وقفة مع حقيقة ان التقوى هي المقدمة الموصلة إلى نتيجة الفرقان
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله أجمعين ...
لنسمع جيدا قوله تعالى :
( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ
فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ
ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
تتمثل مسالة الفرقان لتحصيل المقياس الصحيح في معرفة رقي المؤمن وما يؤدي
إلى التصاعد في علاقته بربه جل في علاه والتي تقرر الاية أن يدركها الفرد
من خلال التقوى باعتبار ان المقدمة الموصلة إلى نتيجة الفرقان هي التقوى .
وقالوا ان التقوى هي حفظ النفس و وقايتها من الوقوع في الضرر ، وبما أن
الضرر الحقيقي للنفس يتحقق في الابتعاد عن رضا الله تعالى و ليس كما نعتقد
ان الإضرار الحقيقية هي فقط على الجانب الدنيوي كفقد المال او المرض فهي
ليست بإضرار بالمعنى الحقيقي بل اغلبها ذات فائدة للنفس خصوصا عندما تنتج
نقص الملذات الدنيوية فإنها ليست إلا أسلوبًا لإستخراج مكامن النفس
وتطويرها ايمانيا .
قال أمير المؤمنين )عليه السلام) : ( إن تقوى الله دواء داء قلوبكم وبصر
عمى أفئدتكم وشفاء مرض أجسادكم وصلاح فساد صدوركم و َ طهور دنس نفوسكم
وجلاء عشا أبصاركم وامن فزع جأشكم وضياء سوء ظلمتكم )
ولكن ينبغي أن نتعرف على أهم مراتب التقوى :
منها : اتقاء العذاب ونقصد به العذاب الإلهي بتجنب مسبباته واهمها فعل الذنوب وترك الواجبات .
ومنها : اتقاء الحرمان من خلال النظر لموجبات زوال النعيم بأفعاله فيتقي بترك المانع للتكامل فيزداد طمعه بالثواب الأخروي .
ومنها : اتقاء الهجران وهو أعلى المراتب فيتجنب الم قطع لذة الوصال مع الله تعالى والشعور الحقيقي بالارتباط بالله تعالى .
ومنها : التقوى في إيتاء المستحبات وترك المكروهات على ما يستطيع الفرد وما أمكنه .
ومنها : التقوى في ترك المباحات بمعنى ما يقرب إلى الباري تعالى وإيتاءه وإما ما يبعد عنه .
ومنها : التقوى من الغفلة.
ومنها : التقوى من الغرور بالعبادة .
ومنها : التقوى من الإشراك الخفي بكل أشكاله كالرياء مثلا .
ومنها : التقوى من الاشتغال بغير ذكر الله كما ورد عن المعصوم ( ع ) ) وأستغفرك من كل لذة بغير ذكرك )
ولكن قد يقول يسال البعض سؤلا واقعيا وهو إن كان الإنسان قد آمن ودخل
التقوى ما حاجته إلى الفرقان ؟ ! وهو سابقا فرق بين الحق والباطل واتقى
المفاسد واتى المحاسن !.فلا معنى حصوله على الفرقان إذن لأنه قد فرق أساسا
بين الحق والباطل ؟؟
وجوابه على المستوى الدنيوي في التعامل مع الخلق فان الفرقان يبين للإنسان
ما هو الأصلح له دنيويًا أي يفرق بين المصالح والمفاسد الدنيوية فيتبين له
ما ينفعه مما يضره ، وغيره عاجز عن ذلك إنما يعمل الآخرون على حسب
استحسانهم العقلي وما أكثر أخطاءهم .
وعلى المستوى الإيماني فمن المعلوم إن الفرقان من ثمار المتقين والذي يفرق
به المتقي بين الأفعال العامة والأحوال الخاصة والخواطر الداخلية والأفكار
العقلية بل حتى المباحات فيفرق بين ما يتقرب به لله تعالى في فعله أو تركه .
ومن الفرقان كذلك التفريق بين الأفكار الحقة والأفكار الباطلة سواء على
الصعيد الدنيوي أو على صعيد الاعتقاد من المعتقدات الفكرية الناقصة او
والأفكار التامة . وقد نسب للشافعي أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ... ونور الله لا يؤتاه عاصي
واعلموا إن أعلى مرتبة في التقوى والفرقان قد حازها الرسول ( صلى الله عليه
وآله ) ومن بعده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو الفاروق الأكبر ومن ثم
الزهراء ( ع ) وباقي الأئمة المعصومين ( ع ) .
ومن هنا فان الفاروق من ألقاب أمير المؤمنين حتى ورد في بعض الزيارات ((
السلام على الامام الحكيم العدل الصديق الاكبر الفاروق بالقسط الذي فرق
الله به بين الحق والباطل والكفر والإيمان والشرك والتوحيد ليهلك من هلك عن
بينة ويحيى من حيي عن بينة ))
ونختم بهذه الرواية اللطيفة عن الفاروق الأعظم أمير المتقين ( ع ) :
( كان لي فيما مضى أَخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه،
وكان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد، وكان
أَكثر دهره صامتاً فإن قال بذّ القائلين ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفاً
مستضعفاً! فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب وصل واد لا يدلي بحجة حتى يأتي
قاضياً، وكان لا يلوم أَحداً على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره،
وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل،
وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على ما يسمع أحرص منه
على أَن يتكلم، وكان إذا بدهه أَمران نظر أَيهما أَقرب إلى الهوى فخالفه ,
فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أَن
أخذ القليل خير من ترك الكثير )
م/ن