إن كثيراً من الناس تختلف أقوالهم عن أعمالهم
فإذا كان الشخص
معدماً لا يملك شيئاً،
يتمنى أن لو كانت له الدنيا وما فيها ليخدم الناس، فيقول:
إذا ما وصلت إلى منصب حكومي أو مادي، فسأرعى من تحت يدي وأساعد المحتاجين والفقراء،
ولكن عند ما يجد القدرة في أي صعيد فإنه يطغى في حدود إمكاناته، هذه طبيعة البعض.
أما أولياء الله والأئمة الطاهرون (عليهم السلام) فالمهم
لديهم هو رضا الله عزّ وجلّ،
فإنهم يستحضرون الله دائماً ويجعلون من رضائه ملاكاً
لأعمالهم،
وإذا ملكوا ما ملكوا، فإنهم ليس فقط لا يتغيرون ولايتبدلون
بل يسعون
للاستفادة منها في خدمة المحرومين والمنقطعين.
والإمام زين العابدين (عليه السلام) من هؤلاء الأطهار فإنه
على عظمته وزعامته الدينية،
لم ينس حتى الموالي والعبيد، بل كان يتعامل معهم تعامل
الأب العطوف،
وربما تجاوزت محبته (عليه السلام) عطوفة الأب بالنسبة إلى أولاده
بعض من مواقف الامام زين العابدين عليه السلام
في إحدى المرات نادى الإمام السجاد (عليه السلام) أحد غلمانه
فلم يجبه،
فأعاد النداء فلم يجبه، فناداه في المرة الثالثة فلم يجبه أيضاً،
فقال له
الإمام السجاد (عليه السلام) بهدوء: يا بني ألم تسمع ندائي في المرة الأولى
والثانية؟
قال: سمعت.
قال (عليه السلام): فلماذا لم تجبني؟
قال: لأني أمنت عذابك.
عندما سمع الإمام (عليه السلام) جوابه هذا عفى عنه وقال:
الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني
وينبغي الإشارة إلى أن العبيد في ذلك الزمان
لم تكن لهم أية
شخصية أو أهمية في المجتمع،
وكان يكفي أن يقصّر في تلبية النداء حتى يعاقب عليه.
إن طريقة تعامل الإمام زين العابدين (عليه السلام تنم عن)
نهاية عطفه ومحبته بالنسبة إلى من كان تحت يده.
في يوم من الأيام كان للإمام زين العابدين (عليه السلام)
مجموعة من الضيوف، فأمر (عليه السلام) أن يعد لطعامهم مقداراً من اللحم
فيشوى في
التنور ويؤتى به على الخوان، وعندما حل وقت الطعام،
جلب أحد غلمانه جفنة اللحم
المشوي إلى الخوان
وكانت الجفنة شديدة الحرارة، ولشدة عجلة الغلام وقبل أن يصل إلى
الخوان
سقطت من يده على رأس أحد أولاد الإمام الصغار فاحترق ومات.
فتغير لون الغلام وأصابه الهلع وأخذ يرتجف من رهبة الجزاء،
فإنه قد قتل طفلاً من أطفال الإمام (عليه السلام).
ومن الطبيعي أن كل أب عندما يشاهد مقتل ولده بهذه الطريقة
المفجعة،
أن يشد على الطرف بما يمكنه وأقله التوبيخ باللسان،
ولكن الإمام السجاد
(عليه السلام) لما رأى ذلك سلّم أمره إلى الله تعالى
وخاطب الغلام وقال: أنت حر
لوجه الله، فإنك لم تعتمد ذلك، ثم أخذ في جهاز ابنه ودفنه
وبالطبع أن تحرير العبد حتى وإن كان له أجر أخروي،
ولكنه يضر
بالمالك من الناحية المادية لأن في استطاعته بيعه والاستفادة من ثمنه.