اصلح نفسك قبل ان تصلح غيرك
عن الباري جل شأنه وتعالى مجده في فيصل بيانه:
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
إن إسداء النصيحة والأمر بالمعروف مقارنة بالنهي عن المنكر لطلب الإصلاح في المجتمع أمر لا بد منه، فهو سلوك عقلائي مشرف نابع عن فطرة المحبة الإنسانية وحب الخير لما حوله من الأحياء وأيضاً هو دافع نحو الارتقاء في المجتمعات قبل أن يكون فرضاً دينياً على الإنسان وإن كان التحديد الديني أو التأطير الديني أدق لأن مصدره عن عالم الخفيات وخالق الأحياء لذلك يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) إذ في هذه الأيام كثر الدعاة وقلّ العاملون فكيفما أتجهت سمعت أصواتاً تطالب بالإصلاح، وسمعت في نبراتها الكثير من الحدّة والإلحاح، فكأن الناس من كل أمة، وفي كل مكان، قد ضاق صدرهم بحالة هم فيها، ونفذ صبرهم في انتظار حالة أفضل منها.
لا فرق من هذا القبيل بين بدوي وحضري، أو بين أبيض وزنجي، أو بين أمة متقدمة وأمة متخلفة، مثلما لا فرق بين كبير وصغير، وغني وفقير، وعالم وجاهل، فالكل يشعر أن في حياته التواء لا بد من تقويمه، ونقصاً لا مناص من سده، وخللاً لا مندوحة عن إصلاحه.
والكل واثق كل الثقة من أن الالتواء والنقص والخلل في حياته تأتيه من الغير لا من نفسه، ولذلك لا ينفك يتبرم ويعمل جاهداً على إصلاحه أما نفسه فلا يحاسبها في كثير أو في قليل، هكذا يتبرم الآباء بالأبناء، والأبناء بالآباء. ويتبرم التلميذ بمعلمه، والمعلم بتلميذه، والمحكوم بحاكمه، والحاكم بمحكومه، وهكذا في كل علاقة تقوم بين إنسان وإنسان، أو بين جماعة من الناس، فالكل يعزو ما في حياته من ضيق وضنك، واعوجاج وانزعاج إلى انحراف في سلوك الغير معه، وقط لا يعزوه إلى انحراف في سلوكه مع الغير، فهو وحده في سبيل الحق وغيره كلهم في اعوجاج وباطل.
ولذلك لو بحثنا عن السبب فيما يعانيه عالم اليوم من قلق وتشويش واضطراب وفوضى، لوجدته يعود أولاً وآخراً إلى رغبة الناس في إصلاح غيرهم من دون أن يفكروا في إصلاح أنفسهم، فكأنهم ما فطنوا بعد إلى حقيقة بسيطة وهي أن الإصلاح لا يقوم بغير الصلاح.
فالجسم لا يكون صحيحاً إلا إذا كان كل عضو من أعضائه صحيحاً، والمجتمع الصالح لا يقوم إلا بأفراد صالحين. وهاهم الذين في أيديهم زعامة العالم الدينية والتربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية يهتمون بكل شاردة وواردة إلا بخلق أفراد صالحين.
توجيهات مخلصة من كاتب مخلص سردها من بين أنامله الفياضة بالخير.
وهنا تكمن براعة الإسلام في التهذيب السلوكي المنصب أولاً وقبل كل شيء على الفرد الذي هو نواة المجتمع فيبدأ بتوجيهه في بطن أمه ثم بعد مولده ويرافقه في التوجيه والتسديد طوال مراحل عمره حتى يبلغ أشده يوجب عليه أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل يتبعه بالوعد والوعيد إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما عن الإمام علي (عليه السلام) (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به) حاثاً بذلك أن يبدأ الإنسان بنفسه، لأن ما خرج من القلب يدخل القلب وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.
ويوضحه الإمام علي (عليه السلام) بصريح العبارة: من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليعمّنكم عذاب الله) حقاً إن استقام الفرد استقام المجتمع، وهل غير الأفراد هم من يشكلون المجتمع، فالحلول الجذرية أنجع الحلول وأبقاها أثراً أما السطحية منها فلا تغيب حتى تظهر من جديد وبشكل أفظع ربما.
نسألكم الدعاء