ما لا يصح نسبته الى النبي (ص)
عندما نراجع بعض كتب الحديث من التراث، نلاحظ بأن هنالك وصفا لسيرة النبي (ص) في بعض الجزئيات، وهذا الوصف لا ينسجم أبدا مع موقع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الأمة.. إننا نعتقد اعتقادا جازما بأن النبي الأعظم -وهو خاتم الأنبياء- أوتي أعلى درجات العقل: من الوقار، والاتزان، وترك ما يمجّه الطبع، وعدم التنزل إلى مستوى الناس العاديين، بالإضافة إلى ما له من مقام العصمة والوحي الإلهي.. فإذا ما ورد في بعض الكتب، بعض التصرفات التي لا تليق بمقام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإنه علينا أن نقف موقفا من هذه الروايات.
ولا نريد أن نتكلم كلاما فيه شيء من التحيز، ولكن سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من الأمور التي ظلمت في تأريخ النبي وبعد وفاته، إلى زمان تدوين الحديث.. فسنة النبي (ص) لا تدون لفترة طويلة من الزمن، بل كان يعاقب أو يهدد من يدون.. وبعد عشرات السنين، جاء بعض من جاء ليجمع هذا التراث، وينسب إليه الصحة.. وهذا أمر خطير، فوسائل الإعلام، ووسائل الاتصال بين مختلف الأمم والشعوب الآن، تبث المسائل بشكل واضح.. فالمسلم بإمكانه أن يتغاضى احتراما لبعض الشخصيات، ولكن غير المسلم عندما يطرق سمعه هذه المقولات، يا ترى ماذا يقول عن الإسلام ونبي الإسلام؟..
ومن الخطأ الفادح أن نأتي لنصف كتابا بالصحة، وقد تأخر جامعه عشرات السنين عن حياة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فهذه الأيام تقع حادثة في شرق الأرض أو غرب الأرض، ونرى هناك نقلا متضاربا ومتناقضا.. فمعنى ذلك أنه لا يمكن الحكم، بأن هناك كتابا جامعا لكل ما صدر عن النبي: قولا، وفعلا.. من دون أي خطأ في النقل، أو زيادة، أو نقصان.
وكمثال على ذلك، لنزداد يقينا في هذه المسألة: هذه الرواية، التي لا يمكن أن يصدقها الإنسان، وهو ما دوّن في صحيح البخاري/ الجزء الثاني/صفحة مائة وثلاث عشرة، هذا الحديث الذي يدل على أن أنبياء الله السلف، لم يكونوا على مستوى يليق بهم.. وهذه الرواية عن أبي هريرة، قال: قال النبي (ص): (جاء ملك الموت إلى موسى -عليه السلام- فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها.. قال: فرجع الملك إلى الله فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني.. قال: فردّ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي، فقل: الحياة تريد؟.. فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متنِ ثورٍ، فما وارت يدُك من شعرة؛ فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مَهْ؟.. قال: ثم تموت).. فإذا أراد الله عز وجل أن يمدد في عمر وليه، فلماذا هذه الحركة: أن يأتي بثور، ويمسح على متن الثور، ويُعطى بكل شعرة سنة من الحياة؟!..
فإذن، إننا نلاحظ بأن هذا الحديث فيه هفوات: من جهة أن نبي الله موسى، وهو الكليم الذي بلغ ما بلغ -وفي سورة الجمعة نرى أن تمني الموت من علامات الولاية- لم يكن بهذا المستوى، بحيث يخاف من الموت، بل يتجاسر على ملك الموت بالضرب ويفقأ عينه، ويذهب إلى الله عز وجل ليشتكي من موسى.. وكذلك في كتاب الفضائل/ فضائل موسى بن عمران.
وكذلك من الروايات التي تعددت في صحيح مسلم/ كتاب الطهارة، وفي البخاري/ كتاب الوضوء، هناك روايات عديدة تنقل بأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما كان يذهب لقضاء حاجة، لم يكن يراعي القواعد المتعارفة هذه الأيام.. فإن الشخص العادي إذا سافر مع صديق له، وأراد أن يقضي حاجة، فإنه يتستر في مكان ما؛ لأن هذه حركة غير لائقة.. أ ضف إلى أن التبول واقفا، من الحركات المذمومة في الشريعة.
يقول الحديث: أن الرواي كان مع النبي (ص) هذا الراوي يقول: نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال... إلى آخر الحديث.. نحن طبعا لا نريد أن نتفوه بهذه الأمور، ونصف النبي في هكذا حالات، ولكن ماذا نعمل وهذا الذي نجده في بعض الكتب!.. حتى أنه ينقل أن بعض الشخصيات، مثل أبو موسى -كما في الكتاب-: كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، ويبول في قارورة ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) نتماشى فأتى سباطة خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم.... وكذلك ذكر هذه الحادثة من التبول واقفا.
أنقل لكم عينة أخرى عن جهل النبي -كما في هذه الكتب- بأبسط قواعد المعرفة الدنيوية البسيطة: (أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مر بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح)؛ أي ليس هناك داع لتلقيح النخيل.. والنبي (ص) نشأ في بيئة النخيل، وفي بيئة زراعية، يغلب عليها النخل.. فكيف لا يعلم أن النخل ينبغي أن يلقح، وإلا لما أعطى الثمر.. قال: (فخرج شيصا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟.. قالوا: كذا وكذا).. أي لماذا لا أرى ثمرا؟.. قالوا: قلت: كذا وكذا، ونحن سمعنا كلامك يا رسول الله.. فعنئد اعتذر النبي (ص) بقوله: (أنتم أعلم بأمر دنياكم).. فكيف لا يعلم أبسط قواعد الزراعة، وخاصة وهو ربيب المدينة، وكذلك في مكة؟.. فهذه من الحركات التي لا يمكن أن تنسب للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك من الروايات الدالة على أن النبي -حسب هذه النقول- لم يكن يراعي بعض قواعد الاحتياط الشرعي.. الرواية عن أم المؤمنين عائشة قالت: (دخل عليَّ رسول الله (ص) وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله (ص)!.. فأقبل عليه رسول الله (ص)، فقال: دعهما!.. ولما غفل غمزتهما فخرجتا).. كيف يمكن أن يكون مزمار من مزامير الشيطان في بيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والمسلمون أو بعض الصحابة، يشخّص بأن هذه مزمارة شيطان، والنبي لا ينهر بل يقول: دعهما؟!..
وعليه، فإن على المؤمن لو وجد رواية من هذه الروايات: في الكتب المنسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام، أو في كتب غيرهم -وكل ما يخدش وقار النبي، وعفة النبي، وكرامة النبي، وعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أن لا يقبل بهكذا أحاديث.
ومع الأسف إننا نجد لهذا النمط نظيرا، في حياة الأنبياء الآخرين في كتب المسلمين: كداود -عليه السلام- وغير داود؛ مما يجعل النبي -أي نبي- في موقع ضعف في دعوته الناس إلى الله سبحانه وتعالى.
فلنأتِ ولنبنِ على أن الروايات من أي مصدر كان: إذا كانت تخالف أصلا مسلّما، أو تخالف آية محكمة، أو تخالف سنة قطعية، أو تخالف الوجدان والذوق السليم، الذي لا يمكن أن يقبله العقل والوجدان؛ يجب علينا أن لا نقبلها.. ويجب أيضا أن ننقح كتبنا من هكذا روايات؛ لئلا يصاب البعض بالانحراف في العقيدة، عندما يصدق هذا النمط من الروايات
بقلم الشيخ حبيب الكاظمي