الامام المهدي قوا أبنائكم نار البيئة الفاسدة
كانت المدارس في إيران – إبان العهد الملكي الطاغوتي – شديدة الفساد .. من الوجهة الأخلاقية و التربوية .
في تلك الأيام ، تحدثت مرة بمحضر عدد من المدرسين و أستاتذة الجامعة ، فقلت : إذا كان فرعون قد قتل ابناء بني اسرائيل و استحيى نسائهم .. فإن هذا النظام يقتل أبنائنا و بناتنا روحياً – و هو اخطر من التقتيل البدني – و يسوق الجيل الجديد إلى الفساد . و كانت عاقبة هذا الكلام أن أُحضرت إلى مقر الشرطة السرية ، حيث ذقت كثيراً من التعذيب النفسي.
ليس لأحد – في ذلك الوقت – حق الاعتراض . و ما ثمة من خطوة للاصلاح لكي يطمئن أولياء التلاميذ على سلامة تربية أبنائهم . كان الوضع – بلا ريب – يجر الناشئة و اليافعين إلى الفساد جراً . و على أي حالى .. فقد أنطوت صفحة تلك الأيام السوداء – لا أعادها الله.
و من جهة أخرى .. فإن عملية السفور الإجباري التي تولى كبرها المقبور (رضا شاه البهلوي) قد أسقطت المجتمع في وهدة من الفساد و الإفساد ، فلم يبق من الإسلام إلا أسمه.
في أعتى أيام تجبر الأسرة الملكية الفاسدة .. تحدث السيد توكلي ، فقال :
كنت ضيفاً في منطقة (مينا تركمن) على عالم هذه المنطقة . و بعد تناول الغداء استلقيت على الفراش للاستراحة . كانت عيني ما تزال مفتوحة لم أنم . . إذا أحسست أن باب الغرفة قد فتح ، و دخل الامام بقية الله (روحي فداه) ، و سلم عليّ رددت تحيته ، و عزمت على النهوض . لكنه (سلام الله عليه ) أشار بيده أن : لا تقم .
و تصرف بي ، بحيث أني عجزت عن الحركة . اقترب مني (عليه السلام) ، و قال : اثنتان قمتا ظهري ، الأولى : وضع المدارس و الثقافة في هذا البلد . و الثانية : سفور النساء . ثم قال (عليه السلام) : قلب أمي الزهراء (سلام الله عليها) أشد انكسارا ًمن انكسار ضلعها . ثم بكى . . و بكيت أنا مع بكائه . و ما أن رفعت يدي أمسح الدموع حتى غاب عني (عليه السلام).
و ذكر هذا الرجل – في سياق حديثه – أنهم في أوائل تسلط (رضا شاه) كانوا يسوقون الناس سوقاً إلى الجندية الإجبارية ، و يؤذونهم في الخدمة العسكرية أذى كثيراً بل أنهم ربما يرغمونهم على الخروج من الدين الإسلامي المقدس . في ذلك الوقت .. ما كان أبي قد تزوج ، أو أنه كان حديث عهد بالزواج و لم يرزق ذرية بعد .
حينها فكر في نفسه : أنه إذا أنجب أولاداً فإنهم سيرسلونهم كرهاً إلى العسكرية.
كان في حيرة من أمره : فهو إما أن يتزوج ( أو ينجب أولاداً ) ، و إما أن يظل أعزب لا يتزوج ، لكيلا يجـّند أبناؤه لخدمة النظام .
ثم أنه نقل عن أبيه أنه قال : في وقتها كنت أخرج إلى برية قريبة من دارنا مدة أربعين ليلة ، اتوسل بالامام بقية الله صاحب العصر و الزمان (عليه السلام) .. طالباً منه أن يخرجني من حيرتي ، و أن يرشدني : أأنجب ذرية .. أم لا ؟
في الليلة الأربعين – و كانت ليلة قد اشتد بردها – وسوس الشيطان في صدري ألا أذهب فيها إلى البرية . لكني – على أي حالة – ذهبت .. و رحت أتوسل . و بعد دقائق من التوسل .. إذا بي أرى ، في تلك الظلمة الحالكة ، نوراً أبيض يقبل إليّ.
دققت النظر .. فشاهدت رجلاً في قلب النور .. و هذا النور الذي رأيت كان يشع من الرجل.
ثم أنه دنا مني ، و أنا ما أزال عاكفاً على توسلاتي و ضراعاتي .. فناداني باسمي ، قائلاً : عزيزالله ؟ ماالذي جاء بك إلى هنا ؟
قلت : أريد إمام زماني .
قال : أنا إمام زمانك .. فماذا تريد؟
قلت : إذا كنت امام زماني فإنك تعلم ما أريد.
قال : صحيح ، إنك تريد أن تعرف : أيجوز لك إنجاب ذرية أم لا . و إني لأقول لك : سيكون لك خمسة أولاد ذكور ، فإذا تعهدت ألا يتأثروا بثقافة النظام البهلوي – بأن لا تبعث بهم إلى المدارس .. فأنا أتعهد لك ألا يجندوا للعسكرية.
يقول السيد توكلي : و كما قال الامام بقية الله (روحي له الفداء) . رزق الله والدي خمسة أولاد ذكور ، فلم يدخل أياً منهم إلى المدرسة ، و عني هو بتعليمهم في الدار . و المعجزة في الموضوع أنه لم يؤخذ أي منهم إلى العسكرية.
و روى السيد توكلي حكاية كل واحد من الأبناء الخمسة في طريقة خلاصه من الجندية ، أعرض عن ذكرها هنا رعاية للاختصار.
و هنا ينبغي التذكير أن المسلمين فيما مضى ، كانوا يعنون أشد العناية بتربية أبنائهم على طباق الآداب و المعايير الإسلامية ؛ فلا يدعونهم ينفعلون بالبيئات البعيدة عن الأخلاق و عن الإنسانية . فإذا قـُدر أنهم كانوا يعيشون في بيئة غير اسلامية فإنهم يعكفون على تربية أبنائهم و بناتهم في المنزل ؛ خشية أن تلوث طهارتهم عوامل المحيط الفاسد .. ذلك أن الله (عزوجل) كما أمر المسلمين بوقاية أنفسهم من الشقاء و عذاب النار ، أمرهم أن يقوا أهلهم و من يرتبط بهم من نار جهنم : ( قوا أنفسكم و أهليكم ناراً ) 1
و الحقيقة التي لا ريب : ان ( كل مولود يولد على الفطرة ) . فإذا كان يحيى في بيئة صالحة مبرأة من الرذائل الحيوانية .. فإن المولود ينمو و يدرج على صراط الله المستقيم ، و تظل نفسه في حالة نقاء و طهر يغدو معها أمر التزكية و التهذيب عملاً متسماً بالسهولة و اليسر.
و أما إذا نشأ المولود في محيط فاسد ملـّوث لا تراعي فيه الآداب و القيم الإسلامية ، و تشيع فيه الرذائل الحيوانية .. فإن تهذيب النفس و تزكيتها يـُمسي في غاية المشقة و العسر ، بل ربما يكون أمراً من المتعذر الذي لا يـُنال.
و هذا يعني أن على الآباء و الأمهات السعي الجاد لانقاذ أبنائهم و بناتهم -0 في المنزل و المدرسة و الجامعة – من التلوث بالأدناس . و عليهم ألا يسمحوا بأن يكون المعلمون و المعلمات ممن يفتقدون اللياقة التربوية الكافية لاعداد الناشئة و اليافعين.
______الهوامش ____
1- سورة التحريم : 6