هل كان أبو بكر بن أبي قحافة أول من أسلم من الرجال حقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
هل كان أبو بكر بن أبي قحافة أول من أسلم من الرجال حقاً ؟
إن مقولة أن أبا بكر بن أبي قحافة (لعنة الله عليه) كان أول الرجال إسلاما
بعد أمير المؤمنين وخديجة (صلوات الله عليهما) ما هي إلا أكذوبة من أكاذيب
حزب السقيفة ومن والاهم، فإن شواهد عديدة في التاريخ تثبت عكس ذلك، وأن
أبا بكر لم يسلم إلا متأخرا قبل الهجرة بقليل، وبعدما سبقه أكثر من خمسين
رجلا إلى الإسلام!
من تلك الشواهد ما رواه الطبري عن محمد بن سعد بن أبي
وقاص قال: "قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاما؟ فقال: لا.. ولقد أسلم
قبله أكثر من خمسين"! (تاريخ الطبري ج2 ص60 والبداية والنهاية ج3 ص28).
ومنها ما رواه الطبراني من أن أبا بكر آمن بعد ظهور معجزة إسراء ومعراج
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي وقعت أحداثها قبل الهجرة بسنة ونصف
فقط على قولهم، فسُمّيَ يومئذ بالصدّيق! (المعجم الكبير للطبراني ج24 ص434
ومجمع الزوائد ج1 ص76 والسيرة الحلبية ج1 ص273).
ومنها ما تثبته ابنة أبي بكر؛ عائشة ؛ من أن أباها لم يكن أول القوم إسلاما
بل كان رابعهم حين وقفت بالبصرة وقالت: "أبي رابع أربعة من المسلمين"!
(الأوائل لأبي هلال العسكري ص98).
ومنها ما رواه الذهبي عن الحسن بن زيد: "أن عليا أول ذكر أسلم، ثم أسلم زيد
(بن حارثة)، ثم جعفر (بن أبي طالب)، وكان أبو بكر الرابع أو الخامس"!
(سير أعلام النبلاء ج1 ص216).
فعلى هذا وشواهد عديدة أخرى لا يكون مجال للشك في أن هذه الدعوى إنما كانت
مما نسجه خيالهم واختلقته أقلامهم للتنزيل من مقام مولانا أمير المؤمنين
(صلوات الله عليه) وإنكار أسبقيته إلى الإسلام، وهي المنقبة التي لا يدفعها
دافع إلا من أعمى الحقد والنصب بصيرته، كابن كثير وابن تيمية وأضرابهما،
عليهما لعائن الله. مع أن أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
تردّ عليهم حيث ورد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته الزهراء (صلوات
الله عليها) كما رواه إمامهم ابن حنبل: "زوجك أقدم أمتي إسلاما". (مسند
أحمد بن حنبل ج5 ص662).
والذي يظهر من البحث التاريخي أن رجالا كثيرين سبقوا ابن أبي قحافة إلى
الإسلام، منهم جعفر بن أبي طالب سلام الله عليهما، وزيد بن حارثة، ومصعب بن
عمير، وبلال بن رباح، وعمار بن ياسر ووالداه ياسر وسمية، وأبو ذر
الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم.
ثم إنه على فرض كون أبي بكر أول من أسلم بعد علي وخديجة عليهما السلام؛
فإنه لا ملازمة بين ذلك وبين القول بأفضليته واستحقاقه للخلافة، حيث لا نص
شرعيا على ذلك، لأن الأفضلية في الإسلام إنما هي للأتقى كما قال الله
سبحانه في محكم كتابه: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". (الحجرات: 13).
وإن إسلام أبي بكر (لعنه الله) لم يكن نابعا من القلب، وإنما كان نابعا من
الحرص والطمع، حيث علم الرجل من رهبان اليهود والنصارى أن هذا النبي
العربي المسمى بمحمد (صلى الله عليه وآله) سيملك الشرق والغرب بعد بضع
سنوات ليس إلا، فخطط الرجل منذ ذلك الحين لأن يقتنص الفرصة هو وصاحبه عمر
(لعنة الله عليه) فيندسّان في جموع المسلمين بهدف الوصول إلى الإمارة
والحكم، إما عن طريق تولية النبي لهما، وإما عن طريق إزاحته وخلافته
بالمكر والحيلة وقتل النبي غيلة!
وقد بيّن هذه الحقيقة مولانا بقية الله الأعظم صاحب الزمان (صلى الله عليه
وعلى آبائه الطاهرين) إذ قال: "إنهما أسلما طمعا، وذلك أنهما يخالطان مع
اليهود ويُخبران بخروج محمد (صلى الله عليه وآله) واستيلائه على العرب من
التوراة والكتب والمقدسة، وملاحم قصة محمد (صلى الله عليه وآله) ويقولون
لهما: يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء (بخت نصر) على بني اسرائيل إلا أنه
يدّعي النبوة ولا يكون من النبوة في شيء، فلما ظهر أمر رسول الله فساعدا
معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من
جهة ولاية رسول الله ولاية بلد اذا انتظم أمره، وحسن باله، واستقامت
ولايته". (الاحتجاج للطبرسي ج2 ص275).
فإن شككوا في حقيقة مخالطة أبي بكر لرهبان اليهود والنصارى كونها مروية في
مصادرنا؛ استخرجنا لهم شاهدا من مصادرهم، حيث رووا أن أبا بكر كان مع
قافلة تجارية فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحو الشام، فلما توقفت
جلس النبي تحت ظل سدرة، فذهب أبو بكر إلى راهب يسأله عن الدين، وهناك سأله
الراهب: "من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال أبو بكر: ذاك محمد بن عبد
الله بن عبد المطلب. فقال الراهب: هذا والله نبي! وما استظل تحتها أحد بعد
عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله. فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق،
فلما نُبّئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة، وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة،
أسلم وصدّق رسول الله". (أسباب النزول للواحدي النيسابوري ص255 وكنز
العمال ج12 ص506 وغيرهما كثير).
أما عن كون أبي بكر عندما أعلن إسلامه أسنّ من أمير المؤمنين (صلوات الله
عليه) وهو بذلك أرفع درجة منه وأكثر استحقاقا للخلافة؛ فلا يقول به إلا من
لا عقل له ولا فهم! ذلك لأنه وإن كان أبو بكر أسنّ منه (صلوات الله عليه)
إلا أن ذلك ليس موجبا لتقدمه عليه، وإلا لكان الحق في الخلافة لوالد أبي
بكر – أبو قحافة – بدلا عنه! فمبلغ عمر الإنسان ليست له مدخلية في شأن
الولاية والإمرة، فإذا قلنا بالوصية والتعيين كان مَن اختاره الله هو الأحق
حتى ولو كان ابن يوم واحد بل ساعة، وإذا قلنا بالشورى – كما يزعمون – كان
الأحق الأكثر علما وتقوى وعدالة حتى ولو كان شابا يافعا. وما من خلاف في
الأمة على أن عليا (صلوات الله عليه) كان الأعلم والأتقى والأعدل والأقضى
والأرفع منزلة والأسبق إسلاما والأكثر فضيلة ومنقبة، فكيف لأمثال أبي بكر
وعمر أن يتقدّموا عليه وهم أراذل القوم!
هذا ومع ظهور النصوص الإلهية والنبوية الجلية الصريحة على تعيين أمير
المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) للخلافة؛ فلا يبقى مجال لهذه التأويلات
الفاسدة والافتراضات المهترئة لتجويز خلافة أبي بكر (عليه اللعنة
والعذاب) التي وقعت بالغصب والقهر والإكراه والكفر بشريعة سيد الأنام صلى
الله عليه وآله وسلم.
ونسألكم الدعاء...
منقول