منتديات أحلى السلوات
مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  065sv9
اهلا اهلا اهلا زوارنا الكرام ssaaxcf
مرحبا بكم في منتداكم وبيتكم الثاني zzaswqer
نتشرف بتسجيلكم معناvvgtfryujk vvgtfryujk vvgtfryujk
أخوانكم ادارة المنتدى mil
منتديات أحلى السلوات
مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  065sv9
اهلا اهلا اهلا زوارنا الكرام ssaaxcf
مرحبا بكم في منتداكم وبيتكم الثاني zzaswqer
نتشرف بتسجيلكم معناvvgtfryujk vvgtfryujk vvgtfryujk
أخوانكم ادارة المنتدى mil
منتديات أحلى السلوات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات أحلى السلوات


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بكم جميعا واهلا وسهلا بالاعضاء الجدد نتمنى لكم طيب الاقامه
نرحب بالاخت العزيزة (لمياء ) من دولة مصر ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك معنا اختي الغالية ادارة المنتدى
نرحب بالاخ العزيز (ابو مصطفى) من العراق ونتمنى له اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بتواجدك معنا مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت الغالية ( ابتسام) من العراق ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة ( الدمعة الحزين ) من السعودية ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك معنامساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة (طیبه) من ايران ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك معنامساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخ العزيز (شيخ الوادي ) من العراق ونتمنى له طيب الاقامة معنا ... سعداء بتواجدك معنامساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة (نور كربلاء) من السعودية  ونتمنى لها اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك  يا غالية مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798          ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة ( وديان) من فلسطين المحتلة ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... نور المنتدى بيك ياغالية مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخ العزيز ( الخيانة صعبة) من مصر ونتمنى له اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك ياغالي مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة  (رحيق الورد) من دولة العراق ونتمنى لها اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك ياغالية مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798          ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة (منة الله على) من دولة مصر ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك معنامساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخ العزيز ( علاء المياحي ) من العراق ونتمنى له اقامة طيبة معنا ... المنتدى نور بوجودك مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة ( هدوره العراقيه) من العراق ونتمنى لها اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك يا غالية مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة ( ساره رضا) من دولة مصر ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك معنامساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة ( حبي لاهل البيت لا ينتهي ) من العراق ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... اهلا وسهلا بك معنامساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخ العزيز ( أبو وسام ) من دولة العراق ونتمنى له اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك يا غالي مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة ( هند السعيد) من مصر ونتمنى لها طيب الاقامة معنا ... نور المنتدى بيك مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخ العزيز ( احمد طه) من مصر ونتمنى له اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى
نرحب بالاخت العزيزة (عاشقه الليل )من الامارات العربية ونتمنى لها اقامه طيبه معنا ... نور المنتدى بيك مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  103798 ادارة المنتدى

 

 مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
علي المرشدي
 
المدير العام

     المدير العام
علي المرشدي


مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  13270810
رقم العضوية : 3
العمر : 41
ذكر
عدد المساهمات : 1965
الدولة : العراق
المهنة : 12
مزاجي : مكيف
اللهم عجل لوليك الفرج و النصر والعافية برحمتك يا ارحم الراحمين
صورة mms : يافاطمة الزهراء

مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  Empty
مُساهمةموضوع: مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر    مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  I_icon_minitimeالسبت 15 أكتوبر 2011 - 21:24

مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر

وهذه هي الركيزة الثانية التي هتف بها الغربيون، وبالغوا في الهتاف بها والدعوة اليها، واقاموا عليها حكمهم في شأن المرأة، وفي تعيين منزلتها من الرجل ومنزلتها من المجتمع.

الغربيون مثوى، والغربيون هوى.

هتف بها اولئك وصفق لهم هؤلاء.

المساواة التامة بين الرجل والمرأة.

ولنتبين جيداً ما تعني هذه المساواة التي يهتف بها الهاتفون.

المساواة التامة في حقوق الحياة؟ والمساواة التامة في حقوق الانسانية، والمساواة التامة امام محاكم العدل وسلطات التنفيذ، والمساواة التامة بين الرجل المسلم والمرأة المسلمة في حقوق الاسلام؟.

نعم، وكل اولئك قد كان، وقد قرره الاسلام وثبت قواعده واقام دعائمه وشيد بناءه قبل هتاف الهاتفين بعديد من القرون، فماذا يريدون غير ذلك؟.

مساواة المرأة للرجل في كل مجال وفي كل وجهة وفي كل نشاط؟.

فهل هذا من العدل؟ وهل هو مما تقره الفطرة؟.

فطرة الانسان السوي المستقيم الذي لا يلتوي ولا يخادع.

فاذا قسمت الطبيعة اعباء الحياة واثقالها الى قسمين متكافئين:

متكافئين في القدر، ومتكافئين في الاهمية، ومتكافئين في التضحية، ومتكافئين في التأثير، بحيث لا تستقيم الحياة ولا تنسجم ولا تسعد ولا ترقى ولا تدوم إلا بهما مجتمعين.

قلت: فاذا قسمت الطبيعة اعباء هذه الحياة الى شطرين متكافئين، ثم عهدت الى الانسان الذكر باحد هذين القسمين، والى الانسانة الانثى بالقسم الثاني، واعدت كل واحد من الجنسين لوظيفته المعينة بتكوينه وتركيبه، وبجميع اجزائه وابعاضه، فهل يسوغ لنا نحن ان نتجاهل هذا التوجيه الطبيعي الحكيم ثم نطلب من الأنثى ان تنهض باعباء الحياة جميعاً، بحصة الاناث منها وحصة الذكور؟!

إن القدرة الخالقة المديرة اعدت الأنثى بتكوينها وبجميع اجزائها لوظيفة في الحياة لن يستطيع ان يقوم بها اقوى الرجال واشدهم شكيمة وابرعهم حيلة، ومن الظلم والعسف ان نكلفها باعباء الرجل ايضاً.

اما ان المرأة اعدت بجميع اجزائها وبجميع خلايا جمسها اعداداً خاصاً يخالف اعداد الرجل في اجزائه وخلايا جسمه، فقد اصبح هذا من بدهيات العلم التي فرغ من تقريرها واثباتها ولم تعد مجالا للشك، وانظر أي كتاب شئت من الكتب التي يفصل فيها كيف يتكون الجنين، وكيف تتركب خليته الأولى الملقحة التي منها ينشأ، وكيف تتكاثر خلاياه وتتوالد، تجد الحقيقة التي لا مراء فيها ولا ريب.

تجد النظرية الثابتة التي لا خلاف فيها من احد ان الخلية الأولى الملقحة التي يتكون منها جسم الأنثى تتألف كروموسوماتها من (x،x) ثم تنشطر الخلية وتتكاثر بطريقة الانقسام. وكل خلية جديدة تتولد. هي من هذا النوع الخاص ايضاً. ثم تتصف الخلايا. ويتوجه كل صنف منها الى بناء جانب معين من الجسم او الى اقامة جهاز خاص من اجهزته.

ويتم بناء الجسم كله وتكوين اجهزته وغدده من هذا النوع الخاص من الخلايا. وتفرز الغدد وتتحرك الاجهزة وتعمل القوى داخل الجسم، وجميع امدادها من هذا النوع، وجميع انتاجها لاقامة هذا النوع.

وان الخلية الأولى الملقحة التي يتألف منها جسم الذكر تتألف كروموسوماتها من ( و) فاذا انشطرت الخلية وتكاثرت كانت الخلايا المتولدة عنها كلها من هذا النوع واستقام بناء الجسد وتم تكوين اجهزته من هذه المادة، ثم كان النشاط الحيوي في جسم الذكر كله متميزاً بهذا الطابع منطبعاً بخاصته.

اما الاجهزة الخاصة التي تختص بالأنثى والتي تختص بالذكر وتميز احد الجنسين عن الآخر، واثر هذه الأجهزة في توجيه النشاط وتوجيه الجسم وتوجيه السلوك، اما هذا وتوابعه فهو غني عن البيان.

انظر أي كتاب شئت من كتب علم الأجنة تجد فيها هذه الحقائق مشروحة مبسطة، فما معنى ذلك !.

ليس معناه ان القدرة الحكيمة الخالقة تعد الانثى بتكوينها لوظائف خاصة في الحياة تخالف وظائف الذكر، وتحملها اعباءاً معينة تشاطر اعباءه !.

واذن فهما متقابلان في مهمات الحياة، متقاسمان لأثقالها، متآزران على القيام بها، والعدل الكامل في التشريع ان يقدر هذا الاعداد الطبيعي فتوكل الى كل من الجنسين مهمته المعينة التي توجه اليها بتكوينه، وان يكمل اعداده لها بتربيته وتعليمه، وان يزود لها بتجارب المجربين والمجربات من اسلافه.

وعلى ذلك تركزت نظرة الاسلام في توزيع الوظيفة، وعليه أسس الأحكام والحقوق التي تخص المرأة والأخرى التي تخص الرجل، واقام العدل فيهما كلا بمقدار ما يحتمل وكلا بحسب ما اعد.

وبعد فصلة مسألة الحجاب بحديث مساواة الرجل والمرأة فيما يعتقدون: انه اذا وجبت المساواة التامة بين الذكر والأنثى كان من حق الأنثى ان تبرز الى ميادين الحياة، وان تزاول انواع النشاط فيها كما يبدو الذكر وكما يزاول سواء بسواء، فما حجاب وما نقاب؟.

اما وجوب ان تقيد الحرية الفردية بأن لا تزاحم حريات الافراد الآخرين وان لا تزاحم الحقوق العامة للمجتمع، وان لا تزاحم الحريات الأخرى لذلك الفرد نفسه، واما وجوب ان يراعى في مساواة الرجل والمرأة التوجيه الطبيعي الذي اودعه الخالق في تكوين كل واحد من الجنسين، اما هذا وذاك فلا يستوجب الاهتمام عندهم، لأنه يؤدي الى خلاف ما يشتهون! وما دين الله فانه يقول قولته واضحة المعالم راسخة الدعائم رضي بها من رضي واباها من ابى، (فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه، ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل)[1].

ـ 10 ـ

والنظرة المادية الخالصة التي دان بها الغرب وفسر بها كل ما في الكون، فالمادة كل شيء فيه، وليس ثمة شيء سواها.

هي المبدأ الأول للكون والحياة والانسان، وهي الغاية الاخيرة لها جميعاً.

اليهاترد كل علة وتؤول كل نتيجة، وبها يتقوم كل مقياس، فلا علة ولا مبدأ ولا غاية ولا مقياس غير المادة.

ونتيجة معلومة محتومة لذلك فلا إله ولا رب، ولا دين، ولا خلق، غير لمادة وتوابعها، ومقتضياتها، وغير طرق توفيرها، ووسائل الحصول عليها والانتفاع بها.

وقد اصبحت هذه النظرة عقيدة متأصلة لدى الغربيين، درجوا عليها في سلوكهم، وفي تفسيرهم للاشياء وتقييمهم لها، وفي صلاتهم بالأشياء وبالناس وصلات الناس بهم، ولتمحيص هذه النظرة وابطالها وتبيين مواضع الزيف فيها كتب خاصة كثيرة اوضحت منها ما التبس، وفي الحلقة الأولى من كتابي (الاسلام) وفي مقدمة الحلقة الثانية منه (التوحيد في القرآن) بحوث لا يستغنى عنها في هذا السبيل.

النظرة المادية الخالصة التي نسفت هناك كل عقيدة بآله ودين، وقطعت كل صلة بخلق وشريعة، وابطلت كل تقدير لقيمة او تقليد، اقول: هذه النظرة المادية المجحفة هي المبدأ الأول لكل ذلك.

واذا كانت المادة هي كل شيء في هذه الحياة واليها ترد جميع العلل والمقاييس فيها فلماذا لا تزاحم المرأة الرجل في ميادين الكفاح من اجل المادة وفي سبل الحصول عليها، وهي مثيلة الرجل في التكوين ونظيرته في القدرة وعديلته في كل ما يؤهل لذلك؟

واذا لم يكن إله ولم تكن شريعة ولم تكن أسس ثابتة للخلق والقيم الرفيعة وللآداب العالية فلماذا تبقى المرأة تحت نفوذ الرجل وتحت سيطرته يتحكم في امرها كما يريد ويشرع فيها الاحكام والقوانين كما يشاء؟ لماذا لا يكون ذلك؟ ولماذا تبقى في كفالته وقيمومته ورعايته لا حول لها ولا طول، إلا حيث يفسح الرجل لها المجال ويطلق لها التصرف حسب شهواته وتحكماته؟ والحجاب هو مظهر ذلك.

والنظرة على ما يبدو وليدة غلو وحقد معاً.

هي وليدة مغالاة مفرطة في تقدير طريقة العلم التي التزم بها في اثبات النظريات واستنتاج النتائج.

فقد اخذ العلم على نفسه ان لا يؤمن بنظريته ولا يقر بنتيجة ولا يعطيها صفة الثبوت والقرار ما لم تثبتها التجربة وتشهد بصحتها الملاحظة، وانما التزم هذه الطريقة مفاداة عن مخادعة الحس ومغالطة الوهم.

وضروري ان المجال الممكن لشهادة الحس وشهادة التجربة وشهادة الملاحظة انما هي الأمور المادية وحدها، وما وراء المادة لا يمكن ان ينال بشيء من هذه الوسائل فهي خارجة عن نطاق العلم التجريبي.

وخروجها عن مجال العلم التجريبي وامتناعها ان تدرك بوسائله المحدودة لا يعني ابداً ان العلم ينكرها أو يتنكر لها.

إنها ليست من مجالاته الخاصة ليبحث فيها، فليتركها للفكر المجرد، والفلسفة التي تهمها هذه النواحي وتملك وسائل الاثبات فيها، وليتركها للدين الذي انزل لتصحيح هذه الناحية من التفكير الانساني، وزوده بما يسعف من البينات، وارشده الى ما يثبت، من ركائز الفطرة وضروريات العقل وموحيات الطبيعة.

هذا هو سبيل الانصاف الذي لم يعده العلم، ولم يفارقه رعيل كبير من العلماء، من العلماء التجريبيين، بل ومن اقطاب الحركة فيه، فهم يؤمنون بالله ايماناً لا ريبة فيه، ومنهم من يؤمن بالدين وبالخلق ايماناً لا مداجاة معه، وهم يعتزون بايمانهم ويجهرون به ويذكرون مثبتاته، واعترافاتهم بذلك مشهورة مذكورة.

اخذ العلم نفسه بهذه الطريقة في اثبات النتائج فتقدم تقدمه المطرد، وانتج نتائجه المدهشة، وفاز فوزه العظيم.

وافرط بعض الناس فاستمسكوا بهذه الطريقة ذاتها لاثبات كل شيء، فانكروا وجود ما لم يدركه الحس ولم تنله التجربة ولم تبلغه الملاحظة.

انكروا وجود شيء وراء المادة، لأن الآلات والملاحظات والتجارب لا تصل اليه. وما لم يصل اليه الحس والآلات والتجارب فهومعدوم واذن فما وراء المادة كله وهم وخداع. واذن فالله والدين والخلق وما يتبع ذلك وما ينتظم بسلكه كله وهم وخداع. هكذا اوصلهم الاستنتاج.

وهي بعد وليدة حقد مكين دفين.

حقد مكين على الكنيسة. وعلى رجال الدين الذي ارتكبوا الشطط في العصور الوسطى. وانتهجوا العسف، وتحكموا في رقاب الناس وفي دمائهم وفي اموالهم. وفي علومهم ومعارفهم. وحموا الاقطاع. ومكنوا لاستبعاد الضعفاء. وحاربوا العلم وشلوا المواهب. ونكلوا بأولي النبوغ من العلماء المفكرين. وفتكوا بأحرارهم. والتأريخ مليء بسوءآت هذه الفترة الظالمة المظلمة.

وكان من رد الفعل على هذه الاجراءات القاسية ان ينبذ الناس قول الكنيسة وإلهها ودينها ومعارفها. وكلما تدعو اليه وتؤمن به وتكدح في سبيله. ان يحاربوا الكنيسة في كل ما تعتقد وتقول به وترمي اليه.

وساعد هذا الحقد على الثورة. ومكن لتأثيره وانتشاره ما تحتويه معارف الكنيسة من التهافت. وما يتضمنه تشريعها من العسف. كانت الثورة الكبرى في القرن الثامن عشر. ثم كان من توابع ذلك ان رفض الناس هناك كل دين وكل ما يمت الى الدين.

والنظرة المادية للكون وليدة ذلك الغلو المفرط وهذا الحقد الثائر فلا ينتظر منها انصاف ولا اعتدال.



-----------------------------------

[1] يونس: 108.



وليس موضع الغرابة ان يستمسك بها غربي شهد ذلك العسف وقاسى آلامه ولمس آثاره، ولكن موضع الغرابة ان يستمسك بها ويدعو اليها مسلم ايقن بنبوة محمد (ص) وصدق بكتابه وآمن بشريعته، فكيف التوافق بين ذلك وكيف الانسجام؟!.

انها نظرة ملحدة، والقائلون بها من الغرب لا ينكرون منها هذه الصفة، بل ويجهرون بها عند نقد الأديان والأخلاق.

اما اصحابنا المسلمون الذين يرددون اصداء الهاتفين بها من سواهم فاكر المحامل رفقاً بهم انهم يجهلون.

ـ 11 ـ

وتبعاً للنظرة المادية الآنف ذكرها، التي طغت على الغرب وفسر بها الحياة وارجع اليها عللها وغاياتها، واقام العلاقات الاجتماعية عليها فماذا ينتظر لعلاقة الرجل بالمرأة اكثر من ان تكون علاقة ذكروة وانوثة يجتمعان لحاجة يفترقان عند انقضائها؟ ما ينتظر لها ان تكون اكثر من علاقة حيوان بحيوانة، لا ينشدان وراء المتعة الموقتة شيئاً، ولا ينظر احدهما الى الآخر إلا انه موضع الاستجابة لفاقته الجنسية.

واذا استظلا معاً تحت سقف واحد او استكنا بين جدران منزل واحد فانما يقصدان بذلك ان يمهدا مكاناً معيناً لقضاء تلك اللبانة.

وما علاقة امرأة ورجل لا تفتقر اليه إلا في هذه الناحية، وما علاقة رجل بامرأة لا يضطر اليها إلا في قضاء هذه المتعة؟

إن الرجل يجد مئات او الوفاً من النساء يفين له بهذه الضرورة اذا شاء، وان المرأة تجد كذلك مئات او الوفاً من الرجال يقومون لها بسداد هذه الفاقة اذا شاءت، فلماذا يتقيدان بشخص معين ويرتبطان بصلة معينة؟.

وان الانطلاق يوفر لهما اللذاذة ويضاعف لهما المتعة، ويعفيهما من التبعات.

اما عبء المعيشة فقد استقل كل واحد منهما عن صاحبه بالعمل وبالانتاج وبالنفقة، ولم يعد محتاجا اليه بشيء من ذلك، واما بناء الأسرة فما الحاجة اليه بعد ان امكن قيام المجتمع من آحاد متفرقة، فالكل للأمة والكل للدولة، والكل للوطن الجامع العام، واما غريزة الأمومة وغريزة الأبوة فما قيمتها بعد ان تغيرت الموازين وانقلبت المقاييس، وموانع الحمل ومسقطات الأجنة هي المفزع الذي يريح من كل اولئك.

واذا الحت غريزة الأمومة وغريزة الأبوة إلحاحهما الشديد، وضايقتا الأبوين مضايقتهما العنيدة فلا حرج في ان تحمل الأنثى ثم تعهد بالطفل بعد وضعه الى المحاضن والمراضع.

اما الامور والآثار الأخرى التي يتحدث عنها المثاليون من اهل العواطف، فقد تبدلت جميعاً بتبدل القيم وزالت بزوال التقاليد، وذهبت بذهاب الدين والشرائع والأخلاق.

ماذا ينتظر لعلاقة الرجل والمرأة تحت ظل تلك النظرة ان تكون اكثر من ذلك؟.

وماذا ينتظر للمرأة نفسها تحت ظل تلك النظرة وتحت ظل تلك العلاقة غير ان تندفع الى الميادين التي يندفع اليها الرجل هناك؟.

الى الميادين كافة كافة، ما يجمل ذكره وما لا يجمل.

والنتائج التي تترتب على هذا الاندفاع كلها لا ضير فيها ولا غضاضة، ما دامت تثمر المادة أو تثمر اللذاذة او تثمرهما معاً وما دامت المساواة بين المرأة والرجل يجب ان تكون تامة من كل وجه، وما دامت الحرية يجب ان تكون مطلقة في كل سبيل !!.

وفي وصف هذه الظاهرة، وفي بيان مدى تغلغلها في نفوس الغربيين يقول الاستاذ ابو الأعلى المودودي في كتابه الحجاب ص 155:

«سبعة او ثمانية في الألف هو معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون في فرنسا اليوم، ولك ان تقدر من هذا المعدل المنخفض كثرة النفوس التي لا تتزوج من اهاليها، ثم هذا النزر القليل من الذين يعقدون الزواج قل فيهم من ينوون به التحصن والتزام المعيشة البرة الصالحة، بل هم يقصدون به كل غرض سوى هذا الغرض، حتى انه كثيراً ما يكون من مقاصد زواجهم ان يحللوا به الولد النغل الذي قد ولدته المرأة قبل النكاح ويتخذوه لهم ولداً شرعياً»، ثم نقل عن العالم الاجتماعي الفرنسي (بول بيورو) ان ذلك قد اصبح من العادات الجارية في طبقة العاملين في فرنسا.

وفي ص 94 من كتاب الحجاب ايضاً يحدثنا عن العالم الفرنسي الآنف الذكر انه: «قد عاد من الهين المعتاد في (برغندي) و(بون) وغيرهما من الأقاليم ان تكون الفتاة قد عاشرت عدة من الأخدان قبل زفافها، ثم لا تجد في نفسها حرجاً من حكاية قصة حياتها الماضية لخاطبها عند الزواج، وكل هذا الفجور منها لا يثير سخطاً او كراهية حتى في اقاربها الأدنين، بل هم يخوضون في احاديث غرامها بانبساط، كأني بهم يتحدثون عن لعبة رياضية او شغل تجاري، واذا كان موعد النكاح ودخل الزوج الذي يكون عارفا لا بحياة عروسه السابقة فحسب، بل بأخدانها الذين قد بقوا يتمتعون بجسدها الى تلك الآونة ايضاً، فانه يحاول جهده، الا يبدو منه ما يوهم الناس ان بنفسه كدراً في شيء مما يعلم من مشاغل عروسه الماضية».

ويقول عنه ايضاً في ص 117: «ان زنا المحصنات والمحصنين لا يعد من العيب او اللوم في فرنسا، فاذا كان احد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته، فلا يرى لاخفاء الأمر من لزوم، وبعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال».

وعن كتاب تاريخ الفحشاء للكاتب الانجليزي (جورج رائيلي اسكات): «ولا تزال تكثر النساء اللاتي يزاولن العلاقات الجنسية قبل الزواج من غير ما تحرج، وفي حكم النادر والشاذ وجود الابكار اللاتي يكن في الحقيقة والواقع ابكاراً عندما يعقدون النكاح عقد الوفاء الأبدي امام منبر الكنيسة».

ويذكر الكاتب الأسباب التي افضت بأحوال المجتمع الى هذا الحد، فيعد من هذه الاسباب الولوع الفاحش بالتبرج الذي قد بعث في نفس كل فتاة اشد الحرص على الازياء الفاتنة من احدث الطرز، ثم حرية النساء المطلقة، فقد بلغ من ضعف رعاية الآباء ورقابتهم لبناتهم ان قد تهيأ لهن من الحرية والانطلاق ما لم يكن ميسوراً حتى للابناء قبل ثلاثين او اربعين عاماً، ثم تهافت النساء على الأشغال التجارية ووظائف المكاتب والحرف المختلفة حيث يختلطن بالرجال صباح مساء. ويقول بعد ذلك: «وقد حط ذك من المستوى الخلقي في الرجال والنساء. وقلل جداً من قوة المدافعة في النساء لاعتداءات الرجال على عفتهن. ثم اطلق العلاقة الشهوانية بين الجنسين منكل القيود الخلقية. فالآن اصبحت الفتيات لا يخطر ببالهن الزواج او الحياة العفيفة الكريمة. حتى صار اللهو والمجون الذي كان يطلبه في الزمان الغابر اوغاد الناس تطلبه كل فتاة اليوم».[1]

ثم ماذا؟.

ثم يريد القارئ مني ان انقل له كل ما ترجم عن الكتاب الغربيين في هذا السبيل؟ وقد سقت له هذه الشواهد ليعرف ان علاقة المرأة بالرجل هناك لم تعد اكثر مما وصفتها له في اول الحديث.

ومنع الحمل ووأد النسل المتشران انتشاراً عظيما في تلك الربوع، اليسا شاهدين على صدق تلك الدعوى؟ على ان علاقة الرجل بالمرأة علاقة شهوة مجردة، فهما يطلبان التخلص من نتائجها، ويلتمسان له الاسباب، ويبتغيان الحيل، ويفزعان الى الطب والى عقاقيره ومستحضراته وآلاته، وهي لديهم ميسورة موفورة، تباع في كل بلدة وفي كل قرية دون أي حذر ودون أي مراقبة.

فهل علمت ان ستماءة الف نسمة ـ على الأقل ـ يمنع توليدها في فرنسا في كل سنة على ما يقدر الاخصائيون من جراء هذه العادة المتشرة في البلاد، وان اربعمائة الف جنين اخرى تسقط من بطون امهاتها[2].

وان في امريكا يسقط مليون ونصف مليون حمل على اقل التقدير في كل سنة، يقتل آلاف من الاطفال من فور ولادتهم، على ما يقول القاضي الاميركي (بن لندسي) رئيس محكمة جنايات الصبيان بدنور[3].

وان 95 في المائة من العلاقات الجنسية الحاصلة اليوم بين الرجال والنساء يحولون بينها وبين نتائجها الفطرية بتدابير منع الحمل[4] ثم لا يعد هذا العمل لديهم اجراماً يعاقب عليه القانون.

هذه علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المرأة بالرجل في ظل تلك النظرة المادية، فهل نطمع بشواهد اكثر ونتائج اكبر؟! وهل في هذا السلوك وفي هذه النتائج ما يشرف المرأة ويرفع من قدرها بل وما يشرف الرجل والمجتمع ويرفع من قدرهما؟!.

ـ 12 ـ

«ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»[5].

في هذه الآية الكريمة يذكر الله سبحانه بعض خصائص الزوجية في ظل الاسلام، وبعض اللوازم التي لا تبارحها.

سكن نفسي وطمأنينة، ثم مودة ورحمة.

سكن نفسي، واذن ففي طبيعة كل من الزوجين حنين دائب وشوق ملح واضطراب لن يقر ولن يهدأ إلا بالانضمام الى زوجة، وهذا بذاته هو منطق الفطرة ليس فيه خفاء، وليس عنه معدى، واذن فهما شطران لا تنظر لهما الحياة ولا تسعد إلا بانضمامهما وانسجامهما.

ومن ادب القرآن الغالي انه نسب السكون الى الرجال خاصة كأن القلق والذبذبة والشوق الملح الى الزوج والفاقة الشديدة الى السكن في ظله مما يختص بالرجال وحدهم، ان خفر المرأة وشدة حيائها يقتضيان ان تبعد عن هذه النسبة في الكلام المهذب البليغ، وبعد ففي هذا التعبير القرآني تلميح الى ايجابية المرأة وسلبية الرجل في هذا السبيل !.

من آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً، من انفسكم ليس من معدن آخر وليس من مقومات اخرى ولا من طباع وغرائز اخرى، من انفسكم، تشعر بشعوركم وتحس بأحاسيسكم، من انفسكم دون فارق في صفات الانسانية وخصائصها عدى ما تتقوم به انوثة الأنثى وذكورة الذكر ويميز احداهما عن الأخرى.

والآية الباهرة ان تخلق من ذات معدن الرجل وبذات مقوماته الانسانية وبنفس طباعه وغرائزه وركائزه انسانة انثى لها مقومات الانوثة واستعداداتها تناسب الانسان الذكر وتسعد بسعادته ويجد كل واحد منهما الراحة والطمأنينة والاستقرار النفسي الدائم في ظل صاحبهما.

والمودة والرحمة ثمرتان محتومتان للانسجام في الطباع والانسجام في الأخلاق.

وهذا السكن النفسي الدائم، وهذه المودة والرحمة هو المهاد الذي تنشأ فيه الأسرة ثم تنشأ وتترعرع وتنمو وتشب فيه الأطفال، من هذه الصدور العامرة بالرحمة تغتذي، ومن هذه القلوب الفعمة بالحب تنهل وترتوي، وفي هذه المحاضن الآهلة بالعطف والحنان تتربى، ومن هذه النفوس المليئة بالطهر وبالطمأنينة النفسية تقتبس، ومن هذه الطباع والخلال والأخلاق المهذبة ترث.

هذه خصائص علاقة الزوجين في ظل الاسلام، وهذا هو نتاجها المرتقب وثمراتها المرجوة في تنشئة الجيل.

واذن فصلة الزوجين في ظل الاسلام صلة وثيقة مقدسة، لها ركائزها من الفطرة، ولها روافدها من المودة والرحمة، ولها قوامها من انشاء الاسلام وصنعه، ولها قوتها ومتانتها من مدد العواطف النبيلة المهذبة وقوتها، ومن نظرة الاسلام الدائمة ورعايته المتصلة، ومن طبع الصلات ذاتها حين تكون لها هذه الوطائد والروافد.

وضروري للفتى والفتاة اللذين ينشآن في ظل الاسلام ويؤمنان برسالته ويخضعان لنظامه ويتمثلان تعاليمه ان يعدا نفسيهما لهذه الصلة، وان ينظر كل منهما في امر صاحبه قبل الدخول فيها، فللنفوس رغباتها، وللحياة ملابساتها، وللمجتمعات اوضاعها وتقاليدها، ولدين الاسلام مقاييسه وموازينه، والحجاب في المرأة والعفاف في الفتى والفتاة من ابرز تلك الموازين، ومن اغلا ما يحافظ عليه الاسلام في هذا الشأن.

ـ 13 ـ

لا يتم تكوين ابن آدم حتى تتحد خليتان وتتفاعل مادتان: [خلية الذكورة وخلية الأنوثة]، وحتى تستقر الخلية الموحدة المركبة منهما في قرارها المكين شهوراً، وحتى تبذل في تنشئتها وتطورها وصيانتها جهود كثيرة متنوعة، جهود حيوية، وجهود مادية، وجهود معنوية.

حتى تنال من الأغذية ما يؤهلها للتطور، ومن المواد الكيماوية ما يصونها عن التعفن ويحفظها عن التلف، وحتى تتناصر على تقليبها قوى، وتتعاهد على امدادها وحراستها طاقات.

وللانثى وحدها كل هذه الجهود، ومنها وحدها كل هذا البذل، ما عدى خلية واحدة تحمل دون ثقل وتوضع دون ازعاج.

ولن يسعد هذا الجنين حتى تشقى هي بولادته، ولن يعيش حتى تجهد هي بتغذيته، ولن يدب حتى تسهر هي على تربيته، ولن يترعرع حتى تحدب هي على تدليله، ولن يستقيم اوده، ولن يشتد عوده، ولن تنشط مواهبه، ولن تتزن طباعه، حتى ينهل من اخلاقها، ويرتوي من حنانها، ويفيد من عرفانها، وحتى يكتسب منها بالميراث، ويكتسب منها بالرضاع، ويكتسب بالحدب ويكتسب بالتلقين، ويكتسب بالاشارة، ويكتسب بالايحاء. ويكتسب بالاقتداء.

فالمرأة نصف المجتمع في التعداد.

والمرأة ثلاثة ارباع المجتمع في الانتاج.

والمرة كل المجتمع في التقويم والتوجيه.

ومعنى كل هذا الذي قدمناه ان الطبيعة قد حملت الأنثى وحدها خدمة بقاء النوع. ولم تحمل على الرجل من هذه الوظيفة شيئاً ولم تكلفه بجهد.

هذه وظيفة المرأة التي جعلها الله لها في الحياة. وهذه هي مهمة المرأة التي اعدها لها في التكوين. في مشاعرها الرقيقة السريعة الانفعال. وفي عاطفتها المتوثبة المرهقة الاحساس. وفي مزاجها العصبي البالغ التحمل. وفي طبيعتها الغيرية التي تسعد باشقاء نفسها لاسعاد غيرها. وفي بناء جسمها وتركيب اعضائها واعداد اجهزتها وتكوين غددها واعصابها. وفي [تكوين الانسجة ذاتها وتلقيح الجسم كله بمواد كيماوية محددة يفرزها المبيض] كما يقول الدكتور الكسيس كاريل في كتابه: «الانسان ذلك المجهول» ص 114.

وبعد فهل هذه وحدها هي الجهود التي تنفقها المرأة في هذا السبيل. في سبيل بقاء النوع وتسلسل الحياة. هل هذه وحدها هي الجهود التي تنفقها المرأة وتترك في جسدها بالغ الضعف عن احتمال سائر الأعباء؟.

والجهود البدنية والنفسية التي تؤديها في فترات الحيض. وفي مدة الحمل. وفي زمان الرضاع. والأعراض الشديدة التي تنتابها. بل ولا تكاد تفارقها في هذه الأوقات. وقد احصى العلماء والاطباء المختصون من هذه الأعراض المؤثرة الشيء الكثيرة. واقوالهم واحصاءاتهم في ذلك مشهورة منشورة.

هذه هي وظيفة المرأة التي جعلها الله لها في الحياة. وهذه هي الجهود التي تنفقها في هذا السبيل. والاسلام يقدر لها منزلتها الكريمة ويشكر لها جهدها المضاعف. ويجعل لها المقام الذي احلتها الطبيعة. ويشرع لها من الحقوق والواجبات والاحكام ما يوائم مركزها وما يواكب حياتها. وفي كتاب [من اشعة القرآن] احاديث مبسطة في ذلك فليراجعها من يطلب





-------------------------------

[1] الحجاب: للمودودي ص 141 ـ 143.

[2] الحجاب: ص 199.

[3] الحجاب: ص 40.

[4] الحجاب: ص 139.

[5] الروم: 21.



المزيد. وقد تقدم في بعض فصول هذا الكتاب ما يزيد الامر جلاءاً ووضوحاً. وقد قلت هناك واقول هنا مجدداً ومؤكداً:

ان الاسلام لم يمنع المرأة حقاً من حقوق الحياة، ولم يمنعها حقاً من حقوق الانسانية، ولم يمنع المرأة المسلمة حقاً من حقوق الاسلام، ويأفك من ينسب غير ذلك الى الاسلام ويجتزم في حق الدين العظيم وفي حق المرأة ويرتكب إثماً كبيراً.

بلى قد تقصر بالمرأة طبيعتها الانثوية في بعض المجالات أو في بعض الحالات، ولا منتدح لدين الله من ان يلاحظ الامر الواقع، لأنه انما يبني تشريعه على الضعيف ذات العبء الذي تحمله على القوي الابد، ومحال على الشريعة الجادة ان تكلف احداً ما تقتضيه طبيعة سواء.



ـ 14 ـ

ومن دعاة التبرج والاختلاط من يتخذ الهزل حجة على ما يريد.

يزعم هذا الفريق من الدعاة: ان الاختلاط بين الجنسين: الذكران والاناث، ورفع الحجاب والحواجز بينهما يوجب لهما التصريف النظيف !! وان الذكر والأنثى معاً يأمنان بذلك من الانزلاق !!.

هذه احدى حججهم لما يقولون، افتستطيع تكذيبها؟؟.

أحضر امام جائع منهوم مائدة شهية المآكل متنوعة الألوان، ودعه يتمتع برؤيتها ساعة او اكثر من ساعة لتستيقن صدق هذه الحجة التي يقيمون.

دعه يتملى بالنظر الى صحافها واحدة واحدة. ويستنشيء روائحها عرفاً عرفاً، ويتقصى الوانها لوناً لوناً، ويعدد فواكهها فاكهة فاكهة، ويعيد النظر ويستانف التعديد والاستقصاء.

دعه يمتع بصره وحواسه كذلك ساعة أو ساعتين ثم سله ألا يزال جائعاً بعد؟ الم يملأ عينيه بالنظر وانفه بالعطر، وذهنه بالتعداد وبالتصور ونفسه بالمتعة، فكيف تبقى جوعته بحالها؟.

ان متعة العين بالنظر الشهي ومتعة السمع بالحديث الملذ ومتعة الحواس الأخرى بالمدركات الجميلة المحببة لن تسد نهمة الجنس ولا جوعة المعدة يا اساتذة، ومن يدعي غير هذا فانما يكذب نفسه وتكذبه البداهة من كل عقل.

وانا اعلم ان المتعة الجنسية متعددة الطرق متنوعة الاساليب، وان الاجتماع بالانثى ونظرة الغزل اليها والانصات الممتع الى حديثها بعض هذه الطرق التي تنطل بها الغريزة، اعلم ذلك جيداً، ولكنني اعلم جيداً كذلك ويعلم القراء معي ان الهدف الاكبر للغريزة امر وراء هذه الصغريات، ونعلم جيداً ايضاً ان الهدف الاقصى للغريزة اذا لم يتحقق فكل هدف دونه عندها هباء.

ونعلم اخيراً ان هذه الاهداف الصغيرة محرضات ومغريات، فكلما تكرر الاجتماع وتنوع الغزل تمردت الغريزة، وعظم خطبها وازداد سعارها. وطلبت المدد وطلبت المزيد.

واذن فمتى يكون التصريف النظيف؟.

ومتى يتحقق الامن من الانزلاق؟.

لعل هؤلاء يتوهمون انها شحنة من الطاقة محدودة القدر محدودة المدد. فاذا صرفت بالحديث وبالغزل قل ضغطها وتقاصر الحاحها وتناهى امرها. غير ان الواقع شيء وراء هذا الذي يتوهمون.

ان الغريزة تلح دون فترة. وان الغدد الجنسية تفرز دون انقطاع. ولا سكون لها إلا بالاستجابة الكاملة. واذا سكنت فالى عودة قريبة. نم والى نشاط اكبر والى دعوة اقوى، فقد مرنت الغريزة. ومرنت الاعصاب. ومرنت الارادة. وقوي الدافع وضعف الوازع.

هذا هو الواقع الذي لا يجهلون.

وهذه الكلمة قالها الغربيون اول مرة. وهم يريدون من التصريف النظيف ان تعبر الغريزة الجنسية عن ذاتها تعبيراً صريحاً كاملا، دون مواربة ودون كبت ودون خفاء. وقد صرح بهذا احد الاساتذة في الجامعات الغربية لتلميذ من اهل الشرق سأله عن الاختلاط العجيب الذي وجده في الجامعة. [وكان التلميذ: (الدكتور) شرقياً متزمتاً على ما يقول] قال له ذلك الاستاذ:

«اننا اذا منعنا طلابنا وطالباتنا عن الاختلاط المكشوف لجأوا الى الاختلاط المستور بعيداً عنا، في جو ملؤه الريبة والاغراء».

«اننا إذ نعترف بما في الطبيعة البشرية من قوى ونهيئ لها ما ينفس عنها في جو من البراءة والطمأنينة نكون بذلك قد وقينا الانسان من مزالق الشطط ومغريات الخفاء».

هذا هو ما اراده الغربيون من معنى التصريف النظيف: التصريف الصريح الذي لا حذر فيه ولا اختفاء ولا كبت، واذا لم يكن بد من السفور، واذا لم يكن وجود حقيقي للاله وللدين وللاخلاق، كان ما يقولونه منطقياً لا معدى عنه.

اما الشرقيون فاخذوا الكلمة وابدلوا معناها، فقالوا ـ وحديثهم مع الشرقيين ـ ومع المسلمين: الاختلاط يوجب التصريف النظيف، ويؤمن الذكر والأنثى من الانزلاق، والشرقيون والمسلمون يفهمون من النظافة معنى الطهر والنزاهة، ويعرفون من الانزلاق التعدي عن الحد المشروع، اخذوا الكلمة وارادوا منها هذا المعنى فوقعوا في التناقض من حيث لا يشعرون.

ان القيم لدى صنف من الناس حصيلة ما تعارف عليه المجتمع في دور من حياته، او في ادوار منها، مما شاع فيه من عادات او فشى فيه من صفات، ولذلك فالقيم عندهم مجموعة من التقاليد الاجتماعية. وبدهي ان التقاليد الاجتماعية لا شمول لها ولا دوام.

فاذا تغيرت مجاري الحياة، واهم مجاري الحياة، بالطبع، هي اساليب الشهوة في عرف هؤلاء السادة، اذا تغيرت هذه وجب ان تتغير القيم وان تستبدل مكانها ما هو اكثر مواءمة واشد انطباقا.

وهذا رأي ادنى ما فيه انه خلط شائن بين القيم والتقاليد. القيم صفات مهذبة تقررها موازين الاخلاق، ثم ترتفع بشانها حتى تكاد تكسبها صبغة اليقين، فهي ـ من اجل ذلك ـ امور ثابتة لا تتغير، او هي كالثابة في بطوء الزوال.

وموازين الخلق وان اختلفت فيها آراء علماء الأخلاق، إلا انها لا تتخالف ما بينها في النتائج مخالفة النقيض للنقيض او الضد للضد، وخصوصاً في الصفات الرفيعة التي اوشكت ان ترتفع الى ذروة اليقين.

اما التقاليد فانها عمال او مظاهر او صفات تفشوا في المجتمع وتتغلغل بين افراده حتى تنال فيه صبغة العموم، وحتى يعود المحيط الاجتماعي حارساً لها ورقيباً على تنفيذها.

ومنشأ التقاليد قد يكون وهماً سخيفا من الأوهام، وقد يكون رأياً سديداً من الآراء، كما قد يكون قيمة رفيعة من القيم او ديناً حقاً من الاديان، او مزيجاً من حق وباطل ومن رشد وغي.

وعلي اية حال فليس الكذب ـ مثلا ـ في عداد القيم، ولن يطمع احد ان يجعله منها في يوم من الايام، وان شاع في المجتمع وارتفع عنه الحرج وكثر التندر به والاصرار عليه، بل وان فشت بين افراد المجتمع قولة ذلك الكاذب: الالتزام بالصدق في القول ينشا من ضعف النفس في الانسان.

وليس الانطلاق مع الشهوات من القيم كذلك، ولن يدخل في عدادها البتة، وان تغلغل في المجتمع وضربت جذوره وتوفرت سبله، وان حاول دعاة الانطلاق ان يستخدموا له الفكر وان يستبيحوه باسم العلم.

وليست الميوعة ولا التفكك الخلقي من القيم ابداً، وان تغنى به مائعون وصفق له متفككون، وان ذكروا التحضر والتحرر في اسانيده وزوقوا العبارات في تأييده.

اما ان الاختلاط بين الجنسين يوجب لهما التصريف النظيف، وان الذكر والانثى يأمنان بذلك عن الانزلاق، اما هذه الدعوى فبرهان الصدق عليها ما نقلناه للقارئ قبل صفحات عن مآسي الاختلاط في الغرب والدنيا الجديدة ! وما سننقله له فيما يأتي من احصاءات واعترافات ! وكل اولئك حقائق واقعة ثابتة، دونها كتاب وعلماء غربيون مشهورون، لا يرسلون القول جزافاً ولا يحكمون بغير علم، وقد كتبوا ذلك للتأريخ وكتبوه للاحصاء وكتبوه للنقد وابتغاء العلاج.

ـ 15 ـ

ويقولون: حجاب المرأة وحجرها عن الرجال تنشأ منه عادة الانحراف الجنسي في الرجل والمرأة معاً، [فقد دلت القرائن على ان المجتمع الذي يشتد فيه حجاب المراة يكثر فيه في نفس الوقت الانحراف الجنسي من لواط وسحاق وما اشبه]، ويدللون على قولهم هذا بأن الرجل ميال بطبيعته نحو المرأة، والمرأة كذلك ميالة نحو الرجل، فاذا منعنا هذه الطبيعة من الوصول الى هدفها بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً الى السعي نحوه في طريق منحرف.

انظر، انظر، ثم احكم ان شئت غير متهم:

اهذه دعوة الى السفور فحسب: الى السفور المحتشم الذي يزعمون، ام الى الانطلاق الكامل في الغريزة الجنسية والى رفع كل قيد لها وكل حجاب عنها؟! وهو احتجاج على حجاب المرأة ام لوجوب بذلها للرجل في كل منحى وفي كل اتجاه؟!.

ان لجوء الطبيعة الى الطريق المنحرف اضطراراً انما يكون اذا اوصد الباب مطلقاً دون الطريق المستقيم، اذا اوصد الباب مطلقاً في وجه الرجل فلم يستطع ان يصل الى المرأة ابداً بطريق معين مشروع، واوصد الباب كذلك في وجه المرأة فلم تستطع ان تصل الى الرجل بوجه ولا بسبيل.

ان الطبيعة القوية المتدفعة فيهما تروم التنفيس، والتيار اذا سدت دونه المجاري طغى على المرتفعات.

اذا اعترفت الشريعة لهما بهذه الضرورة، وقررت لهما الحق في الاستجابة لها، بل واوجبت ذلك عليهما في بعض الاحوال، وعينت لهما الوجه الذي يقضيان به هذا الحق، وحددت السبيل الذي يستجيبان فيه لهذه الطبيعة، فما وجه الشذوذ الجنسي بعد ذلك، وما سبب الاضطرار الى الطريق المنحرف؟!.

ما وجه ذلك وما سببه غير ان يراد لهما الانطلاق الكامل في الشهوة ورفع كل قيد عنها وكل حجاب؟ واحاديث الشهوة المنطلقة لا ينتظر ان يؤيدها علم ولا ان يعترف بها عقل ولا ان يقرها دين.

ومنطق الحجة التي يذكرها هذا القائل انه لا بد من الانطلاق لا الى حد في طبيعة الانسان، فاذا لم يتهيأ لها ذلك بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً الى الانحراف له وإلا فما وجه الانحراف اذا حددت للجنسين سبل شرعية خاصة للتصريف النظيف؟ وما وجه الاضطرار الى ان تلقي المرأة حجابها وتختلط اختلاطاً كاملا بالرجال؟.

وواضح ان هذا المنطق المشوة لا يعرتف به علم، وان ذكر هذا القائل ان ذلك طبيعة اجتماعية، وكأنه يؤمي الى انه من مقررات علم الاجتماع.

قد يقرر علم الاجتماع، وقد يقرر علم النفس ان منع أي غريزة في الانسان واي طبيعة اصيلة فيه عن الوصول الى هدفها بالطريق المستقيم يلجئها الى السعي نحوه بطريق منحرف، ولكنه لن يقول مطلقا ان الانحراف طبيعة اجتماعية لا بد من ظهورها في كل بلد تحجب فيه النساء عن الرجال، على ان يراد هذا النوع من الحجاب الذي يقرره الاسلام.

اما اذا تطرقت بعض المجتمعات وتجاوزت الحد الذي وضعه الاسلام في هذا الشأن، فمنعت المرأة ان تقترب من الرجل مطلقاً ومنعت الرجل ان يقترب من المرأة كذلك، وكتبت على اهلها الرهبانية العامة فلا زواج ولا اقتران، او شددت امر النكاح بغلاء المهور مثلا حتى عز على الكثرة الغالبة من الناس، فلا بد من ظهور هذه النتائج وامثالها من الموبقات.

وعلى أي حال فالدليل المتقدم لا يقوم حجة لمنع الحجاب.

ـ 16 ـ

ويقولون: ان الاختلاط بين الجنسين ورفع الحواجز والموانع بينهما يرفع عنهما الكبت والعقد النفسية الكثيرة التي تحدث بسببه.

والاختلاط الذي يذكرونه وينعتونه بهذه النعوت قد يعنون به ما يلازم الانطلاق وراء الشهوة دون قيد ولا مانع، وهو بهذا المعنى مما يزيل الكبت بلا ريب، واي مبتغى للغريزة اكثر من ان تلفي مطاليبها موفرة في كل مكان ميسرة في كل سبيل دون حوج ولا حذر، وما وجه الكبت اذا تهيا لها جميع ذلك؟.

ولكن لنتسائل جادين: ما شأن المجتمع الذي تشيع فيه هذه الموبقات في بناء المعالي؟ وما منزلته بين المجتمعات التي تتسابق الى المجد؟ ولنترك مسألة الاسلام عن رأيه فيه، فان رأي الاسلام في امثال هذا المجتمع مشهور معلوم.

وقد يريدون الاختلاط الذي يستمك المختلطون فيه بأهداب العفة، اذا صح هذا الفرض وامكن لهم تجريد الاختلاط عن نتائجه الطبيعية المحتومة، اقول: قد يريدون من الاختلاط ان يجتمع الفتى بالفتاة يتبادلان النظر والحديث، ويتزاملان في الدرس والعمل، ويترافقان في الشارع والمنتزه، ثم لا يتجاوزان هذه الحدود، ولا ينحرفان بهذه الغايات، والمسألة التي يجب التفكير فيها ـ اذا صح مثل هذا الفرض ـ ثم يجب الجواب عنها هي انه: كيف يكون هذا الاختلاط مانعاً للكبت؟.

ان الغريزة صريحة في ابتغاء هدفها دون خفاء ودون التواء. واذا التوت فهي انما تنشد بالتوائها سبيلا جديداً يفضي بها الى غايتها الأصيلة. ومتى منعت من هدفها الاقصى ومتى حيل بينها وبين التعبير الصريح عنه. ومتى اكتملت سائر المؤثرات الأخرى التي يشترطها علماء النفس كان الكبت الذي يحذرونه وكانت العقد النفسية التي تتبعه. والأعراض الشديدة التي تحدث بسببه.

والاختلاط حتى في حدوده تلك لن يخلو من دعوة وتحريض. ولن يخلو من فتنة واثارة ما دامت غريزة ابن آدم هي غريزته. اما التصريف النظيف فقد علمنا مبلغه من الصحة.

وبعد: فلنقل كما يقولون: الاختلاط بين الجنسين يرفع عنهما الكبت. فما يعني هذا القول وما ينتج؟

هل يعني ان الحجاب يورث الكبت لنقول بمنعه من هذا الطريق؟.

الكبت؟.

ومتى حرم الاسلام على الغريزة ان تعبر عن ذاتها ليحدث هذا الكبت؟.

ومتى حتم على نفس الانسان ان لا تشعر بهذا الشعور وان تستقذره في باطنها ليرتد ذلك عقدة نفسية في منطقة [اللاشعور]؟ اليس هذا هو الشرط الأساس لحدوث الكبت كما يقول العلماء النفسانيون؟.

وما صنعه الاسلام انما هو تعيين السبيل الذي يجوز ان تنطلق فيه الغريزة وتحديد الوجه الذي يصح ان تصرف فيه الطاقة.

انما هو التنظيم لأعمال الغريزة والتحديد لحركاتها وتمرين النفس على ضبط اهوائها. وفرض سيطرتها وسلطانها. والفارق كبير جداً بين كبت الغريزة ومنعها من حقها الفطري المشروع وبين تعيين السبيل لانطلاقها وتحديد المنهج لأعمالها.

ـ 17 ـ

ويقولون: رفع الحجاب عن المرأة وخروجها مع الرجل الى ساحات العمل يوجب مضاعفة الايدي العاملة والاذهان المنتجة. وذلك يوجب مضاعفة اسباب المعيشة ومعطيات الثروة. ويتضاعف من اجل ذلك الرصيد الاقتصادي في المجتمع. ويتهيأ للأمة من موجبات العمران والتقدم في ميادين الحضارة. ويتسنى لها من اسباب القوة والتمدن ضعف ما كان يتيسر لها قبل رفع الحجاب وقبل اشراك المرأة مع الرجل في ميادين العمل.

اما الحجاب فانه يعطل نصف الأمة عن العمل والانتاج ويئد نصف مواهبها.

وهذه الحجة مقتطعة عن النظرة المادية التي اسلفنا الحديث عنها في فصل تسلسل (10). عن النظرة المادية في الكون التي دان لها الغرب. واندفع معها في كل سلوكه ومعتقداته ونظمه واعماله وصلاته. وقد تبينا هناك مواضع الضعف فيها فليرجع القارئ الى ذلك البحث اذا شاء.

وهذه الحجة مبتنية كذلك على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل مجال، وقد تقدم البحث عن هذه الفكرة في فصل تسلسل (9) ولا موجب للتكرار.

وبعد فالانسان في نظر الفطرة وفي نظر العقل وفي نظر الاسلام دين الفطرة والعقل متعدد الجوانب متكثر النواحي، والمادة احدى الجوانب الكثيرة التي يتقوم منها كيانه وتقوم بها حياته والاقتصاد احدى النواحي الخطيرة التي يتوقف عليها بقاؤه ويتكيف ويتطور بتأثيرها اجتماعه.

ولكن في الانسان جوانب اخرى لا يسوغ ان تغفل، وتأثيرها في الحياة وتأثيرها في بناء المجتمع وفي تكييفه وتطويره لا يقل عن تأثير الاقتصاد، والعفة والاتزان في الغريزة الجنسية والاعتدال في مطاليبها وتحديد طرق الاستجابة لها من اهم هذه النواحي المؤثرة في الحياة، وفي بناء المجتمع وتطويره، فلا بد من النظر فيها، ولا بد من ايتائها ما تستحقه من العناية والتقدير، ولا بد من وضع الضمانات القانونية لصيانتها في المجتمع وتثبيتها بين طبقاته وفي نفوس افراده، والحجاب من اوثق ما تضمن به هذه الفضيلة وتصان به حدودها.

ومشاطرة المرأة للرجل في بناء الكيان الاجتماعي للامة، وفي مضاعفة الايدي والطاقات والاذهان العاملة، وفي توفير اسباب المعيشة الرضية، وفي تهيئة موجبات العمران والتقدم في ميادين الحضارة، وتوفير اسباب القوة والتمدن، اقول: ومشاطرة المرأة للرجل في كل اولئك لا تتوقف على رفع الحجاب ولا على الاختلاط بالرجال وعلى اخراجها الى ساحات العمل.

وقد اعدتها القدرة الخالقة المدبرة للشطر الذي تختص به من الاعباء واعدت له مواهبها، وقد فصلت هذا فيما تقدم، وعلى المجتمع وعلى الحكومة التي ترأس الأمة ان تكمل اعداد المرأة لذلك بالثقافة الصحيحة وبالعلم المجدي، لتقوم بوظيفتها افضل قيام وتستثمر مواهبها خير استثمار.

وعلى أي حال فان الحجاب الذي فرضه الاسلام لم يعطل نصف الأمة عن الانتاج كما قالوا: ولم يئد نصف مواهبها. فقد وجه الاسلام هذا النصف من الأمة وجهته الطبيعية الصحيحة. ولكن ماذا يصنع الاسلام لاتباعه اذا هم لم يحسنوا استثمار هذا التوجيه ولم يفيدوا من هذا الاعداد؟.



واذا رغبت المرأة في ان تعمل، واذا احبت ان تساند زوجها في حقل الاقتصاد وتشاركه في احتمال اعباء المعيشة، فاي مانع لها من ذلك ما لم تصادم بعملها ذلك حقاً من حقوق الناس، ولم تتعد حداً من حدود الله، ولم تخالف حكما من احكامه؟.

ـ 18 ـ

ويقولون: معنى فرض الحجاب على المرأة انها متهمة في سيرتها بما يخدش ويشين، وان سلوكها مما تحوم حوله الظنون، ومن اجل هذه التهمة حبست في هذا المضيق، وفرضت عليها هذه الحدود:

نعم هذا بعض ما يقولون !.

افرأيت كيف يكون الانحراف عن القصد؟!.

انها اساليب يراد منها اثارة الحفائظ، وهي بعض ذرائعهم الى ما يريدون.

لا. ان الاسلام لا يتهم المرأة ولا يتهم الرجل بما هما بريئان منه، ورسول الاسلام انزه الناس جميعاً عن هذه الخلال، وكتاب الاسلام ارفع الكتب كافة عنها، ودين الاسلام اشد الاديان واعظم القوانين حرصاً على تنزيه مجتمعه عن التهم وتجنب اتباعه مواردها.

ولكنه لا يتجاهل الواقع ولا يتغافل عنه، ويعمل العمل الذي يتطلبه ويصف العلاج الذي يقتضيه.

والضمانات والوثائق والوسائل التي وضعتها القوانين لحفظ حقوق الناس ودمائهم واموالهم، والأخرى التي تعارف عليها الناس فيما بينهم لهذه الغايات ضمانات ووثائق ووسائل عادلة مشروعة، وقد درجت عليها القوانين ودرج عليها الناس والحكام وايقنوا بعدالتها ومشروعيتها، ولم يدخل في تفسيرها انهم بهذه الضمانات يخونون الناس ويتهمونهم بأنهم جناة وسراق، ولم يدر في وهم احد من الناس ان ينقدها بهذا النقد.

انما هي احتياطات يقصد منها بالنظرة القريبة قطع الطمع فيما لو صح وجود طامع، وسد الذريعة فيما لو فرض وجود متذرع، ويراد منها بالنظرة البعيدة تنشئة المجتمع على خلق الامانة وطبعها في نفوس افراده، وتمرينهم عليها في معاملاتهم واعمالهم، وهذه بذاتها هي النظرة التي وجهها الاسلام الى العفة والى الحجاب.

ـ 19 ـ

ويقولون ايضاً: رفع الحجاب عن المرأة واشراكها مع الرجل في مهمات الامور وفي مختلف الميادين، واعدادها لذلك بالتعليم العالي والثقافة الكاملة الراقية، كل هذه قد اصبحت من متطلبات الامم التي تطمع ان تساير ركب الحياة الصاعد، ولا يمكن ان تقف دونها شريعة الاسلام السمحة السهلة المرنة، التي تماشي الحياة وتواكب الازمان.

ونحن قد نظرنا فيما تقدم من الابحاث في هذه الامور التي قالوا عنها انها من مقتضيات التقدم ومن متطلبات الامم التي تطمع ان تساير الكرب الصاعد، نظرنا فيها النظرة الجادة المستقصية، واستفتينا الفطرة واستفتينا العقل واستفتينا طبيعة المرأة واقوال علماء الأجنة وعلماء الاحياء وعلماء وظائف الاعضاء، فرأينا المرأة قد اعدت بتركيب جسدها وبتركيب خلاياها وبجميع ركائزها لوظائف خاصة معينة من وظائف النوع، ليست الوظائف الأخرى التي يقوم بها الرجال بأوفر منها في الجهد، ولا باكثر منها في التضحية، ولا بأسمى منها في المنزلة. ولا بأجدى منها للانسانية. ولا بأعود منها على الحضارة والتقدم والعمران. ولا باكثر حاجة منها الى التعليم العالي والتثقيف الرفيع.

وعلمنا ان نظرة العدل تقتضي مراعاة هذا التوجيه الطبيعي في الجنسين. فيخصص كل واحد منهما بالوظائف التي اعد لها بتكوينه. ويزود بالثقافة العالية التي تمكنه من البروز فيها والارتقاء بها. وتستغل مواهبه وطاقاته في الأعمال التي تتصل بتلك الوظائف الخاصة. وعلمنا ان هذا هو النهج القويم للارتقاء بالحياة. والمسلك المأمون المضمون الذي يجب ان يسلكه الركب الصاعد.

هكذا نظرنا، وهكذا اوصلتنا النظرة في الاستنتاج، فماذا غير ذلك؟.

غير ذلك ان تقلب الموازين وتكذب الفطرة ويكذب العقل وتكذب الطبيعة وتكذب حقائق العلم ومقرراته، وتحمل الأنثى ما لم تعد لحمله، ثم يقال هذه متطلبات ركب الحياة، ويراد من شريعة الاسلام ان تقر هذا الوضع، وتنحدر مع الركب الم


عدل سابقا من قبل علي المرشدي في السبت 15 أكتوبر 2011 - 22:49 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علي المرشدي
 
المدير العام

     المدير العام
علي المرشدي


مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  13270810
رقم العضوية : 3
العمر : 41
ذكر
عدد المساهمات : 1965
الدولة : العراق
المهنة : 12
مزاجي : مكيف
اللهم عجل لوليك الفرج و النصر والعافية برحمتك يا ارحم الراحمين
صورة mms : يافاطمة الزهراء

مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر    مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  I_icon_minitimeالسبت 15 أكتوبر 2011 - 22:37

هكذا نظرنا، وهكذا اوصلتنا النظرة في الاستنتاج، فماذا غير ذلك؟.

غير ذلك ان تقلب الموازين وتكذب الفطرة ويكذب العقل وتكذب الطبيعة وتكذب حقائق العلم ومقرراته، وتحمل الأنثى ما لم تعد لحمله، ثم يقال هذه متطلبات ركب الحياة، ويراد من شريعة الاسلام ان تقر هذا الوضع، وتنحدر مع الركب المنحدر لأنهم يسمونه الركب الصاعد !!.

ومرونة الاسلام ليست موضعاً للشك، ومواكبة شريعته للحياة والازمان ليست محلا للريبة، ولكن ليس من معاني كلمة المرونة التي يتصف بها الاسلام ان يقر الفاسد على فساده.

ـ 20 ـ

نشرت مجلة (مكولنر) الامريكية مقتطفات من تقرير عن الحمل والولادة والاجهاض في امريكا، وقد جاء فيه:

ان واحدة من كل عشر سيدات امريكيات تحمل قبل الزواج، وان حالات الحمل هذه ما لم تؤد الى زواج سريع تنتهي الى الاجهاض الصناعي بنسبة 89 في المائة، والى الولادة غير الشرعية بنسبة 6 في المائة، والى الاجهاض الطبيعي بنسبة 5 في المائة.

واضاف التقرير ان من بين جميع النساء الامريكيات اللاتي على قيد الحياة الأن وتقع اعمارهن في الفترة الصالحة للحمل، من بين هؤلاء جميعاً واحدة في كل سبع تعرضت او ستتعرض لاجهاض صناعي قبل الزواج، وان معظم السيدات غير المتزوجات اللاتي يعرضن للاجهاض يباشرن العلاقات الجنسية بعد ذلك، ولا يتوقف منهن عن ممارستها سوى 3 في المائة، وان 19 في المائة فقط من السيدات اللاتي يحملن قبل الزواج يتزوجن اثناء الحمل، ولكن نصف هذه الزيجات يمنى بالفشل، وانه كلما كانت المرأة متدينة كلما كانت اقل تعرضاً للحمل قبل الزواج.

قرأت هذا الاحصاء الخطر المفزع في العدد السابع من السنة الثامنة من مجلة (المسلم) المصرية، وقرأته كذلك في العدد الرابع من السنة العاشرة من مجلة (رسالة الاسلام)، وقرأت في المصدر الأول.

اذاعت وكالة رويتر هذه البرقية: حاول طلبة جامعة جورجيا الامريكية اقتحام عنابر النوم الخاصة بالطالبات للمرة الثانية، وقد اعترض البوليس طريقهم، فثاروا وقاموا بمظاهرة. نعم وفي المجلة ذاتها وفي العدد نفسه نبأ ثالث لا استحب ذكره، لأنه امض الماً وانكى جرحاً !.

وفي العدد السادس من سنتها المذكورة: تبين الاحصاءات الامريكية الرسمية ان عدد الجرائم الخلقية اليومية لا تقل عن (7662) جريمة يومياً (طبعاً نتيجة للاختلاط) وهذه الكلمة هي تعليق المجلة على الاحصاء المذكور.

وفي جريدة الشعب المصرية في عددها الصادر في 26/9/1958 تحت عنوان (نقطة بوليس لكل مدرسة في نيويورك): زادت موجة الانحلال في امريكا بصورة مفزعة.. اصبحت المدارس والمعاهد مرتعاً خصيباً للشذوذ الجنسي. تحول التلاميذ والتلميذات الى مدمني خمر وسفاكي دماء !! المسدسات والمدي والسكاكين في جيوب الطلبة، وعلب السجاير واقراص منع الحمل في حقائب الطالبات. ولم يعد الأمر يحتمل السكوت. ولذلك قامت احدى الهيئات القضائية ببحث جرائم طلاب المدارس في نيويورك واوصت بتعيين رجل من رجال البوليس في كل مدرسة بصفة مستديمة للحد من نشاط عصابات الطلبة المتشرة في المدارس. وقد ابدى بعض رجال القضاء مخاوفهم من احتمال انسياق رجل البوليس مع الطلاب والطالبات في صخبهم الذي لا يعترف بالحدود.

وقرأت في كتاب الحجاب للاستاذ ابي الأعلى المودودي ص 125.

جاء في تقرير طبيب من مدينة (بالتي مور): انه قد رفع الى المحاكم في تلك المدينة اكثر من الف مرافعة في سنة واحدة، كلها في ارتكاب الفاحشة مع صبايا دون الثانية عشرة من العمر.

وفي كتاب الحجاب صفحة 128: ومما يخمنه القاضي (لندسي) الاميركي ان خمساً واربعين في الماءة من فتيات المدارس بدنسن اعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية، فيكتب ـ يعني القاضي بن لندسي ـ: «ان طالباً في مدرسة ثانوية تكون عواطفه دون عواطف الطالبة شدة والتهابا، فالصبية هي التي تقدم ابداً وتأمر. وما يفعل الصبي إلا ان يتبع ويأتمر».

وفي المصدر ذاته ص 132: ويقول كاتب اصلاحي شهير: «ان ثلث الطبقة المتزوجة في نيويورك لا يلتزمون الوفاء في تبعاتهم الزوجية مما يتعلق بأخلاقهم واجسادهم، ولا تختلف حال نيويورك في هذا الباب عن المدن الأخرى».

وفي ص 133 من الكتاب نفسه: ويعلم من دائرة المعارف البريطانية انه يعالج في المستشفيات الرسمية هناك (القطر الاميركي) مائتا الف مريض بالزهري، ومائة وستون الف مصاب بالسيلان البني في كل سنة، بالمعدل، وقد اختص بهذه الأمراض الجنسية وحدها ستمائة وخمسون مستشفى على انه يفوق هذه المستشفيات الرسمية نتاج الاطباء غير الرسميين الذين يراجعهم 61 في المائة من مرضى الزهري و89 في المائة من مرضى السيلان[1].

وفي صفحة 101 من كتاب (علم النفس الجنسي) تأليف الاستاذ (اوسفلد شفارتس) العالم النمساوي الشهير، وتعريب شعبان بركات، عن مقال نشرته مجلة (لانست): يبلغ عدد النساء اللواتي حملن (بين عامي 1938 ـ 1943) من علاقة عدا علاقة الزواج (80000) امرأة بمعدل الثلث في اول حمل، ويمكننا ان نقول: ان لامرأة من كل عشرة نساء علاقة جنسية خارج الزواج، ولقد كانت في عام 1938 (40 في المائة) من الفتيات اللواتي تزوجن قبل سن العشرين حاملات، و30 في المائة من اللواتي تزوجن في سن الواحدة والعشرين، ولا تمثل هذه الأرقام التي تتعلق بسنتين من سنوات قبل الحرب إلا عدد العلاقات التي تؤدي الى الحمل، وهي نسبة صغيرة بالنسبة للعلاقات القائمة فعلياً، ولا شك انه كان بامكان التربية الجنسية الصحيحة ان تحول دون ولادة عدد صخم من الـ 480000 طفل الذين ولدوا بالرغم من ارادة آبائهم.

وفي جريدة الشعب المصرية في عددها الصادر في 29/6/1958: وقت الغروب في شارع سبورتج في لندن ترى الفتى والفتاة يسيران جنباً الى جنب، وقد تشابكت الأيدي … ولكن مارلين الفتاة الحسناء التي لم يبلغ عمرها خمسة عشر عاماً، وهي طالبة بمدرسة لاسان الثانوية، شوهدت مع تشارلز الذي لم يبلغ من عمره سبعة عشر عاماً في وضع فاضح … اقتيد الفتى والفتاة الى مركز البوليس ثم الى محكمة الاحداث.

قالت الفتاة للقاضي: انها لم تفعل شيئاً غريباً، ولكنها فقط ارادت ان تقض- وقتاً ممتعاً، وهي لم تأت بجديد. لقد سبق لها وزميلاتها في المدرسة المختلطة ان مررن بمثل هذه المغامرات فهي بالنسبة لهن شيء عادي. وقد سبق لها عدة اتصالات جنسية مع زملائها الطلبة وغير زملائها في اماكن مختلفة … ولم يتعجب القاضي لاعترافات الفتاة، وذلك انها لم تكن الحادثة الأولى من نوعها، بل انه ينظر في عشرات الجرائم من هذا النوع يومياً.

وقال القاضي ان هذه ظاهرة خطيرة تهدد كيان المجتمع الانجليزي. وقال: لق انتشر الانحلال والاجرام وسوء السلوك بين اوساط الطلبة والطالبات. وقدم القاضي تقريراً الى المسؤولين لكي يكونوا حذرين من نتائج هذه الجرائم، وطالبهم بالعلاج السريع، كما قدم تقريراً للمدرسة واخبرها فيه ان معظم الطالبات في المدرسة قد فقدن اعز ما تملك الفتاة.

وقرات في كتاب الاستاذ محمد الغزالي (نظرات في القرآن) في ص 193 فما بعدها (مأساة الأخلاق في السويد)، قرأت هذه الأنباء المزعة المحزنة المهددة للكيان البشري، وقرأت اضعافها في مصادر اخرى، وفي امكنة اخرى من بعض هذه المصادر، ولعل القارئ اطلع على عدد وافر منها.

تلوت هذه الأنباء ثم وقفت اتساءل:

اهذا هو ما يبتغيه لنا دعاة التبرج والاختلاط من اصحابنا؟!.

او لهذه النتائج المؤسفة يدعون ويحبذون، ويفرطون في دعوتهم ويفرطون في تجبيذهم؟!.

اما لنا في هذه التجارب التي مر بها سوانا عبرة؟! اوليس فيها ما يحملنا على ان نتأمل في الأمر قبل ان تنطلق؟! ثم تساءلت وسألت من معي:

لماذا كل هذه الاحصاءات الدقيقة وكل هذه التقارير المتنوعة وكل هذا الاهتمام البالغ من الحكومات الرسمية في بلاد الغرب وفي بلاد امريكا، ومن المعاهد المؤسسة هناك لضبط هذه النواحي، ومن المحاكم المعدة للحد من هذه الجرائم؟ بل ولماذا يدعونها جرائم ومشاكل ويرومون لها حدوداً ويطلبون لها حلولا، ويؤسسون لذلك المؤسسات ويقيمون له المحاكم؟!.

لماذا يقع كل هذا في بلاد الغرب وفي بلاد امريكا اذا كانت القيم والمعنويات تعد من الامور التافهة في تلك البلاد كما يقول دعاة التحرر عندنا؟! ثم لماذا تحدث هذه الجرائم الخلقية هناك، ويكون صدورها بهذه الكثرة وهذا الانتشار اذا كان الاختلاط يوجب التصريف النظيف كما يزعم دعاة الاختلاط؟!.

لعل اصحابنا رقود وهم يدعون الى هذه الفضائح !.

ولعل فتياتنا غافلات عما يراد بهن وهن يصغين الى هذا الداء !.

ولعل بعضهن مخدوعات وهن يهتفن بذلك مع الهاتفين ويرجفن مع المرجفين !.

رحماك اللهم رحماك ماذا يريدون بالمرأة المسكينة؟!.

انهم يخادعونها عن اكرم خلة فيها واعز شيء عليها !.

انهم يخادعونها عن حيائها وعن دينها، وعن.... عفافها !.

ـ 12 ـ

وقدة شديدة لا تخمد، ولا تعرف بذاتها الاعتدال.

في الفتى وفي الفتاة معاً، دون فارق إلا في شدة الحياء.

وعقل مراهقة لم ينضج بعد ولم يشتد ازره، ولم يصقل حداً ولم يفد تجربة.

يلتقيان، ويختلطان، ويسيران على انفراد. واحب الأحوال اليهما الانفراد ـ ويتبادلان النظر، ويتشامان العرف، ويتجاذبان الحديث. وعند كل منهما ما ينشده الآخر.

والحياء؟.

وما قدر ما يبقى الحياء؟ ان اللقاء العاشر او العشرين كفيل بأن يعفي آخر اثر من آثاره، فما مصيرهما؟.

اما الاستجابة فالانطلاق والتردي، واول ضحية من ضحاياها العفاف.

واما الكبت فالعقد والعصاب، ومن ضحاياها الفتى، اما الفتاة فهي ضحية على أي حال.

ودين الله ما موقفه من ذلك؟ وما هو صانع لهما وهو الزعيم الجدير باصلاحهما؟.

افيتركهما سدى هكذا، دون ان يزودهما بطاقة، او ينظر في امرهما بحزم، حتى اذا احس بداءة المأساة اغدق عليهما بالوصايا المحذرة ان لا ينطلقا وان لا ينزلقا؟!.

إن هذا النوع من العلاج سقيم عقيم يضخم المأساة ويضاعف آثارها، ويضم الى شعبها الكثيرة شعوراً بالخطيئة واستقذاراً للنفس، وتبرماً بالحياة.

وبعد فما جدوى وصية تتآزر قوى النفس على خلافها والشباب هو الأساس المكين للرجولة الناضجة وللانوثة الصالحة المثالية، فلا بد وان ينظر في امره بجد وحزم، ولا بد وان يعمل لصلاحه بنشاط واهتمام بالغ.

ما موقف دين الله من ذلك، وما هو صانع لهما وللمجتمع من ورائهما؟ والاسلام يوقن حق اليقين ويثبت ذلك لمن يشاء ان مأساتهما هذه مأساة المجتمع كله لا تقف تبعاتها وآثارها عند حدودهما.

افليس من الحق ان يأخذ بالحيطة للامر، وان يعالج المعضلة في المنبع قبل المصب؟.

اليس من الحكمة ان يأمر الفتاة بأن تدني عليها من جلبابها لتعرف فلا تؤذي، ولا تمس كرامتها بسوء ولا تمد الى عفافها يمين ولا يسار، وان يزود الفتى والفتاة بطاقة كبيرة من العقيدة وحصانة منيعة من الايمان، ثم يأمرهما بغض البصر عما لا يحل، وبحفظ الفرج عما لا يجوز، ويحدد لهما سبلا نظيفة لسد هذه الضرورة، ويضع لهما منهجاً سوياً لتهذيب الغريزة؟.

اليس هذا هو الطريق المجدي في العلاج؟.

الطريق الذي يبتعد بالفتاة وبالفتى عن الكبت، ويؤمنهما من الانزلاق؟ ويضمن لهما وللمجتمع من ورائهما الحياة الهائنة والمعيشة الراضية.

ومن مميزات دين الاسلام انه يستبطن النفس ويتغلغل في اعماقهما، ليقتلع الداء من جذوره ويستخلص الحكم من منابعه، الأصيلة في كل طبع، الثابتة لكل انسان، حتى اذا انتزع حقائقه من هذه الأصول واقامها على هذه الاسس لم تختلف في بيئة ابداً ولم تتغير في زمان.

وهذه خاصة الاسلام التي تحدى بها قوانين الدنيا كافة فلم تستطع ان تقف امامه على قدم، ولم تملك إلا ان تلوى اعناقها له بالخضوع.

ـ 23 ـ

والانسان ـ على ما يقول العلم التجريبي الحديث ـ مجموعة ضخمة من الاجهزة والانسجة، والطباع والقوى والغرائز والمشاعر والاحاسيس والاشواق والعواطف والانفعالات، وغير ذلك مما يطول به العد ويدهش له الفكر.

وهو لهذه المجموعة الضخمة من العوامل مظهر لحركة حيوية دائبة ونشاط عملي مستمر، بحيث لن تقر له ـ ما دامت الحياة فيه ـ حركة، ولا يفتر له نشاط حتى في اوقات نومه وفي ساعات هدوئه واستجمامه.

انه يبدو للرائي في تلك الساعات ساكن الجسم هادئ الحركة، ولكن خلايا جسمه ودقائق عناصره ونشاط اجهزته، وافرازات غدده في حركة دائبة وفي جد متواصل.

فاجهزة تكوين الخلايا في جسمه تنشيء وتجدد، وقوى البناء في انسجته تؤلف وتبني، واجهزة النشاط الحيوي فيه تستهلك وتفني وقوى التطهير فيه تدفع الخلايا المحترقة وتبعد المواد الضارة.

وقد اثبت العلم ان أي عمل يقوم به الانسان. ولو كان عملا صغيراً طفيفاً. يستوجب استهلاك عدد كبير من الخلايا المتنوعة، وان عودة الجسم الى حالته الطبيعية الأولى تتوقف على ان يتجدد له مثل ما استهلك في عمله من الخلايا.

ومن المقرر الثابت كذلك، والذي لا يرتاب فيه العلماء التجريبيون ان الانسان متى اغرق في ناحية خاصة من نواحي نشاطه بحيث تجاوز حد الاعتدال فيها، فلا بد وان يبدو النقص عليه في ناحية او نواح اخرى منه.

ذلك ان اجهزة تكوين الخلايا في الانسان انما تنشيء منها بقدر.

بقدر ضرورة الانسان، وبقدر ما يستدعيه بقاؤه واستواؤه. فاذا استهلكت ناحية منه اكثر مما تستوجب، فلا محيد من ان تكون هذه الزيادة فيها على حساب نواحيه الأخرى، ولا محيد من ان يظهر النقص على هذه النواحي.

ومن المقرر الذي لا يرتابون في ثبوته ايضاً ان الافراط في الناحية الجنسية له تأثير مباشر كبير في عرقلة النشاط العقلي على الخصوص. وقد قالوا: «ان العقل يحتاج الى وجود غدد جنسية حسنة النمو، وكبت مؤقت للشهوة الجنسية حتى يستطيع ان يبلغ منتهى قوته» انظر ص 174 من كتاب [الانسان ذلك المجهول] تاليف الدكتور الكسيس كاريل العالم الفرنسي المعروف، وتعريب شفيق اسعد فريد.

كل هذا ثابت، وقد قرره العلم ولم يبق فيه مجال لريبة ولا موضع لجدل، فكان من حق الاسلام ان ينظم نشاط هذه الغريزة وان يحدد من جماحها حفظاً للتوازن في الانسان ومعادلة بين طاقاته وضروراته؟.

وكان من حق الاسلام ان يتدخل في امر الغريزة انقاذاً للقوة العقلية من الضعف، وصوناً للنشاط العقلي من التردي والانهيار؟.

كان من حقه ان يضع لهذه الغريزة الجامحة نظاماً كاملا عادلا يقيها من الكبت ويصونها عن الانطلاق، ويحفظها عن التأرجح، ليفي للمرء بجميع ضروراته ويوازن بين جميع غرائزه، وليتجه به متوازن القوى مستقيم الطباع معتدل الأخلاق والأعمال والملكات، ليتجه به كذلك وحدة متزنة مستقيمة الى كماله الأعلى في داره الأولى وفي حياته الأخرى؟ ومن احق من دين الله بهذه النظرة العادلة المستوعبة وبهذا التشريع القيم الحكيم؟.

وضروري لدين الحياة ان يقوم بهذا الاصلاح للانسان، فيؤسس احكامه على العدل، ويضبط حركاته وسكناته على التوازن، وينشئ غرائزه وجميع قواه ومشاعره على الاستقامة، فلا يؤتي ناحية من نواحيه الكثيرة ازيد مما تستحق، ولا ينقصها شيئاً مما تستوجب، ولا يدعها هملا تتخبط في امرها كما تبتغي الأهواء.

ضروري لدين الله الذي شرعه للابد ان يقوم بهذا الاصلاح الشامل، ولا بد وان تكون هذه ركائزه وهذه مميزاته.

هكذا يجب ان تكون صفة دين الله، نعم وهكذا كان، وهكذا شمل وعمم، فليس الرجل اكثر اختصاصاً به من المرأة، ولا الشيخ احق به من الشاب، ولا الفرد اولى برعايته من الأمة.

انه ضرورة ماسة للانسان تقتضيها كل جهاته وكل احواله وكل روابطه وعلائقه، فلا بد منه، ولا بد من شمول نظرته وشمول اصلاحه.





---------------------------------------

[1] نقل هذا عن ص 45 من الجزء الثالث والعشرين من دائرة المعارف.



والعدل التام في جميع انحاء الانسان وبين جميع آحاده، والموازنة الدقيقة بين ما يجب له من شيء وما يجب عليه من حق، هذا العدل المتكامل هو الغاية العظمى التي وضع الله من اجلها الدين ورسم خطوطه وشرع مناهجه [وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم][1] نعم وتلك هي التربية الحكيمة التي ارادها الله رب العالمين، وذلك هو قانون الله واضع قوانين هذا الكون وراسم انظمة هذه الحياة، وتلك هي سنته الثابتة في كل شيء مما خلق وفي كل قانون مما جعل، ولن تجد لسنة الله تبديلا[2].

وقد يفر فار من الدين، وقد يتنكر متنكر لهداياته وتعاليمه، وقد يرتاب مرتاب في امرء، ومبعث هذا التنكر وهذه الريبة جهل مطبق بمعنى الدين وضآلة علم بحقائقه، وغفلة سادرة عن مصالح يبتغيها الدين له، ومفاسد كبيرة يقيه الدين اياها.

نعم مبعث ذلك جهل وضآلة علم وركوب رأس وعبادة اهواء، وإلا فماذا غير ذلك؟.

ولو ان العاقل الحصيف فكر قليلا في شؤون نفسه وشؤون مجتمعه، ولو انه ارتفع قليلا في تفكيره عن المادة وملابساتها، وبعد بنظرته عما بين يديه من شواغل وصوارف، اقول: لو انه صنع كذلك ففكر ووازن وانصف في تفكيره وموازنته لعلم حق العلم ان الدين ـ والاسلام من بين الاديان على الخصوص ـ هو النظام الوحيد الذي يصلح له جميع ذلك، ولن يصلحه ابداً أي نظام سواه، وللموضوع مؤلفات اخري تعنى بتوضيحه وشرحه.

ـ 23 ـ

وظاهرة الحياء: الخاصة التي طبع عليها ابن آدم وانساق نحوها بجبلته، وكان لها الاثر البالغ العميق في بناء اخلاقه وفي تكييف سيرته وتلوين سلوكه، وكانت احدى خصائصه التي امتاز بها على سائر انواع الحيوان.

هذه الخاصة الفطرية التي زود بها الانسان، وكان نصيب الأنثى منها اوفر واقوى من نصيب الذكر، اليست من ركائز الانسان ودعائم سلوكه التي يجب ان تلاحظ في بناء التشريع وان تعين لها الحدود الصحيحة في تخطيط الاخلاق، وان تحدد آثارها المحمودة والمذمومة في مجال السلوك؟.

ليكن الحياء غريزة من غرائز الانسان كما يقول بعضهم: او انفعالا نفسياً من انفعالاته كما يرى آخرون. او اي شيء آخر يتعلق بنفس الانسان، فانه على أي حال شعور فطري اصيل، وله آثاره العميقة، ولا بد من ملاحظته والعناية بأمره، ولا بد من تعيين حدوده، ولا مساغ لاهماله.

اما ان الحياء ظاهرة فطرية اصيلة فهذا امر بمنتهى الجلاء، ولم يتردد فيه حتى انسان الغابات ابعد الناس اجمعين عن المدنيات وعن التأثر بها، لم يتردد حتى هذا الانسان الوحشي في معرفة الحياء وفي الاستجابة له ولو الى حد ما، وان اختلفت الاشياء والمظاهر التي تجلب له الحياء، واختلفت كذلك المواضع والمقادير التي يسترها من بدنه، والحركات والاعمال التي يستخفي بها من حركاته واعماله، والحركات والمظاهر التي يعبر بها عن حيائه.

ولو كان الحياء مما يختص به النساء وحدهن لأمكن لدعاة التبرج ـ من اجل ذلك ـ ان ينكروا انه فطرة، ولقالوا انه من التحكمات التي فرضها الرجال على النساء والزموها طبيعته على ممر العصور، ولكن الفطرة قد جعلت للرجل منه قسطاً وافراً وان يك قسط المرأة اوفر واقوى تأثيراً كما قلنا فيما تقدم.

وطبيعة العمل الذي اعد له الرجل والمهمة التي اسندت اليه في الحياة هي التي اقتضت له ان يكون نصيبه من هذه الظاهرة اقل من نصيب المرأة.

ولقد غلا بعضهم كذلك فانكر ان الحياء غريزة وانكر انه فطرة او من املاء الفطرة، وقال انه شعور مكتسب عرفه الانسان لما اعتاد التستر باللباس، وانه انما اعتاد التستر لأسباب اخرى ليس الحجاب واحداً منها.

نعم وتأثروا هذه القولة وساروا وراءها شوطاً آخر ابعد من ذلك، فقالوا ان اللباس من محركات غرزيزة الشهوة في الانسان، قال هذا بعض الكتاب من الغربيين، ولم يبعد عن الصواب، فان اللباس بعض انواع الزينة واثره في الاغراء وتحريك الغريزة محسوس ملموس.

وسمع كلمتهم هذه بعض كتابنا نحن، فراق لهم ان ينقلوها بحروفها الى الحجاب !.

الى الجلباب الذي ترتديه المسلمة المؤمنة فيسترها عن النظر المحرم.

الى الضمان القانوني الذي وضعه الاسلام للعفة !.

قال هؤلاء بدورهم: ان الحجاب من محركات الشهوة ومحرضاتها، وهو يغري الرجال بالمرأة المحجبة ويولعهم باتباع خطواتها، افرأيت اعجب من هذا التفكير؟!

وتلك هي النتائج الطبيعية والمنتظرة لحيوانية الانسان التي قال بها الغرب، ولنكران الخلق والدين اللذين دان بهما فلاسفته وهتف بهما كتابه.

ولكن ما بال الآخرين الذين لا يحاولون قطع صلتهم بالاسلام، ويزعمون انهم مؤمنون برسالته خاضعون لتعاليمه، ما بالهم يركبون الاهواء ويأتون بالغرائب؟!.

ـ 24 ـ

«قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك ازكى لهم، ان الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن او آبائهن او آباء بعولتهن، او ابنائهن او ابناء بعولتهن او اخوانهن او بني اخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت ايمانهن، او التابعين غير اولي الاربة من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا الى الله جميعاً ايها المؤمنون لعلكم تفلحون»[3].

هذا هو النص القرآني الصريح في وجوب الحجاب، وهذا امر الله الذي لن يتردد مسلم ولا مسلمة في وجوب الخضوع له ووجوب الاستمساك به، وهذا هو ضمان الله للمؤمنين بان ذلك ازكى لنفوسهم واطهر لمجتمعهم وانقى لعلاقاتهم، ضمان الله لهم بذلك، فلا يختلف في وقت ولا يتغير في حال.

بلى، وهذه بعض اوصاف المجتمع الراقي العادل الذي اراده الله سبحانه للبشرية يوم اهلها للخلافة في ارضه، واختصها بالكرامة من بين مخلوقاته، فشرع لها الدين، وميزها بالعقل، وحباها بالمعرفة، وكرمها بالعلم.

هذه بعض اوصاف المجتمع الذين اراده الله للبشرية منذ يومها الأقدم، وقبل يومها ذلك.

المجتمع الذي تؤسس قواعده على العدل، وتعقد روابطه على الأخوة، وترتكز على المساواة الكاملة الشاملة في الحقوق، والمجتمع الذي يطمح كل ما فيه الى الكمال، ويتناصر كل من فيه على اقامة الحق، ويتواصى كل اهله باعمال البر، والمجتمع الذي لن تسمع في اجوائه تأمة لظلم ولا صدى لاستغاثة، ولا شكوى لمحروم، والمجتمع الذي يشغل كل اهله بالجد عن الهزل، وبالحقائق عن الأوهام، وبمعالي الامور عن سفسافها؟!.

المجتمع الاسلامي الزكي الطهور، لا تلتقي فيه خائنات الأعين، ولا تتعدى فيه بواعث الفتنة، ولا تتنزى فيه كوامن الشهوة، وما هذا النص القرآني الكريم والنصوص الاسلامية الأخرى التي تقترب منه في المعنى وتتحد معه في المغزى إلا احتياطات واقية تحرس من هذا المجتمع حدوده وتصون له سلامته وتضمن له طهارته.

إن الاسلام يربأ بالمسلم والمسلمة ان تكون العلاقة بينهما علاقة حيوان بحيوانة، ويأنف لهما ان تهبط بهما المجموعة الجنسية الى دركها الاسفل الارذل، ويسمو فيها ان تعلق هذه الخاطرة بروعهما.

والمرأة نصف المجتمع البشري على ادنى التقادير، والويل والحرب للمجتمع اذا كانت الصلة ما بين نصفيه هذه الصلة المنحطة لمخزية، والويل والحرب للمجتمع اذا سيطرت الشهوة على آحاده واتغلغت في ابعاده، فزاغت بالناس عما يجب وقادتهم الى ما لا يحسن، والويل والحرب للمجتمع اذا انفلتت فيه ازمة الأعصاب، ووهنت فيه قوة الارادة واضطربت كفة التوازن.

والنظرة الخائنة الجائعة اول انبعاث للشهوة واول موقظ للفتنة، وهي الرائد الذي يجوس الديار ويمهد السبيل، فلا معدى للاسلام من ان يأخذ الحيطة لها اذا كان جاداً في بلوغ غايته، لا معدل له عن ذلك لأنه الطريق الوحيد اليها، ومحال عليه ان يوصد باب الفتنة وهو لا يحسب لهذه النظرات حسابها.

وهكذا صنع … وهكذا قال:

قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن.

يأمر الرجال والنساء من المؤمنين بسد هذه الذريعة واغلاق هذه النافذة، ويبدأ بأقوى الجنسين اندفاعاً واسرعهما انفعالا واصرحهما تعبيراً.

ان خفر المرأة وفرط حيائها يصونها من ان تكون هي المبتدئة في هذا المجال، وان الرجل اذا غض بصره وملك امره وابدى اتزانه فقد انهار اكبر الدواعي لتبرج المرأة، فانها لن تتبرج ولن تبدي زينتها ولن تعرض فتنتها واغراءها إلا لتلفت نظرة الرجل وتنتزع اعجابه.

ينذر الرجال اولا بأن يغضوا ابصارهم عن النظر المحرم، ثم يعطف على النساء كذلك بانذار مستأنف جديد، ولو انه جمع الفريقين معاً بقول واحد لأوفى على الغاية شأنه في غالب الاحكام التي تشترك فيها النساء والرجال، غير ان الامر هاهنا امر صيانة وحفاظ، وتطهير لعلاقات مهمة قوية تنعقد بين القلوب، وترتسم ظلالها على الأعمال، وتبقى آثارها في الأجيال، فهو لذلك مفتقر الى مزيد من الصراحة والى مزيد من التأكيد.

الى صراحة تبعد بالحديث عن التأويل، والى تاكيد يمنع به الامر عن التساهل، ينذر الفريقين على انفراد، وينذرهما على اجتماع، ويسوق لهما ضروب التحذير وضروب التبشير.

هذا هو الاحتياط الأول الذي اتخذه التشريع الاسلامي للأمر.

ثم لنفرض ان رجال المؤمنين ونساءهم امتثلوا جميعاً هذا الامر. فغض الرجال المؤمنون من ابصارهم. وغضت النساء المؤمنات من ابصارهن. فهل يفي هذا وحده بسد الذرائع جميعاً؟.

بسد الذرائع التي تنتهي بالمرء وبالمرأة الى هذه المباءة؟.

والنظرات الطائشة التي تلقى دون قصد فتقع على ما يثير؟ وعمل هذه النظرات غير المقصودة في التمهيد لما يعقبها من نظر، والتمكين لما يتبعها من خطر؟.

ان هذا باب لا يوصده التشريع الأول، ولا بداء الزينة وعرض المفاتن عمل كبير في اغتصاب النظرة وتنبيه الغريزة وتحريك الفتنة، وطباع ابن آدم تفتن في التردي كما تفتن في الاعتلاء، وتعفي بطرائق الاغواء كما تعني بطرائق الهداية.

فماذا يجدي ازاء ذلك كله غير فرض الحجاب؟.

فرض ان لا تتبرج المرأة المسلمة ولا تبدي زينتها إلا ما ظهر منها.

وما هذا الذي يظهر من الزينة بعد الحجاب؟.

خضاب في الكف، او خاتم في الأنامل، او ما يشبه هذين من زينة ظاهرة وغير فاتنة، اما اذا اوجب الفتنة فهو وغيره في التحريم سواء بسواء.

ثم ماذا؟.

ثم ليضربن بخمرهن على جيوبهن. والخمار هو القناع الذي تغطي به المرأة رأسها، والجيب فتحة الثوب التي تلي صدرها، ليضربن بخمرهن على جيوبهن فلا يبين من رأس المرأة ولا من نحرها ولا من صدرها شيء للرائي ولا شبح للمتامل.

وحتى الهمسات الخفية والايماءات البعيدة لا بد من ان تقتلع جذورها ولا بد من ان تستأصل، ما دامت مظنة للاثارة او منفذاً للريب، فلا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن.

انها كوة صغيرة جداً، ولكنها تتسع وتنداح وتكبر دائرتها اذا لم يتخذ لها اجراء.

نعم سيعظم امرها وتتسع دائرتها، فمن ورائها غريزة هذا الكائن العجيبة التي تغذي الوهم وتستثمر الخيال.

اعلمت أي مبلغ بلغه الاسلام وكتاب الاسلام في هذا المجال؟.

انها ميادين فتنة فلا مساغ فيها لهدنة.

بلى هي ميادين فتنة، ومن اجل ذلك حرص الاسلام ان يضع الحدود فيها بدقة، ومن اجل ذلك ايضا وضع الحجاب عن المرأة حين تؤمن هذه البوائق.

اقرأ الآية الكريمة مرة اخرى ثم انظر كيف رفعت الحجاب دون المحارم من الرجال، ودون من لا يحرم حوله ريب من سواهم.

وقد قال في القرآن عمن تقدم بهن الايام وينال منهن البر حتى تزول منهن معالم الفتنة وحتى يأمن عوادي الجنس: «والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح ان يعضن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وان يستعففن خير لهن والله سميع عليم»[4].

ليس عليهن حرج في ان يضعن من ثيابهن المعدة للحجاب. وان رآهن الرجال الاجانب. ما دمن قد امن الفتنة. وما دام الكبر قد صرف عنهن انظار الرجال. على ان لا يقصدن من وضع ثيابهن ان يتبرجن بزينة. اما اذا قصدن ذلك فانهن مسؤلات عن فعلهن ذلك.

مسؤولات لقصدهن ما لا يجوز لهن فعله. ومسؤلات لآن ذلك القصد منهن تحد للعفة التي فرضها عليهن الاسلام.

لقد انصرفت عنهن انظار الرجال فيما يعتقدن، ومن اجل ذلك ساغ لهن رفع الحجاب، ولكن ما يدريهن فربما كان هذا الوهم خاطئاً، فلعل فيهن بقية من هذا الاغراء، ولعل في الرجال من تبلغ به عرامة الجنس، فيمتد الى مثلهن بالنظر، ومن اجل هذه الحالات المحتملة فان يستعففن فلا يضعن من حجابهن شيئاً فان ذلك خير لهن والله سميع عليم.

ويمتد الخط مع امن الفتنة خطوات، فيباح للرجل ان ينظر الى امرأة يريد التزوج بها، ويباح للطبيب ان ينظر مواقع الفحص والعلاج من جسد المريضة، ويباح النظر الى المرأة لانقاذها من الخطر اذا توقفت نجاتها عليه، ويباح للطبيب ان نظر مواقع الفحص والعلاج من جسد المريضة، ويباح النظر الى المرأة لانقاذها من الخطر اذا توقفت نجاتها عليه، ويباح النظر الى المرأة اذا توقفت على النظر اليها اقامة عدل او استنقاذ حق.

واقول يمتد خط اباحة النظر الى المراة مع امن الفتنة خطوات، لأن امن الفتنة امر دقيق لا يقال إلا بحذر ولا يوضع إلا بقدر.

ـ 25 ـ

ومن خصائص دين الاسلام انه ينظر الى غرائز الكائن البشري والى ضروراته مجردة عن كل ما يكبح وعن كل ما يثير.

ان الغرائز والدوافع بطبيعتها السليمة التي ركبت في الانسان وباقتضائها الصحيح السوي الذي تدعو اليه الحياة او بقاء الحياة دون ما زيادة ولا نقصان.

من خصائصه انه ينظر الى هذه البواعث معتدلة في التكوين ومعتدلة كذلك في الدعوة. فيضع لها حدودها على اساس العدل. ويشرع لها حقوقها على مبدأ التوازن.

العدل بين الغرائز والدوافع. التوازن في النشاط الحيوي للانسان. فيوجه لكل واحدة من الغرائز حصتها من النشاط دون سرف ولا تقتير.

اما المغريات التي تثير الغريزة وتطمعها باكثر مما تستحق.

وتضربها حتى تستعر وتند عن المقاييس وتتمرد على الظلم.

واما المعوقات التي تعترضها فتعتاقها عن الحدود الطبيعية الصحيحة. او تميتها دون الحقوق العادلة المشروعة.

اما الكبت والاغراق في الغريزة فان الاسلام يراهما كما يراهما العلم آفتين بالغتي الضرر، ولا بد لهما من العلاج. وهو يتحرى الاسباب الموجبة للاثارة او المقتضية للكبح فيدأب على ازاحتها واستيصال جذورها.

جذورها في نفس الفرد. وجذورها في عوائد المجتمع. ولقد رأينا كيف يتخذ الحيطة الكاملة عن الانطلاق في غريزة الجنس.

رأيناه كيف يحتاط لهذه الآفة حتى يستل آخر عرق من عروقها، كيف يحصن نفس الفرد ـ الذكر والأنثى على السواء ـ بالايمان القوي، والخلق المتزن، وبالسلوك الرضي، ثم يصونه عن كل ما يفتن وعن كل ما يثير، وما الاغراق والانطلاق في هذه الغريزة وفي كل رغبة او غريزة سواها لولا الفتنة ولولا الاثارة والتحريض.

ثم رأيناه كيف يبتغي للفرد المصرفات النظيفة، فيحثه على الزواج الشرعي، ويفتح له ابوابه ويسهل عليه امره، ويفرضه عليه فرضاً في كثير من الاحيان، وعند خشية الوقوع في المحرم على الخصوص.

واما الكبت فيها، وهو ـ كما يقول العلماء النفسيون ـ اخماد الشعلة في النفس، واخماد ظهورها كذلك في منطقة التصور، اخمادها في كلتا المرحلتين حتى تختنق، وحتى ترتد عقدة نفسية في منطقة [اللاشعور] وحتى تورث الانسان [عصابا] يتحكم عليه في سلوكه، ويقضي عليه بالشقاء في اكثر حالاته.

اما الكبت فقد حاربه الاسلام بكل اسبابه وبكل امتدادته، ومن اهم اسبابه الرهبانية التي عرفها المتدينون قبل مجيء الاسلام، وقد اهدرها هذا الدين منذ اول يوم من ايامه.

ومن يستقرئ احكام الزواج في هذا الدين ويطلع على نصوصه فيه وفي علله وآدابه يعلم جيداً كيف اقتلع علل الكبت واحدة واحدة، وطهر الفرد المسلم والمجتمع المسلم ومن اوضارها اثراً اثراً.

ـ 26 ـ

«يا ايها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيما»[5].





-------------------------------------

[1] الانعام: 115.

[2] الفتح: 23.

[3] النور: 30 ـ 31.

[4] النور: 60.

[5] الأحزاب: 59.



وهذا داء اجتماعي آخر يجعله القرآن سبباً للامر بالحجاب.

ان ازواج الرسول [ص] وبناته ونساء المؤمنين اللاتي عاصرن النبوة ونزل ما بينهن القرآن قد تعالت انفسهن وارواحهن عن كل ما يخدش ويريب، فلقد محصتهن العقيدة وجلاهن الايمان وارتفعن بأدب الله وادب رسوله عن هذه السفاسف وما اليها.

غير ان لبعض الناس انفساً دنسة وضيعة صغيرة تطمع فيما ليس فيه مطمع كما يقولون في الامثال، وتقبض الاكف على الوهم وتمد الايدي لتتناول النجم، وقد كان بعض هؤلاء يتعرض للنساء المؤمنات حين يخرجن للصلاة او لغيرها من الأعمال، يتعرض لهن بلحظة خائنة او يلفظة ماجنة، والمؤمنات يؤذيهن هذه الجرأة.

تؤذيهن لا لأنهن يخشين اعتداءاً من بعض هؤلاء الأثمة، فيد الفحشاء اقصر من ان تبلغهن بسوء، بل لأن حرمة المرأة المسلمة عندهن اسمى من ان تغازل بلحظ او تعابث بلفظ، ولأن المجتمع المسلم اعظم قداسة في رأيهن من ان تطرف فيه عين خائنة او تظهر فيه حركة آثمة، والمغازلات والمعابثات تحسب اعتداءاً واجراماً في المجتمعات السليمة، وتبعد مجاملة ومطايبة في المجتمعات الموبوءة.

كان بعض هؤلاء الماجنين يتعرض للنساء المؤمنات في طريقهن الى الصلاة فيؤذيهن هذا التعرض، فاذا قيل له في ذلك اعتذر عن فعله بأنه يجهل، بأنه يجهل انهن من نساء المؤمنين، كأن الجهل يبيح المجون، وكأن العبث بالأعراض جريمة شخصية صغيرة تسقط بالاعتذار.

وهذه سقطة خلقية واجتماعية لا بد لها من التلافي ولا بد لها من العلاج، ولا يمكن عليها القرار.

والاسلام يعالج هذه الداء بتعزير هؤلاء الماجنين العابثين الأعراض بما يقطع مجونهم ويحسم هراءهم، ثم بتزويج العزاب منهم المضطربين للتزويج، الغني منهم من ماله، والفقير من بيت المال.

اما العلاج السريع الدائم فهو ان تدني المؤمنات عليهن من جلابيبهن فيخسأن بها كل كلب عاو.

والجلباب ثوب كبير يشمل البدن كله، ومن اجل هذه الصفة فيه استعارته العرب لما يشمل، فقالوا: جلببه الهم مثلا اذا استولى عليه واخذ كل نواحيه.

كان هذا في بدء الاسلام، وقد وضع له الدين هذا العلاج الحاسم، فهل انقطعت هذه الانفاس اللاهثة التي تتعقب خطوات النساء المصونات، ليفكر مفكر في الاستفتاء عن هذا العلاج؟!.

هل نفقت هذه الحملان البشرية التي يكاد يركب بعضها بعضاً في طريق المرأة؟!.

هذه القطعان الكبيرة التي تمثل للانسان مواريثه من الحيوان؟!.

هل بادت هذه السلالة لنفكر نحن او يفكر احد سوانا في الاستغناء عن العلاج الذي وضعه الاسلام؟.

ان الطرق والمجامع والمباءات والمتنزهات لا تزال مشحونة بهذه الجراثيم التي تتلصص على الاعراض وتنخر في المجتمعات.

وكل ما وجد في ذلك ان القديم منها كان يتناول الامر ببساطته، اما الحديث فقد تطورت به الاساليب وتسلسلت به المطاليب، وبين ان التطور في هذه الشؤون انما يكون الى اسفل.

ما هذه الشبان المائعة المدخولة التي تزاحم المراة على (مكياجها) لتزاحمها كذلك في سبيلها؟!.

انها من اعراض ذلك الداء الخلقي الاجتماعي الذي استفظعه القرآن ووصف له العلاج، ولن يرتفع العلاج ابداً ولن يستغنى عنه حتى تبيد آخر جرثومة من جراثيم الداء.

وعزيز والله على الاسلام ان يرى وفرة كبيرة من شبانه وفتيانه تقتل الساعات الطويلة وتخبي الجذوات المتقدة، ساعات الحياة العزيزة وجذوات الشباب الثمينة.

عزيز على دين الاسلام ان يرى فتيانه وشبانه وعدته لمستقبل ايامه تهدر هذه الذخائر العظيمة هدراً، ثم لا تجني من ذلك، ولا يجني مجتمعها من ورائها إلا خبالا ووبالا !.

وان المرأة ليعجبها من الرجل ان يكون رجلا يملأ هذه اللفضة بمعناه ويفعم مركزه الاجتماعي بكفاءته ومواهبه، وابغض خلق الله الى قلبها الرجل المستأنث، ولو انها خيرت بين رجل تام الرجولة وهو في قبح عنترة وذكر تام الأنوثة وهو في جمال الأمين لما ترددت في الاختيار، وسل أي انثى رشيدة عن ذلك اذا شئت.

لم ينحسم ذلك الداء الاجتماعي الوبيل الذي استفظعه القرآن ولم تهن اعراضه، ولم تتقلص آثاره، وليس لفتياتنا الكريمات ولا لمن يتصنع الانتصار لهن ويتكلف الغيرة عليهن من الرجال ان يطلبوا رفع العلاج ما لم ينته جميع ذلك.

وليس لهم ان يقترحوا على الاسلام ان يخرج عن حدوده، وان يعدل عن منهجه، لأنه يعلم حق العلم ان خطته التي نهج عليها هي الخطة الحكيمة المثلى، ولا محيد له ولا لأحد من الناس عنها، يعلم ذلك حق العلم، ويعلم به كذلك كل عاقل جاد في نظرته منصف في حكمه.

ـ 27 ـ

وضبط النفس عن ميولها الوضيعة وسيطرتها على اهوائها المنحرفة، وتحكيم العقل الرشيد السديد في شهواتها ونزواتها، فلا تطلق إلا بحق ولا تمنع إلا بحق، وتعزيز الارادة وسد نفوذها حتى تقبض على الزمام بقوة فلا يفلت، وتوجه الأمر بحنكة فلا يلتوي ولا يضطرب ولا يتشتت.

هذه الخلايا هي الميزة الكبرى في الانسان، وهي العدة له للاكتمال في معاني الانسانية، والارتفاع في مراقيها.

واي صفة من الصفات الحميدة يمكن ان ينالها الانسان، واي مرقى من مراقي الكمال في هذه الحياة يقوى ان يبلغه، واي مطمح من المطامح التي يتنافس عليها ذوو المواهب والكفاءات يستطيع ان يدركه اذا هو لم يؤت نصيباً من هذه الخلال. اذا هو لم يملك النفس المنضبطة المتزنة والعقل الرشيد المسيطر والارادة القوية الفعالة. اذا كان عبداً مملوكا لهشوته ورغبته، ليس له مع امرها امر وليس له مع قولها قول؟!.

ما قيمة العالم الضليع اذا تدخلت اهواؤه في تجاربه وملاحظاته، فلم يستطع ان يمنع فضولها وان يعين حدودها؟!.

وما قدر السياسي الخطير اذا رسمت له شهواته خطوطه في السياسة او شاطرته وجوه التدبير ثم لم يملك تبديلا ولا تعديلا؟!.

وما منزلة القائد المرموق اذا املت عليه النزوات نصف خطته او كلها، لم يقو إلا ان يضع، ولم يقو إلا ان ينفذ؟!.

وما شأن الطبيب النطاسي اذا اوحت له اندفاعاته كيف يفحص وكيف يصف وكيف يعالج، ولم يتمكن ان ينقذ مريضه من هذا التطفل والتدخل؟!.

وما وقع الحاكم او القاضي اذا شاركته الميول في تحري الحق او صدته عن الحكم به، ولم يشجع ان يخلص للعدل في تحريه وفي حكمه؟!.

وما اثر المعلم والباحث والمهندس والمحامي والتاجر والمزارع والعامل والجندي اذا صرفته ملاذه وسقطاته عن اداء مهمته او حددت له وجه العمل فيها، ولم يطلق إلا ان ياتمر، ولم يطق إلا ان يتوجه؟!.

ان تحقيق أي امنية من الاماني الكبيرة يفتقر الى شيء غير قليل من ضبط النفس وتسديد خطواتها، والمقدار الذي يفتقر اليه من هذه العدة يختلف بمقدار ما لتلك الأمنية من خطورة ونباهة شأن، اما الاكتمال في معاني الانسانية اجمع فهو يفتقر الى الضبط الكامل لميول النفس واندفاعاتها.

وهذه هي الغاية التي ابتغاها الله للعالمين يوم شرع لهم شرعه، وقد وقت لهذه الغاية حدودها ووضع للعالمين ضماناتها، وحجاب المرأة من اهم هذه الضمانات التي تكفل بالغاية للرجل والمرأة على السواء.

ـ 28 ـ

ما اجدر الانسان بأن يعرف حدوده ولا يتجاوز حقوقه، وما ابأس الأمة اذا اضطربت بينها الموازين فتصدى كل قائل فيها لكل قول، وتولى كل عامل منها كل عمل وتصدر كل احد لكل شيء، ففقد الاختصاص وشملت الفوضى وساءت الحال.

ليكن السفور شهوة نفسية لبعض النساء او رغبة جنسية لبعض الرجال، ليكن ذلك فما عدم التاريخ شذوذاً في الناس منذ اول يوم من ايامه، وما عدم من يتخيل ثم يبغي ان يحتص من خياله زرعاً، او يتوهم ثم يحاول ان يشيد على وهمه بناءاً، وما عدم التأريخ من يسخر اسمى موهبة من مواهبه لأحط رغبة من رغائبه، ان هؤلاء واولئك كثيرون في الحياة كثيرون عبر التاريخ.

اما ان يجرؤ مسلم يعترف بالاسلام ويؤمن بالقرآن، اما ان يجرؤ هذا فيدعي ان السفور ليس اشتطاطاً على الدين، على دين الاسلام بالخصوص، وان الاختلاط بين الجنسين الرجال والنساء ليس بعيداً عن روحه، وان آية الحجاب (التي قدمناها) انما تدعو الى السفور، السفور (المحتشم؟) ثم يتخبط في التاريخ فيزعم ان العرب لم تكن تعرف الحجاب، كما انها لم تكن تعرف السفور الخليع !.

اما هذا فمما يخجل ويضحك في آن واحد.

واذا لم تكن العرب تعرف السفور الخليع فما هو تبرج الجاهلية الأولى الذي نهت عنه الآية الثالثة والثلاثون من سورة الحزاب؟ واذا لم تكن العرب تعرف الحجاب فما معنى الجلباب الذي امرت به الآية التاسعة والخمسون من السورة ذاتها؟ اليس اولئك وهؤلاء اللاتي عنتهن الآيتان الكريمتان من نساء العرب؟!.[1]

ولنقل ـ جدلا، وكما يحلو لبعضهم ان يقول ـ ان القرآن ليس كتاب وحي، افلا نصدقه في ما ينقل من تاريخ العرب ايضاً؟!.

وهنا كتاب آخرون، ومسلمون ايضاً يزعمون ان الحجاب انما كان له هذا الشيوع والانتشار بين الجاهليين قبل مجيء الاسلام، ولم يعرفه المسلمون كذلك إلا في عصورهم المتأخرة البعيدة عن عصر الرسالة، هكذا يخبطون في التاريخ، اما نصوص القرآن فلا قيمة لها أو هي دعوة الى السفور !!

وكان الدين في رأي هذه الفئة من الناس عقيدة بسيطة يعتقدها القلب وتدين بها النفس، ثم لا شيء غير ذلك، فليس على الانسان مثلا ان يجري على وفق هذه العقيدة في العمل، وليس عليه ان يطبق احكام الشريعة في السلوك، وهم انما يخادعون انفسهم اذا كانوا جادين في ظنهم هذا.

الدين عقيدة وشريعة، واثر هذين ايمان وعمل، ايمان تمتلئ به جوانب النفس، وعمل تخضع له جميع نواحي السلوك.

ولا يتم احدهما بدون الآخر، لا يكتملان إلا مجتمعين، ولا يثمران إلا متفاعلين، والمسلم الحق من سار على هدى القرآن العظيم يحقق ما احق ويبطل ما ابطل.

ولم يترك دين الاسلام ناحية من الانسان ولا وجهة من حياته ولا مظهراً من سلوكه إلا وقد شرع لها حكما لا بد للمسلم من اطاعته ولا بد من الانقياد له «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما»[2].

وانا اعلم ان في تاريخ المسلمين وفي تاريخ العرب نساء برزات يجتمن بالرجال ويجتمعون اليهن، وقد كان بعضهن يعقد النوادي للاجتماع بهم والتحدث اليهم، ولكن: ايصح لنا ان نتخذ من صنع هؤلاء حجة نعارض بها نصوص الكتاب ونستدل بها على حكم الاسلام في الحجاب؟!.

ان هذه الأساليب من الاستدلال مدخولة مرذولة.

على ان الغالب من هؤلاء النساء البارزات ممن تقدم بهن العمر وامنت منهن الفتنة، وقد اباح الكتاب الكريم للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وقدمنا البحث عن ذلك.

وهاهنا مخادعون مخاتلون، يقفون في وجه كلمة الله يمنعونها ويتخذونها هزواً، وبعض الاساليب الساخرة ماكر ماهر، يثبط الجبان من الدعاة ان يقول، ويحمل الساذج من الاتباع ان يتريب وان يلوم.

يقول بعض هؤلاء الكتاب: «تفنن اخواننا [ويعني بهم رجال الدين] ما شاء لهم التفنن في تبيان مساوئ السفور وما يجر وراءه من ويلات التبرج والخلاعة وآفات الحب والغرام، واود ان ازيدهم علماً ان علماء الاجتماع اليوم قد بحثوا هذه المساوئ بحثاً مستفيضاً عميقاً، وليست هذه التي ذكرها اخواننا إلا شيئاً تافهاً بالقياس الى ما ذكره علماء الاجتماع في هذا الشأن».

«وقد اطلق بعض العلماء على الحب والغرام اسم [العقدة الرومانتيكية] وبينوا ما تجني هذه العقدة على الناس من بلاء عارم يؤدي الى تحطيم العائلة، وكتب احد العلماء كتابا ضخما شرح فيه الخطر الذي يهدد المدنية من جراء هذا التفسخ العائلي الذي جره شيوع الحب والغرام بين شباب الجيل الحاضر.

«والعلماء حين فعلوا ذلك لم يندفعوا بآرائهم كما اندفع بها اخواننا المتزمتون فطلبوا الى المرأة ان ترجع الى البيت او تتخذ الحجاب من جديد.

«وسبب ذلك انهم عارفون بأنهم غير قادرين على ارجاع عقارب الساعة الى الوراء، فالمرأة بعد ان خرجت من البيت لن ترجع اليه مرة اخرى ولو ملأوا الدنيا موعظة وصراخاً».

«لا يكفي في الفكرة ان تكون صحيحة بحد ذاتها، الأحرى ان تكون عملية ممكنة التطبيق، وكثيراً ما تكون الأفكار التي يأتي بها الطوبائيون من اصحاب البرج العاجي رائعة، ولكنها في الوقت ذاته عقيمة تضر الناس اكثر مما تنفعهم» الى صفحات اخرى يكتبها على هذا الغرار.

هكذا يكتبون، وهكذا يتحدثون عن قولة الله العظيم في كتابه، كما يتحدثون عن بعض مهازل العقل البشري.

انها فكرة يقولها اخوانه رجال الدين وليست حكما شرعياً يجب الخضوع له على كل مسلم !.

وانها صحيحة ولكنها غير عملية وغير ممكنة التطبيق، وانها صحيحة ولكن يجب ان تترك وان تنبذ لأنها تصادم التيار الجارف، وانها صحيحة ولكن القائلين بها متزمتون متحذلقون يدعون الى ما يمتنع ان يكون، وانها صحيحة ولكنها عقيمة تضر الناس اكثر مما تنفعهم !!.

انها حق والحق ان يرتفع صوته وان يعلوا، وانها كلمة الله، وكلمة الله يجب ان يجهر بها وان يعلن، وانها حكم الله فلا يضر به من اعرض او زاغ عنه، وصدق الله العظيم الذي يقول «افنضرب عنكم الذكر صفحاً ان كنتم قوماً مسرفين»[3].

نعم، وليعلم هؤلاء وامثالهم ان كانوا لا يعلمون ان كلمة الله يجب ان يجهر بها وان تعلن ما دام من المحتمل ان يسمعها فرد واحد من الأمة فينتفع بها ويرتدع، ويجب ان يجهر بها وان تعلن وان لم يلق اليها سمع ولم يتذكر بها متذكر، يجب ان يجهر بها لتقام بها حجة ولتؤدي بها امانة وليتم بها بلاغ، «ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون»[4].

وهذا هو الفارق بين


عدل سابقا من قبل علي المرشدي في السبت 15 أكتوبر 2011 - 22:47 عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علي المرشدي
 
المدير العام

     المدير العام
علي المرشدي


مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  13270810
رقم العضوية : 3
العمر : 41
ذكر
عدد المساهمات : 1965
الدولة : العراق
المهنة : 12
مزاجي : مكيف
اللهم عجل لوليك الفرج و النصر والعافية برحمتك يا ارحم الراحمين
صورة mms : يافاطمة الزهراء

مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر    مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  I_icon_minitimeالسبت 15 أكتوبر 2011 - 22:41

ـ 28 ـ

ما اجدر الانسان بأن يعرف حدوده ولا يتجاوز حقوقه، وما ابأس الأمة اذا اضطربت بينها الموازين فتصدى كل قائل فيها لكل قول، وتولى كل عامل منها كل عمل وتصدر كل احد لكل شيء، ففقد الاختصاص وشملت الفوضى وساءت الحال.

ليكن السفور شهوة نفسية لبعض النساء او رغبة جنسية لبعض الرجال، ليكن ذلك فما عدم التاريخ شذوذاً في الناس منذ اول يوم من ايامه، وما عدم من يتخيل ثم يبغي ان يحتص من خياله زرعاً، او يتوهم ثم يحاول ان يشيد على وهمه بناءاً، وما عدم التأريخ من يسخر اسمى موهبة من مواهبه لأحط رغبة من رغائبه، ان هؤلاء واولئك كثيرون في الحياة كثيرون عبر التاريخ.

اما ان يجرؤ مسلم يعترف بالاسلام ويؤمن بالقرآن، اما ان يجرؤ هذا فيدعي ان السفور ليس اشتطاطاً على الدين، على دين الاسلام بالخصوص، وان الاختلاط بين الجنسين الرجال والنساء ليس بعيداً عن روحه، وان آية الحجاب (التي قدمناها) انما تدعو الى السفور، السفور (المحتشم؟) ثم يتخبط في التاريخ فيزعم ان العرب لم تكن تعرف الحجاب، كما انها لم تكن تعرف السفور الخليع !.

اما هذا فمما يخجل ويضحك في آن واحد.

واذا لم تكن العرب تعرف السفور الخليع فما هو تبرج الجاهلية الأولى الذي نهت عنه الآية الثالثة والثلاثون من سورة الحزاب؟ واذا لم تكن العرب تعرف الحجاب فما معنى الجلباب الذي امرت به الآية التاسعة والخمسون من السورة ذاتها؟ اليس اولئك وهؤلاء اللاتي عنتهن الآيتان الكريمتان من نساء العرب؟!.[1]

ولنقل ـ جدلا، وكما يحلو لبعضهم ان يقول ـ ان القرآن ليس كتاب وحي، افلا نصدقه في ما ينقل من تاريخ العرب ايضاً؟!.

وهنا كتاب آخرون، ومسلمون ايضاً يزعمون ان الحجاب انما كان له هذا الشيوع والانتشار بين الجاهليين قبل مجيء الاسلام، ولم يعرفه المسلمون كذلك إلا في عصورهم المتأخرة البعيدة عن عصر الرسالة، هكذا يخبطون في التاريخ، اما نصوص القرآن فلا قيمة لها أو هي دعوة الى السفور !!

وكان الدين في رأي هذه الفئة من الناس عقيدة بسيطة يعتقدها القلب وتدين بها النفس، ثم لا شيء غير ذلك، فليس على الانسان مثلا ان يجري على وفق هذه العقيدة في العمل، وليس عليه ان يطبق احكام الشريعة في السلوك، وهم انما يخادعون انفسهم اذا كانوا جادين في ظنهم هذا.

الدين عقيدة وشريعة، واثر هذين ايمان وعمل، ايمان تمتلئ به جوانب النفس، وعمل تخضع له جميع نواحي السلوك.

ولا يتم احدهما بدون الآخر، لا يكتملان إلا مجتمعين، ولا يثمران إلا متفاعلين، والمسلم الحق من سار على هدى القرآن العظيم يحقق ما احق ويبطل ما ابطل.

ولم يترك دين الاسلام ناحية من الانسان ولا وجهة من حياته ولا مظهراً من سلوكه إلا وقد شرع لها حكما لا بد للمسلم من اطاعته ولا بد من الانقياد له «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما»[2].

وانا اعلم ان في تاريخ المسلمين وفي تاريخ العرب نساء برزات يجتمن بالرجال ويجتمعون اليهن، وقد كان بعضهن يعقد النوادي للاجتماع بهم والتحدث اليهم، ولكن: ايصح لنا ان نتخذ من صنع هؤلاء حجة نعارض بها نصوص الكتاب ونستدل بها على حكم الاسلام في الحجاب؟!.

ان هذه الأساليب من الاستدلال مدخولة مرذولة.

على ان الغالب من هؤلاء النساء البارزات ممن تقدم بهن العمر وامنت منهن الفتنة، وقد اباح الكتاب الكريم للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وقدمنا البحث عن ذلك.

وهاهنا مخادعون مخاتلون، يقفون في وجه كلمة الله يمنعونها ويتخذونها هزواً، وبعض الاساليب الساخرة ماكر ماهر، يثبط الجبان من الدعاة ان يقول، ويحمل الساذج من الاتباع ان يتريب وان يلوم.

يقول بعض هؤلاء الكتاب: «تفنن اخواننا [ويعني بهم رجال الدين] ما شاء لهم التفنن في تبيان مساوئ السفور وما يجر وراءه من ويلات التبرج والخلاعة وآفات الحب والغرام، واود ان ازيدهم علماً ان علماء الاجتماع اليوم قد بحثوا هذه المساوئ بحثاً مستفيضاً عميقاً، وليست هذه التي ذكرها اخواننا إلا شيئاً تافهاً بالقياس الى ما ذكره علماء الاجتماع في هذا الشأن».

«وقد اطلق بعض العلماء على الحب والغرام اسم [العقدة الرومانتيكية] وبينوا ما تجني هذه العقدة على الناس من بلاء عارم يؤدي الى تحطيم العائلة، وكتب احد العلماء كتابا ضخما شرح فيه الخطر الذي يهدد المدنية من جراء هذا التفسخ العائلي الذي جره شيوع الحب والغرام بين شباب الجيل الحاضر.

«والعلماء حين فعلوا ذلك لم يندفعوا بآرائهم كما اندفع بها اخواننا المتزمتون فطلبوا الى المرأة ان ترجع الى البيت او تتخذ الحجاب من جديد.

«وسبب ذلك انهم عارفون بأنهم غير قادرين على ارجاع عقارب الساعة الى الوراء، فالمرأة بعد ان خرجت من البيت لن ترجع اليه مرة اخرى ولو ملأوا الدنيا موعظة وصراخاً».

«لا يكفي في الفكرة ان تكون صحيحة بحد ذاتها، الأحرى ان تكون عملية ممكنة التطبيق، وكثيراً ما تكون الأفكار التي يأتي بها الطوبائيون من اصحاب البرج العاجي رائعة، ولكنها في الوقت ذاته عقيمة تضر الناس اكثر مما تنفعهم» الى صفحات اخرى يكتبها على هذا الغرار.

هكذا يكتبون، وهكذا يتحدثون عن قولة الله العظيم في كتابه، كما يتحدثون عن بعض مهازل العقل البشري.

انها فكرة يقولها اخوانه رجال الدين وليست حكما شرعياً يجب الخضوع له على كل مسلم !.

وانها صحيحة ولكنها غير عملية وغير ممكنة التطبيق، وانها صحيحة ولكن يجب ان تترك وان تنبذ لأنها تصادم التيار الجارف، وانها صحيحة ولكن القائلين بها متزمتون متحذلقون يدعون الى ما يمتنع ان يكون، وانها صحيحة ولكنها عقيمة تضر الناس اكثر مما تنفعهم !!.

انها حق والحق ان يرتفع صوته وان يعلوا، وانها كلمة الله، وكلمة الله يجب ان يجهر بها وان يعلن، وانها حكم الله فلا يضر به من اعرض او زاغ عنه، وصدق الله العظيم الذي يقول «افنضرب عنكم الذكر صفحاً ان كنتم قوماً مسرفين»[3].

نعم، وليعلم هؤلاء وامثالهم ان كانوا لا يعلمون ان كلمة الله يجب ان يجهر بها وان تعلن ما دام من المحتمل ان يسمعها فرد واحد من الأمة فينتفع بها ويرتدع، ويجب ان يجهر بها وان تعلن وان لم يلق اليها سمع ولم يتذكر بها متذكر، يجب ان يجهر بها لتقام بها حجة ولتؤدي بها امانة وليتم بها بلاغ، «ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون»[4].

وهذا هو الفارق بين فكرة يؤمن بها عالم الاجتماع وبين حكم شرعي يحمله رجال الدين، فالعالم الاجتماعي يتناول الفكرة على انها حقيقة من حقائق العلم وواجبه في ذلك ان يبحثها بدقة وان ينقل خلاصتها للناس بأمانة، ثم لا يحتم عليه العلم اكثر من ذلك، ورجل الدين يتناول الفكرة على انها حقيقة من حقائق الدين، وواجبه في ذلك:

ان يفهمها حق الفهم اولا،

وان ينقلها للناس بامانة ثانياً.

وان يدعو الى تطبيقها على الأفراد وعلى المجتمع ثالثاً.

هذا هو الفارق الذي يجهله كتابنا او يتجاهلونه.

واقول: رجل الدين، وفقاً لقول هذا الكاتب، وإلا فكل اتباع الاسلام المؤمنين برسالته ـ في رأي الاسلام ـ رجال دين، وكلهم حملة دعوة، وكلهم راع وكلهم مسؤول عن رعيته كما يقول الرسول العظيم [ص].

من الخير ان يقف المرء عند حدوده وان لا يستخدم حدود الله وسيلة لمآربه، فيرتكب بذلك جريمة مضاعفة،

وما يقعد بالمرأة ان تتلقى علومها ومعارفها في معاهد مختصة؟ وما يقعد بها ان تأخذ اهبتها الكاملة لوظيفتها المهمة العظيمة:

اهبتها من العلم، واهبتها من الثقافة، واهبتها من المدنية الصحيحة، هي مربية الجيل ومنشئة اخلاقه؟ وما يقعد بها ان تخدم مجتمعها وتساهم في اسعاده؟ ما يقعد بها ان تفعل جميع ذلك في حدودها الواقعية الصحيحة التي وضعتها لها الطبيعة وقررها لها الشرع؟.

اما ان يطمع لها في اكثر من ذلك فهذا ما يفتقر الى عملية جراحية خطرة، وفي اغلب الظن انها غير ناجحة ولا مجدية، فان الطبيعة قد زودتها بكيان من نوع مخصوص.

وبعد فهذه قولة الله سبحانه في مسألة الحجاب اسوقها لقرائي صريحة واضحة، لا لبس فيها ولا تعقيد، قولة الله في كتابه فلا مرية فيها لمسلم، وحكمته في شريعته فلا ريبة فيها لعاقل.

وقد قلت لقارئي في مطلع حديثي انها وقفة قصيرة لا يطالبني فيها بتطويل، وقلت انها يماءة سريعة فلا يحوجني الى تفصيل، اما غير هذه وهذه فان الوقفة وان كانت قصيرة، إلا انها مستوفية، والايماءة وان كانت سريعة إلا انها مستقصية.

واعود فاكرر معذرتي التي اسلفتها في التقديم واقدم له تحياتي في مطلع الحديث وفي ختامه

النجف الأشرف: محمد امين زين الدين





------------------------------------------

[1] الآية الأولى هي قوله تعالى في حديثه مع ازواج الرسول [ص]: «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى» والآية الثانية هي قوله تعالى: «يا ايها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن» وقد تحدثنا عن هذه الآية الأخيرة في فصل تسلسل (25).

[2] النساء: 65.

[3] الزخرف: 5.

[4] البقرة: 159.

محمد أمين زين الدين


تحياتي واحترامي لكم جميعا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
إيمان القلوب
 
الإدارة

     الإدارة
إيمان القلوب


مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  13270810


رقم العضوية : 1
العمر : 99
انثى
عدد المساهمات : 5368
الدولة : البمن
المهنة : 5
مزاجي : حزين
غايب طول الغيبة
عزيز و انقطعت اخباره
يارب يكون بالف خير

صورة mms : ابكيك دما سيدي الحسين

مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر    مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر  I_icon_minitimeالأحد 16 أكتوبر 2011 - 15:58

بارك الله فيك
شكرا لك على الموضوع
تحيتي لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفرق بين عقل الرجل والمرأة
» علم الباراسيكولوجي مفاهميم و وجهات نظر
» فوائد اليانسون للرجل والمرأة
» فن معاملة الرجل
» الرجل الحقيقي في نظر الزوجه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أحلى السلوات  :: المنتدى الاسلامي-
انتقل الى:  
حقوق النشر
الساعة الأن بتوقيت (العراق)
جميع الحقوق محفوظة لـمنتديات أحلى السلوات
 Powered by ahlaalsalawat ®https://ahlaalsalawat.yoo7.com
حقوق الطبع والنشر©2012 - 2011