الصلاة بين المقابر وعند قبور الأئمة (عليهم السلام)
==================
الاولى: السؤال عن حكم الصلاة في المقابر أو بين القبور, وهل يفرق بين القبر الواحد وعدة قبور.
الثانية: السؤال عن حكم الصلاة عند قبر ولي من أولياء الله , ويدخل فيه تشخيص هذا الولي من نبي أو أمام معصوم أو غيرهما.
وننبه قبل الجواب بأنا سوف لا نذكر الروايات تجنباً للتطويل : أما الجهة الاولى : ففيها تفصيل بين ايقاع الصلاة بين القبور أو الى القبر أو على القبر (السجود عليه), وما هو الفرق بين جعلها قبلة أو جعلها بين يدي المصلي أي الصلاة الى القبر؟
ومشهور فقهاء الشيعة على كراهة الصلاة بين المقابر (الجواز على كراهة) وبعضهم قيد زوال الكراهة بالتباعد عشرة أذرع من جميع الجهات أو ما عدا الخلف , والمفيد (رض) وغيره بزوالها مع الحائل. كل ذلك جمعاً بين الادلة (الروايات) وبعضهم اختار المنع من الصلاة الى القبور جمعاً بين الاخبار بحمل ما دل على الجواز على غير المتخذ قبلة , والآخرون قالوا بالكراهة هنا أيضا ً, وان المراد من النهي عن اتخاذها قبلة هو التوجه اليها من جميع الجهات كالكعبة أو أنه صدر تقيةً لورود مثله عند العامة بالنسبة لقبر النبي(ص) ,وان الكراهة ترتفع بالحائل هنا أيضاً. وانقسموا بين المنع والكراهة بالنسبة للصلاة على القبر (السجود عليه) وقد يكون ذلك من فهمهم للنهي عن السجود على القبر في الروايات ( كما في نهي النبي (ص) عن اتخاذ قبره مسجداً ), بين دلالة هذا النهي على التحريم او التنزيه. واما الجهة الثانية:
فان كان المقصود بالولي غير الائمة المعصومين (ع) والنبي(ص) فهم كغيرهم من الناس بكراهة الصلاة بين أو (الى) أو (على) قبورهم. ولم يخصهم الفقهاء بالذكر فدخلوا في غيرهم.
وأما في قبور المعصومين (عليهم الاسلام) فقد عرفت في الجهة الاولى أن أقصى ما فيه الكراهة فيما لو لم نأخذ الروايات المخصصة لقبور الأئمة (ع) الدالة على الاستحباب , ولكنهم فصلوا في جعل القبر خلف المصلي بين المنع او الكراهة لانه مخالف للادب مع الإمام (عليه السلام).
وفصلوا بين الصلاة الى القبر من كونه كغيره في الكراهة وان الافضل الصلاة على الجانبين وبين الاستحباب للروايات الكثيرة النافية للبأس فهي تنفي الكراهة وروايات زيارة الأئمة (عليهم السلام). خاصة زيارة الحسين (ع) الظاهرة في أستحباب الصلاة خلف القبر وانه بذلك يظهر الفرق بين قبورهم (عليهم السلام) وقبور غيرهم.
ثم هل هناك فرق بين قبر النبي(ص) وقبور غيره من المعصومين (عليهم السلام).
فيمنع الاستقبال في قبر النبي (ص) لدفع شبهة التشبهه بالسابقين خاصة اليهود أو لا؟ وأن المراد من النهي النبوي هو المنع من السجود على قبره كما كانت تفعل اليهود بقبور انبيائهم والمنع من جعل قبر النبي(ص) كالكعبة ويشمل ذلك قبور الائمة(عليهم السلام) أيضاً.
ثم إنهم لم يفرقوا بين الفريضة والنافلة في كل ذلك.
(راجع: جواهر الكلام 8: 352, الرياض 3: 271, الحدائق 7: 251, المدارك 3: 23, مجمع الفائدة 2: 139, جامع المقاصد 2: 134, نهاية الاحكام 1: 320 وغيرها). وما تقدم من الكلام كان على فقه الشيعة الامامية, وأما مخالفوهم:
فالشوافع على الكراهة أيضاً , فانهم منعوا من الصلاة في مقبرة تكرر فيها النبش وحكموا بالكراهة في الجديدة التي لم تنبش. (المجمع 3 : 157, فتح العزيز 4 : 38, روضة الطالبين 1: 384 الاقناع 1: 140 مغني المحتاج 1: 203)، وفي حواشي الشيرواني حكم بعدم كراهة الصلاة في مقابر الانبياء لانهم احياء في قبورهم كما الحق بعض المتأخرين مقابر شهداء المعركة (حواشي الشيرواني 2: 167) .
والمالكية نقلوا عن مالك أنه كان يوسع للرجل أن يصلي وبين يديه قبر ولا يرى بأسا ً بالصلاة في المقابر وانه كان يصلي بين القبور (المدونة الكبرى 1: 90 , مواهب الجليل 2: 63 , حاشية الدسوقي 1: 188, الثمر الوافي : 39) .
والحنفية قالوا بالكراهة وان معنى النهي فيها لما فيه من التشبة باليهود أو لانها لا تخلو من النجاسة عادة (المبسوط 1: 206, بدائع الصنائع 1: 115, البحر الرائق 2: 58, حاشية رد المحتار 1: 704) . وأما الحنابلة فقد نقلوا قولين عن أحمد بين حنبل بالصحة وعدمها ونقلوا رواية الكراهة عن علي (ع) وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر (المغني 1: 716) وبعضهم فصل بين المقبرة والقبر والقبرين (المغني 1: 718)
ولكنهم رجحوا عدم الصحة وجعلوه الاولى (الشرح الكبير 1: 478, كشاف القناع 1: 351) .
وما تقدم يظهر اتفاق مذاهب المسلمين على صحة الصلاة في المقبرة على كراهة الا أحمد بن حنبل في قول .
وأما إجزائها عند قبر واحد فقد وافقهم فيه حتى أحمد, واختلفوا في إجزائها على كراهة أو بطلانها إذا توجه الى القبر. فالامامية على الكراهة ما عدا قبور الائمة (عليهم السلام), والحنابلة على البطلان, ومنه يفهم صحة الصلاة عند قبور الائمة (عليهم السلام) عند جميع المسلمين بلا أشكال, مع أنه يستدل في المقام بصلاة عائشة لسنين عند قبر النبي (ص) وباضافة قبر أبى بكر وقبر عمر بعد ذلك. ومما ذكرنا بتوضح المراد من نهي رسول الله (ص) عن اتخاذ قبره قبلة أو مسجداً , فقد حمله فقهاؤنا على حرمة اتخاذ القبر قبله من جميع الجهات كالكعبة, وعلى النهي اعم من الحرمة أو الكراهة عن السجود على القبر لما في روايات أخر صريحة في النهي عن السجود على قبور الائمة (عليهم السلام) .
ولم نجد حسب اطلاعنا من نقح المعنى المراد من قول النبي(ص) (مساجد) من أهل السنة مع وجود خلط عند بعضهم بين موضع السجود وبين المسجد الاصطلاحي. فلاحظ.
هل تجوز الصلاة عند القبور؟
=================
قد جرت السيرة المطردة من صدر الاسلام منذ عصر الصحابة الأوائل والتابعين لهم باحسان على زيارة قبور ضمنت في كنفها نبياً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّاً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبي الأقدس (ص) .
وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرك والتوسل بها ، والتقرّب الى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم .
حتى ولد الدهر ابن تيميّة الحرّاني فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ، فأنكر تلكم السنة الجارية سنّة الله التي لا تبديل لها ، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً ، وخالف هاتيك السيرة المتبعة .
وحديث ابن عبّاس : ( لعن رسول الله (ص) زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسفرفج )( سنن أبي داود 3 / 18 ح3236 ، سنن النسائي 4 / 95 ). فالظاهر والمتبادر ـ من اتّخاذ المسجد على القبر ـ : السجود على نفس القبر . وهذا غير الصلاة عند القبر .
هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي .
ولو حملناه على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرّد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد ، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذكر الله والدعاء والاستغفار ، بل يفصَلّون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك .
هذا ، مع أنّ اللعن غير دالّ على الحرمة ، بل يجامع الكراهةَ أيضاً .
وتجوز مصادقة من يكره الشيعة إذا لم تؤدّ هذه المصادقة إلى الإضرار بعقيدته الحقة، نعم ربما تكون هذه المصادقة راجحة لأجل هدايتهم بعد تبيين الحقائق لهم بالدليل والبرهان .
الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة أهل البيت والأولياء والصالحين مشروعة ومندوب إليها؛ لأن الصلاة لله تعالى وليست لصاحب القبر أو الضريح، ولا يمكن أبدًا القول ببطلان الصلاة أو حرمتها في تلك المساجد التي تضم الأضرحة والقبور وإلا لوجب القول ببطلان صلاة المسلمين وحرمتها في المسجد النبوي الشريف، لأنه يضم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر رضي الله عنهما بل وقبر الشيخ أبي شجاع الأصفهاني صاحب المتن المشهور في فقه الشافعية حيث دفن بالجوار النبوي الشريف في القرن السادس الهجري .
ولما مات أبو بصير بنى أبو جندل على قبره مسجدًا "بِجُدَّةِ البحر" بحضور ثلاثمائة من الصحابة - كما رواه موسى بن عقبة في "مغازيه" عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المِسوَر بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم، وهذا إسناد صحيح كله أئمة ثقات–وأقر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ولم يأمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين جيلاً بعد جيل وخلفًا عن سلفٍ من غير نكير .
وأما حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ » فمعناه: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان - كما فسرته الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: « اللَّهُمَّ لاَ تَجعَل قَبرِي وَثَنًا؛ لَعَنَ اللَّهُ قَومًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ » فجملة « لَعَنَ اللَّهُ قَومًا» بيان لمعنى جَعلِ القبر وثنًا، والمعنى : اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَدُ كما سجد قوم لقبور أنبيائهم .
قال الإمام البيضاوي:" لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانًا لعنهم ومنع المسلمين من مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالحٍ وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد " .
وعلى ذلك فإن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة أهل البيت وغيرهم من الأولياء الصالحين صلاة مشروعة وهي صحيحة متى استوفت شروطها وأركانها المقررة شرعًا، والقول ببطلانها قول باطل لا يُعَوَّل عليه ولا يُلتَفَتُ إليه .