بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السـلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دور الإيمان ... في إحراز النجاح
يتكون
العقل الباطني من حقل يتم فيه تصنيف كل دافع فكري يصل إلى العقل الواعي من
خلال الحواس الخمس ، و يمكن من خلال العقل الباطني استذكار الأفكار تماما
كما يحصل عند سحب أي رسالة من أي ملف .
فالعقل
الباطني يتلقى في ملفاته انطباعات الحواس والأفكار بغض النظر عن طبيعتها ،
و بإمكانك زرع أي خطة أو فكرة أو هدف فيه . و يعمل ذلك العقل أولا
بالرغبات المهيمنة التي مزجت بالمشاعر العاطفية والعقلية .
و
يعمل العقل الباطني بشكل دائم ، و يستند من خلال وسائل يجهلها الإنسان إلى
القوى السماوية اللامحدودة ليستمد منها الطاقة التي تمكنه من تحويل
الرغبات إلى ما يساويها عمليا باستعمال الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق
الهدف المطلوب .
و
لا يمكنك أن تسيطر كليا على عقلك الباطني و لكن بإمكانك تسليمه أي خطة أو
رغبة أو هدف ترغب في تحويله إلى واقع ، و من هنا تأتي قيمة الإيحاءات
الذاتية التي يقوم الفرد عن طريقها بزرع الأفكار في عقله .
و يوجد الكثير من الإثباتات التي تدعم الاعتقاد بأن الإيمان
هو صلة الوصل بين عقل الإنسان المحدود و قدرات الكون الكثيرة ، و هو
الواسطة التي يمكن للشخص أن يستمد منها من قوى أخرى . و يحتوى العقل
الباطني وحده على سر العملية التي يتم بواسطتها تحويل الدوافع الفكرية و
تعديلها و تغييرها إلى ما يساويها روحيا .
و
هنا ملاحظة لا بد من أخذها بعين الاعتبار ، و هو أن المطلوب ليس أن نجعل
الإيمان مجرد مطية لتحقيق الأرباح ، أو وسيلة للحصول على الدنيا ، بل
المطلوب هو العكس تماما أن نجعل الأرباح في خدمة الإيمان و أن نجعل الدنيا
مطية الآخرة ... عملا يقول القرآن الكريم : (وابتغ فيما أتاك الله الدار
الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا) .
و
هذا يتطلب "رفض النجاح" إذا تعارض مع متطلبات الإيمان ، لأن النجاح
الحقيقي ، هو النجاح مع الله تعالى ، إذ ما قيمة نجاح في الدنيا تعقبه
خسارة في الآخرة ؟
و ما قيمة انتصار دنيوي يؤدي إلى هزيمة أخروية ؟
و ما قيمة دينار تحصل عليه من الحرام ؟
يقول
ربنا تعالى : (في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه ، يسبح له فيها
بالغدو والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله ، و إقام
الصلاة و إيتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، ليجزيهم
الله أحسن ما عملوا ، و يزيدهم من فضله ، والله يرزق من يشاء بغير حساب ،
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده
شيئا ، و وجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) .
إن المطلوب من الدنيا هو ما لا يخسرك الآخرة .
والمطلوب من المال ، ما لا يمنع عنك الصالحات .
والمطلوب من النجاح في هذه الحياة ما لا يمنع عنك الفوز في الدار الآخرة .
"فنعم العون على الدين الغنى" كما يقول الحديث الشريف .
أما إذا كان هذا الغنى من نوع : (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) فهو مرفوض ، و ممقوت و مدان .
يقول الدعاء المعروف : "اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير والوفاة راحة لي من كل شر" .
إن المال الذي تكسبه إذا صرفت فيه على نفسك و عيالك و أقربائك ، و نفعت به الناس فهو لك صلاح و فلاح .
أما المال الذي يمنع عنك عبادة الله ، و يشغلك عنه ، أو يطغيك ، و يسد عليك منافذ الرحمة للعباد وبال عليك في الدنيا والآخرة .
إن النجاح الذي نتحدث عنه بالإيمان هو النجاح الذي يجمع بين الدنيا والآخرة .
و هو الذي قال عنه الإمام علي (ع) : و آخر فاز بكلتيهما قد جمع الدنيا مع الآخرة .
و هو الذي يتحدث عنه القرآن الكريم : (ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار) .
أما النجاح
الذي يجعل الدنيا بديلة عن الجنة ، و يأخذ بلباب صاحبه ، و يعميه عن حقائق
الموت والحساب والجنة والنار ، و تعاليم الأنبياء والرسل ، فهو الخسارة
بعينها .
فالنجاح الذي يرافقه الظلم مرفوض .
والنجاح الذي يرافقه ترك العبادات ممقوت .
يقول
ربنا تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ، إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ،
فاسعوا إلى ذكر الله ، و ذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، فإذا
قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيرا
لعلكم تفلحون) .
ثم يعاتب أولئك الذين يقدمون التجارة على العبادة ، و يجعلونها بديلا عنها فيقول :
(و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ، و تركوك قائما ، قل ما عند الله خير من اللهو و من التجارة والله خير الرازقين) .
والان كيف تتزود بالإيمان ؟
والجواب :
أولا ـ أن تطلبه من رب العالمين ، فأقرب الطرق إلى الله تعالى هو نفسه .
فلكي تقوي إيمانك ، توجه إلى الباري ، وصل له ، وادعه خوفا و طمعا .
إن من يفتح قلبه للإيمان ، لا بد أن يدخله الإيمان ، كما أن من يفتح عينه على النور لا بد من أن يبصره .
الإيمان يتقوى بالإيمان ، والتقوى تزداد باتقوى ، والورع يزيد بالورع .
تماما كما هو نقيضه ، فالإلحاد يزداد بالإحاد ، والفسق يزداد بالفسق ، والكفر يزداد بالكفر .
ثانيا ـ
أن تلتزم بالحد الأدنى ـ على الأقل ـ من متطلبات الإيمان . إن شجرة
الإيمان بحاجة لرعاية مستمرة ، فالصلاة ، والدعاء المتكرر كل يوم يحافظان
على الإيمان و يزيدانه ترسيخا .
ثالثا ـ أن تستنجد بالله ـ تعالى ـ في الرخاء .
من
الطبيعي أن يتوجه الإنسان إلى ربه أوقات الشدة ، غير أن التوجه إليه في
الرخاء هو الذي به قيمته ... يقول تعالى في حديث قدسي : (عبدي ، اذكرني في
الرخاء ، أذكرك في الشدة) .
رابعا ـ أن تخلص في عملك .
روح الإيمان ، تكمن في الإخلاص ... الأمر الذي نحتاج إلى التأكد منه عدة مرات كل يوم .
و يمكن التعبير عن الإخلاص ، بتلك الدوافع الداخلية التي يتحرك الإنسان بسببها .
و
في الحقيقة فإن فحص الدوافع ، أمر ضروري لتجديد الروح الأمر الذي يؤدي إلى
إحياة منظومة القيم التي لا بد من الالتزام بها في الحياة .
يقول
الحديث الشريف : "أخلص العمل فإن الناقد بعيد بعيد" . و يقول : "قد أفلح
من أخلص قلبه للإيمان ، و جعل قلبه سميعا و لسانه صادقا ، و نفسه مطمئنة ، و
خليقته مستقيمة ، و أذنه مستمعة ، و عينه ناظرة" .