لن أعود الى البعيد كثيرا، ساعود الى عام الفين و سته هذا المفصل في الصراع ونتائجه التي أجهضت ولادة مشروع تقسيم المنطقة، مشروع الشرق الأوسط الجديد، عندها قال السيد حسن نصرالله “أن هذا الانتصار سيغير وجه المنطقة”، كانت بعدها حرب غزة وفشل الالة العسكرية الإسرائلية في حسم المعركة، فكان أن لجأت اسرائيل الى اعتماد أسلوب انتقامي و نجحت في اغتيال العقل الذي ابتدع هذه المنظومة التي نراها من دول ممانعة و مقاومة، الشهيد عماد مغنية، من يعرف الشهيد مغنية الذي قال عنه السيد علي الخامنئي أخ و صديق لي و للجمهورية الإسلامية يعرف أن بصماته موجودة على كل ما نعرفه و ما لا نعرفه من إنجازات في ايران و سورية و فلسطين و لبنان، فكان أن قال السيد حسن نصرالله و بكل وضوح، ” إذا كان دم الشيخ راغب اخرجكم الى الشريط الحدودي و دم السيد عباس اخرجكم من جنوب لبنان، فإن دم الشهيد عماد سيزيلكم من الوجود.. و أقسم أن دمه لن يذهب هدراً، لكم أن تعرفوا أنه من ينتظر أن تكون عملية الرد باغتيال شخصية عسكرية اسرائلية فهو مخطئ.” لماذا أصدق السيد حسن نصرالله؟ اعطوني سببا واحدا كي لا أصدقه!
لن ادخل في الموازين العسكرية و لن ادعي المعرفة، لكن يحق لي التوقف عند بعض الأمور التي حصلت مؤخراً أمام مرأى العالم كله من مناوارت ضخمة لإيران فهي لا تكاد تخرج من مناورة لتدخل في واحدة أكبر ، و تعرض بعد الإنجازات و من يعرف العقلية التي يعمل بها الإيرانيون و هي عقلية أوسع و أشمل بمئات المرات من قدرات حزب الله الذي أنتج مقاومة هجينة تعجز دول كبرى عن فهمها و تتفاجئ بالقدرة التي لديها على كافة الأصعدة، فكيف بإيران هذه الدولة النووية و مطلقة صواريخ و أقمار صناعية الى الفضاء؟ و تجدر الإشارة الى المناورات التي قام بها الجيش السوري حيث اظهر أسلوبا مشابها لأسلوب حزب الله الناجع و أسلوب ايران الاستراتيجي من صناعات عسكرية متطورة، و للعلم أن الكثير من ضباط الجيش السوري تفاجأ بالقدرة و نوعية الاسلحة التي ظهرت ، طبعا البعض منها.
هذا على المستوى العسكري، لكن أين يصرف فائض القوة هذا؟ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي استفردت الولايات المتحدة الامريكة بالقرارت و استطاعت أن تتوسع في أكثر من منطقة في العالم و انشأت عدة أحلاف لها اليد الطولى فيها مثل “حلف الناتو” الذي ينفذ مخططاتها. ترافق هذا مع سيطرة الولايات المتحدة على مجلس الأمن الذي أصبح عاجزا أمام البلطجة الوقحة للولايات المتحدة، حتى أصبح أداة لتمرير و تعطيل ما يرغبه الرجل الأبيض.
الجعفري، من الإنصاف القول أن كلمة الجعفري في مجلس الأمن اليوم تعتبر مفصلا واضحا في احترام حقوق و سيادة الدول ، إلاّ أن السيد بشار الجعفري ذهب ابعد من هذا حيث اسقط كل الادعاءات من شخص الأمين العام الذي لم يصدر بيان إدانة لاقتحام و إحراق عدة سفارات سورية في دول عدة، و أيضا على مستوى دول مثل الولايات المتحدة التي استعملت حق النقض الفيتو ستين مرة ضد السلام الشامل معظمها تخص القضية الفلسطينية، و أيضا و أيضا عندما قال كيف أن دولة أيّدت القرار الحالي و هي تمنع النساء من حق حضور مباراة كرة قدم ، يبقى الأهم في كلامه حين نسف هذه المنظومة من أساسها و سأل كيف أن دولة مؤسسة تصبح ضحية مؤامرات تطبخ في غرف إعلامية سوداء و على الهواء، حيث أشار الى المقابلة التلفزيونية للرئيس التونسي الحالي، و كيف أن أمر العمليات بالأمس أتى من خارج الحدود وعلى الهواء أيضاً للمسلحين لإهراق أكبر كمية من الدم و الفبركات لتستغل على طاولة هذا المجلس، و اضاف أن هذا المجلس في أعوامه الخمس و أربعين الأولى أصدر ستمئة و تسعون قرار بينما في العقدين الأخيرين أصدر ثلاثة أضعاف هذا العدد. الا يعني أن هذه المنظومة فشلت في حل النزاعات بل و تفتعلها للسيطرة على دول عدة؟ و الأمثلة تطول من كشمير الى جنوب السودان و البوسنة و الهرسك و دول امريكا الاتينية و دول افريقية يموت سكانها من الجوع و عدد الاسلحة أكثر من البشر، و تقوم الولايات المتحدة(على شعوب العالم) برمي أطنان من فائض القمح لديها في البحر حفاظا على السعر في البورصة العالمية في هذا النظام الرأسمالي الجشع!
فيتو روسي و آخر صيني ظاهران، و فيتو مستتر معلوم إيراني عسكري. أن زمن البلطجة و الاستفراد ولى، لا السناريو العراقي و لا الليبي سيتكرر ولا حتى أي سيناريو سيتكرر و من هنا جاء الحذر الروسي من تفخيخ القرار ورفضه. لماذا وقفت روسيا و الصين معنا؟ هل الأموال و المصالح الروسية و الصينية مع سورية و ايران هي أكبر من مصالحهم مع باقي دول العالم؟ بالطبع كلا، يكفي أن نشير الى حجم التبادل الاقتصادي بين الولايات المتحدة و الصين و الديون المستحقة للصين بترليونات من الدولارات (يعجز عقلي عن استيعاب ترليون واحد، ألف مليار!)، إذن لماذا وقفوا؟ لأن سوريا صمدت بدعم إيراني ليس إلاّ، و لأن في فلسطين طفل لا يهاب الميركافا و لأن في جنوب لبنان مقاومة صمدت أمام أقوى آلة عسكرية في المنطقة و من الأقوى في العالم، لأننا أقوياء بقوتنا. اليوم أيقن الروس و الصينين أن رهاناتهم نجحت و هذه الفرصة الذهبية التي ينتظروها لتشكيل نظام عالمي جديد.
الرئيس الأسد،” يقول اوليفيه روا في مقابلة مع القناة الفرنسية(24) المستشرق والمفكر الفرنسي دكتوراه بالعلوم السياسية ويعتبر من اكبر المؤرخين المعاصرين للنزاعات في بلاد المسلمين، انا على وشك ان اشهد اول انتصار لزعيم عربي وهو الاسد على زعماء القرار في العالم و يوضّح كيف لا عندما يجتمع مجلس الامن ويقر الحرب على افغانستان بساعتين ونصف ويفشل باقرار قرار ضد الاسد منذ شهور وهو منعقد منذ اسبوع بدعم من العرب ولم يستطيع ان يتخذ قرار المواجهة المباشرة مع الاسد بل يتحايل ليخفف وطأة القرار على امل ان يخرج بشيئ يعيد لهذه الدول هيبتها بعد التحدي الصريح والعلني للاسد.”
استهداف شخص الرئيس هو هدفهم في الحرب على سورية لعلمهم أن الرئيس الأسد هو حلقة الربط في منظومة الدول المقاومة و أن عدم إسقاطه يعتبر فشلا لخطتهم، و اليوم أصبحوا يشعرون أن بقائه أصبح يهدد أنظمة دول فطرية مثل قطر و السعودية التي يعالى صراخها بأن بقاء الأسد سنه اضافية سيكون نهايتهم، هذا صحيح، و لأن هذه المنظومة المقاومة هدفها و بوصلتها فلسطين يعني بالنتيجة بقاء الأسد سيكون زوال هذا الكيان.
نختم بكلام السيد علي الخامنئي بالأمس وخطابه باللغة العربية الذي كان واضحا كعين الشمس و قال أن التعرض لسورية هو اعتداء على الجمهورية الاسلامية الإيرانية، و اضاف أن زوال هذا الكيان قريب إنشالله… ولكم تصديق كل ما كتب أو نفيه كله…
بانوراما الشرق الاوسط