أكد الإسلام أول ما أكد على حسن الاختيار، واعتبره من عوامل تحقيق إسلامية الحياة الزوجية، القائمة على الوفاق والمودة بين الزوجين، فسعادة الأسرة المسلمة واستمرارها تتوقف بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على حسن اختيار كل من الزوجين للآخر اختيارا واعيا قائما على مرضاة الله تعالى وتوفيقه، ومن الأسس التي يجب أن تراعى في عملية الاختيار الدين والخلق: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله عزّ من قائل: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ"، وقال تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ".
فيجب أن يكون الدين والخلق هما أساس الاختيار الأول من الطرفين، أي يكون هم الرجل المرأة الصالحة، وأن يكون هم الفتاة وأوليائها الرجل الصالح، من يرضون دينه وخلقه، وكما قال الشعبي: من زوج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها" وجاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فظفر بذات الدين تربت يداك).
فالمرأة تنكح لهذه الأمور ولكن ذات الدين في المقام الأول، ولذلك جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" ويقول النبي عليه الصلاة والسلام "من رزقه الله امرأة صالحه، فقد أعانه على شطر دينه ـ نصف دينه ـ فليتق الله في الشطر الباقي"، فالمسلم يبحث عن المرأة الصالحة كما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه "لِما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيراً له من امرأة صالحة، إن نظر إليها سرَّته، وإن أقسم عليها أبرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" ثم تلا) فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ).
وليس معنى ذلك إهمال الجمال فالجمال أمر مطلوب، يقول الغزالي رحمه الله: "وليس أمره -صلى الله عليه وسلم- بمراعاة الدين نهيـا عن مراعاة الجمال، ولا أمرًا بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين، فوقع في النهي عن هذا، لكن الجمال ليس في العيون الزرقاء ولا الخضراء ولا السوداء، ولا العسلية، ولا الكبيرة أو الصغيرة، ولا ذات الرموش الطويلة أو القصيرة، إنما الجمال في العيون التي إذا ما نظرت إليك وأنت غاضب لم تعد غاضبـا.