علي (عليه السلام) يحرك عثمان لتخليص المسلمين من بدعة عمر!
كان علي (عليه السلام) يضغط على عمر لكي تعتمد الدولة نسخة واحدة من القرآن، ولم يسمع عمر نصيحته، بل أجاز قراءة القرآن بأشكال مختلفة محتجاً بأنه نزل على سبعة أحرف، وإنه مشغول بجمعه!
ولم تمض سنوات حتى سبب عمل عمر تفاوتاً بين مصاحف الصحابة، ومصاحف أهل المدينة والشام والعراق واليمن، واختلف فيه الصبيان عند الكتاتيب والمعلمين، واختلف الناس في الأمصار، حتى وصل الإختلاف إلى الجيش العراقي والجيش الشامي اللذين كانا في فتح أرمينية بقيادة حذيفة بن اليمان، فكفر بعضهم بقرآن بعض وكاد يقع بينهم قتال، فاستكبر ذلك حذيفة وقصد المدينة وأصر مع علي (عليه السلام) على عثمان أن يوحد نسخة القرآن قبل أن تصير متعددة كإنجيل النصارى، وواصلا سعيهما حتى تمت كتابة المصحف المعروف بمصحف عثمان!
وخير شهادة لدور علي (عليه السلام) العظيم في ذلك ما قاله عبد الله بن الزبير العدو اللدود لعلي وبني هاشم، والذي بلغ من كرهه لهم أنه ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبه في مكة فعوتب على ذلك فقال: إن هذا الحي من بني هاشم إذا سمعوا ذكره أشرأبت أعناقهم، وأبغض الأشياء إليَّ ما يسرهم! وفي رواية: إن له أهيل سوء... الخ! (الصحيح من السيرة:2/153، عن العقد الفريد:4/413 ط دار
الكتاب العربي، وأنساب الأشراف:4/28، وغيرهما).
يقول ابن الزبير كما يروي عنه عمر بن شبة في تاريخ المدينة:3/99 :
(حدثنا الحسن بن عثمان قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن سوار بن شبيب قال: دخلت على ابن الزبير في نفر، فسألته عن عثمان لم شقق المصاحف ولم حمى الحمى؟ فقال قوموا فإنكم حرورية، قلنا: لا والله ما نحن حرورية. قال: قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع!! فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القراءة، فكان عمر قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة، فطعن طعنته التي مات فيها، فلما كان في خلافة عثمان، قام ذلك الرجل فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف التي كتب فيها رسول الله القرآن، فعرضناها عليها حتى قومناها، ثم أمر بسائرها فشققت). انتهى.
فقد اعترض سوار ورفقاؤه القراء على عثمان لأنه وحَّد نسخة القرآن ومزق الباقي! وقد تعودوا هم على الإختلاف وتعلموا من عمر أن القرآن نزل على سبعة نسخ كلها صحيحة!
ودافع ابن الزبير عن عثمان بأنه لم يخالف عمر، فقد كان عمر ينوي توحيد نسخة القرآن، والتنازل عن الأحرف السبعة!
وقال لهم ابن الزبير إن السبب في نية عمر تلك، أنه يوجد (رجل فيه كذب وولع)
كان يصر عليه بهذا العمل، ثم (قام ذلك الرجل) وأخذ يصر على عثمان، فجمع القرآن من مصحف خالتي عائشة!
فهذا الرجل الكبير الحكيم الذي كان السبب في توحيد نسخة القرآن هو الذي يكرهه عبدالله بن الزبير ويصفه بأنه (فيه ولع وكذب) وهو الذي واصل مسعاه مع عثمان حتى نجح في هدفه!
فمن هو هذا الشخص الحكيم الحريص على قرآن المسلمين؟!
إنه علي (عليه السلام)! الذي قلما تتحدث روايات السلطة عن دوره، لكنها تحدثت عن دور حذيفة في جمع القرآن، وهو الشيعي المطيع لإمامه!
روايات السلطة تصف تفاقم أزمة الأحرف السبعة!
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة:3/991:
(عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق وأفزع باختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من
القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا ذلك، حتى إذا نسخ المصحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). (ورواه البخاري:6/99 بتفاوت يسير. وكنز العمال:2/581، وقال في مصادره (ابن سعد، خ، ت، ن، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف، حب، ق) انتهى.) ثم أضاف ابن شبة:
(عن ابن شهاب قال: حدثني أنس بن مالك أنه اجتمع لغزوة أرمينية وأذربيجان أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة، فركب حذيفة بن اليمان إلى عثمان لما رأى من اختلافهم في القرآن فقال: إن الناس قد اختلفوا في القرآن حتى والله إني لأخشى أن يصيبهم ما أصاب اليهود والنصارى من الإختلاف، ففزع لذلك عثمان فزعاً شديداً، فأرسل إلى حفصة فاستخرج المصاحف التي كان أبو بكر أمر بجمعها زيداً، فنسخ منها مصاحف بعث بها إلى الآفاق.
عن ابن شهاب الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت أن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، ويقرأ أهل الشام بقراءة أبي بن كعب ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق! قال: فأمرني عثمان أن
أكتب له مصحفاً فكتبته فلما فرغت منه عرضه.
حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث أن بكيراً حدث: أن ناساً كانوا بالعراق يسأل أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال فإني أكفر بهذه! ففشا ذلك في الناس واختلفوا في القراءة، فكلم عثمان بن عفان في ذلك، فأمر بجمع المصاحف فأحرقها، وكتب مصاحف ثم بثها في الأجناد). انتهى.
فالسبب الأساسي الذي حرك عثمان لمعالجة فتنة الأحرف السبعة العمرية هو علي (عليه السلام)، فقد أصر على عثمان وجعله يصدر مرسوماً خلافياً به، هو وحذيفة. ويبدو أن خطبة عثمان التالية كانت بعد مجئ حذيفة قائد الجبهة الشرقية للفتوحات ومعه عدد من القادة العسكريين يحذرون من المشكلة.
قال في كنز العمال:2/582: (عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيباً فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافاً وأشد لحناً! فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماماً) انتهى.
أما ما رواه أحمد عن فزع أهل الكوفة إلى ابن مسعود وتسكيته لهم، فهو يعبر عن سياسة عمر، ولعل القضية كانت في عهد عمر! قال أحمد:1/445: (عن عثمان بن حسان
عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين ولكن جئناك حين راعنا هذا الخبر! فقال: إن القرآن نزل على نبيكم (ص) من سبعة أبواب على سبعة أحرف أو قال حروف وإن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد).
كانت مشكلة وأزمة خطيرة إذن، شملت التلاميذ ومعلميهم في مكاتب القرآن، والمصلين في المساجد، وحكام الأمصار والمجاهدين في جيوش الفتح، بسبب فتنة أحرف عمر السبعة! وكان علاجها الوحيد تدوين القرآن على حرف واحد وجمع المسلمين عليه!
حذيفة يحمل بأمر علي (عليه السلام) لواء توحيد القرآن
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:42/457: (قالت بنو عبس لحذيفة إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً. قالوا: إن عماراً لايفارق علياً! قال: إن الحسد أهلك الجسد! وإنما ينفركم عن عمار قربه من علي؟! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار. وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي). (وهو في كنزالعمال:13/532).
وقال الذهبي في السير:2/361: (حذيفة بن اليمان. من نجباء أصحاب محمد (ص)، وهو صاحب السر... حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين... عن ابن سيرين أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن إسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم... وليَ حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة... وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله (ص) ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو. وعلى يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول، رضي الله عنه.
...خالد عن أبي قلابة عن حذيفة قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله...
أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى قال: بلغني أن حذيفة كان يقول: ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله!) انتهى.
وكما كان حذيفة من حواريي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وموضع سره، صار بعده من خاصة شيعة علي (عليه السلام) وموضع سره، وهذا يؤكد أنه لايقوم بعمل مهم إلا بأمر علي (عليه السلام)، وأنه (عليه السلام) كان وراء حركة توحيد نسخة القرآن!