الدجال من وجهة نظر أهل البيت عليهم السلام
يختلف ما تقدمه مصادرنا عن الدجال وحركته ، عن التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة في المصادر السنية ، بعدة أمور:
منها: أن الدجال عندنا يهودي يقوم بحركة عالمية مضادة للإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره وإقامة دولته العالمية ونزول عيسى عليه السلام ، وأتباعه اليهود والنواصب والشاذون والمومسات . ويظهر أنه يستفيد من تطور العلوم والرخاء الذي يحققه الإمام المهدي عليه السلام فيستعمل الدجل والشعبذة ويدعي الربوبية .
ومنها: خلو أحاديثنا من عناصر الأسطورة والمبالغة التي وردت في غيرها .
ومنها: أن كعب الأحبار جعل خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة ، وجعل قيام الساعة بعده بسبع سنوات ، فقبلوا أفكاره كلهم ، بينما رفضتها مصادرنا وقالت إن دولة العدل الإلهي تستمر طويلاً .
ومع قبولهم أفكار كعب ، تحير علماؤهم بين الدجال الذي قال به تميم الداري ، والدجال الذي قال به عمر بن الخطاب ، كما يأتي !
أما نحن فروينا أن الدجال آخر الأئمة المضلين ، وسيكون مقابل خاتم الأئمة الهادين عليهم السلام ففي الكافي:8/296 ، عن الإمام الباقر عليه السلام من حديث في فضل علي عليه السلام جاء فيه: وأنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت) . (وعنه البحار:28/254).
وأنه قائد آخر فئة مضلة ، ففي البصائر/317، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لاتسألوني عن فئة تهدى مائة إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها ، حتى يخرج الدجال) .
وأن أتباعه أعداء أهل البيت عليهم السلام : (عن حذيفة بن أسيد قال: سمعت أبا ذر يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبة: أنا جندب بن جنادة لمن عرفني ، وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من قاتلني في الأولى وفي الثانية ، فهو في الثالثة من شيعة الدجال ! إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ألا هل بلغت؟ (رجال الكشي/29).
وفي أمالي الطوسي:1/59 ، عن رافع مولى أبي ذر قال: رأيت أبا ذر رحمه الله آخذاً بحلقة باب الكعبة مستقبل الناس بوجهه وهو يقول: من عرفني فأنا جندب الغفاري ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من قاتلني في الأولى وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال ، إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك). ونحوه:2/74 ، والإيقاظ/245 ، والبحار:22/408 ، و:23/119، عن الأمالي ، والدرجات الرفيعة/239 ، وتنقيح المقال:1/235 ، ومعجم رجال الحديث:4/167، عن الكشي .
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام :2/47 ، عن أمير المؤمنين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال) . والعمدة/360 ، وكشف اليقين/116، كلاهما عن مناقب الخوارزمي . وغاية المرام/237 ، عن ابن المغازلي ، والبحار:27/205 ، عن عيون أخبار الرضا . وفي:52/335 ، عن صحيفة الإمام الرضا عليه السلام .
ورواه من مصادر السنيين: مسند الشهاب:2/273 ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي ذر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذكره . والطبراني الصغير:1/139 ، وفيه: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل . والحاكم:3/150، وفيه: عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: كما في الطبراني . ومناقب ابن المغازلي/68 و/134، وأمالي الشجري:1/151 ، وميزان الإعتدال:1/482 ، ومقتل الخوارزمي:1/104، وكشف الهيثمي:3/222 ، كلها كما في مسند الشهاب . ومجمع الزوائد:9/168 .
فهذه الأحاديث تدل على أن الطرف الذي يقاتل الدجال هم أهل البيت عليهم السلام ، وهذا طبيعي لأن دولة العدل الإلهي على الأرض ستكون على يد خاتمهم صلوات الله عليهم ، والدجال هو آخر حركة ضلال تكون على الأرض .
وقد دلت الأحاديث على أن الدجال وأتباعه شديدو العداء لأهل البيت عليهم السلام ففي المحاسن/90 ، عن الإمام الصادق عليه السلام :قال رسول الله صلى الله عليه وآله :من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً . قيل: يا رسول الله وإن شهد الشهادتين ! قال: نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه ، أو يؤدي الجزية وهو صاغر ، ثم قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً ! قيل: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن أدرك الدجال آمن به). ومثله ثواب الأعمال/203و242 ، وعنه البحار:52/192، و:72/134 .
وفي مشارق أنوار اليقين/52 ، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به ).
وقد روى البسوي في المعرفة والتاريخ/833 وهو من علماء السنة ، عن حذيفة قال: من كان يحب وخرج الدجال تبعه ، فإن مات قبل أن يخرج آمن به في قبره). ويبدو أنه نفس حديث أبي سعيد ، وقد وقع في نسخته تصحيف .
ومعنى إن أدرك الدجال آمن به: أن التحالف بين النواصب واليهود سيبلغ أوجه في زمن الإمام المهدي عليه السلام ، وتكون نهاية النواصب أن يرتدوا عن الإسلام ويتبعوا الدجال زعيم اليهود !
كما روينا تحريم المدينة على الدجال بنفس مضامين رواياتهم . قال الصدوق في الفقيه:2/564: (وروي أن الصادق عليه السلام ذكر الدجال فقال: لايبقى منها سهل إلا وطأه إلا مكة والمدينة ، فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجال). والتهذيب:6/12، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، وعنه وسائل الشيعة:10/272 .
وروت مصادرنا رواية مرسلة قد يفهم منها أن الدجال يفتك بأهل البصرة ، ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني:1/289 ، أن علياً عليه السلام ( لما فرغ من حرب أهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة ، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً ، فلما كان في اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج فصلى في الناس الغداة في المسجد الجامع ، فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ثم قال: يا أهل المؤتفكة ائتكفت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة ، يا جند المرأة وأعوان البهيمة رغا فأجبتم وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق وماؤكم زعاق ، بلادكم أنتن بلاد الله تربة وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشر المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله ، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر ! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً ، فالهرب الهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ .
ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي، أربعة فراسخ . قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر !
فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ، ثم هملت عيناه بالبكاء ، ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لا رهَجَ له ولا حس ! قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب ، يا ابن الجارود نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال ، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب ، منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب ، ثم رجف ، ثم قذف ، ثم خسف ، ثم مسخ ، ثم الجوع الأغبر ، ثم الموت الأحمر وهو الغرق . يا منذر ، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول لايعلمها إلا العلماء منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة . يا منذر والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة ، ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة ، وإن عندي من ذلك علماً جماً ، وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أخطئ منه علماً .
قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل السنة ومن أهل البدعة؟ فقال: ويحك إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن لا تسأل أحداً بعدي: أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وآله ، وأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا ! وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا) . وعنه البحار:3/15و:32/253 .
لكنها خطبة مرسلة لا يمكن الأخذ بها ما عدا القسم الأول الى قوله عليه السلام
كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر) ، فقد رواه المؤرخون كابن أبي الحديد وابن منظور وغيرهما. والفقرة التي فيها ذكرت الدجال مبهمة وهي: (يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى..)، فقد يكون دجال حركة الزنج التي وصفها الإمام عليه السلام في مطلع الخطبة ، وقد تحققت .
كما روينا أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي عليه السلام ويساعده نبي الله عيسى عليه السلام ففي كمال الدين:2/335 ، عن المفضل قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا ، فقيل له: يا بن رسول الله ، ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم). وعنه إثبات الهداة:1/517 والبحار:15/23).
وفي منتخب الأثر للشيخ الصافي/172، عن الكامل في السقيفة لعماد الدين الطبري عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: (إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين ، ومنا رسول الله ووصيه ، وسيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة ، وسبطا هذه الأمة ، والمهدي الذي يقتل الدجال) .
وروينا أن الحياة تستمر بعد الدجال ، رداً على الذين زعموا أن يأجوج ومأجوج يأتون بعده ، وتنتهي الحياة وتقوم القيامة ! ففي الكافي:5/260، عن سيابة أن رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال: جعلت فداك أسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة! فقال له: إزرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه ، والله ليزرعن الزرع وليُغْرَسَنَّ النخلُ بعد خروج الدجال) . والفقيه:3/250 ، والتهذيب:6/384 ، والوسائل:13/193 ، والغايات/88 ، وعنه البحار:103/68 ، ومستدرك الوسائل:13/461 .
وروينا أن بداية راية الدجال من بلخ في أفغانستان ، ففي البصائر/141، أن رجلاً من أهل بلخ دخل على الإمام الباقر عليه السلام فقال له: يا خراساني تعرف وادي كذا وكذا ؟ قال: نعم ، قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا ؟ قال: نعم ، قال: من ذلك يخرج الدجال ! في حديث طويل جاء فيه: ( وخروج رجل من ولد الحسين بن علي ، وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفياني). وعنه المحتضر/141 ، والبحار:26/189 و:52/190، وفي:51/68 ، عن كمال الدين .
ومعنى قوله عليه السلام : (قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا ؟ قال: نعم قال: من ذلك يخرج الدجال): أن بداية حركة الدجال من أفغانستان من قرى ذلك الوادي ، ويؤيده أنه ورد في علامات الظهور أن عَلَم الدجال يظهر في العراق ، ففي مناقب آل أبي طالب:2/108 ، في حديث مرسل عن علي عليه السلام جاء فيه قوله: (وغلبة الروم على الشام ، وغلبة أهل أرمينية ، وصرخ الصارخ بالعراق: هتك الحجاب وافتضت العذراء وظهر عَلَمُ اللعين الدجال ، ثم ذكر خروج القائم) .
كما اتفقت رواياتنا مع مصادرهم في أن الدجال من علامات القيامة ، لكن بعض أسانيدها يلتقي بأسانيدهم ، فيقع الإشكال في صحتها ، ثم في ترتيبها للعلامات . من ذلك ما في غيبة الطوسي/267 ، عن علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عشر قبل الساعة لا بد منها: السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى عليه السلام وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) . والبحار:52/209 .
كما وصفت رواياتنا من ينتحل ولاية أهل البيت عليه السلام كذباً بأنه أضر على الشيعة من الدجال ! ففي صفات الشيعة للصدوق/14 ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت لَمَنْ هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال ! فقلت: يا ابن رسول الله بماذا ؟ قال: بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا ! إنه إذا كان كذلك اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر ، فلم يعرف مؤمن من منافق). والبحار:75/391 .
كما وصفت الكذابين بأنهم مهيؤون لأن يتبعوا الدجال ! ففي الخصال/139، عن علي عليه السلام قال: إحذروا على دينكم ثلاثة: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك ، فقلت: يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك ؟ قال: الرامي . ورجلاً استخفته الأحاديث كلما أحدثت أحدوثة كذب مدها بأطول منها ! ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وكذِبَ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق... وإنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته . وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته). وكتاب سليم/405 ، وشرح الأخبار:3/391، بتفاوت ووسائل الشيعة(آل البيت):27/130 ، وابن حماد:2/520 ، بعضه ، وفيه: رجل قد استخفته الأحاديث كلما وضع أحدوثة كذب وانقطعت مدها بأطول منها إن يدرك الدجال يتبعه ).
وروينا أن المسيح يساعد المهدي عليهما السلام على الدجال ، ففي أمالي الصدوق/224، عن حماد ، عن عبد الله بن سليمان ، وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الإنجيل: (يا عيسى جِدَّ في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع ، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أتيت من غير فحل ، أنا خلقتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل . خذ الكتاب بقوة . فسر لأهل سوريا بالسريانية . بلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول . صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج والنعلين والهراوة الأنجل العينين، الصلت الجبين، الواضح الخدين ، الأقنى الأنف ، المفلج الثنايا.... ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه .
قال عيسى: يا رب وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أنا غرستها ، تظل الجنات أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبداً . فقال عيسى: اللهم اسقني منها ، قال: حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي ، أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة). انتهى. ومثله كمال الدين:1/159، وقال: وكانت للمسيح عليه السلام غيبات يسيح فيها في الأرض فلايعرف قومه وشيعته خبره ، ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون ، فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده واشتد الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين وضيعت الحقوق وأميتت الفروض والسنن وذهب الناس يميناً وشمالاً لايعرفون أياً من أي، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة). وعنه البحار:16/144 ، و:52/181 .
وأخيراً ، روينا أن أشر الناس أئمة الضلال الإثنا عشر ، من الأولين ستة ، ومن الآخرين ستة أحدهم الدجال ، كما في الخصال/457 ، قال: (اثنا عشر ، ستة من الأولين وستة من الآخرين ثم سمى الستة من الأولين ابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون وهامان وقارون والسامري والدجال اسمه في الأولين ويخرج في الآخرين) .
وفي كتاب سليم بن قيس رحمه الله /161: (قال علي عليه السلام : فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم وأنتم شهود به عن الأولين، فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربه ، ورجلان من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا سنتهم، أما أحدهما فهوَّدَ اليهود والآخر نَصَّرَ النصارى ، وإبليس سادسهم . وفي الآخرين الدجال...). والإحتجاج:1/113 .
2- أحاديث الدجال في مصادر السنيين غابة متناقضة
عندما تقرأ أحاديث الدجال في مصادرهم تجد التناقض فيها بلغَ أوْجَهُ وطفح ! وسبَّب ذلك أن بعض علمائهم صار حشوياً يقبل كل ما رُوِيَ بدون نقد وتمحيص، وهذه ظاهرة خطيرة تعلم المسلمين الهرطقة والإعتقاد بالضد والنقيض وتنسبه الى الإسلام ! كما هو الحال عند خادم قبر حجر بن عدي رحمه الله الذي سأله أحدهم: قبرُ مَن هذا؟ فقال: هذا قبر سيدنا حجر رضي الله عنه ، فسأله: من قتله ؟ قال: قتله سيدنا معاوية رضي الله عنه ، فسأله: لماذا قتله: قال: لأنه لم يسب سيدنا علي رضي الله عنه ! قال له: كلهم سيدك ؟ قال: نعم ياسيدي !
وكذلك الأمر عندهم في الدجال ، وسترى أنهم يعتقدون فيه الضد والنقيض لافرق بين عالم وعامي ! ذلك أنهم أعرضوا عن أهل البيت عليهم السلام وأخذوا عقيدتهم من كعب الأحبار ، وتميم الداري ، وتأكيدات عمر على ولادته وغيبته !
سماه اليهود المسيح الدجال بغضاً بالمسيح عليه السلام !
المهدي عليه السلام في الأديان خاتم المبعوثين لإصلاح الأرض ، وعلى يده تتحقق دولة العدل الإلهي ويُنهى الظلم البشري . والدجال في الأديان السماوية آخر حركة تضليلية تزويرية . وقد طبقه اليهود بظلمهم على المسيح صلوات الله على نبينا وآله وعليه فسموه افتراءً وبهتاناً (المسيح الدجال) ، ثم نشروا أحاديثه في المسلمين والمسيحيين ! وتبعهم رواة الخلافة والعوام !
فإذا ناقشتهم زعموا أن سموا الدجال المسيح لأن عينه ممسوحة ! لكن الملفت حقاً أن النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام سموه الدجال ولم يسموه المسيح أبداً ! فلم أجد ذلك في أي حديث صحيح عنهم عليهم السلام ! بخلاف مصادر غيرنا التي نسبت ذلك الى النبي صلى الله عليه وآله ، بل كثيراً ما تسميه بالمسيح فقط تماماً كما يفعل اليهود ! ولا عجب فرواتها تلاميذ أحبار اليهود الذين سماهم النبي صلى الله عليه وآله : (المتهوكين) !
خالفوا النبي صلى الله عليه وآله وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين !
فقد رووا الحديث الصحيح الذي نص على أن الأئمة المضلين أخطر من الدجال ، ثم رووا أن الدجال أخطر من جميع الفتن !
ففي فتن ابن حماد:2/518، عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما بين خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال !
وفي طبقات ابن سعد:7/26، الى هشام بن عامر قال: إنكم تجاوزوني إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما كانوا بألزم لرسول الله صلى الله عليه وآله مني ، ولا أحفظ مني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما بين خلق آدم والقيامة فتنة أعظم من الدجال ) ! وابن أبي شيبة:15/23 ، وأحمد:4/19 ومسلم:4/2266 ، كابن حماد ، عن عمران بن حصين . وأبو يعلى:3/126، بروايتين ، عنه وعن هشام بن عامر . والطبراني الكبير:22/174 ، عن هشام بن عامر ، والمعجم الأوسط:5/27 ، نحوه ، ولفظه: ما أهبط الله إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال ! والحاكم:4/528 ، كابن أبي شيبة وصححه على شرط بخاري ، والفردوس:4/340 ، كابن حماد ، والجامع الصغير:2/489 ، عن أحمد ومسلم وصححه ، والدر المنثور:5/354 :
وروى ابن حماد:2/517 ، عن أبي أمامة الباهلي ، رواية أخرى تنص على أن أعظم الفتن جميعاً فتنة الدجال ، وتكذب ما صح من أن فتنة الأئمة المضلين أعظم ! قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه ، وكان من قوله: يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذره أمته ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لامحالة ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم ، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف ).
وتعالَ انظر الى هذا (الرعب الديني)من الدجال برواية ابن حماد:2/518، أن النبي صلى الله عليه وآله : (تخوف الدجال وذكر من علاماته وإمارته ومقدمات أمره ، حتى ظن الملأ أنه ثايرٌ عليهم من بينهم من النخل أو خارج من النخل عليهم ! ثم قام لبعض شأنه ثم عاد وقد اشتد تخوف من حضره وبكاؤهم ! فقال: مهيم ، ثلاثاً ، ما الذي أبكاكم؟ قالوا: ذكرت الدجال وقربت أمره حتى ظننا أنه ثائر علينا ، وأنه خارج من النخل علينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه . إحدى عينه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة ).انتهى. وتبعه كثيرون في نشر الرعب احتساباً قربةً الى الله ! منهم:
مسلم في صحيحه:4/2250 ، عن نواس بن سمعان قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم ؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ! فقال: غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزي بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف . إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً . يا عباد الله فاثبتوا . قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم . قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا أقدروا له قدره . قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دراً وأسيغه ضروعاً وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ! فبينما هو كذلك إذ بعت الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم(على مأجوج) النغف في رقابهم فيصبحون فرسى(صرعى)كموت نفس واحدة .
ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله ، ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرَّسل(القطيع)حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون الحمر فعليهم تقوم الساعة ). ورواه في/2255 ، وفيه: ثم يسيرون(يأجوج)حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلمَّ فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً . وابن ماجة:2/1356 ، كمسلم بتفاوت يسير ، عن النواس الكلابي . وأبو داود:4/117 مختصراً ، عن النواس بن سمعان . والترمذي:4/510 ، كرواية مسلم الأولى بتفاوت، عن النواس بن سمعان . والبدء والتاريخ:2/193 ، كابن حماد بتفاوت ، مرسلاً . والطبراني الكبير:8/171 ، بمعناه ، عن أبي أمامة الباهلي . والحاكم:4/492 ، كمسلم وصححه على شرط الشيخين . وفي/530 ، أوله بتفاوت . وفي/536 ، عن نفير كابن حماد بتفاوت ، وصححه على شرط مسلم . وقال السيوطي في الدر المنثور:4/336: وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في البعث عن النواس بن سمعان . وفي:5/353: وأخرج أحمد والحاكم وصححه ، وأحمد:4/181 ، عن النواس كمسلم بتفاوت . وأبو داود:4/117، عن النواس، وآخر عن أبي أمامة بمعناه . وابن ماجة:2/1356 ، كأحمد بتفاوت . والترمذي:4/510 ، كأحمد وحسنه ، والحاكم:4/492 كأحمد وصححه على شرط الشيخين ! وذرى الحيوان: سنامه وأعلاه ، والخواصر والذروع: جمع خاصرة وذرع . ويعسوب النحل: ملكتها . والغرض: الهدف . والنَّغَف: في الأصل الحزام الجلدي شبهت به الحشرات التي تبعث عليهم . والزَّهم بفتح الزاي: الوغف والنتن .
ومن الواضح أنها روايات متأثرة بالإسرائيليات وبخيال الراوي كغيرها من روايات الباب ، أما المضمون النبوي الصحيح فتعرفه بملاحظة مجموع الروايات . وتلاحظ أن رواية مسلم تضمنت: (فقال صلى الله عليه وآله : غير الدجال أخوفني عليكم) لكن ذلك لا أثر له في هذا الحشد الصاخب الأسطوري عن الدجال !
وجعلوا للدجال قدرات أسطورية !
في مجموع الفتاوى لابن تيمية:35/118: (وقد قال صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله . وأعظم الدجاجلة فتنةً الدجال الكبير الذي يقتله عيسى بن مريم ، فإنه ما خلق الله من لدن آدم الى قيام الساعة أعظم من فتنته ! وأمر المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم . وقد ثبت أنه يقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت ! وأنه يقتل رجلاً مؤمناً ثم يقول له قم فيقوم فيقول أنا ربك فيقول له كذبت بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة فلايسلطه الله عليه... فهذا هو الدجال الكبير ودونه دجاجلة منهم من يدعي النبوة).
وفي الفتن لابن حماد:2/536 ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: الدجال أعور العين اليسرى ، جِفَالُ الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة وجنته نار...
وعن ابن عمر يرفعه: الدجال إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة ويسير معه جبلان جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار ، يشق الشمس كما يشق الشعرة ، ويتناول الطير في الهواء) . وأحمد:5/324 ، عن عُبَادَة بن الصامت ، كرواية ابن حماد الأولى بتفاوت يسير . وفي/397، كروايته الثانية . وكذا مسلم:4/2248 ، وأبو داود:4/116، كرواية أحمد الأولى ، وابن ماجة:2/1353 ، كرواية ابن حماد الثانية ، عن حذيفة . وحلية الأولياء:5/157 ، و:9/235، كرواية ابن حماد الأولى ، بتفاوت يسير . ومصابيح البغوي:3/498 ، كرواية مسلم ، من صحاحه ، وفي/507 ، كابن حماد من حسانه..الى آخر القائمة الطويلة !
ابن أبي شيبة:15/133 ، عن حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه ، ويتناول السحاب ويسبق الشمس إلى مغربها وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات ، وقد صور في جسده السلاح كله حتى ذكر السيف والرمح والدرق . قال قلت: وما الدرق؟ قال: الترس). الخُرص بالضم: الحلقة الصغيرة في الإذن أو غيرها وبالفتح: التخمين والظن ، والمعنى أن الدجال له قرنٌ يصنع منه الحيات .
ابن أبي شيبة:15/133، أو:8/648 ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال ، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج فإما أدرك أحد ذلك فليأت النهر الذي يراه نارا فليغمض ثم ليطأطئ رأسه وليشرب فإنه ماء بارد وإن الدجال ممسوح العين ، عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) . ومسند أحمد:5/386 ، والحاكم:4/491 ، وصححه ، ورواه بآخر أكثر تفصيلاً وأسطورة ، والأحاديث الطوال الطبراني/125، والمعجم الكبير:8/146، والدر المنثور:4/210 ، و252..الى آخر المصادر الكثيرة !
وفي عبد الرزاق:11/391 ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية (تشترك مع فاطمة بنت قيس برواية الدجال) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي فذكر الدجال فقال: إن بين يديه ثلاث سنين ، سنة تمسك السماء ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله ، فلا تبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت . وإن من أشد الناس فتنة أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنني ربك؟ قال فيقول: بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو إبله ، كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه أسنمة . قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك أليس تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه . قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لحاجة له ثم رجع ، قالت: والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به ، قالت فأخذ بلحمتي الباب وقال: مهيم أسماء(ماذا يا أسماء؟) قالت قلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال ، قال: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي من بعدي على كل مؤمن . قالت أسماء: فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينتنا فما نخبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال:يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس)! وابن حماد:2/527 ، وبعده ، عن ابن عمر ، وأحمد:6/75 76 ، عن عائشة ، وقالت: فأين العرب يومئذ ؟ قال صلى الله عليه وآله : العرب يومئذ قليل) . الى آخر ما رووه من نوع ما تقدم وأكثر منه بؤساً !
الدجال في صحيح بخاري
روى في:1/202، و:7/159/و161، و:8/103، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستعيذ في صلاته من الدجال ! فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات . ونحوه في:2/103 عن أبي هريرة ، و:5/223، عن أنس ، وفي:7/158، أن سعدً كان يستعيذ (من فتنة الدنيا أي فتنة الدجال ).
وروى ما نوافقه عليه في:8/103، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله) . وكذا في:2/223، و:8/101، عن أبي بكرة قول النبي صلى الله عليه وآله : لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان). ونحوه عن أبي هريرة .
لكن بخاري خرَّب ذلك بحديث عن أنس جاء فيه: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق...
وآخر عن أبي سعيد الخدري جاء فيه: ينزل بعض السباخ التي بالمدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون: لا ، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم ! فيقول الدجال: أقتله فلا يسلط عليه). ورواه في:8/103 .
وثالث في:8/101، عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله : يجئ الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق).انتهى.
فصار معنى تحريم المدينة عليه ، أنه ينزل في ضاحيتها فيهرب منها أهلها ! ويأتيه منافقوها ويقتل منها رجلاً صالحاً ثم يحييه !
وروى بخاري في:4/105، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أن الدجال: يجئ معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار . وفي/143، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد ، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق ! فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد). وفي:8/101: (فناره ماء بارد وماؤه نار).
وروى في:3/123 ، عن أبي هريرة أنه صار يحب بني تميم لأن الني صلى الله عليه وآله قال إنهم أشد الناس على الدجال ! ورواه في:5/115 ، وقال: وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال صلى الله عليه وآله : إعتقيها فإنها من ولد إسماعيل) ! فجعل بني تميم من ذرية إبراهيم عليه السلام !
وروى:8/158، أن جابر بن عبد الله كان يحلف بالله أن ابن الصائد الدجال ! قلت: تحلف بالله ؟ قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله فلم ينكره النبي).
وروى في:8/101، عن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله صدق قول عمر وابنه في أن الدجال قد ولد وأن النبي صلى الله عليه وآله رأى الدجال عند الكعبة وقال: بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت من هذا؟ قالوا: ابن مريم ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأنه عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال ! أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة).
وفي:7/58 و:5/126و:8/72، عن ابن عمر أن النبي رآه وقال صلى الله عليه وآله : وإذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا؟فقيل المسيح الدجال)!
أفضل ما رواه بخاري عن الدجال
أفضل ما رواه بخاري:8/101، تكذيب كل مبالغاتهم وأساطيرهم عنه حتى ما رواه بخاري نفسه ! فقد سألوا النبي صلى الله عليه وآله عما أشاعه اليهود عن الدجال: فقال للمغيرة بن شعبة: (ما يضرك منه؟! قلت: لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء ! فقال صلى الله عليه وآله : هو أهون على الله من ذلك). وأحمد:4/252، وابن حماد:2/552 ، وابن شيبة:15/129 ، و:9/82 ، وأحمد:4/246 ، وفي/248: فقال لي: أي بني وما ينصبك منه إنه لن يضرك! قال قلت: يا رسول الله إنهم يزعمون أن معه جبال الخبز وأنهار الماء . وفي/252 ، كروايته الثانية ، ومسلم:4/2257 ،و4/1354 .
أقول: هذا الحديث الصحيح عندهم ينسف كل ما رووه من تضخيم الدجال وتخويفهم الناس من خوارقه ومعجزاته ! وهذا يضع يدك على المتهوكين الذين كانوا يشيعون أساطير الدجال في المسلمين فيكذبهم النبي صلى الله عليه وآله !
لكن رغم موافقتهم لأهل البيت عليهم السلام وتكذيبهم كل ما رووه من قدرات الدجال وأساطيره وطول حماره ، ما تزال ترى أساطير اليهود في مصادرهم وتصديق عوامهم بها لأن أئمتهم سوقوا لهم المكذوب ، وضيعوا الأحاديث المطمئنة التي تنفي المكذوبات !
فالدجال عندهم يحيي ويميت ، ومعه جنة ونار ، وجبل من ثريد ، وحماره سبعون ذراعاً بذراع الله ، وينفخ نفسه حتى يملأ الطريق ، ومن يؤمن به يستغني ، ومن يكفر به يفتقر ! والمسلمون كلهم يفرون منه في الجبال ، ويلجؤون الى بيت المقدس ! الخ.
3- عقيدة اليهود في الدجال !
لكي تعرف مدى تخريب كعب والمتهوكين لعقيدة الدجال عند المسلمين ، ينبغي أن تعرف عقيدة اليهود فيه :
قال المناوي في فيض القدير:3/718: (قال البسطامي: الدجال مهدي اليهود ، ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي ، ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر مطموس يدعي الربوبية ، معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه ، وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات فلا يسمعه أحد إلا تبعه إلا من عصمة الله ! قال: ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة الزنا وسفك الدماء ، وركون العلماء إلى الظلمة والتردد إلى أبواب الملوك ، ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ومدينة الهوازن ومدينة أصبهان ، ويخرج على حمار وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ، ويستظل في أذن حماره خلق كثير ، ويمكث في الأرض أربعين يوماً ، ثم تطلع الشمس يوماً حمراء ويوماً صفراء ويوماً سوداء ، ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً فينهزم الدجال ثم يهبط عيسى إلى الأرض وهو متعمم بعمامة خضراء متقلد بسيف راكب على فرسه ، وبيده حربة فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله . إلى هنا كلامه نقلاً عن كعب الأحبار ). انتهى.
أقول: كلام كعب عن عقيدة اليهود صحيح لكنه مبتور ومضاف اليه ! فقد بتر كعب تطبيق قومه اليهود للدجال على نبي الله عيسى المسيح عليه السلام !
وقد عرفت أن وصف الدجال بالمسيح لم يصدر عن النبي وآله صلى الله عليه وآله بل أخذه الصحابة المتهوكون من اليهود ونشروه في المسلمين !
كما أضاف كعب في الثقافة التي نشرها ظهور المهدي ونزول المسيح عليهما السلام وقتالهما للدجال ، لأنه أعلن إسلامه رسمياًً فكان مضطراً لمداراة المسلمين !
وفي نفس الوقت أدخل كثيراً من مفاهيم يهوديته في عقيدة المهدي والدجال ، مثل أن الدجال عربي ، وأن المهدي عليه السلام لايحقق هدفه بل يُقتل على يد الروم ، وأن الكعبة تُهدم ومكة تخرب ، وتنتهي الدنيا بعد الدجال بقليل ، وتقوم القيامة !
وقد روى كعب أساطير اليهود عن النبي صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! بل دفع تلاميذه الى روايتها كأبي هريرة وعبدالله بن عمرو العاص وعبدالله بن عمر وغيرهم ، فرووها عن كعب كأنها أحاديث ، أو أسندوها الى النبي صلى الله عليه وآله !
في تاريخ الطبري:1/12: (وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى ، دفعاً منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام ، إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة ، وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه ! وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته ، فأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله لأمته ، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود ، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد فهو من نسل اليهود ) .