1-ألإكتئاب الجسيم Major Depressive Iilness
يعدّ أشدّ أنواع الاكتئاب، وزمان كانوا يقسمون الاكتئاب إلى:
• داخلي Endogenous
• وتفاعلي Reactive
ولشرح هذه التصنيفة أذكر المثل الإكلينيكي (المرضي) التالي:
(كان فيه واحد عنده عربية فخمة ضخمة مكيفة، مشغَّل فيها أغاني، وعنده فلوس كثيرة، ورايح إسكندرية، كان رغم العزّ ده كله مكتئب، مقبوض، غير مستمتع بأي شيء، وأمامه على طريق إسكندرية القاهرة الصحراوي عربة نصف نقل تحمل على بنات التراحيل الفلاحات ذاهبات إلى الحقول للعمل، شمس أغسطس الحارقة تلهبهم وهم يصفقون ويغنون لنانسي عجرم في استمتاع كبير"حبيبي قرب، بص وبص بــــــص.. زعلان ازعل .. إزعل نص نص.. لاحسن حابعد .. أبعد آه ونص .. وحتبقى إنت أكيد خسران.." ـ يقال أن هذا الرجل "مُخّه مكتئب"، لأن ظروف حياته ميسرة، أما بنات التراحيل فتملأ الفرحة حواسهم، لتطرد أي ظروف بيئية خشنة)، عموماً انتهى العلماء إلى تصنيفات معتمدة عالمياً ليس منها الداخلي والتفاعلي.
أعراضه تسعة (لابد من توافر 5 منها ) خاصة 1، 2 لمدة أسبوعين أو أكثر (على طول).
• الإحساس بالحزن دونما سبب خاصة في الصباح، ويستمر طوال اليوم وأحياناً ما يخف الانقباض عند المساء ويسمى ذلك طبياً Diurnal Variation.
• فقدان القدرة على الاستمتاع بأي شيء (لافرح ولا تسلية ولا يحزنون).
• اضطراب وزن الجسم والشهية لتناول الطعام.
• اضطراب النوم بكافة صوره.
• تغير قدر الهمّة والنشاط، بشكل ملحوظ، إما في صورة قلق وملل حركي (رايح جاي بدون هدف)، أو ساكن ساكت (بتقلب قنوات التليفزيون بلا معنى أو هدف أو بحث).
• فقدان للطاقة الجسدية والنفسية (ساعات بتوصل إنه ميقدرش يستحمى أو يغيّر هدومه).
• إحساس بعدم القيمة (باللاشيء، بالتفاهة) بالإحتقار والإزدراء للنفس وبإحساس أشدّ أن الآخرين يرونه كذلك (مالوش لازمة).
• صعوبة أو عدم القدرة على التركيز والتذكر، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات خاصة المصيرية.
• لأننا (في الشرق) مرتبطون بثقافة معينة؛ فعند الكثيرين التفكير في قتل النفس (حرام)، (ربنا أعطالك أمانة يبقى هوّ اللي ياخدها مش إنت)، لكني من خلال خبرتي وجدت أن سؤال المريض عن (تمنّيه للموت) غالباً ما تكون الاجابة بـــ (نعم، لكن لن أقتل نفسي، لو ربنا عايز ياخدني في داهية، يبقى خير وبركة .. في حادثة مثلاً، أو في أي حاجة).
وينقسم الاكتئاب المرضي إلى:
A- الاكتئاب غير المألوف (غير التقليدي)، وغالباً ما يكون نتيجة تفاعل الشخصية مع الحدث (أي أنك تكون مثلاً جساس قوي، وتتعرض لانتقاد في عملك، وتكون ظروف بيتك متوترة، والفلوس مقصرة، إذن تكتئب. وأسميه أنا (الاكتئاب الحياتي).
B- الاكتئاب المُضاعف (أشرنا إليه في الجزء الخاص بعُسر المزاج، وهو الذي يتزامن مع الاكتئاب الجسيم فيكونا وحدة واحدة شديدة الوطأة على نفس الإنسان).
C – الاكتئاب الشديد: وتكون فيه الأعراض السالفة الذكر في منتهى شدّتها وقسوتها مما قد يستدعي الدخول إلى المستشفى النفسي للعلاج والرعاية والحماية من النفس.
2. الاكتئاب الموسمي Seasonal Depression
(يعني بيجي كل موسم: في الفلاحين إذا تزوجت البنت، لازم أهلها في كل موسم (السيدة زينب)، (عاشوراء)، يروحوا لها بالزيارة (أكل وخلافه) ..حتى يُشرفونها أمام زوجها وعيالها، هكذا يكون الاكتئاب يأتي لزيارة مريضه: (يونسه) و(يفكره) و(يشغله) و(يعطله) كل خريف أو كل ربيع، وتعتقد أن موسميته تلك تأتي من اختلافات التعرض لضوء النهار، لذلك فإنهم في الغرب خاصة في دول مثل كندا (يعالجونه بالتعرض لضوء عال مشابه لضوء الشمس، ويسمى ذلك بالعلاج بالضوء Light Therapy
3. الاكتئاب التفاعلي Reactive Depression
بمعنى (أنك لو رسبت في الامتحان، أو خسرت فلوسك في البورصة ستكتئب) .. لكن وجد العلماء أن الحكاية هي بمعنى أن الخلل الكيمياء الاكتئابي، الذي يحدث في كل أنواع الاكتئاب واحد، لذلك لم يعد هذا التصنيف مستخدماً الآن.
4. الاكتئاب ثنائي القطب Bipolar Depression
اضطراب مزاجي وجداني، يصعب التنبؤ به، قد يمتزج بحالة هوس (فرحة زائفة زائدة بدون سبب)، وبهجة كثيراً ما تكون (عبيطة) وتجد المريض يضحك ويبكي في آن واحد، وقد يستمر مكتئباً لشهور ثم يصاب بالهوس فجأة (وهكذا وفي تلك الحالات لابد من العلاج بمنظمات الوجدان ومثبتات المزاج Mood stabilizers
5. عُسر المزاج
اسمه باللاتيني (اللغة الانجليزية الطبية) Dysthymia، ومعناها عُسر المزاج الذي لا يرقى إلى درجة الاكتئاب المرضي ـ سواء كان معتدلاً أو جسيماً ـ والذي قد يستمر لمدة سنتين في البالغين أو سنة في الأطفال والمراهقين.
وعلى الرغم من أنه (ألطف شوية) من الاكتئاب الجسيم، إلاّ أن بقاءه واستمراره سيعكر صفو حياتك واستمتاعك فيعطل عملتك، (ويعكس) عليك عيشتك و (عيشة عيلتك وعيالك) وسيؤثر سلباً على كل أوجه حياتك الاجتماعية.
إذا عانيت من (عُسر المزاج)؛ فلسوف تحس بالاكتئاب معظم الوقت، وممكن تستمر في حياتك عادي، تروح شغلك، وتاكل وتنام وتمارس العلاقة الزوجية الجنسية لكن من غير طعم، (زي ما يكون فيه حاجة مهمة اتسحبت من حياتك). ويتعكر مزاجك (يمكن لشهرين وأكثر)، وقد تصاب بالنهم في الأكل أو فقدان الشهية، الأرق أو الإفراط في النوم (هروباً)، الإحساس بالتعب أو فقدان الطاقة، انخفاض قيمة نفسك، صعوبة في اتخاذ القرارات، فقدان الأمل، الإحباط وأيضاً اليأس.
وأحياناً ما يتلو عُسر المزاج نوبة من (الاكتئاب الجسيم)، ويسمى حينذاك (الاكتئاب الدوبل)، ( المزدوج زي السندوتش كده 2 في بعض).
وقد يبدأ عُسر المزاج في الطفولة والمراهقة بأحاسيس (انعزالية، حدة، وقلة مزاج) ويكون استعداد الأطفال للإصابة بمرض الاكتئاب الجسيم أكثر من ذويهم، لكن يؤتي العلاج الشامل (دوائي وحواري وبالمنطق) مبكراً بنتائج وقائية جيدة.
6. الاكتئاب الذهاني Psychotic Depression
معنى وصف (ذهاني) يأتي من الذهن بمعنى انه اكتئاب مجنون يتخطى فيه المريض حدود العقل، وتنتابه أعراض شديدة كالهلاوس السمعية، والضلالات (راجع جزئية ضلالات الفقر ـ القتل والانتحار : المهندس شريف وألفريد).
7. مزيج القلق والاكتئاب Mixed Anxiety & Depression وهو ليس محدداً كنوع من الاكتئاب، لكن فيه تكون أعراض التوتر والقلق عالية جداً.
8. فترات الوجوم أو الحزن المحددة
وتأتي مصغرة لفترة أقل من أسبوعين Blues تدفع فيها العينان، ويكون فيها حسرة و(زعل)، وفي هذا الإطار كانت صحيفة فرنسية قد باغتتني بسؤال:
What is about Tahrir Blues بمعنى الحزن، نتيجة فقدان روح ميدان التحرير البالغة الحب والسعادة وتحقيق الذات وتطور الوعي الجمعي والهتاف والمشاركة والحماية ولعب الدور الاجتماعي القوي، ويسمى البعض أيضاً (إدمان التحرير) في إشارة إلى أن بعض الناس لم يجد نفسه إلّا في الميدان، بمعنى أنه لم يتحقق إلاّ هناك، ومن ثمّ فهو قد أدمن الحج الى الكعكة الحجرية.
***
الاكتئاب المتواطئ
متواطئ بمعنى أنه (متحد مع مرض آخر سواء كان نفسياً أو عضوياً)، أو يشترك معها، يتعاون ضد البني آدم أو أن الاكتئاب (يلْبد) ينام في بطن المرض، أو أن يكون هو المرض الأساسي: الأولى، المختبئ، المختفي، المقنعّ وراء أي أعراض ظاهرة (اضطراب الشخصية الحدّية BPD أو الفصام Schizophrenia أو اضطراب الأعياء المزمن (CFS) أو الصداع المزمن وألم أسفل الظهر، القولون العصبي، وحتى الوسواس القهري أو نوبات الهلع.
ولقد عالجت شخصياً حالات كثيرة كان الاكتئاب فيها خلف الستار (طبعا مسألة اكتشاف ما وراء الستار تأتي بعد طول خبرة، وأخذ تاريخ مرضي مطوّل ودقيق)، ولا يجوز هنا التعميم، لكن من المهم جداً النظر بدقة، كما الصقر الذي ينظر من علٍ إلى أعالي البحار؛ بعينتين قويتين وبصيرة حادة لتحديد الهدف، عندئذٍ، من الممكن أن ينقض الدكتور على المرض من أساسه؛ فيضربه وبالتالي يعالج المسألة من جذورها وليس من ظاهرها.
كثير جداً من مرضاي، قبل أن يأتوا إلىّ يكونوا قد أُنهكوا في التسوق الطبي Doctor Shopping (من الدكتور ده إلى الدكتور ده، من المعمل ده للأشعة دي، والأمر يتطور لرنين مغناطيسي MRI مثلاً) .. مما قد يزيد من قلق المريض وتوتره، وينسف ثقته في الطب والأطباء، واليأس من العلاج، بجانب النزيف المادّي المرعب، والطب في بلادنا سوق (يعني مفيش مفهوم طبيب العائلة التي يحكم ويتحكم فيمن يذهب للمختص، بمعنى أن أي حدّ يروح لأي دكتور في أي وقت، ولــ كذا دكتور في نفس التخصص، وفي تخصصات مختلفة، بحثاً عن العلّة المجهولة طالما هيدفع الفيزيتا).
يخاف الأطباء في تخصصاتهم المختلفة، أن يخطئوا أو يتجاهلوا مرض عضوي حقيقي، وبعضهم يحقر من شأن الطب النفسي وعوامله الأساسية، ويسخر منها (لكن الأمور الواضحة بالفحص والتحليل لا تقبل الشك، لكن أيضاً لنا لنا أن نعرف أن الاكتئاب والقلق والتوتر يعطل وظائف الجسم ويسبب أمراضاً معروفة باسم السيكوسوماتيك Psychosomatics كالأزمة الربوية، الإكزيما العصبية، الصدفية، الألم المبهم غير المفهوم، وإذا كان أبو المريض مثلاً يعرج لسبب واضح؛ نجد أن الإبن يعرج دون أي سبب، وإذا مات الأب بالذبحة الصدرية عاش إبنه أو إبن أخيه، يشكو من تعب وثقل في منطقة الصدر، مع النهجان ويجري على الإسعاف والطوارئ، وربما نادى على الإسعاف وخلافه دون داع).
هذا من ناحية، من ناحية أخرى؛ فإن المرض العضوي الثابت تشخيصياً وتحليلياً بما لا يقبل الشك، مُدعماً بالدليل والبرهان له تأثير سلبي على صاحبه، نظراً لإعاقته له في الحركة والحياة بحرية خاصة مثل (مرض السكري، أمراض القلب، اضطرابات التنفس، الصرع، الشلل الرعاش Parkinson's disease اضطرابات الغدد: مثل الدرقية، الأنيميا، الإلتهاب الكبدي الوبائي، وتعاطي الأدوية دون وصف طبي مثل (الكورتيزون)، مرض الذئبة الحمراء، الروماتويد، ونقص فيتامين ب B12 ) .
وبالطبع يكون الاكتئاب قاسماً مشتركاً أعظم في الأمراض الخطيرة مثل السرطان والإيدز والسلّ، وكذلك بعد فقدان عضو بالبتر كما في حالات (القدم السكري)، أو (إزالة الثدي)، أو (استئصال الرحم)، مما يؤدي إلى اضطراب وتشوه صورة الجسد لدى المريضة أو المريض، ومن ثم يؤدي الى اكتئاب وحزن بليغ قد يزيد الحالة العضوية سوءاً.
في مثل تلك الحالات لا بدّ من العلاج الدوائي للاكتئاب، بجانب جلسات الدعم النفسي والحوار الطليق والاسترخاء الذهني والجسدي، والدعم الاجتماعي، والإرشاد والتوجيه.