطلاع والبحث عن الحقيقة الذي يدفع الإنسان لاكتشاف العلوم المختلفة ويؤدي إلى التقدم العلمي.
• حبّ الجمال: ويدفع الإنسان إلى الإبداع في مجال الفنّ والرسم والتخطيط الاجتماعي للبيوت والمدن.
• حبّ الخير: وهو سبب وجود الأخلاق الفاضلة والصفات الإنسانية الحميدة .
• حبّ التدين: وهو الإحساس بوجود الله سبحانه وتعالى الذي يدفع الإنسان إلى الإيمان به والالتزام بالدين الذي أنزل من الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا نرى أنّ الفطرة الإنسانية تجد في أعماقها دافع الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحبّ الالتزام بالدين ، مثلما تحس بأهمية الأخلاق الفاضلة وحبّ الجمال والاستكشاف للعلوم الطبيعية الذي أدّى إلى تطور البشرية في المجالات التقنية والعلمية. فالدين والأخلاق وحبّ الاستطلاع وحبّ الوطن كلها قيم إنسانية حقيقية تنبع من ذاته وفطرته ولا تحتاج إلى تعليم معلم ، بل تحتاج إلى تهذيب وتوجيه لكي تقود الإنسان إلى الكمال والرقى والتقدم والسعادة والرفاه.
دليل الفطرة في القرآن الكريم:
يشير القرآن الكريم إلى دليل الفطرة لمعرفة الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى:
1- (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (سورة الروم ، آية30).
2- ( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) (سورة الروم ، آية 33).
وهذه الآية الكريمة تشير إلى نقطة مهمة وهي إنّ الإنسان في حالة الضرّ والحاجة الصعبة التي لا يمكن لأيّ جهة مادية حلها وتأمينها ، فإنّه لا خيار له سوى الرجوع إلى المعرفة الفطرية التي تربطه بالله سبحانه و تعالى ، لذلك يتوجه لربّه ويدعوه بإخلاص وتضرّع. ولكن إذا أذاقه الله رحمة فإنّه يتنكر لفطرته ويتبع ما تعلمه من الناس من مفاهيم مادية وإلحادية مغلوطة ، فيرجع إلى الشرك بربه والكفر بخالقه ورازقه .
فإذن يتجلى الإيمان الفطري بالله سبحانه وتعالى في لحظات الضرّ والحاجة والفقر والفاقة ، والانقطاع من إمكان الحصول على نفع من الناس لعجزهم عن مساعدته. في مثل هذه الظروف القاهرة التي تبين لذات الإنسان ضعفه وضعف المخلوقات كلها ، يتوجه بوحي من فطرته إلى الله سبحانه وتعالى لأنّه يعلم إنّ الله قادر على مساعدته وإنقاذه من محنته.
الفطرة في الأحاديث الكريمة:
وردت الإشارة إلى التوحيد و المعرفة الفطرية في كثير من الأحاديث الكريمة لأهل البيت (عليهم السلام). ومن هذه الأحاديث ما يلي:
1- قال النبي (صلى الله عليه وآله ):