الشيعة في عهد معاوية بن ابي سفيان
معاناة الشيعة في عهد معاوية
واضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً في جميع أنحاء البلاد ، وقوبلوا بمزيد من العنف والشدة ، فقد انتقم منهم معاوية كأشد ما يكون الانتقام قسوةً وعذاباً ، فقد قاد مركبة حكومته على جثث الضحايا منهم .
وقد حكى الإمام الباقر ( عليه السلام ) صوراً مريعة من بطش الأمويِّين بشيعة آل البيت ( عليهم السلام ) ، فيقول ( عليه السلام ) : ( وَقُتلت شيعتُنا بكل بلدة ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظِّنَّة ، وكان من يُذكَر بِحُبِّنا ، والانقطاع إلينا ، سُجن ، أو نُهب مَالُهُ ، أو هُدمت دَارُه ) .
وتحدث بعض رجال الشيعة إلى محمد بن الحنفية عَمَّا عانوه من المحن والخطوب قائلين : ( فما زال بنا الشَّين في حُبِّكم ، حتى ضربت عليه الأعناق ، وأبطلت الشهادات ، وشُرِّدنا في البلاد وأوذينا ) ، وقد كانت الشيعة تشكِّل خطراً على حكومة معاوية ، فاستعمل معهم أعنف الوسائل وأشدها قسوة من أجل القضاء عليهم .
ومن بين الإجراءات القاسية التي استعملها ضِدَّهم ما يلي :
الإجراء الأول : القتل الجماعي :
أسرف معاوية إلى حَدٍّ كبير في سفك دماء الشيعة ، فقد عهد إلى الجلادين من قادة جيشه بِتَتَبّع الشيعة وقتلهم حيثما كانوا ، وقد قتل بسر بن أبي أرطاة - بعد التحكيم - ثلاثين ألفاً ، عدا من أحرقهم بالنار ، وقتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة .
وأما زياد بن أبيه فقد ارتكب أفظع المجازر ، فقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وأنزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لِمَرارته وقسوته .
وعمد معاوية إلى إبادة القوى المفكرة والواعية من الشيعة ، وقد ساق زُمراً منهم إلى ساحات الإعدام ، وأثكل أمَّهاتهم ، وأنزل الحِداد في بيوتهم ، وفيما يلي بعضهم :
فَقد رفع حجر بن عدي علم النضال ، وكافح عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، وسحق إرادة الحاكمين من بني أمية ، الذين تلاعبوا في مقدرات الأمة ، وحوَّلوها إلى مزرعة جماعية لهم ، ولعملائهم ، وأتباعهم ، لقد استهان حجر من الموت ، وسخر من الحياة ، واستلذَّ الشهادة في سبيل عقيدته .
وامتحن حجر كأشَدِّ ما تكون المِحنة قسوة حينما رأى السلطة تُعلِنُ سَبَّ الإمام علي ( عليه السلام ) ، وترغم الناس على البراءة منه ، فأنكر ذلك ، وجاهر بالردِّ على وُلاة الكوفة ، واستحلَّ زياد بن أبيه دَمه ، فألقى عليه القبض ، وبعثه مخفوراً مع كوكبة من إخوانه إلى معاوية ، وأُوقِفوا في ( مرج عذراء ) .
فصدرت الأوامر من دمشق بإعدامهم ، ونفَّذَ الجلاَّدون فيهم حكم الإعدام ، فخرَّت جثَثُهم على الأرض ، وهي مُلفَّعة بدم الشهادة والكرامة ، تضيء للناس معالم الطريق نحو حياة أفضل ، لا ظلم فيها ولا طغيان .
وفي فترات المحنة الكبرى التي منيت بها الشيعة في عهد ابن سمية ، تَعرَّض رشيد الهجري لأنواع المحن والبلوى ، فقد بعث زياد شرطته إليه ، فلما مَثُلَ عنده صاح به : ما قال لك خَليلُك - يعني : عَلياً - أنا فاعلون بك ؟
فأجابه بصدق وإيمان : تقطعون يدي ورجلي ، وتصلبوني ، فقال الخبيث مستهزئاً وساخراً : أما والله لأكذِّبن حديثه ، خَلُّوا سبيله ، وخَلَّت الجلاوزة سراحه .
وندم الطاغية ، فأمر بإحضاره فصاح به : لا نجد شيئاً أصلح مما قال صاحبك ، إنك لا تزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه ، وبادر الجلادون فقطعوا يديه ورجليه ، وهو غير حافل بما يعانيه من الآلام .
ويقول المؤرخون : إنه أخذ يذكر مثالب بني أمية ، ويدعو إلى إيقاظ الوعي والثورة ، مما غاظ ذلك زياداً ، فأمر بقطع لسانه الذي كان يطالب بالحق والعدل ، وينافح عن حقوق الفقراء والمحرومين .
ومن شهداء العقيدة الصحابي العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي ، الذي دعا له النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يمتِّعَه الله بشبابه ، واستجاب الله دعاء نبيه ، فقد أخذ عمرو بعنق الثمانين عاماً ، ولم تر في كريمتِه شعرة بيضاء ، وتأثَّر عمرو بِهَدي أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأخذ من علومهم ، فكان من أعلام شيعتهم .
وفي أعقاب الفتنة الكبرى التي مُنيت بها الكوفة في عهد الطاغية زياد بن سمية ، شعر عمرو بتتبُّع السلطة له ، ففرَّ مع زميله رفاعة بن شداد إلى الموصل ، وقبل أن ينتهيا إليه كَمِنا في جبل لِيَستَجِمّا فيه ، وارتابت الشرطة ، فبادرت إلى إلقاء القبض على عمرو ، أما رفاعة ففرَّ ولم تستطع أن تلقي عليه القبض .
وجيء بعمرو مخفوراً إلى حاكم الموصل عبد الرحمن الثقفي ، فرفع أمره إلى معاوية ، فأمره بطعنه تسع طعنات بمشاقص ، لأنه طعن عثمان بن عفان .
وبادرت الجلاوزة إلى طعنه ، فمات في الطعنة الأولى ، واحتُزَّ رأسه الشريف ، وأرسل إلى طاغية دمشق ، فأمر أن يُطاف به في الشام ، ويقول المؤرخون : إنه أول رأس طِيفَ به في الإسلام .
ثم أمر به معاوية أن يُحمل إلى زوجته السيدة آمنة بنت شريد ، وكانت في سجنه ، فلم تشعر إلا ورأس زوجها قد وضع في حجرها ، فذعرت وكادت أن تموت ، وحُمِلت من السجن إلى معاوية ، وجرت بينها وبينه محادثات دَلَّت على ضِعَة معاوية ، واستهانته بالقِيَم العربية والإسلامية القاضية بمعاملة المرأة معاملة كريمة ، ولا تؤخذ بأي ذنب يقترفه زوجها ، أو غيره .
وكان أوفى بن حصن من خيار الشيعة - في الكوفة - ، وأحد أعلامهم النابهين ، وهو من أشدِّ الناقمين على معاوية ، فكان يذيع مساوئه وأحداثه ، ولما علم به ابن سمية أوعز إلى الشرطة بإلقاء القبض عليه ، ولما علم أوفى بذلك اختفى ، وفي ذات يوم استعرض زياد الناس ، فاجتاز عليه أوفى ، فَشكَّ في أمره ، فسأل عنه ، فأُخبِر باسمه .
فأمر بإحضاره ، فلمَّا مَثُل عنده سأله عن سياسته ، فعابها وأنكرها ، فأمر زياد بقتله ، فهوى الجلادون عليه بسيوفهم وتركوه جثة هامدة .
وكان من أولياء الإمام علي ( عليه السلام ) ، ومن خُلَّص شيعته ، كما كان من شرطة الخميس ، وقد قال له الإمام ( عليه السلام ) في يوم الجمل : ( أبشِر يا عبد الله ، فإنك وأباك من شرطة الخميس ، لقد أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس ) .
ولما قُتل الإمام ( عليه السلام ) جزع عليه الحضرمي ، وبنى له صومعة يتعبَّد فيها ، وانضم إليه جماعة من خيار الشيعة ، فأمر ابن سمية بإحضارهم ، ولما مَثَلوا عنده أمر بقتلهم ، فَقُتِلوا صبراً .
وكان من عيون شيعة الإمام ( عليه السلام ) ، وفي فترات المحنة الكبرى التي امتحنت بها الشيعة أيام ابن سمية ، بعث خلفه ، فأمر بقطع يده ، ورجله ، وصلبه على جذع قصير .
وهو من أبطال العقيدة الإسلامية ، الذي ضرب أروع الأمثلة للإيمان ، فقد سُعِيَ به إلى الطاغية زياد ، فلما جيء به إليه صاح به : يا عدوَّ الله ، ما تقول في أبي تراب ؟ قال صيفي : ما أعرف أبا تراب .
فقال زياد : ما أعرفك به ؟ قال صيفي : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟
فقال زياد : بلى ، فذاك أبو تراب ، قال صيفي : كلا ذاك أبو الحسن والحسين .
وانبرى مدير شرطة زياد مُنكِراً عليه : يقول لك الأمير : هو أبو تراب ، وتقول أنت : لا ؟! فصاح به البطل العظيم مستهزئاً منه ومن أميره : وإن كذب الأمير أتريد أن أكذب ؟! وأشهد على باطل كما شهد ؟! وعندها تحطَّم كبرياء الطاغية ، وضاقت به الأرض ، فقال له : وهذا أيضاً مع ذنبك .
وصاح بشرطته : عَليَّ بالعصا ، فأتوه بها ، فقال له : ما قولك ؟ وانبرى البطل بكل بسالة وإقدام غير حافل به قائلاً : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين .
وأوعز السفَّاك إلى جَلاَّديه بضرب عاتقه حتى يلتصق بالأرض ، فسعوا إليه بهراواتهم ، فضربوه ضرباً مبرحاً حتى وصل عاتقه إلى الأرض ، ثم أمرهم بالكف عنه ، وقال له : إيه ، ما قولك في علي ؟ - وحسب الطاغية أن وسائل تعذيبه سوف تقلبه عن عقيدته - .
فقال صيفي له : والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ، ما قلت إلا ما سمعت مني ، وفقد السفاك إهابه فصاح به : لَتَلعَنه أو لأضرِبَنَّ عُنُقك .
وهتف صيفي يقول : إذا تضربها والله قبل ذلك ، فان أبَيْت إلا أن تضربها رضيتُ باللهِ وشقيتَ أنت .
وأمر به زياد أن يوقر في الحديد ، ويُلقى في ظُلُمات السجون ، ثم بعثه مع حجر بن عدي إلى الشام فاستشهد معه .
وكان من خيار الشيعة ، وقد وقع في قبضة جلاوزة زياد ، فطلب منهم مواجهة معاوية ، لعله يعفو عنه ، فاستجابوا له وأرسلوه مخفوراً إلى دمشق ، فلمَّا مَثُل عند الطاغية معاوية قال له : إيه أخا ربيعة ، ما تقول في علي ؟
قال عبد الرحمن : دعني ولا تسألني ، فهو خير لك ، فقال معاوية : والله لا أدعك .
فانبرى البطل الفَذ يُدلي بفضائل الإمام ( عليه السلام ) ، ويشيد بمقامه قائلاً : أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيراً ، والآمرين بالحق ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس ، والتاع معاوية ، فعرَّج نحو عثمان ، لعلَّه أن ينال منه ، فيستحلّ إراقة دَمه ، فقال له : ما قولك في عثمان ؟ فأجابه عبد الرحمن عن انطباعاته عن عثمان .
فغاظ ذلك معاوية وصاح به : قتلتَ نفسك ، وظن عبد الرحمن أن أسرته ستقوم بحمايته وإنقاذه ، فلم ينبرِ إليه أحد .
ولما أمِن منهم معاوية بعثه إلى الطاغية زياد ، وأمره بقتله ، فبعثه زياد إلى ( قِسِّ الناطف ) ، فَدُفن وهو حَيّ ، لقد رفع هذا البطل العظيم راية الحق ، وحمل مِعْوَل الهَدم على قلاع الظلم والجور ، واستشهد منافحاً عن أقدس قضية في الإسلام .
هؤلاء بعض الشهداء من أعلام الشيعة ، الذين حملوا مشعل الحرية ، وأضاءوا الطريق لغيرهم من الثوَّار الذين أسقطوا هيبة الحكم الأموي ، وعملوا على إنقاضه .
ولم يقتصر معاوية في تنكيله على السادة من رجال الشيعة ، وإنما تجاوز ظلمه إلى السيدات من نسائهم ، فأشاع فيهم الذعر والإرهاب ، فكتب إلى بعض عُمَّاله بحمل بعضهِنَّ إليه ، فَحُمِلت له هذه السيدات :
وقد قابلهن معاوية بمزيد من التوهين والاستخفاف ، وأظهر لهن الجبروت والقدرة على الانتقام ، غير حافل بِوَهن المرأة وضعفها .
الإجراء الثاني : هَدم دورهم :
وأوعز معاوية إلى جميع عُمَّاله بهدم دور الشيعة ، فقاموا بنقضها ، وتركوا شيعة آل البيت ( عليهم السلام ) بلا مأوى يأوون إليه ، ولم يكن هناك أي مُبرِّر لهذه الإجراءات القاسية سوى تحويل الناس عن عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
الإجراء الثالث : حرمانهم من العطاء :
ومن المآسي الكئيبة التي عانتها الشيعة في أيام معاوية ، أنه كتب إلى جميع عُمَّاله نسخة واحدة جاء فيها : ( انظروا إلى من قامت عليه البيِّنة أنه يُحبُّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه ) ، فبادر عُمَّاله في الفحص في سجلاَّتهم ، فمن وجدوه مُحباً لآل البيت ( عليهم السلام ) مَحوا اسمه ، وأسقطوا عطاءه .
الإجراء الرابع : عدم قبول شهادتهم :
وعمد معاوية إلى إسقاط الشيعة اجتماعياً ، فعهد إلى جميع عُمَّاله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره ، مبالغةً في إذلالهم وتحقيرهم .
الإجراء الخامس : إبعادهم إلى ( خُرَاسان ) :
وأراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة من الكوفة ، وكَسر شوكتهم ، فأجلى خمسين ألفاً منهم إلى ( خُرَاسان ) ، وهي المقاطعة الشرقية في فارس ، وقد دقَّ زياد بذلك أول مسمار في نعش الحكم الأموي ، فقد أخذت تلك الجماهير التي أبعدت إلى فارس تعمل على نشر التشيُّع في تلك البلاد ، حتى تحوَّلت إلى مركز للمعارضة ضد الحكم الأموي ، وهي التي أطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني .
هذا بعض ما عانته الشيعة في عهد معاوية من صنوف التعذيب والإرهاب ، وكان ما جرى عليهم من المآسي الأليمة من أهم الأسباب في ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فقد رفع ( عليه السلام ) علم الثورة لينقذهم من المِحنة الكبرى التي امتُحِنوا بها ، ويعيد لهم الأمن والاستقرار . 1 - حِجر بن عَدِي ( رضوان الله عليه ) : 2 - رَشيد الهجري ( رضوان الله عليه ) : 3 - عمرو بن الحَمْق الخزاعي ( رضوان الله عليه ) : 4 - أوفى بن حصن ( رضوان الله عليه ) : 5 - عبد الله الحضرمي ( رضوان الله عليه ) : 6 - جويرية العبدي ( رضوان الله عليه ) : 7 - صيفي بن فسيل ( رضوان الله عليه ) : 8 - عبد الرحمن العنزي ( رضوان الله عليه ) : 1 - الزرقاء بنت عدي . 2 - أم الخير البارقية . 3 - سودة بنت عمارة . 4 - أم البراء بنت صفوان . 5 - بكارة الهلالية . 6 - أروى بنت الحارث . 7 - عكرش بنت الأطرش . 8 - الدارمية الحجونية .
سلامي لكم