روي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام دخل مكة في بعض حوائجه، فوجد أعرابياً متعلّقاً
بأستار الكعبة وهو يقول:
يا من لا يحويه مكان، بلا كيفية كان، أُرزق الأعرابي أربعة آلاف درهم.
قال: فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليه السّلام وقال:
ما تقول يا أعرابي؟ فقال الأعرابي: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب، قال الأعرابي:
أنت والله حاجتي، قال عليه السّلام: سل يا أعرابي.
قال: أُريد ألف درهم للصداق، وألف درهم أقضي بها ديني، وألف درهم
اشتري داراً وألف درهم أتعيّش بها، قال عليه السّلام:
أنصفت يا أعرابي، إذا خرجت من مكّة فسل عن داري بمدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم.
فأقام الأعرابي أُسبوعاً، وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المدينة، ونادى:
من يدلّني على دار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟
فلقيه الحسين عليه السّلام فقال: أنا أدلّك على دار أمير المؤمنين.
فقال له الأعرابي: من أبوك؟ قال: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،
قال: من أمّك؟ قال: فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،
قال: من جدّك؟ قال: محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب،
قال: من جدّتك؟ قال: خديجة بنت خويلد،
قال: من أخوك؟ قال: أبو محمد الحسن بن عليّ.
قال: أخذت الدنيا بطرفيها،
امش إلى أمير المؤمنين، فقل له:
إنّ الأعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب، فدخل الحسين عليه السّلام وقال له:
يا أبة أعرابيّ بالباب يزعم أنّه صاحب ضمان بمكة.
قال: فخرج عليه السّلام وطلب سلمان الفارسي رحمه الله، فقال له: يا سلمان أعرض الحديقة
التي غرسها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على التجار، فدخل سلمان السوق وعرض
الحديقة، فباعها باثني عشر ألف درهم، وأحضر المال وأحضر الأعرابي، فأعطاه أربعة آلاف
درهم وأربعين درهماً للنفقة.
ووقع الخبر إلى فقراء المدينة، فاجتمعوا إليه والدراهم مصبوبة بين يديه، فجعل عليه السّلام
يقبض قبضة فيعطي رجلا رجلا حتّى لم يبق له درهمٌ واحدٌ منها، ودخل منزله.
فقالت فاطمة عليها السلام:
بعت الحديقة التي غرسها لك رسول الله والدي؟ قال: نعم، بخير منها عاجلا وآجلا، قالت له:
آجرك الله في ممشاك، ثمّ قالت: أنا
جائعة وابناي جائعان، ولا أشكّ أنّك مثلنا.
فخرج عليه السّلام ليقترض شيئاً يخرجه على عياله، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
وقال: يا فاطمة أين ابن عمّي؟ فقالت له: خرج يا رسول الله، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم:
هاك هذه الدراهم، فاذا جاء ابن عمّي فتقولي له يبتاع لكم بها طعاماً، وخرج صلّى الله عليه وآله
وسلّم.
فجاء عليّ عليه السّلام وقال: جاء ابن عمّي، فانّي أجد رائحة طيّبة؟ قالت: نعم، وناولته الدراهم،
وكانت سبعة دراهم هجريّة، وذكرت له ما قاله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فقال: يا حسن قم معي، فأتيا السوق، فاذا هما برجل واقف وهو يقول:
من يقرض المليّ الوفي؟ فقال: يا بنيّ نعطيه الدراهم، قال: بلى والله يا أبة، فأعطاه عليه السّلام
الدراهم ومضى إلى باب رجل يستقرض منه شيئاً.
فلقيه أعرابي ومعه ناقة، فقال:
اشتر منّي هذه الناقة، قال: ليس معي ثمنها، قال: فانّي أُنظرك به، قال: بكم يا أعرابيّ، قال:
بمائة درهم، قال عليه السّلام: خذها يا حسن.
فأخذها، ومضى عليه السّلام فلقيه أعرابي آخر، فقال: يا عليّ أتبيع الناقة؟ قال عليه السّلام:
وما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أوّل غزوة يغزوها ابن عمّك، قال عليه السّلام:
إن قبلت فهي لك بلا ثمن، قال: معي ثمنها، فبكم اشتريتها؟
قال: بمائة درهم، قال الأعرابي: فلك سبعون ومائة درهم.
فقال عليه السّلام: خذها يا حسن وسلّم الناقة إليه، والمائة للأعرابي الذي باعنا الناقة، والسبعون
لنا نأخذ منها شيئاً فأخذ الحسن عليه السّلام الدراهم وسلّم الناقة.
قال عليه السّلام: فمضيت أطلب الأعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأُعطيه الثمن، فرأيت رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مكان لم أره فيه قبل ذلك على قارعة الطريق، فلمّا نظر رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليّ تبسّم وقال:
يا أبا الحسن أتطلب الأعرابي الذي باعك الناقة لتوفّيه ثمنها؟
فقلت: إي والله، فداك أبي وأُمّي، فقال:
يا أبا الحسن الذي باعك الناقة
جبرئيل، والذي اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنّة،
والدراهم من عند ربّ العالمين المليّ الوفي.
المصدر
منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة
السيد جلال الدين عبد الله بن شرفشاه الحسيني