زواج ام كلثوم بنت امير المؤمنين من الخليفة عمر بن الخطاب بحث تاريخي مفصل
أولا: ما بالهم لم يلتفتوا الى ان معظم رواة هذا الخبر المكذوب هم ممن يناوئون أهل البيت (عليهم السلام) والمشتهرين بذلك , فمنهم على سبيل المثال أحد قتلة عمار بن ياسر (رضوان الله عليه) وهو: عقبة بن عامر الجهني لعنة الله عليه ! ومنهم الشعبي الذي كان قاضيا لدى الدولة الاموية ! ومنهم نافع مولى عمر نفسه الذي وصفه ابن عمر بالكذب وقال له : " إتق الله يا نافع ولا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس " ! ( راجع تهذيب التهذيب ج6 ص82 ) .
كما ان رواة السند اذا تفصحّتهم وجدتهم مشهورين بالكذب والتدليس و الوضع باعتراف علماء الجرح والتعديل عندهم ! فبأي طريق يمكن اثبات هذا الخبر المكذوب التافه ؟!
ثانيا: تقول رواياتهم المضحكه ان امير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) بعث بابنته أم كلثوم ( سلام الله عليها ) الى عمر وهو متزينه قبل ان يجري عقد الزواج بينهما ! هل يصدق عاقل هذا ؟! ثم ألا يستحون مما ذكروه عن امامهم عمر من أنه اخذته الشهوة فكشف عن ساق الفتاة وامسك بساقها حتى وصفته بانه " شيخ سوء " ! فإن كان هذا صحيحا فقد اسقطوا هيبة امامهم واثبتوا فسقه ودناءة اخلاقه ! وان لم يكن , فهذا هو المراد فتنتفي القضية من أساسها !
وقد فزع أحد علمائهم – وهو سبط ابن الجوزي – مما اشتملت عليه هذه الرواية الموضوعه حيث تنسب الى عمر مثل هذا الفعل الشنيع , فقال ما نصّه : " وهذا قبيح والله ! لو كانت امة لما فعل بها هذا ! ثم بإجماع المسلمين لا يجوز لمس الاجنبية , فكيف ينسب عمر الى هذا "؟! ( تذكرة خواص الامة ص321 ) .
ثالثا: مما ينبئك عن ان القضية مكذوبة ما نسبوه من سوء قول امير المؤمنين (عليه السلام) في ابنيه السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام) حيث زعموا أنهما حرّضا أختهما ام كلثوم على أبيهم ! وهذا بحد ذاته كافٍ لإثبات ان هذه القضية انما هي فرية أراد قائلوها الحط من مقام أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام , ومن هذه الروايات وأشباهها تفوح رائحه النصب والعداوة لآل النبي المختار صلوات الله عليهم اجمعين.
رابعا: ومما ينبئك أيضا عن وهن هذه الفرية كثرة التناقضات فيها , فقد زعموا ان ام كلثوم بعدما مات عنها عمر تزوجت بعون بن جعفر بن ابي طالب , ثم بمحمد بن جعفر , ثم بعبد الله بن جعفر. هذا من أن المؤرخين قد ذكروا ان كلا من عون و محمد قد قتلا في حرب ( تستر ) التي وقعت في عهد عمر بن الخطاب!! (راجع الاستيعاب لابن عبد البر ج3 ح1247) فكيف تتزوّجهما بعده ؟!
أما عبد الله بن جعفر , فهو زوج السيدة زينب (عليها السلام) كما هو معلوم لدى المسلمين كافة , فكيف تتزوج أم كلثوم بزوج شقيقتها وكيف يجمع عبد الله بن جعفر بين اختين وهذا محرّم في الشريعة الاسلامية ؟!
ولا اعتبار للأقوال التي تقول ان عبد الله بن جعفر قد طلق زينب ثم تزوجها , لان هذا واضح البطلان لما عُلم من أن زينب (صلوات الله عليها) قد عاشت الى مابعد الطف مع زوجها عبد الله بن جعفر.
ومن التناقضات المثيرة للسخرية ايضا زعمهم ان ام كلثوم قد توفيت في عهد معاوية وصلى عليها ابن عمر كونها زوجة ابية ! (سنن ابي داود ج2 ص66) في حين ان الجميع يعلمون انها (عليها السلام) قد عاشت الى ما بعد ذلك حيث حضرت مع اخيها الحسين (صلوات الله عليها) الطف , وخطبت بعد ذلك بخطبتها الشهيرة في الكوفة والتي ذكرها المؤرخون ومن بينهم بعض مؤرخي العامة كابن طيفور في بلاغات النساء. فهل ماتت ام كلثوم ثم نُشرت من قبرها لتشهد الطف و تخطب خطبتها العصماء ؟!
هذا والتناقضات في سيرة ام كلثوم عندهم اكثر من ان تحصى . كاختلافهم في من تولّد من هذا الزواج المزعوم وكم عاش وكيف مات , مما يشهد على بطلان هذه الفرية.
خامسا: لعلّ بعضهم يحاول اثبات الفرية بالاعتماد على بعض الروايات المنقولة في هذا الشأن الوارده في مصادرنا. هنا نقول ان هذه الروايات لم تثبت عندنا ومعظمها منقول من كتب العامة كما صرّح مصنفوا المصادر انفسهم – كالعلامة المجلسي في البحار مثلا – وفي متونها فضلا عن اسنادها اضطراب واضح , وبإعمال قاعدة المخالفة التي مضمونها مخالفة ما تسالم عن العامة تكون هذه الروايات ساقطة وغير معتبرة.
فالحاصل ان قضية زواج ام كلثوم من عمر انما هي من المخترعات و الاباطيل الموضوعه التي لا اساس لها. والعجب ان لايجد اهل العامه شيئا يقوّون به موقفهم المؤيد لعمر سوى الترّهات !
قال الشيخ المفيد (قدس الله نفسه الزكية) في جواب المسائل السروية : " ان الخبر الوارد بتزويد امير المؤمنين (عليه السلام) ابنته من عمر لم يثبت , وطريقته من الزبير بن بكّار , ولم يكن موثوقا به في النقل وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لامير المؤمنين (عليه السلام) وغير مأمون , والحديث نفسه مختلفٌ فتارة يروي ان امير المؤمنين تولى العقد له على ابنتة , وتارةٌ يروي عن العباس أنه تولى ذلك عنه , وتارةٌ يروي انه لم يقع العقد الا بعد وعيد من عمر و تهديد لبني هاشم , وتارة يروي انه كان عن اختيار وإيثار.