بيان سماحة اية الله العظمى كمال الحيدري بخصوص البحرين
اصدرسماحة آية الله السيد كمال الحيدري بيانا بشان احداث البحرين وما يتعرض له الشعب البحريني من حملة وحشية من الداخل والخارج وقد حصل موقع نون على نسخة منه
بيان بشأن الأحداث الجارية في البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله الأئمة الهداة المهديين، وعلى صحبه النجباء المنتجبين ومن اتبعه وسار على هداه إلى يوم الدين.
قال الله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً *... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ... فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ).
تابعنا في الأسابيع القليلة الماضية تداعيات الثورات العربية على الشأن الداخلي في المجتمع البحريني، وقد حَمَلَنا الشعور بالمسؤولية في مطلع هذا الأحداث أن نعلن تضامننا مع مطالب الشعوب العربية من جهة، وأن نسدي النصح إلى النخب الحاكمة في دولنا إلى التحلّي بالعقلانية والحكمة في التعاطي مع هذه الأزمة وأخذِ مطالب تلك الشعوب مأخذ الجد من جهة أخرى، مشيرين في الوقت ذاته إلى مسوغات هذه المطالب وما تتمتع به من شرعية.
ولقد كان من جملة تلك الشعوب الحرة الطموحة التي أرادت التغيير الشعب البحريني الشريف الذي نزل إلى الشارع بكل فئاته وتياراته ونخبه؛ رافعاً شعارات إصلاحية تتعلّق بتعديل الدستور وتحكيمه بنحو حقيقي في جميع تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية. وبالرغم مما شاهدناه من سلوك حضاري مميّز في جانب المتظاهرين، وسلمية تحركهم واحترامهم للممتلكات العامة والخاصة، وعدم تخندقهم طائفياً أو حزبياً فيما قدّموه من خطاب للعالم، فقد صَدَمَنا الأسلوب العنيف والدموي الذي سلكته أجهزة الدولة في تفريق جموع المحتجين، واستخدامها للذخيرة الحيّة في مواجهتهم، وإزهاقها لعدد من الأرواح البريئة بدم بارد ودون أي شعور بالمسؤولية، والأغرب من كل ذلك والأشد خطورة هو التعتيم الواسع الذي مارسه الإعلام العربي على العكس مما فعله مع الاحتجاجات والثورات العربية الأخرى، وسماحه لخطاب السلطات الحاكمة بتشويه صورة المتظاهرين، واختطاف ثورتهم من بين أيديهم، والافتئات عليهم بالتخريب والعمالة للأجنبي، والعمل لأجندة إقليمية، ثم إثارته المخاوف الطائفية الوهمية والنعرات القبلية الضيقة، وخلق حالة من التمترس الطائفي والتخندق المذهبي، واستعداء بعض فئات الشعب على بعضه الآخر.
فهل هي محض صدفة أن يقع كل ذلك؟! وأن نشهد هذا التواطؤ بين الإعلام العربي (المموَّل غالباً من قبل الدولِ التابعِ لها ... وهو هنا إعلام خليجي كما يعرف الجميع) وبين السلطات الحاكمة لنرى ما يحدث الآن من تدفق كبير لعناصر أجهزة القوى الأمنية لجميع دول الخليج كي تستبيح حياة المحتجين وتقمعهم بكل وحشية؟!
إن معرفتنا بحجم الحساسيات الطائفية المفرطة في منطقتنا هو الذي حملنا في بيانات سابقة إلى استخدام خطاب لا يُستشف منه التحريض الطائفي؛ وذلك من أجل أن نفوّت الفرصة على أولئك المفتونين باللعب بهذه الورقة البغيضة، ومن أجل احترام إرادة الجماهير في ما تعلنه من مطالب وفيما تضعه من شروط للتفاوض مع السلطات، لكن هذه السلطات ـ ومع الأسف الشديد ـ لا يبدو عليها أنها تفكر بمصلحة مواطنيها، ولا بالاستماع إلى رغباتهم في نمط الحكم السياسي الذي يودّون العيش في ظله.
وإلا فكيف تقنع هذه السلطات شعبها والعالم بصدق نواياها، وهي لا تتورع عن إطلاق الرصاص عليهم منذ الأيام الأولى للاحتجاجات، وعندما ترى إصرار الشعب على مواصلة مظاهراته واعتصامه تشاغلهم بالدعوة إلى الحوار، والجلوس إلى طاولة واحدة، دون أن تبيّن أمام وسائل الإعلام، أو أمام جهة محايدة محترمة لدى الطرفين معالم هذه المبادرة، ولا أبعادها الحقيقية، ولا ما تعد به من وعود إجرائية قابلة للتطبيق، ولا ما تتضمنه من ـ مثلاً ـ إقالة وزير، أو محاسبة مسؤول، كما فعلته مبادرات الحكومات العربية الأخرى التي شهدت بلدانها أمثال تلك الاحتجاجات، حتى إذا ما حصلت على وقتها الكافي فاجئت الجميع لاستقدامها مرتزقة من الخارج (وهي التي كانت بالأمس القريب تتهم المحتجين بانعدام الوطنية والارتباط بالأجنبي) في مزاولة كل أشكال القسوة بحق أبنائها؟! على السلطات الحاكمة أن تعلم أن مفهوم المقاتلين المرتزقة لا يمكن أن يحصل على غطاء شرعي بمجرد أن يتحول إلى بندٍ أمني داخل ورقة يتفق عليها طرفان حتى ولو كان الطرف الآخر طرفاً عربياً مسلماً جاراً.
فواعجباً أن لا تتفق هذه الحكومات إلا على قمع أبنائها! وأن لا تتعض من سلوك مثيلاتها من الأنظمة الغابرة! وأن تتنصل من كل مسؤولياتها فيما يفرزه هذا الاستقدام للقمعيين من الخارج من تخندقٍ طائفي في المنطقة، ومن تمزيقٍ لنسيجها المجتمعي، ومن إضعافٍ لبنية تلك الدول! إن دول العالم الأوروبي تجتمع من أجل إنقاذ مواطني الدول الأخرى التابعة لها (كما لاحظنا ذلك في العقد الأخير من القرن العشرين في مساندتها للشعب البوسني أمام الاعتداء الهمجي الصربي) في حين أننا نجد العكس لدينا! وأن لا تجتمع دولنا إلا من أجل قمع شعوبها والتنكيل بهم وتمزيق وحدتهم. ولقد رغب عقلاء هذه الأمة أن يكون دور هذه الدول خيراً وإصلاحاً لذات البين، وتقريباً لوجهات نظر الطرفين، إلا أن الواقع أبان أنها أقل بكثير من أن تصل إلى مستوى هذه الرغبة المتفائلة، وأن رجالها أقرب لكونهم زعماء قبائل منهم لرجال الدولة والمؤسسات والقانون، وفي طليعة تلك الدول التي خيبت الآمال هي الدولة السعودية حين تضطلع بدهاء طائفي وتنمّر إقليمي (يذكرنا بدور شاه إيران المقبور كشرطي عميل في الخليج) تمارسه في قمع شعوبنا العربية الخليجية، وإخافتهم، وإرهابهم، والتفرعن عليهم، واصطناع الكراهية والحقد بينهم.
إن على دول العالم والمنظمات الدوليّة، لا سيَّما منظمة المؤتمر الإسلامي، أن لا تقف مكتوفة الأيدي في حين أن شعباً أعزل يطالب بحقوقه المدنية المشروعة يتعرض لأشد حملات القمع همجية، وأن تتحمل مسوؤلياتها في التنديد بهذا القمع، والضغط من أجل إيقافه، والحيلولة دون مزيد من إراقة الدماء الطاهرة. كما أن مهمة الإعلام (المقروء والمرئي والمسموع) المستقل الشريف أن يضع العالم أجمع أمام حقيقة ما يجري على أرض الواقع من تجاوزات وانتهاكات بحق هذا الشعب الأبي الكريم.
عاش الشعب البحريني عزيزاً حراً كريماً آمناً
عاش أبناءه البرّرة الذين يتساقطون الواحد تلو الآخر من أجل الإصلاح السلمي الحضاري
والذل والخذلان لأعدائه الذين ذهبوا بعارها وباؤوا بشنارها
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم وعلى جميع عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته
كمال الحيدري
12/ربيع الثاني/1432 هـ
خاص موقع نون