الكاتب/ الشيخ سعد الغري ـ
لقد فرض الله تعالى على عبده واجبات ومنعه عن محرمات وأثابه على امتثال أحكامه جنات ولم تكن الواجبات لحاجة لله تعالى عن ذلك علو كبيراً ولا المحرمات لمفسدة في ذاته تعالى بل لسمو الإنسان ورقيه الى مراتب الكمال التي يكون فيها إنساناً كاملاً: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38).
فشرع تعالى أحكاماً تساعدنا على بلوغ المرتبة التي يطمع في نيلها المخلصون وجعل درجاتها صعبة المنال إلا على الذين ادبوا أنفسهم وروضوها وذلك ليس بفعل الواجبات وترك المحرمات فحسب بل باداء المستحبات والابتعاد عن المكروهات، فتسمو نفسه ويصبح ينظر بعين الله تبارك وتعالى ويسمع بسمعه ويبطش بيده ـ بحسب مضمون الحديث الشريف ـ.
ولان الأخلاق تعد من الكمالات لذلك نرى الجميع يحاول ان يتصف بها ويقرنها بنفسه، فكما ان القرب من الله تعالى يستلهم من حسن الخلق كذلك القرب من الناس ومحبتهم له فالذي يريد الدنيا والآخرة يجب ان يحسن خلقه، وكما قلنا ان الأخلاق غاية الكل فالكل يحاول ان يتصف بها ولم يعلم ان الله تبارك وتعالى قد وضع موازين لمعرفة الإنسان نفسه انه هل هو حقا متصف بحسن الأخلاق، وإن كان الإنسان على نفسه بصيرة فهو يعلم بنفسه ولكن قد يزين له الشيطان سوء عمله فيظن نفسه من الصلحاء.
لذلك فإن كلّ إنسان جاهل بعيب نفسه وإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة حتّى ترك فواحش المعاصي فربما يظنّ بنفسه أنّه قد هذّب نفسه وحسّن خلقه واستغنى عن المجاهدة، فلا بدّ من إيضاح علامات حسن الخلق فإنّ حسن الخلق هو الإيمان وسوء الخلق هو النفاق، وقد ذكر اللّه سبحانه صفات المؤمنين والمنافقين في كتابه وهي بجملتها ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق، فلنورد جملة من ذلك ليعلم بها حسن الخلق.
1ـ يعرض نفسه على آيات القرآن المبين:
قال اللّه تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ....أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) (المؤمنون:1، 10).
وقال عزّ وجلّ: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:112).
وقال عزّ وجل ّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ... أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (لأنفال:2- 4) وقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63) ـ إلى آخر السورة.
فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدلّ على البعض دون البعض، فليشتغل بتحصيل ما فقده وحفظ ما وجده.
2 ـ يعرض نفسه على أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
فقد وصف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمن بصفات كثيرة وأشار بجميعها إلى محاسن الأخلاق.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (المؤمن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه).
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم جاره).
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).
و ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ صفات المؤمنين هي حسن الخلق فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا).
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنّه يلقّن الحكمة).
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من سرّته حسنة وساءته سيّئة فهو مؤمن)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يحلّ لمؤمن أن يشير إلى أخيه بنظرة تؤذيه) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما).
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما يتجالس المتجالسان بأمانة اللّه عزّ وجلّ، فلا يحلّ لأحدهما أن يفشي على أخيه ما يكرهه).
و سئل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن علامة المؤمن والمنافق فقال: (إنّ المؤمن همّته في الصلاة والصيام والعبادة، والمنافق همّته في الطعام والشراب كالبهيمة).
3ـ يعرض نفسه على الصفات التي ذكرها علماء الأخلاق:
فقد جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال هو: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، قليل الفساد، صدوق اللّسان، قليل الكلام، كثير العمل قليل الزلل، قليل الفضول، برّا وصولا وقورا صبورا رضيّا شكورا حليما رفيقا عفيفا شفيقا، لا لعّانا ولا سبّابا ولا نمّاما ولا شتّاماً ولا مغتاباً ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً ولا حسوداً، هشّاشاً بشّاشاً، يحبّ في اللّه ويبغض في اللّه، ويرضى في اللّه ويغضب في اللّه، فهذا هو حسن الخلق.
و قال حاتم الأصم: المؤمن مشغول بالفكر والعبر، والمنافق مشغول بالحرص والأمل، والمؤمن آيس من كلّ أحد إلا من اللّه، والمنافق راج كلّ أحد إلا اللّه، والمؤمن آمن من كلّ أحد إلا من اللّه، والمنافق خائف من كلّ أحد إلا من اللّه، والمؤمن يقدّم ماله دون دينه، والمنافق يقدّم دينه دون ماله، والمؤمن يحسن ويبكي، والمنافق يسيء ويضحك، والمؤمن يحبّ الوحدة والخلوة، والمنافق يحبّ الخلطة والملا، والمؤمن يزرع ويخشى الفساد، والمنافق يقلع ويرجو الحصاد، والمؤمن يأمرو ينهى للسياسة فيصلح، والمنافق يأمر وينهى للرّياسة فيفسد، وأولى ما يمتحن به حسن الخلق الصبر على الأذى واحتمال الجفاء، ومن شكا من سوء خلق غيره فيدلّ ذلك على سوء خلقه لأنّ حسن الخلق احتمال الأذى.
4 ـ مقارنة أفعاله مع افعال النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم افضل الصلاة والسلام):
فمن مواقف النبي صلى الله عليه وآله: انه روي أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمشي ومعه أنس فأدركه أعرابيّ فجذب رداءه (صلى الله عليه وآله وسلم) جذبا شديدا وكان عليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، قال أنس: حتّى نظرت عنق رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أثرت فيه حاشية البرد من شدّة جذبه ثمّ قال: يا محمّد هب لي من مال اللّه الّذي عندك فالتفت إليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك ثمّ أمر له بعطاء).....
فهل هكذا هو عملنا نحن ان جوبهنا بمثل هذا الخلق الخشن؟؟
وموقف آخر له صلى الله عليه وآله انه لمّا أكثرت قريش إيذاءه وضربه قال: (اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون)، فلذلك قال اللّه تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).
ومن مواقف امير المؤمنين عليه السلام فقد روي أنّ عليّا (عليه السلام) دعا غلاما له فلم يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فلم يجبه فقام إليه فرآه مضطجعا فقال: أما تسمع يا غلام، فقال: نعم، قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال: آمنت عقوبتك فتكاسلت، فقال: امض فأنت حرّ لوجه اللّه.
هذا غيض من فيض وهكذا بقية أهل البيت (عليهم السلام) عانوا ما عانوا من الأعراب القساة الأشداء فقابلوهم وهم افضل الخلق بالخلق الحسن فإن كانت اخلاقنا مقتبسة ومثل أخلاقهم (عليهم السلام) فنستطيع ان نقول ان لدينا حسن خلق وإلا فيجب ان نشتغل ونعمل على ان نحظى بمحاسن الأخلاق لكي تقرب درجتنا من الله تبارك تعالى فانها الغاية القصوى لكل عبد منيب...
الله حسن أخلاقنا كما حسنت خلقنا.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا وحبيبنا ونور أبصارنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين