مقام يحيى بن زيد رضوان الله عليه
استشهاد يحيى بن زيد
في حوالي سنة 120 هجرية، اتسع نفوذ دعاة آل العباس في خراسان ضد السلطة الأموية. وكان يحيى بن زيد الشهيد بن الإمام عليّ زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قد خرج أيضاً على الأمويين. وكان والده زيد الشهيد قد قُتل على يد الأمويين، فقصد خراسان واختفى في منزل حُريش بن عمرو في بَلْخ، وكان الحاكم الأموي آنذاك هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان بن الحكم.
في عام 125 الهجريّة بعث إلى عامله على خراسان نَصر بن سيّار أنّ يحيى بن زيد في منزل حريش في بَلخ. فأمر نصر بن سيّار عقيلَ بن مَعقِل العِجلَيّ والي بلخ أن يقبض على يحيى، فأتى عقيل العِجليّ بحريش وجَلَده ستّمائة جَلدة، ولكنه لم يَشِ بمكان يحيى.
إلاّ أن قريش بن حريش خَشِيَ على والده من الهلاك، فقام بتسليم يحيى وأصحابه إلى عقيل، فحبسه نصر بن سيّار في قلعة مرو. ثمّ إنه طلب من الوليد أن يعفو عنه، فوصل نصر بن سيار أمر الوليد بإطلاقه، فأكرمه بألفَي درهم، وبغلَين، واسترضاه (وعلى قول اليعقوبي: إن يحيى فرّ من السجن).
ترك يحيى بلخ، قاصداً سَرخس وبَيْهق، والتحَمَ في معركةٍ بسبعين نفراً من أصحابه مع عمرو بن زُرارةَ الوالي الأموي على نيسابور، الذي واجهه بجيش تعداده ألف مقاتل.
لم يشترك الخراسانيون في المعركة، وانهزم جيش عمرو، وقُتل عمرو نفسه في المعركة. وتوجّه يحيى بن زيد إلى هَرات وسرَخس وبارغيس. ولأنّ سَلَم بن أحوَز الهلالي قائد جيش نصر بن سيّار كان في ذلك الوقت يتعقّبه، فإن يحيى وأصحابه قصدوا جَوْزَجان، وهناك التحم الطرفان في معركة في قرية أرغوي ( تعرف اليوم بقراغوي ) في جَوزَجان، وقُتل يحيى على يد سَورَة بن محمد في شهر شعبان عام 125 الهجري.
المزار
أما موضع دفن الشهيد يحيى فإنّه على مسافة حوالي كيلومتر واحد ونصف الكيلومتر إلى الشرق من مدينة سَربُل ( رأس الجسر ) الحالية، والتي تقع في شمال أفغانستان بين بلخ ومَيمَنة، وهو يُعرف هناك بـ ( إمام خُورد ).
ويعود بناء مرقده إلى العصر السلجوقي، كما يبدو من الخطوط الكوفية التي تزيّنه والتي تعود إلى فن ذلك العصر.
إن اسم مدفن الشهيد يحيى ذُكر في مروج الذهب للمسعودي ( أرعونة )، وفي عُمدة الطالب لابن المهنّا ( أرعوي )، وفي دائرة المعارف الإسلاميّة ( أرغو )، وكلّها تصحيفات لكلمة ( أرغوي ): القرية التي تقع في جَوزَجان، واستمدّت شهرتها من مرقد الشهيد يحيى.
وقد ذكر دعبل بن علي الخزاعي في تائيته الشهيرة جَوزَجان، إذ قال:
قـبـورٌ بكوفانٍ، وأخـرى بطَيبة وأخـرى بفَخٍّ نـالَـهـا صَلَواتي
وأخرى بأرضِ الجَوزَجانِ محلّها، وقـبـرٌ بـباخَمرى لدى القُرُباتِ
وعلى المرقد توجد كتابة بالعربية، نصّها:
« بسم الله الرحمن الرحيم. هذا قبر السيّد يحيى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، قُتل بأرغوي يوم الجمعة شهر شعبان سنة خمس وعشرين ومائة، قتله سَلَم بن أحوَز في ولاية نصر بن سيّار في أيام الوليد بن يزيد لعنهم الله.
« ممّا جرى على يدَي أبي حمزة أحمد بن محمد غفر الله له ولوالديه هذه القبة أبو عبدالله بن شاذان الفارسي ( القادسي ) ومحمد وعلي، اغفر له ولوالديه برحمتك يا أرحم الراحمين.
ممّا عمل أبو نصر محمد بن أحمد البنّاء الترمذي غفر الله له ولوالديه ».
وعلى الجهة المذهّبة من الرواق كُتب:
« ممّا أمر ببناء هذه القبة الشيخ الجليل أبو عبدالله محمد بن شاذان الفارسي حشره الله مع محمد وأهل بيته ».
ولم يُعرف محمد بن شاذان الفارسي هذا، ولكن على قول ابن خلّكان:
هناك علي بن شاذان كان في العصر السلجوقي مُعتَمَداً على مدينة بلخ،
وكان كاتباً في أوائل عمل الوزير المعروف الحسن بن علي الطوسي ( 408 ـ 485 هجري ).
وقد زار أ. د. هـ. بيوار أحد المحققين الانجليز في آب / أغسطس 1964 جوزجان،
والتقط عدداً من الصور للمرقد والمزار والكتابات التي عليه،
وكتب دراسة نُشرت عام 1966 في تقرير مكتب الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن.