الشيطان لا يعبد الله تعالى، والشيطان عدو مبين للإنسان، ولا يدعو إلا إلى كل ضرر وشر، ولا يأتي من ورائه خير أبدا، فلماذا خلقه الله تعالى إذن؟.. نقول: كان الجن يعبدون الله تعالى مع الملائكة في السماء، إلا أن إبليس عصا ربه عندما أمره بالسجود لآدم استكبار وحسدًا، فطرده الله تعالى من رحمته كما قال الله تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ".. قوله تعالى (إلا إبليس)، أي إن إبليس استكبر ولم يكن من الساجد ين، وقوله تعالى (كان من الجن)؛ تعليلا على استثناء إبليس من الساجدين، وكأنه قيل: ما له لم يسجد لآدم إذ أمره ربه، فقيل كان أصله من الجن، لأن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، فإبليس لم يكن من الملائكة، وإن كان يعبد الله معهم.
يقول الإمام ابن القيم في كتابه "شفاء العليل": إن في خلق إبليس وجنوده من الحكم ما لا يحيط بتفصيله إلا الله، وإذا نحن تدبرنا الأمر، لوجدنا أن وجود الشيطان له حكم كثيرة منها:
أولاً: وجود الشيطان يجعل الناس فريقين، فريقًا يتبعوه فيكونوا من أعوان الشيطان، وفريقا آخر يجاهد الشيطان ويخالفه، ويستعيذ بالله تعالى منه، وهو فريق المؤمنين، ووجود الشيطان إذن ضروري ليتبين الخبيث من الناس من الطيب منهم، والكافر من المؤمن..
ثانيًا: خوف العباد من الوقوع في الذنوب، وذلك بعد ما علموا عصيان إبليس لربه تعالى، وما حدث بعد ذلك من غضب الله تعالى عليه، فخاف الناس من مغبة عصيانهم لله، ولولا أن علم الناس ما حدث لإبليس من حرمان من رحمة الله، ما زاد خوف الناس من ربهم عز وجل، وزاد حرصهم من أن يقع الواحد منهم في أي معصية، وبذلك خلق الله تعالى إبليس ليجعله عبرة لمن يعتبر.
ثالثًا: اقتضت إرادة الله تعالى أن يميز الخبيث من الطيب، وكان إبليس محك الاختبار والابتلاء كما قال الله تعالى في آل عمران:" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب"، وأرسل الله تعالى رسله، ولعب الشيطان بعقول الناس، فمنهم من اتبع الرسل، ومنهم من اتبع الشيطان.
رابعًا: ترتب على خلق الشيطان وقوع الناس في المعاصي بسبب وسوسة الشيطان لهم، وبالتالي كان الثواب والعقاب وكانت الجنة وكانت النار، ومخالفة كثير من الناس لأمر الشيطان، ودخولهم في رحمة الله، فصار الناس درجات متعددة ومقامات مختلفة .
خامسا: من آثار نزغ الشيطان كانت المعاصي، وبالتالي اتجه الناس إلى الصلاة وإلى الاستغفار، والله تعالى يحب من عبده إذا أخطأ أن يستغفره، وقد أخرج الإمامان أحمد وابن ماجة عن أخشب الدوسى عن أنس بن مالك (رضي الله عنهم جميعًا) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "والذي نفس محمد بيده لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله عز وجل لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم"، ذلك أن الله تعالى يحب أن يكون ملاذًا لعباده وملجأ.
وبوجود الشيطان وجد الخير والشر ، ووجدت الجنة والنار، ووجد الإيمان والكفر، ووجد المؤمنون
ووجد العصاة، بل ووجدت الحياة الدنيا كدار ابتلاء، ولولا وجود الشيطان ما وجد كل ذلك،
وما كان للحياة الدنيا أي هدف وأي مبرر، وما كان للحساب في الآخرة أية ضرورة.