قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبى).. فأضاف الله تعالى الملائكة إلى نفسه فقال : (وملائكته) تكريمًا لهم وتشريفًا وإعلاء لشأنهم وفى هذا تشريف للنبى r لما يعود إليه من صلاة الملائكة العظام عليه.
والفعل (يصلون) الضمير فيه يعود على الملائكة ولا يعود على الله. فعطف جملة (وملائكته يصلون على النبى) على اسم الجلالة الأعظم، عَطْفُ جمل، وليس عطف مفرد.. وجملة (يصلون على النبى) جملة فعلية تدل على أن الله تعالى فرض على الملائكة الصلاة على النبى. وبهذه الصلاة على النبى يتعبد الملائكة لله تعالى.. وصلاة الله وملائكته على النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، صلاة دائمة، فهى صلاة سرمدية لا تنقطع فى أى لحظة من اللحظات. وفى هذا ترقية للنبى محمد r فى كل لحظة من اللحظات، فهو فى ترقية دائمة، فى كل لحظة يرتقى درجة أعلى... وأعلى... وأعلى.. وإلى ما لا نهاية... هل يستطيع أى عقل بشرى أن يتصور هذا ؟! هل يستطيع عقل إنسان أن يتصور مكانة رسول الله r وحدود عظمته ؟؟!... لا... لا يستطيع عقل الإنسان أن يتصور ذلك أبدًا... ولكنها الحقيقة... وكم من الحقائق السرمدية التى لا يصل إليها خيال أى إنسان!!
وفى ظل هذا التكريم الإلهى العظيم لرسوله، وهذه المكانة العليا للمصطفى عند ربه، يبدو واضحًا أن إيذاء النبى r بأى صورة من صور الإيذاء، جُرْم شنيع وبشع وملعون. فذلك يدل عليه قول الله (عز وجل): (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا). ويؤكد الله تعالى بشاعة إيذاء الرسول r أنه بمثابة إيذاء الله (عز وجل) من عبيده الملعونين فى الدنيا والآخرة. وحاش لله تعالى أن يبلغه إيذاء من خلقه، إنما التعبير القرآنى يصور الحساسية المطلقة بأن يمس أحد من الناس رسول الله من قريب أو من بعيد، وبأى صورة من صور الأذى، وهذا يصور المكانة العليا والدرجة الرفيعة للنبى عند ربه، والذى قال عنه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).. ولم لم يقل: إن الله وملائكته يصلون على الرسول ؟ ليوافق الآية التى قبلها (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله)، والآية التى بعدها (إن الذين يؤذون رسول الله) ؟! ذلك لأن الملائكة صدر لهم الأمر من الله تعالى بالصلاة على النبى قبل أن يكون رسولاً فى مكة عام 611 م.. فهم قد صلوا على النبى قبل خلق آدم بزمن طويل. كما قال رسول الله r (جعلت نبيًا وآدم بين الروح والجسد).
وجاء ذكر كلمة (النبى). (نبي) فى القرآن الكريم فى ثلاث وأربعين آية وما ذكرت كلمة النبى معرفة إلا لتدل على النبى r، وما ذكرت منكرة إلا وكانت تدل على نبى آخر. كما قال تعالى : فى كلمة (نبي) التى تعنى أى نبى من الأنبياء، ولا تعنى النبى محمدًا r. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ). وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).. فقوله تعالى : (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبى). يعنى النبى محمدًا r ولا غيره.