لماذا يساوي الشيعه بين النبي ص وعلي بن ابي طالب عليه السلام في شرح ايه المباهله
لنا في مقام الجواب عدّة نقاط :
الأولى :
في البدء بودنا أن نلفت نظركم أن قوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا )) (آل عمران:61), لم يرد لها نظيراً في القرآن الكريم, نعم ما ورد في جملة من الآيات لفظ (من أنفسهم) أو لفظ (من أنفسكم) الموهمة بالتشابه أو انطباق المعنى بينها وبين (أنفسنا) وجدانياً.
وأحسب أن هناك فرقاً بين الاثنين, بين أن يُنسب المرء لنفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) والموحي بالمساواة والتطابق وهو المراد هنا, وبين أن يُنسب الرسول (صلى الله عليه وآله) لنفوس الآخرين, حيث أن الرسول في نسبتهِ للغير يتبادر إلى الذهن المساواة في السنخية من جهة الخلق والتكوين, ولذلك يصح أن يخاطب الإنسانية جمعاء بأن الرسول من أنفسكم يعني بشراً مثلكم ويعضده قوله تعالى: (( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثلُكُم )) (الكهف:110), وليس معنى هذا التساوي بكافة الخصائص والملكات والرتب وأن ثبت تساويه لهم من جهة السنخية ولا يعزب عن العاقل أن المؤمنين أنفسهم لا يمكن القول يتساويهم, لحتمية الاختلاف بينهم, فمنهم العاصي والمطيع والمنافق والمجاهد والمتخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمخلص والمتآمر فكيف فرض القرآن كونهم نفس واحدة,نعم يكون هذا مقبولاً على ما ذهبنا إليه من التساوي في السنخية والأنضمام للآدمية, فالسنخية دليل الأنضمام كما يقولون, أذن النبي مثلهم من هذه الجهة, ولكن يجب أن نعرف أنهُ مثلهم وزيادة, ولا نقصد بالزيادة الخروج عن الآدمية, وإنما هو فوقهم من جهة الرتب والدرجات والملكات والخصائص الذي يمتنع فيها المساواة بها معهم.
وحيث يكفي أن يشير القرآن إلى آدمية النبي (صلى الله عليه وآله) والتي يحرز فيها تحقق الانضمام البشري والتوحد الآدمي بين الرسول (صلى الله عليه وآله) والقوم الذي هو منهم يكون قد أثبت بهذا المقدار الحجة عليهم بأنهم سواء معه (صلى الله عليه وآله) من جهة الخلق فلماذا لا يقبلوا من بشر مثلهم وليس من جنس آخر, ولو كان من غير سنخهم لحق لهم الاعتراض عليه بمقتضى اختلاف السنخية والجنس.
أم قولهُ (أنفسنا) مع وجود شخص آخر غير النبي (صلى الله عليه وآله) مقصود بهذا الجمع فمعناه أنهُ أي الآخر كنفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى من جهة الخصائص والرتب العليا والممتنعة على الغير, لبداهة الفرق بين قول القائل لأهل قرية أنا أخوكم ولقولهِ في أحدهم أنهُ أخي فالسامع يفهم في الكلمة الأولى (أخوكم) فرقاً وجدانياً واضحاً عن الكلمة الثانية (أخي), إذ يتبادر إلى الذهن أن كلمة (أخوكم) يراد بها الأخوة بمعناها العام, كما في قول الله تعالى: (( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ )) (الحجرات:10), كما يتبادر إلى الذهن أن المراد بكلمة (أخي) الأخوة بمعناها الخاص, يعني أخوة النسب والدم واللحم والرحم, نظير قول النبي (صلى الله عليه وآله): (علي أخي في الدنيا والآخرة).
وإذا لم نفهم هذا المعنى وندرك هذا التفريق فلا يبقى أي قيمة لقوله (صلى الله عليه وآله): (علي أخي في الدنيا والآخرة), إذ كل المؤمنين أخوة لرسول الله بنص القرآن باعتبار (( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ )) والرسول داخل في مصداق الأخوة باعتبار مفهوم الإيمان.
ولا نغفل في المقام مجيء كلمة (أنفسنا) بصيغة الجمع ولا يمكن أن يكون المقصود بها نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) لامتناع دعوة الإنسان نفسه, ولا نغفل أننا ذهبنا لكون المقصود بها أمير المؤمنين (عليه السلام) لقرينة خروجه بمفردهِ مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) للمباهلة ولجملة الأدلة التي سنفصل بها لاحقاً.
ومن الطبيعي القول:
إن لا أحد يقول بأن هذه الآية: (( مِّن أَنفُسِكُم )) (التوبة:128), تعني المساواة بين رسول الله وباقي الناس, فللرسول امتيازات خاصة لا يبلغها أحد قط, وحتى نحن عندما نقول بأن علياً مساوٍ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما نقصد مساواته (عليه السلام) له (صلى الله عليه وآله) بالملكات والمراتب العليا دون النبوةِ المشَرّفَة فهي من اختصاصاته (صلى الله عليه وآله) دون غيره من الخلق, فهذه الآية: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) (التوبة:128), وآية: (( وَلَا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم )) (الحجرات:11), و (( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُم فَاقتُلُوا أَنفُسَكُم )) (البقرة:54).
موهمات للمستدل أنه إن قال في آية المباهلة بالتساوي فيلزم هنا القول به أيضاً, وعليه فلا فضيلة للتساوي في المباهلة لتحققهِ للغير مع رسول (صلى الله عليه وآله) في آيات أخر, أو للاستدلال بأنهُ لا يراد بها التساوي وإنما يراد بها الاشتراك بنحو ما كالجنس أو الذكورة أو الأخوة في الدين وغير ذلك مما لا يعني وجود فضيلة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في آية المباهلة لأن الجميع مشتركون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الأنماط من الروابط, فيتحقق مراده (أي المستدل) في عدم المساواة في آية المباهلة.
ونحن في مقام التفريق بين مثل هذه الآيات وآية المباهلة الدالة على المساواة نسوق لك الأدلة التالية مضافاً للدليل المتقدم :
الثانية :
الرد بالآيات القرآنية المباركة الموجبة للتفريق بين النفس والأهل بحيث لا تأتي كلمة أنفسنا بمعنى أهلنا أو الأقارب أي الختن أو الصهر وما شابه وإنما تعني النفس بما هي ذات المرء وحقيقته فقد ورد في كتاب نفحات الأزهار للسيد علي الميلاني 20/227 في مقام الرد على ابن تيمية.
(لكن ماذا يقول ابن تيمية في الآيات التي وقع فيها المقابلة بين (النفس) و(الأقرباء) كما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً )) (التحريم:6), وقوله: (( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم وَأَهلِيهِم )) (الزمر:15), فكذلك آية المباهلة.
غير أن النفس في الآيتين المذكورتين مستعملة في نفس الإنسان على وجه الحقيقة .أما في آية المباهلة فهي مستعملة ـ لتعذر الحقيقة ـ على وجه المجاز لمن نزّل بمنزل النفس, وهو علي (عليه السلام) للحديث القطعي الوارد في القضية فلو كانت النفس تعني الأهل والأقارب لأستغنى القرآن عن ذكرهم في الآيتين واكتفى بذكر أنفسكم أو أنفسهم لأنها متضمنة لهم أي للأهلين..
الثالثة :
الأحاديث الشريفة الموجبة لتلك المساواة بين نفس النبي (صلى الله عليه وآله) المقدسة ونفس علي (عليه السلام) المشرفة, حيث ورد هذا المعنى في قوله: (صلى الله عليه وآله):
أ- علي مني وأنا من علي وهو وليكم بعدي.
ب- وقوله - في قصة البراءة - لا يؤدي عني إلاّ أنا أو رجل مني, كما في مسند أحمد 1/3/151, وصحيح الترذي, والخصائص للنسائي, والمستدرك للصحيحين.
ج- قوله (صلى الله عليه وآله): لَتُسلِمنّ أو لابعثن عليكم رجلاً مني ـ أو قال نفسي ـ ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم, وليأخذن أموالكم, قال عمر: فو الله ما تمنيت الإمارة إلاّ يؤمئذ, فجعلت أنصُب صدري رجاء أن يقول: هو هذا, فالتفت إلى عليّ فأخذ بيده وقال: (هو هذا, هو هذا), كما في الاستيعاب 3/1109.
د- قوله (صلى الله عليه وآله): (خلقت أنا وعلي من نور واحد).
هـ- قوله (صلى الله عليه وآله): (خلقت أنا وعلي من شجرةٍ واحدة).
و- قوله (صلى الله عليه وآله) وقد سئل عن بعض أصحابه, فقيل: فعلي؟! قال: (إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي).
ز- قوله (صلى الله عليه وآله) في جواب قول جبريل في أُحد: يا محمد! إن هذهِ لهي المواساة: (يا جبريل, إنهُ مني وأنا منهُ, فقال جبرائيل: وأنا منكما) كما في مسند أحمد 4/437, المستدرك على الصحيحين3/11, تاريخ الطبري3/17, الكامل في التاريخ2/63, وهناك مصادر أخرى...
فهذه الباقة من الأحاديث الشريفة تقرر بلا أدنى ريب أن نفس الإمام علي (عليه السلام) هي نفس نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وأصلاً ونوعاً وتكويناً, وهي كما نعتقد كافية في مقام تقريب المطلب المراد, كي لا يلزمنا العجب والاستغراب والاستنكار أحياناً, إذ ما سمعنا أو قرأنا بأن آية المباهلة دالة بوضوح أن خطاب النبي (صلى الله عليه وآله) (وأنفسنا) المقصود به علي وليس المقصود به نفس الرسول (صلى الله عليه وآله) المشرفة للأدلة المتقدمة وللدليل الظريف المنطقي الذي يذكره الشيعة في المقام والذي نجعله دليلاً برأسه.
الرابعة :
أستدل الشيخ المفيد في كتاب الشافي في الإمامة 2/254, بأن الإمام علي في الآية هو المقصود بـ(أنفسنا) بما يلي:
(ونحن نعلم أن قوله: (وأنفسنا وأنفسكم) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي (صلى الله عليه وآله), لأنهُ هو الداعي, ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه, وإنما يصحّ أن يدعو غيره, كما لا يجوز أن يأمر نفسهُ وينهاها, وإذا كان قوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم )) ( آل عمران:61), لابد أن يكون إشارةً إلى غير الرسول (صلى الله عليه وآله), وجب أن يكون إشارةً إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنهُ لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه (عليهم السلام) في المباهلة).
الخامسة :
من المهم أن نعلم أن الآية المشرفة لا تؤسس لهذه المساواة المتضمنة لها, وإنما هي بالواقع كاشفة عنها فنحن لا نرى في عدم ذكر الآية فقدان لهذه الخاصية الكريمة في المساواة بين نفس النبي الأشرف (صلى الله عليه وآله) وبين نفس أبن عمه ووصيه وأخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام), حيث أن أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله) وأفعاله وكل ما صدر منه قبال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) دال على هذه الحقيقة, إذن الآية كاشفة عن هذا الأمر وهي دليل على وجوده لمن لا يعتقد إلا بإثبات من كتاب الله تعالى.
وهذه النقاط لا يمكن أن تتحقق في مثل قوله تعالى: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم )) (التوبة:128), وبالضبط في فقرة (من أنفسكم) فهي ليست كقوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم )) لما ذكرنا من النقاط:
فإن قيل: إن دعوة النبي الأجل (صلى الله عليه وآله) لأهل بيته لا امتياز بها لأن العادة عند العرب قاضية بإخراج آل الرجل للمباهلة.
قلنا: إن هذا منتقض من جهات:
1- لماذا لم يخرج الرسول (صلى الله عليه وآله) من أهل بيته من هو أقرب إليه من الإمام علي (عليه السلام), وهو عمهُ العباس, حيث العباس أقرب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في سلم الرحمية.
2- إن الأمر لو كان كذلك, إذن لماذا تساءل النصارى من النبي (صلى الله عليه وآله) عندما علموا ان الذين معه أهل بيته, قائلين لماذا لم تخرج لنا أهل الكرامة والشارة من أصحابك, إذ يفترض أنهم لا يسألون مثل هذا السؤال مع كونهم عارفين إنه العرف (عند العرب) قائم على أخرج آل الرجل في المباهلة.
3- حديث النصارى مع بعضهم قاضي بانتقاض هذه القاعدة, أو دليل على عدم وجودها, حيث قال بعضهم لبعض: لو كان قد أخرج أهله لكان من الصادقين... الخ.
ومن هنا نعرف لماذا يتساوى الرسول وعلي في آية المباهلة ولم يتساوى الناس مع (صلى الله عليه وآله) في آية: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )).
دمتم في رعاية الله