الغيبة الصغرى و الـسفـراء الإربعـة الشيخ فاضل المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيـد:
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، لاسيما بقيّة الله في الارضين سيدنا ومولانا الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره والشهداء بين يديه.
يقع الكلام في موضوع الغيبة الصغرى، وفي هذا الموضوع عدّة مجالات للحديث، وخير مستهلّ نستهلّ به هذا البحث هو ما رواه النعماني أعلى الله مقامه الشريف في كتاب الغيبة بعدّة طرق عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:
«للقائم غيبتان ـ وفي لفظ: أنّ لصاحب هذا الامر غيبتين ـ إحداهما قصيرة والاخرى طويلة: فالاولى يرجع فيها إلى أهله يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته، والاخرى يظهر فيها ولا يُدرى أين هو يشهد الموسم يرى الناس ولا يرونه ولا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دينه ويقال فيها: هلك في أي واد سلك»(1).
____________
1 ـ الغيبة للنعماني: 170 ـ 176.
===============
( 8 )
هناك كلام في دراية هذا الحديث من عدّة جهات:
الجهة الاولى:
أنّ الامام صلوات الله عليه أنبأ عن غيبة صاحب الامر (عليه السلام) قبل مولده، وهذا في الواقع جزء من مخطّط متكامل في الشريعة الاسلامية، بدأ بالنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قضيّة التبشير والانباء والاخبار عن أصل قضية ظهور صاحب الامر (عليه السلام) وغيبته وعن تفاصيل بعض هذا الموضوع، وما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) في موضوع الغيبة جزء من هذا المخطط؟
فالعمليّة عمليّة إعداد للامّة لكي تستقبل هذا الامام الثاني عشر صلوات الله وسلامه عليه بما يحف إمامته من خصوصيات، ومن أهم وأبرز هذه الخصوصيات قضية غيبته (عليه السلام)، فكان ما ورد من الرسول والائمة الاطهار (عليهم السلام) في هذا المورد عبارة عن عملية تعبئة نفسيّة للامة الاسلامية لاستقبال هذا الحدث المهم، حدث الغيبة.
الجهة الاخرى:
أن هذا الحديث قسّم الغيبة إلى قسمين: غيبة قصيرة وغيبة طويلة، وربّما يعبّر عنها بالصغرى والكبرى، وبتعبير المفيد (قدس سره) القصرى والطولى(1).
____________
1 ـ الارشاد: 346.
===============
( 9 )
هنالك غيبة قصيرة وغيبة طويلة كما نعلم، القصيرة التي نتكلّم عنها، وهنالك عدة جهات للبحث في هذه الغيبة القصيرة ستأتي إن شاء الله قبل الافاضة فيها.
بقية جهات هذا الحديث الشريف على نحو الاجمال:
هنالك غيبتان بحسب فرض هذا الحديث الشريف، وكذلك نعتت الغيبة الصغرى القصيرة بأنه يرجع فيها إلى أهله، والمقصود هنا بأهله ليس المعنى المتعارف، إنما المقصود بأهله هو ما عبّرت عنه الرواية في لفظ آخر: «يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته»، فالمقصود من أهله: الخاصة من شيعته، يعني النواب الخاصون، وكذلك الوكلاء الذين وكّلهم (عليه السلام) في القضايا الجزئية أو القضايا الشخصية، كما سيأتينا أيضاً إن شاء الله تعالى أن للامام (عليه السلام) في غيبته الصغرى نوعين من النواب: هناك النواب العامون عن الامام (عليه السلام) وهم الاربعة، وهناك النواب الخاصون، والمقصود بالخاصين يعني في القضايا الجزئية والشخصية، هناك مقابلات في قضايا محدّدة ووقائع محدّدة نصّ عليها المؤرّخون جرت بين الامام سلام الله عليه وبين بعض الخواص.
فإذن المقصود هنا بالاهل ليس خصوص الاهل بمعنى الاسرة التي يرجع إليها، ذلك أمرٌ آخر ليس الحديث في صدده، الحديث ليس في
===============
( 10 )
صدد غيبته عن أسرته، الحديث في صدد غيبته عن أمّته وشيعته، يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، وقد قلنا بأنّ المقصود هو النوعان من النواب، النواب العامون في زمن الغيبة الصغرى، والمقصود منهم هم الذين ينوبون عن الامام سلام الله عليه في مختلف المسائل التي خوّلوا فيها.
ومن الطبيعي أنّ هناك مختصات للامام سلام الله عليه طبق مقام إمامته وولايته ومركزه وموقعه، لا نتكلّم عن ذلك العالم، ذلك عالم آخر لمقامهم صلوات الله عليهم، إنّما نتكلّم في حدود الصلاحيات العامّة التي يفوّضها (عليه السلام) لهؤلاء النواب العامين طبق الشروط والظروف الموضوعية القائمة آنذاك.
النيابة العامة :
مقصودنا هنا من النيابة العامة ليس اصطلاح النيابة العامة في عهد الغيبة الكبرى، في عهد الغيبة الكبرى يراد من النيابة العامة هي النيابة التي لم تحدّد بالتشخيص لشخص النائب، إنّما حدّدت بعنوان عام ينطبق على هذا الفقيه أو على ذلك الفقيه، فيعبّر عن الفقهاء في عصر الغيبة بأنّهم نواب عامون.
هنا صفة العموميّة في النائب العام في زمن الغيبة المقصود منها العموميّة بلحاظ العنوان المعيّن، العنوان المشخّص، عنوان الحوالة، الامام حينما يحيل في زمن الغيبة الكبرى لا يحيل على أشخاص معيّنين بأسمائهم إنّما يقول بعنوان عام، مثلاً: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا
===============
( 11 )
فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله»(1)، فالعموميّة هنا بلحاظ صيغة التعيين، والتعيين تمّ بالنوع ولم يتمّ بالشخص، ففي زمن الغيبة الكبرى المقصود من النيابة العامة العمومية بلحاظ صيغة التعيين.
أما النيابة العامة في الغيبة الصغرى، فالمقصود منها العمومية بلحاظ الصلاحيات لا بلحاظ صيغة التعيين، فإنّ صيغة التعيين في النيابة العامة في الغيبة الصغرى صيغة شخصيّة، يعني الامام سلام الله عليه ينصّ على أسماء النواب، مثلاً يقول: عثمان بن سعيد وكيلي، محمد بن عثمان وكيلي، لكن في تمام الصلاحيات، فالعمومية في النيابة العامة في الغيبة الصغرى ناظرة إلى دائرة الصلاحيات، وأما العمومية في النيابة العامة في الغيبة الكبرى فناظرة إلى مصدر الصلاحية وإلى منبع هذه الصلاحية وطبيعة أو صيغة التشخيص أو التعيين.
النيابة الخاصة:
ويقابل النيابة العامة بذلك المعنى في الغيبة الكبرى النيابة الخاصّة، النيابة الخاصة التي تقابل النيابة العامة فى الغيبة الكبرى هي عبارة عن النيابة التي تكون بتشخيص شخص معين بخصوصه، فيعبّر عنها الخاصة، وهذه النيابة الخاصّة هي: عبارة عن تعيين النائب بخصوصه، وقد تسمّى نيابة عامة بلحاظ سعة دائرة صلاحياته.
____________
1 ـ كمال الدين: 484 ح 4، الغيبة للطوسي: 291 ح 247.
===============
( 12 )
النيابة الشخصيّة :
وهنالك نيابة شخصيّة قد يعبّر عنها لئلاّ يقع الخلط بين المصطلحات، ويمكن أن نعبّر عنها بأنّها نيابة شخصيّة في زمن الغيبة الصغرى، ويراد منها النيابة في قضايا شخصية أو في مسائل جزئية، كما استناب الامام سلام الله عليه أحمد بن إسحاق الاشعري القمي رضوان الله عليه في بعض المسائل الشخصيّة وأبو الاديان البصري(1) وما شاكل، لكن لم يكن أبو الاديان ولا أحمد بن إسحاق من الابواب العامين والسفراء الاربعة، إنّما كانت وكالتهما عن الامام سلام الله عليه في قضايا خاصة وجزئية، وكما يعبر: قضية في واقعة.
فاذن المقصود هنا بخاصة شيعته (عليه السلام) في زمن الغيبة الصغرى أنّهم يعلمون بمكانه، المقصود هو السفراء الاربعة الذين سيأتي الكلام فيهم، مضافاً إلى النواب الذين ينوبون عنه (عليه السلام) في بعض المسائل الجزئية.
تثنية الغيبة :
تقول الرواية: «والاخرى يظهر فيها»، الاخرى: يعني الغيبة الكبرى، يظهر فيها: يعني في آخرها بقرينة ما سيأتي من فقرات، يظهر فيها: يعني أن ظهوره (عليه السلام) إنّما يكون في الغيبة الكبرى، يعني في نهاية الغيبة الكبرى يكون ظهوره (عليه السلام).
ومن هذا نفهم شيئاً وهو: أنّه لا ظهور بعد الغيبة الصغرى، بخلاف
____________
1 ـ كمال الدين: 475.
===============
( 13 )
المرتسم في بعض الاذهان: أنّ الفرق بين الغيبتين أو تثنية الغيبتين بلحاظ أنّ الامام سلام الله عليه غاب في الغيبة الصغرى ثم ظهر ثم غاب، هذا وهم في الواقع، الامام سلام الله عليه لم يظهر بالمعنى الذي نريده من الظهور حتّى يفرق بين المرحلتين بأنّ الامام غاب مثلاً سبعين سنة ثم ظهر للعيان بشكل عادي ثم غاب الغيبة الكبرى.
إذن ما هو الوجه في التثنية للغيبة؟ يقال: غيبة صغرى وغيبة كبرى؟
الوجه: ليس قضية الظهور وعدم الظهور، بل لم يظهر الامام عليه السلام في كلتا الغيبتين وفي تمام الفترتين وفي الفاصل بين الفترتين، كما إنه ليس الفارق بين الغيبتين هو عبارة عن قصر وطول المدّة فقط.
إذن ما هو المدار على تثنية الغيبة؟
المدار في واقع الامر على طبيعة تعامل الامام سلام الله عليه في الغيبة الصغرى مع قواعده الشعبية، أو طريقة تعامله مع قواعده الشعبية في الغيبة الصغرى عنها في الغيبة الكبرى:
في الغيبة الصغرى طريقة تعامله ولقائه وتماسّه مع قواعده الشعبية هو عن طريق السفراء الذين سيأتي الحديث عنهم إن شاء الله، أمّا في الغيبة الكبرى فطريقة تماسّه (عليه السلام) لم يكن عن طريق سفراء خاصين، إنّما كان عن طريق النواب العامين، عن طريق الفقهاء.
فالفرق بين هاتين الفترتين: أنّه في تلك الفترة القصيرة كان هناك سفراء يلتقي الامام سلام الله عليه من خلالهم مع قواعده الشعبية، وأمّا
===============
( 14 )
في الغيبة الكبرى فلم يكن هناك سفراء بذلك المعنى، فلهذا للتفرقة بين هاتين الفترتين عبّر عن الغيبة الاولى بأنّها غيبة صغرى وعبّر عن الثانية بأنها غيبة كبرى، وإلاّ لم يفصل ظهور بين الغيبتين، ولهذا قال(عليه السلام): «والاخرى يظهر فيها».
غياب هويّة أم غياب شخصيّة
في بعض الفاظ الحديث فقرة: «والاخرى يظهر فيها» جاءت متأخّرة، يعني هكذا: «والاخرى لا يُدرى أين هو، يشهد الموسم، يرى الناس ولا يرونه»(1) «ولا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه في دينه»(2).
هذه العبارة محلّ بحث وتحليل ومحلّ تدقيق في واقع الامر.
فما المقصود من أنّه في عهد الغيبة الكبرى لا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دينه؟
هذا يستدعينا المرور بمدلول غيبته (عليه السلام)، فما هو معنى غيبته؟
هل إنّ غيبته كما يتصوّر البعض غياب شخصيّة؟ يعني شخص الامام، هذا الشخص، هذه الشخصيّة الطبيعيّة تغيب؟ أو أنّ المقصود بالغياب غياب هويّة، إنّ هذه الشخصيّة الطبيعيّة موجودة تعيش فيما بين
____________
1 ـ الغيبة للنعماني: 117.
2 ـ الغيبة للنعماني: 155.
===============
( 15 )
الناس ولكنها لا تشخص، هذا المعبر عنه بغياب الهويّة.
والصحيح أنّ غيابه (عليه السلام) غياب هويّة لا غياب شخصية، فإنّ شخصه سلام الله عليه موجود، ولكن الناس لا يشخصونه ولا يعرفونه بشخصه وبهويّته، ولهذا يقول: «يشهد الموسم يرى الناس ولا يرونه ولا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دنيه»، باعتبار أنّ غياب الامام غياب هويّة لا غياب شخصيّة، فالشخص موجود، ولكن هذا الشخص المقدس صلوات الله وسلامه عليه يمكن أن يلتقي به بعض الابدال وبعض الاوحديين وبعض الافذاذ من الناس ممّن يليق أن يفوز بلقاء الامام صلوات الله وسلامه عليه ورؤية طلعته المباركة.
وهذا بابٌ واسع عقد له الميرزا النوري أعلى الله مقامه كتاباً في هذا المعنى فيمن رأى الامام المهدي سلام الله عليه في الغيبة الكبرى، وكذلك عقد له السيد البحراني كتاباً سمّاه تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي سلام الله عليه، وهنالك ملحق في بحار العلامّة المجلسي رحمه الله فيمن التقى بالامام سلام الله عليه في عهد الغيبة الكبرى(1).
وفي الجملة، هنالك لقاءات، ولكن هذه اللقاءات إنّما هي حجة على أصحابها، لان في زمن الغيبة الكبرى نعلم أنّ الامام سلام الله عليه لم يعيّن سفيراً خاصّاً، فلا يسعنا أنّه كل ما جاءنا شخص وقال: أنا سفير الامام، أنا رأيت الامام، أن نرتّب الاثر، نعم لا يسعنا أن نكذّبه، خاصّة إذا
____________
1 ـ البحار 53: 200.
===============
( 16 )
كان مؤمناً ظاهر الايمان ظاهر العدالة، لا نواجهه بالكذب، ولكن في نفس الوقت لا يترتب أثر شرعي على دعواه أنّه رأى الامام سلام الله عليه.
وأحياناً ربما تقوم قرائن على كذب بعض المدّعين، وما أكثر المدّعين للرؤية، سواء في الغيبة الصغرى أو في الغيبة الكبرى، كما أن هنالك من ادّعى المهدويّة، وهنالك من ادّعى السفارة، وهنالك من ادّعى الرؤية، نحن لا نتكلّم عن أن هنالك أشخاصاً قد يدّعون كذباً أو زوراً الرؤية، هذا عالم آخر، إنّما نتكلم عن أصل المبدأ من حيث المبدأ (امكان رؤيته (عليه السلام).
الامام باعتبار أنّ غيابه غياب هويّة لا غياب شخصيّة، فشخصه صلوات الله عليه يمكن أن يفوز بلقائه الاوحدي من الناس، ولكن من هو الاوحدي من الناس؟ ذاك علمه عند ربي، «ولا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دينه ويقال فيها: هلك في أي واد سلك» في هذه الغيبة الكبرى.
تعقيب على بحث تثنية الغيبة:
وفي بعض الالفاظ قال: «يظهر فيها»، ويظهر بقرينة الفقرات السابقة يقصد به أنّ الظهور المكتوب له سلام الله عليه حيث يملا الله تعالى به الارض قسطاً وعدلاً بعد أن تُملا ظلماً وجوراً، إنمّا يكون في آخر المطاف وفي آخر هذه الغيبة الكبرى، فالامام سلام الله عليه قيّد هذه الغيبة الكبرى بأنّ الظهور فيها، بينما الغيبة الصغرى لم يذكر فيها ظهور، وهذا يؤيّد ما ذكرناه قبل قليل بأنّ الفاصل بين الغيبتين الصغرى
===============
( 17 )
والكبرى ليس قضية الظهور ـ أنّه ظهر بعد سبعين سنة مثلاً للعيان ثم غاب فرآه الناس ثم غاب ثم يظهر ليراه الناس ـ لا، بل إنّ له (عليه السلام) بعد غيبته الاولى ظهوراً عاماً علنياً واحداً، وهو حيث يأذن الله تعالى له بالفرج، فيقوم بأمر الله تبارك وتعالى ويملا الله به الارض قسطاً وعدلاً.
ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ ـ شيخ الطائفة أعلى الله مقامه ـ في غيبته عن جماعة من الشيعة منهم الحسن بن أيوب بن نوح:
أنه اجتمع أربعون رجلاً من أصحاب الامام العسكري (عليه السلام) عنده يسألونه عن الحجة بعده، وإذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام)، فقال: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر...» الى آخر الحديث(1)، يختمه صلوات الله عليه بالتنويه بظهوره بعد الغيبة الكبرى، يعني بظهوره لاقامة الدولة الاسلاميّة العالميّة.
فإذن من هذا يظهر أيضاً التأكيد لما قدّمناه سابقاً من أنّه الفاصل بين الغيبتين ليست قضية الظهور للعيان ثم الغياب، وإنّما التعبير بالصغرى والكبرى للنقطة التي بيّناها قبل قليل، لانّه طريقة التماس للقواعد الشعبية في الغيبة الصغرى كان هو عبارة عن السفارة والسفراء، بينما في الغيبة الكبرى كان عبارة عن طريق الفقهاء.
وبعد هذا البيان الذي استعرضنا من خلاله جملة من النقاط على ضوء هذا الحديث الشريف، هذه النقاط التي بحثت بعنوان دراية هذا الحديث بنحو اجمالي، ندخل في صلب البحث.
____________
1 ـ الغيبة للطوسي: 357 ح 319، كمال الدين للصدوق: 435 ح 2.
===============
( 18 )
===============
( 19 )
===============
( 20 )
جـدول البحـث
أما نفس جدول البحث وخطة البحث: أوّل ما يواجهنا في قضيّة الغيبة الصغرى: أنّه ما هو مفهوم الغيبة،
أو ما هو مدلول الغيبة؟ وهذا لعلّه تبين في أثناء البحث أن المقصود بغيبته سلام الله عليه هو عبارة عن غياب هويّة لا غياب شخصيّة.
وفي نفس الوقت هنالك أبحاث تسبق هذا البحث لا نطرقها، باعتبار أنّ حديثنا جزء أو حلقة من سلسلة أبحاث قدّم جملة من هذه الحلقات عدد من العلماء والفضلاء، وهذه الحلقة هي بواقع الامر جزء متمّم في هذه السلسلة.
هنالك أبحاث سابقة على هذا البحث: من قبيل مسألة ولادته(عليه السلام)، والمفروض أن الحديث عن غيبته بعد أن تحرز ولادته سلام الله عليه وأن يُحرز وجوده (عليه السلام)، هاتان نقطتان مهمتان يحرز أنّه ولد ويحرز أنّه غائب وليس بميّت، هذه نقطة ثانية.
والنقطة الثالثة هو إحراز أنّ له سلام الله عليه سفراء في هذه الغيبة.
وهنالك أسئلة أخرى ترتبط في موضوع أصل الغيبة وفي أصل
===============
( 21 )
إمامته سلام الله عليه أنّه كيف يتولّى الامامة في سن مبكر، هذه المسألة، أيضاً تكفّلت بها بحسب الفرض أبحاث سابقة هي خارجة عن محلّ بحثنا.
وفي مسألة أصل إمامته سلام الله عليه، يعني بكونه الامام الثاني عشر من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل البيت صلوات الله عليهم بدءاً بأمير المؤمنين (عليه السلام) وختماً بصاحب الامر (عليه السلام) بحث.
في أصل كونه الامام الثاني عشر بحث.
في تولّيه الامامة في سنّ مبكر بحث.
في مسألة ولادته بحث.
في مسألة استمرار وجوده حتى يغيب لا أنّه مات بحث.
في مسألة أنّه غاب واستسفر سفراء أربعة في طي غيبته (عليه السلام)بحث.
الابحاث السابقة فيما يتعلّق بإمامته، بمبكّريّة إمامته، بولادته، بوجوده (عليه السلام) واستمراره رابعاً، وقضيّة طول عمره أيضاً بحث خامس.
أنّه كيف يعمّر هذه الفترة الطويلة هذا أيضاً بحث آخر.
كل هذه الابحاث كما لا يخفى تفترض في حديثنا الان، تفترض بعنوان أصول موضوعيّة مسلّمة، لا نتكلم عنها ونفترضها أمور مسلّمة، فمحط ركابنا في واقع الامر هو عبارة عن نفس الغيبة الصغرى في مفهومها، وكذلك في سفراء الامام سلام الله عليه في هذه الغيبة، وطريقة تماس الامام سلام الله عليه بقواعده الشعبية.
===============
( 22 )
كما تعلمون أنّ هنالك بحثاً آخر، هذا البحث ربما لا يتسع له المجال:
أنّ الامام سلام الله عليه في هذه الفترة الطويلة كيف تستفيد الامّة من وجوده (عليه السلام)، وهذا البحث باعتبار أنّه غير مختص بالغيبة الصغرى، إنّما هو وارد على التقديرين، على تقدير الغيبة الكبرى وتقدير الغيبة الصغرى.
هذه جملة مباحث لها مجالات أخرى، إنّما الكلام في أصل الغيبة الصغرى.
===============
( 23 )
===============
( 24 )
الغيبة الصغرى
تمهيد الائمة(عليهم السلام) لغيبة الامام (عليه السلام)
من خلال ما تقدّم عرفنا أنّ الائمة صلوات الله عليهم هيأوا الاذهان، أذهان الامة لتقبل قضيّة غيبة الامام سلام الله عليه، أنّكم يا معشر الناس ستواجهون إماماً يغيب عن أنظاركم، يعني أنّكم من عهد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه إلى عهد الامام العسكري سلام الله عليه إمامكم بين ظهرانيكم وعلى رؤوسكم بمرأى ومسمع منكم، أما أنّكم ستواجهون إماماً هو الامام الثاني عشر سلام لله عليه، وهو إمام مغيّب عن الانظار، باعتبار أنّ هذه التجربة تجربة جديدة، فاجتمعت في الامام المهدي سلام الله عليه عدّة خصوصيات في واقع الامر، وخصوصيات في غاية الخطر، يعني فضلاً عن كونه الامام الثاني عشر.
المسألة الاولى: مسألة مبكرية إمامته (عليه السلام)، وقد يقال إنّها ليست بالتجربة الجديدة، لان المبكرية في الامامة سبقه فيها جدّاه الجواد والهادي سلام لله عليهما، الامام الجواد تولّى الامامة وسنّه قرابة ثمان سنوات أو سبع سنوات، والامام الهادي أيضاً كذلك تولّى الامامة وسنّه
===============
( 25 )
قرابة ست سنوات، فربما يقال إنّ هذه المسألة أصبحت مأنوسة ومألوفة للامة، وكأن العناية الالهية درّبت الامة على قبول الامامة المبكّرة تدريجياً، فبدأت بامامة الجواد (عليه السلام) في ما يقارب ثماني سنوات، ثم الهادي (عليه السلام) في قرابة الست سنوات، ثم الامام المهدي (عليه السلام)في الخمس سنوات .
المسألة الثانية: مسألة غيبته (عليه السلام)، إمام غائب بأي معنى؟ وكيف؟ ولماذا؟.
والمسألة الثالثة: التي هي في غاية الخطر أيضاً: مسألة ظهوره صلوات الله وسلامه عليه، وإقامة الدولة الاسلامية العالمية التي يملا الله به الارض قسطاً وعدلاً بعد أن تُملا ظلماً وجوراً.
هذه ملامح ثلاثة في غاية الخطر في شخصية صاحب الامر صلوات الله عليه، ومن جملة هذه الملامح نفس موضوع الغيبة:
الغيبة تجربة جديدة للامّة، ربما الامة جرّبت غيبة قصيرة تمتد مثلاً أيام أو شهر لبعض السابقين صلوات الله عليهم، ولكن غيبة في تمام فترة الامام إلى أن يأذن الله في الفرج بهذا الطول وبهذا الشكل، هكذا تجربة لم تمرّ بها الامة الاسلاميّة سابقاً، فالامّة بحاجة إلى أن تألف هذه التجربة، بحاجة إلى أن تقنع بهذه التجربة، بحاجة إلى أن تسمع بها وتكون مأنوسة لها حتى لا تفاجأ بقضيّة غيبته، فلهذا كان الائمة الاطهار سلام الله عليهم(1)، بل حتى في أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في ما يرويه علماء
____________
1 ـ راجع كتاب الامام المهدي (عليه السلام) للسيد صدر الدين الصدر.
===============