فن إدارة الغضب
]رغم التقدم
العلمي الهائل الذي تسير إليه المجتمعات الإنسانية، إلا أن ضغوط الحياة
تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، حيث تكثر الضغوط النفسية والإجتماعية
والإقتصادية، وتزداد نسبة الإنتحار في العالم، إضافة إلى الزيادة المضطردة
في نسبة الطلاق والتفكُّك الأسري، وتقطُّع العلاقات الإجتماعية، كما
يتَّجه الكثيرون إلى التقوقع على الذات والإنطواء هرباً من واقع حياتهم.
ويعزو كثير من الخبراء ذلك إلى أسباب عديدة؛ أهمها: الخواء الروحي الذي
تتَّجه إليه المجتمعات الإنسانية في ظلِّ حركة العولمة الجارفة التي جعلت
المادة محور حياة الإنسان على حساب إحتياجات الروح، فابتعد الكثيرون عن
معالم حُسن الخلق الذي يُعَدُّ ركيزة من ركائز الإيمان، وبدا ضعف الإيمان
من خلال التوتر والعصبية والإنفعال وكثرة الغضب التي أصبحت سمة بارزة في
المجتمعات.
ومن هنا فقد اتَّجه كثير من الخبراء إلى دراسة تلك الظاهرة، وتطوير البرامج
لتخليص الناس من التوتر والإنفعال، فغدا علم تطوير الذات – الذي يعتبر
أحد فروعه فن إدارة الغضب – من العلوم التي تُدرس في الجامعات، في محاولة
لتحويل مسار الغضب من المسار السلبي إلى المسار الإيجابي، كما أصبحت تعقد
الكثير من الدورات التدريبية العالمية في هذا المجال.
وأُلّفت العديد من الكتب التربوية والنفسية والطبية التي تهدف إلى تخليص
الناس من عصبية المزاج والتوتر، ومحاولة الوصول بهم إلى الراحة النفسية
والتصرف بهدوء ودون إنفعال.
والناظر في تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف يجد أن أصول هذا العلم مبثوثة
فيه، فقد أطلق النبي (ص) كلمته المشهورة: "لا تغضب" منذ أكثر من أربعة عشر
قرناً من الزمان، أشار فيها إلى تجنب أسباب الغضب، وتحويل مساره من غضب
مذموم إلى غضب محمود ملتزمٍ بأدب الشرع والعقل.
كما إنّ القرآن الكريم رسم لنا العديد من الطرق لتحويل مسار الغضب، فتحدَّث عن العفو والصفح والحِلْم وكظم الغيظ في كثير من آياته.
ومن خلال تناولي لموضوع "فن إدارة الغضب" توصلتُ إلى عدة نتائج، أهمّها:
أوّلاً: إنّ الغضب غريزة مصاحبة للإنسان ولا يمكن محوها بالكلية: وقد
تحدَّث القرآن الكريم عن غضب بعض الأنبياء، وسجلت الأحاديث النبوية الصحيحة
بعض الحالات لغضب النبي (ص).
ثانيّاً: إن نهي النبي (ص) عن الغضب لا يعني الدعوة إلى محو الغضب تماماً:
وإنما يقصد به تجنب أسباب الغضب، والبعد عن الغضب المذموم، لأنّه يوقع
المرء فيها لا تُحمد عقباه، ويقصد به أيضاً محاولة تحويل مسار الغضب من غضب
مذموم غير ملتزم بأدب الشرع إلى غضب محمود ملتزم بأدب الشرع، وهذا ما
علَّمنا إياه النبي (ص)، إذ لم يكن يغضب لنفسه قط، وإنّما كان يغضب إذا
انتهكت حرمات الله.
ثالثاً: لقد سبق علماء المسلمين علماء تطوير الذات، ونادوا بضرورة وضع
برامج لتحويل مسار الغضب من غضب مذموم إلى غضب محمود، وهو ما يطلق عليه في
العصر الراهن الغضب الصحي.
رابعاً:
إنّ برنامج إدارة الغضب عند الغربيين يلتقي مع البرنامج الإسلامي في كثير
من النقاط: من جانب المنطلقات وكيفية إدارة الغضب، وقد قدمت الدراسة
برنامجين لأشهر المدربين في مجال تطوير الذات، هما: (جيل لندنفيلد) و(د.
وليام ديفور).
خامساً: إنّ إدارة غضب الأطفال والمراهقين تحتاج إلى وعي من المربين بأسلوب
التعامل مع هذه الفئة العمرية لأجل كسبهم وبناء شخصياتهم بناء سويّاً،
وقد قدَّمت الدراسة برنامجين: أحدهما: يختص بإدارة غضب الأطفال، والثاني:
بإدارة غضب المراهقين.
سادساً: إنّ إدارة غضب الأطفال ينطلق من عدة منطلقات أساسية:
1- القدوة الحسنة: لأنّ الطفل مقلِّد ومطبوع على محاكاة كل ما يرى من سلوك وتصرفات أمامه.
2- مراجعة الآباء والأُمّهات لسلوكهم مع أبنائهم: بالإبتعاد عن أسلوب
التوبيخ والتجريح والتسلط في التوجيه؛ لأنّ هذه الأساليب تثير نوازع الغضب
عند الأطفال، وكثيراً ما تؤدي إلى العناد والتمرد.
3- تخليص الطفل من الظواهر التي يمكن أن تكون سبباً في غضبه: مثل: الخوف والغيرة، ومعالجتها بطرق صحيحة.
4- تدريب الطفل على أسلوب السيطرة على الذات: بتوفير الفرصة له ليحاول التعود على كبت إنفعالاته وتوجيهها توجيهاً سليماً.
5- إستخدام أسلوب التغذية الإسترجاعية الإيجابية: لتعزيز السلوك الحسن عند الطفل.
6- التوجيه السليم لمبدأ العقوبة: لئلا تكون العقوبة مصدراً من مصادر إثارة نوازع الغضب عند الأطفال.
سابعاً: إنّ إدارة غضب المراهقين تتطلّب عدة أمور، أهمّها:
1- فهم الأسباب المؤدية إلى إثارة الغضب عند المراهق، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها.
2- تعرُّف المربي إلى طبيعة المرحلة العمرية التي يمرّ بها المراهق، وفهمها فهماً صحيحاً، من أجل التواصل الصحيح معه.
3- مراعاة مسألة ميل الشباب إلى الجدل والمحاججة، التي تكون نابعة من أسباب
نفسية، وفتح قنوات للحوار بين الشاب والمربي من أجل كسب ثقته.
4- إحترام خصوصية الشاب، ومساعدته على إختيار الصحبة الصالحة، مع البعد التام عن المغالاة في الحماية أو الإهمال.
5- تشجيع المراهق على ممارسة العبادات المطلوبة؛ مثل: الفرائض والسنن،
وتشجيعه على الرياضة؛ لأنّها تمتص الطاقة الزائدة التي يتمتع بها الشاب.
6- تعليم الشاب برنامج إدارة الغضب؛ وتوجيهه إلى الدعاء الدائم واللجوء إلى
الله تعالى كي يُسدد خُطاه، ويُلهمه حُسن التصرف في القول والعمل.