التواضع من موجبات حسن العاقبة
إن الإنسان عندما يراجع التاريخ، فإنه يتساءل عن سر التوفيق الذي حظي به النجاشي في الحبشة -فقد سجل التاريخ بأنه كان للمسلمين هجرتان: هجرة إلى المدينة، وهجرة إلى الحبشة- حيث أنه احتضن الدفعة المظلومة المستضعفة من المسلمين، وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب؟.. ولماذا جعله الله عز وجل وسيلة لحماية المسلمين؟.
إن الله تعالى يختم بالعاقبة الحسنة لمن يتواضع، وهذا ما تدل عليه القصة التالية: لما اشتد أذى قريش بالمسلين، أمر النبي جعفر بن أبي طالب أن يهاجر بالمسلمين، وكانت عدتهم ثمانين مسلما إلى الحبشة.. وكان حـاكمـها يسمى أصحمة بن بحر، ويلقب بالنجاشي لا يظلم عنده أحد -صحيح أنه لم يكن مسلما، ولم يكن من أصحاب النبي (ص) ولكنه لا يظلم عنده أحد-.. يقول الإمام (ع): (أرسل النجاشي ملك الحبشة إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب، وعليه خلقان الثياب) - أي الثياب البالية - ( فقال جعفر بن أبي طالب: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال).. فلعلهم ظنوا أن هناك خللا في عقله مثلا،
وإلا فلماذا ملك وسلطان كالنجاشي جالس على التراب!..
(فلما رأى ما بنا وتغّير وجوهنا، قال: الحمد لله الذي نصر محمّداً
وأقرّ عيني به، ألا أبشركم؟!..فقلت: بلى أيها الملك، فقال: إنه جاءني
الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك، وأخبرني أن الله قد نصر نبيه محمّداً (ص)، وأهلك عدوّه، وأسر فلان وفلان، وقتل فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك، وهو رجل من بني ضمرة، فقال له جعفر: أيها الملك الصالح!.. ما لي أراك جالسا على التراب، وعليك هذه الخلقان؟.. فقال: يا جعفر!.. إنا نجد فيما أنزل على عيسى أن من حق الله على عباده أن يحدثوا لله تواضعا، عندما يحدث لهم من نعمة.. فلما أحدث الله تعالى لي نعمة نبيه محمد (ص) أحدثت لله هذا التواضع).. أي من نعم الله عليَّ أن الله نصر نبيا بعد نبي الله عيسى.. ويفهم من هذا النص أن الرجل كان معتقدا بالنبي (ص).
(فلما بلغ النبي (ص) ذلك قال لأصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدّقوا يرحمكم الله!.. وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله!.. وإن العفو يزيد صاحبه عزّا، فاعفوا يعزّكم الله!..).. وعليه، فإن هذه القصة درس عملي لنا في التواضع: فمن المعروف بأن طبيعة الملوك قائمة على الظلم والتعسف، ولكن الله عز وجل جعله ملجأً لعباده المؤمنين.. فلم يزده تواضعه إلا رفعة!.