يقرر علماء الشريعة وعلم النفس والتربية أهمية الأسرة في حياة الفرد والمجتمع، وما يجب أن تكون عليه دومًا من القوة والاستقرار والتماسك، والتمسك بالقيم والأخلاق، لأنها البيئة الأولى التي ينمو فيها الفرد حسيا، ومعنويا، وثقافيا، وأخلاقيا، ويتعلم الصواب والخطأ، والحقوق والواجبات، وبالتالي فإن التغير في هذه البيئة، وما يلحقه من تغيير في تركيبة العلاقات الأسرية، أو أدوار أفرادها له تأثير كبير في جنوح الأبناء وانحرافهم عن الطريق المستقيم .
ومن هذا المنطلق اهتم الإسلام أشد الاهتمام بالأسرة، وسن التشريعات التي تضمن لها التماسك والاستقرار، فلقد وصف القرآن الكريم الزوجة بأنها سكن ومودة ورحمة فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم:21) وأمر القرآن الأزواج بالإحسان إلى الزوجات فقال تعالىوَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء:19) وأمر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أحاديث كثيرة، وتحدث (صلى الله عليه وسلم) عن حقوق الزوجة حين سأله رجل: "ما حق زوج أحدنا عليه. قال:"تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه " ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" (أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة)،كما أمر القرآن النساء بالطاعة لأزواجهن فقال تعالىفَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) (النساء:34). وعلى ما سبق فإن النقل والعقل يقرران أن الأسرة هي روح المجتمع، وأنه يجب بذل الجهود في سبيل الحفاظ على كيان هذه الأسرة من الاهتزاز أو التقويض.
وانطلاقا من هذه النظرة نناقش زواج المسيار بين المتطلبات العصرية والمقاصد الشرعية ، ذلك أن هذا الزواج قد انتشر بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، خاصة في دول الخليج ، وتعدت فيه الآراء بين مؤيد ومعارض.
يعرف الشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب (المسيار) بأنه مصطلح حديث، وأسلوب جديد في العلاقة بين الزوجين لم يكن معروفًا على هذه الشاكلة من قبل، وإن كان له أصل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويراد به أن يتزوج رجل امرأة دون أن يكون لها حق عليه، فلا تطالبه بالنفقة، ولا بالإقامة عندها، ولا بالسكن، وإنما يأتيها متى شاء، ويعطيها إذا شاء، ولا تلزمه بشيء من ذلك، وهذا التنازل منها يتم باختيار المرأة ورضاها وطيب نفس ؛ لرغبتها في الزواج، وحاجتها إلى رجل يقوم برعايتها، ويكون مسئولا عنها.
أما عن الأسباب التي دعت إلي انتشار زواج المسيار والقول به فعديدة ، منها ما يتعلق بالنساء ومنها ما يتعلق بالرجال ومنعا ما يتعلق بالمجتمع. أما الأسباب التي تتعلق بالنساء في وجود عدد كبير من النساء في المجتمعات الإسلامية- وخاصة الخليجية- بلغن سن الزواج ولم يتزوجن بعد، أو تزوجن وفارقن الأزواج لموت أو طلاق ونحو ذلك. ، كذلك رفض كثير من النساء لفكرة التعدد وقد أدى هذا الرفض إلى لجوء الرجال إلى الزواج عن طريق المسيار بدافع الحرص على عدم علم الزوجة الأولى، وكذلك الخوف على كيان أسرته من الاهتزاز، كذلك حاجة بعض النساء إلى المكث في بيت أهلها لرعاية أبويها، فربما لا يوجد عائل لهم إلا هي، أو يكون عندها بعض الإعاقة التي تمنعها من تحمل مسئولية البيت، ويرغب أولياؤها في إعفافها والحصول على الذرية ولا يكلفون الزوج شيئاً.
ومن الأسباب تتعلق بالرجال: رغبة بعض الرجال في المتعة التي ربما لا يجدها مع زوجته الأولى، بسبب كبر سنها مثلا أو انشغالها مع أولادها ونحو ذلك، وهذا حق مشروع ، ومن ذلك أيضا عدم رغبة أو عدم قدرة بعض الرجال على تحمل المزيد من الأعباء، خصوصاً في العصر الحاضر والتكلفة الباهظة في الزيجات، مع رغبته في زوجة من أجل المتعة والإعفاف، وأيصًا عدم استقرار الرجل بسبب العمل في مكان بعينه، ومن الأسباب التي تتعلق بالمجتمع غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج بحيث تفوق قدرته المالية، كذلك نظرة المجتمع بشيء من الإزدراء للرجل الذي يرغب في التعدد، فيتهمه المجتمع بأنه شهواني ولا هم له إلا النساء، وقد يكون هذا الرجل بحاجة فعلية إلى امرأة تعفه لظروف خاصة قد تكون عند زوجته، مما يدفعه للبحث عن زواج فيه ستر وبعد عن أعين المجتمع، فكانت هذه الصورة.
إن التنازل عن بعض الحقوق أمر مشروع في الإسلام، إذ يجوز لكل من الزوجين أن يتنازل عن بعـض حقه، وعن حـقه كـله لصاحبه، وليس في الإسلام ما يمنع أحدهما من ذلك، بل في القرآن والسنة ما يجعل ذلك مشروعا لهما، كقوله عز وجل:" وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً".
يقول الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية: الزواج أركانه القبول والإيجاب والخلو من الموانع الشرعية لكل من الزوجين والولي والشاهدين فإذا توفرت هذه الأركان بالعقد بين الرجل والمرأة عقد شرعا وإذا اختل ركن منها فالعقد باطل والمسلمون عند شروطهم ويجوز للمرأة أن تتنازل عن حقها في المبيت عندها لأن سودة بنت زمعة قد تنازلت عن ليلتها لعائشة ويجوز أن تتنازل عن مهرها أو نفقتها لأن الله يقول "وإن طبن لكم عن شيء منه نفس فكلوه هنيئا مريئا" ـ وللمرأة أن ترجع فيما تنازلت عنه في أي وقت والله أعلم .
ويؤكد الدكتور وهبة الزحيلي - أستاذ الشريعة بالجامعات السورية- أن زواج المسيار وإن لم يحقق جميع أهداف الزواج التي شرع الله الزواج لها- ومنها تكاثر النسل والحفاظ على النوع الإنساني وإنجاب الذرية، ومنها تحقيق العفاف وصون الإنسان عن التورط في الفواحش والمحرّمات، ومنها التعاون بين الرجل ولامرأة على شؤون العيش وظروف الحياة والمؤانسة، ومنها إيجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، ومنها تربية الأولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف- إلا أنه زواج صحيح مستوفي لشروط صحة النكاح وأركانه الشرعيةً من رضا الولي والشهادة والإعلان، فإن فقد أحد هذه الشروط لم يصح عند جماعة من الفقهاء.
ونلاحظ هنا أن الزحيلي يعتبر الإعلان شرطًا من شروط صحة الزواج، في حين أن أحد موضع الإشكال في زواج المسيار، عدم إعلان النكاح بل قد يصحبه تواص بكتمانه أو تواطؤ على ذلك، بالإضافة إلى فوات كثير من مقاصد النكاح ، وظهور بعض المشكلات الاجتماعية نتيجة انتشار هذا النوع من الزواج في المجتمع الخليجي خاصة كصورة من صور الترف المادي الذي يعيشه الخليج العربي، وكغطاء شرعي لصور أخرى من زيجات يكون الهدف من وراءها المتعة فقط مقابل المال.
ولأجل ذلك يحذر الزحيلي من هذا الزواج مادام أنه لا يحقق جميع مقاصد الزواج الشرعية والإنسانية والاجتماعية على النحو الصحيح أو الأفضل.
إذن فزواج المسيار زواج شرعي جائز أوجبته ضرورات الحياة، وتطور المجتمعات وظروف العيش كما يقرر الشيخ يوسف القرضاوي، إلا أنه مكروه لأجل ما فيه من الإسرار، وإلي هذا ذهب أكثر أهل العلم، منهم: فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز-رحمه الله- ، وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية، و فضيلة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ نصر فريد مفتي جمهورية مصر العربية الأسبق ، و الدكتور يوسف القرضاوي، وفي ذلك يقول: "أنا لست من دعاة زواج المسيار ولا من المرغبين فيه، فلم أكتب مقالة في تحبيذه أو دفاع عنه ولم أخطب خطبة تدعو إليه، كل ما في الأمر أني سئلت سؤالا عنه فلم يسعني أن أخالف ضميري، أو أتاجر بديني، أو أشتري رضا الناس بسخط ربي فأحرم ما أعتقد أنه حلال"
وهناك جماعة من أهل العلم رفضوا زواج المسيار وأقروا بعدم جوازه، منهم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى - حيث قال: إن فيه مضارا كثيرة على رأسها تأثيره السلبي على تربية الأولاد وأخلاقهم.
ومن المانعون الشيخ عبد العزيز المسند، الداعية الإسلامي المعروف بالمملكة العربية السعودية، والذي تخوف من أن إباحته تؤدي إلي تلاعب الفاسقين بالنساء بغطاء شرعي، ويعتبره وسيلة من وسائل الفساد للفساق.
أما الدكتور عجيل جاسم النشمي، عميد كلية الشريعة بالكويت الأسبق فيرى أن زواج المسيار عقد باطل وإن لم يكن باطلاً فهو عقد فاسد.
ففي هذا الزواج استهانة بعقد الزواج، وأنه قد يتخذ ذريعة إلى الفساد، كما أنه يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية التي تتمثل في تكوين أسرة مستقرة، وعدم الإعلان، وما يترتب عليه من وقوع الضرر على الزوجة الأولى، لأنه سيذهب إلى الزوجة الثانية دون علمها وسيقضي وقتاً ويعاشر هذه الزوجة على حساب وقت وحق الزوجة الأولى في المعاشرة، وأخيرًا سهولة إنهاءه إذا طالبت بالنفقة وقد تنازلت عنها من قبل، ويشبه النشمي هذا الزواج بزواج المحلل وزواج المتعة من حيث الصحة شكلاً، والحرمة شرعاً.
ومن الذين قالوا بعدم إباحته أيضاً الدكتور محمد الراوي- عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف- وفي ذلك يقول: "المسيار هذا.. ليس من الزواج في شيء!!! لأن الزواج: السكن، والمودة، والرحمة، تقوم به الأسرة، ويحفظ به العرض، وتصان به الحقوق والواجبات.
وفي النهاية لا نستطيع أن نحكم علي زواج المسيار بأنه حرام بعد هذه الأدلة الدامغة من علماء الفقه والأصول، فمن حق المرأة أن تختار ومن حقها أن تتنازل عن حقها، لكنَّا في المقابل نقرر أن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده، وبما يَصلح به دنياهم وأُخراهم ، ومن أجل ذلك أقر من الحقوق والواجبات لكل منهما ما يدعم ذلك، ويَفِى به، فيجب أن تكون المرأة على حذر من التخلي عن حقوقها، لأن القلوب تتغير والأحوال تتبدل وما يرضى اليوم قد لا يرضي غدًا، وربما وقع بك ظلم خاصة في العشرة الزوجية التي قد تحتجب أو تغيب عنك فترة بعيدة، فتقعين فيما حاولت الهرب منه بذلك الزواج.