فضل السحور في شهر رمضان المبارك
فمن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني ، وإلى أبي جعفر بن بابويه رحمهما الله ، باسنادهما الى جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تدع امتي السحور ، ولو على حشفة تمرة ( 1 )
ومن ذلك باسنادنا الى أبي جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، قال : وروي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : ان الله تبارك وتعالى وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار ، فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء ، وأفضل السحور السويق والتمر ، ومطلق لك الطعام والشراب الى ان تستيقن طلوع الفجر . ( 2 )
ومن ذلك ما رواه علي بن حسن بن فضال في كتاب الصيام باسناده الى عمره بن جميع عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تسحروا ولو بجرع الماء ، الا صلوات الله على المتسحرين . ( 3 )
فصل ( 22 ) فيما نذكره مما يقرء ويعمل من آداب السحور
فمن ذلك ما رويناه باسنادنا الى محمد بن يعقوب باسناده الى أبى يحيى الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من مؤمن صام فقرء : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) عند سحوره وعند افطاره ، الا كان فيما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله .
* ( هامش ) *
1 - عنه البحار 97 : 343 ، رواه الكليني في الكافي 4 : 95 ، والشيخ في مصباح المتهجد 2 : 626 ،
التهذيب 4 : 198 ، والصدوق في الفقيه 2 : 135 ، عنهم الوسائل 10 : 143 .
2 - عنه البحار 97 : 393 ، رواه الصدوق في الفقيه 2 : 137 ، والمقنع : 64 ، والشيخ في التهذيب 1 : 408 ،
والمفيد في المقنعة : 50 ، عنهم الوسائل 10 : 146 .
3 - عنه البحار 97 : 344 ، المستدرك 7 : 358 ، رواه الشيخ في مصباحه 2 : 626 ، التهذيب 4 : 198 ،
أماليه 2 : 111 ، والمفيد في المقنعة : 50 ، عنهم الوسائل 10 : 144 ، رواه في البحار 96 : 313 عن أمالي الشيخ . ( * )
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 186 : -
واما آداب السحور :
فمنها : أن يكون لك حال مع الله جل جلاله ، تعرف بها انه يريد انك تتسحر ، وبماذا تتسحر ، ومقدار ما تتسحر به ، فذلك يكون من اعظم سعادتك ، حيث نقلك الله جل جلاله برحمته من معاملة شهوتك وطبيعتك الى تدبيره جل جلاله في ارادتك . ومنها : ان لا يكون لك معرفة بهذه الحال ولا تصدق بها حتى تطلبها من باب الكرم والافضال ، فلا تتسحر سحورا يثقلك عن تمام وظائف الاسحار ، وعن لطائف الطاعات في اقبال النهار .
فصل ( 23 ) فيما نذكره من قصد الصيام بالسحور
أقول : فاما قصد الصائم في السحور ، فأن يكون مراده امتثال امر الله جل جلاله بسحوره ، وشكره الله له على ما جعله اهلا له بتدبيره ، وان يتقوى بذلك الطعام على مهام الصيام ، وان يعبد الله تعالى بهذه المرادات ، لانه جل جلاله اهل للعبادات .
فصل ( 24 ) فيما نذكره من النية اول ليلة من شهر رمضان لصوم الشهر كله ، أو تعريف تجديد النية كل ليلة
أقول : اني وجدت في بعض الاخبار ان النية تكون أوائل اول ليلة من شهر رمضان ، وإذا كان الصوم نهارا فان مقتضى الاستظهار ان تكون النية قبل ابتداء النهار لتكون في وجه الصوم ، وقبل ان تدخل بين النية وبين الدخول في الصوم شواغل
الغفلة وسوء معاملات الاسرار . ويكون القصد بنية الصوم انك تعبد الله جل جلاله بصومك واجبا لانه اهل للعبادة ، وتعتقد انه من اعظم المنة عليك ، حيث جعلك الله اهلا لهذه السعادة ، سواء
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 187 : -
قصدت بالنية الواحدة صوم الشهر كله ، أو جددت كل يوم نية لصوم ذلك اليوم ، ليكون ابلغ لك في الظفر بفضله ، وان تهيأ ان تكون نيتك ان تصوم عن كل ما شغل عن الله ، فذلك الصوم الذي تنافس المخلصون في مثله .
أقول : واعلم ان الداخلين في الصيام على عدة اصناف واقسام : فصنف : دخلوا في الصوم بمجرد ترك الأكل والشرب بالنهار وما يقتضي الافطار في ظاهر الاخبار ، وما صامت جارحة من جوارحهم عن سوء آدابهم وفضائحهم ، فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم اهل الاهمال .
وصنف : دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم عن سوء الآداب على مالك يوم الحساب ، فكانوا في ذلك النهار مترددين بين الصوم بما حفظوه والافطار بما ضيعوه . وصنف : دخلوا في الصوم بزيادة النوافل التي يعملونها بمقتضى العادات ، وهي سقيمة لسقم النيات ، فحال اعمالهم على قدر اهمالهم .
وصنف : دخلوا دار ضيافة الله جل جلاله في شهر الصيام ، والقلوب غافلة ، والهمم متكاسلة ، والجوارح متثاقلة ، فحالهم كحال من حمل هدايا الى ملك ليعرضها عليه ، وهو كاره لحملها إليه ، وفيها عيوب تمنع من قبولها والاقبال عليه .
وصنف : دخلوا في الصوم واصلحوا ما يتعلق بالجوارح ، ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة عن العمل الصالح ، فهم كعامل دخل على سلطانه ، وقد اصلح رعيته بلسانه ، واهمل ما يتعلق باصلاح شأنه ، فهو مسؤول عن تقديم اصلاح الرعية على اصلاح ذاته ، وكيف آخر مقدما وقدم مؤخرا ، وخاطرا مع المطلع على ارادته .
وصنف : دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب على اقدام المراقبة لعلام الغيوب ، وحافظين ما استحفظهم اياه ، فحالهم حال عبد تشرف برضا مولاه .
وصنف : ما قنعوا لله جل جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح ، عن الذنوب والعيوب والقبائح ، حتى شغلوها بما وفقهم له من عمل راجح صالح ، فهؤلاء اصحاب
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 188 : -
التجارة المربحة ، والمطالب المنجحة .
أقول : وقد يدخل في نيات اهل الصيام اخطار ، بعضها يفسد حال الصيام ، وبعضها ينقصه عن التمام ، وبعضها يدنيه من باب القبول ، وبعضها يكمل له شرف المأمول ، وهم أصناف :
صنف منهم : الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب ، ولولاه ما صاموا ولا عاملوا به رب الأرباب ، فهؤلاء معدودون من عبيد السوء ، الذين اعرضوا عما سبق لمولاهم ، من الانعام عليهم وعما حضر من احسانه إليهم ، وكأنهم انما يعبدون الثواب المطلوب وليسوا في الحقيقة عابدين لعلام الغيوب ، وقد كان العقل قاضيا ان يبذلوا ما يقدرون عليه من الوسائل ، حتى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل .
وصنف : قصدوا بالصوم السلامة من العقاب ، ولولا التهديد والوعيد بالنار واهوال يوم الحساب ما صاموا ، فهؤلاء من لئام العبيد ، حيث لم ينقادوا بالكرامة ، ولا رأوا مولاهم اهلا للخدمة ، ليسلكون معه سبيل الاستقامة ، ولو لم يعرفوا اهوال عذابه ما وقفوا على مقدس بابه ، فكأنهم في الحقيقة عابدون لذاتهم ليخلصوها من خطر عقوباتهم .
وصنف : صاموا خوفا من الكفارات وما يقتضيه الافطار من الغرامات ، ولولا ذلك ما رأوا مولاهم اهلا للطاعات ، ولا محلا للعبادات ، فهؤلاء متعرضون لرد صومهم عليهم ، ومفارقون في ذلك مراد الله ومراد المرسل إليهم .
وصنف : صاموا عادة لا عبادة ، وهم كالمسافرين في صومهم عما يراد الصوم لأجله ، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدس ظله ، فحالهم كحال الساهي واللاهي ، والمعرض عن القبول والتناهي .
وصنف : صاموا خوفا من أهل الاسلام ، وجزعا من العار بترك الصيام ، إما للشك أو الجحود ، أو طلب الراحة في خدمة المعبود ، فهؤلاء أموات المعنى أحياء الصورة ، وكالصم الذين لا يسمعون داعي صاحب النعم الكثيرة ، وكالعميان الذين لا يرون ان نفوسهم بيد مولاهم ذليلة مأسورة ، وقد قاربوا أن يكونوا كالدواب ، بل زادوا عليها ، لأنها تعرف من يقوم بمصالحهم وبما يحتاج إليه من الاسباب .
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 189 : -
وصنف : صاموا لأجل أنهم سمعوا ان الصوم واجب في الشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله ، فكأن صومهم بمجرد هذه النية من غير معرفة بسبب الايجاب ، ولا ما عليهم لله جل جلاله من المنة في تعريضهم بسعادة الدنيا ويوم الحساب ، فلا يبعد ان يكونوا متعرضين للعتاب .
وصنف : صاموا وقصدوا بصومهم ان يعبدوا الله كما قدمناه ، لانه أهل للعبادة ، فحالهم حال أهل السعادة . وصنف : صاموا معتقدين ان المنة لله جل جلاله عليهم في صيامهم وثبوت أقدامهم ، عارفين بما في طاعته من إكرامهم وبلوغ مرامهم ، فهؤلاء أهل الظفر بكمال العنايات وجلال السعادات .
أقول : واعلم ان لأهل الصيام مع استمرار الساعات واختلاف الحركات والسكنات [ درجات ] ، في انهم ذاكرون انهم بين يدي الله جل جلاله ، وانه مطلع عليهم ، وما يلزمهم لذلك من اقبالهم عليه ، ومعرفة حق احسانه إليهم .
فحالهم في الدرجات على قدر استمرار المراقبات ، فهم بين متصل الاقبال مكاشف ذلك الجلال ، وبين متعثر باذيال الاهمال
، وناهض من تعثره بامساك يد الرحمة له والافضال ، ولا يعلم تفصيل مقدار مراقباتهم وتكميل حالاتهم ، الا المطلع على
اختلاف ارادتهم . فارحم روحك ايها العبد الضعيف الذي قد احاط به التهديد والتخويف ، وعرض عليه التعظيم والتبجيل والتشريف .