يقول البروفسور كاراديفو في كتابه المحمدية:
(إن محمداً كان هو النبي الملهم والمؤسس
ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها، ومع ذلك فإنه
لم ينظر إلى نفسه كرجل من عنصر آخر، أو من طبقة أخرى غير طبقات بقية
المسلمين..، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد (صلى الله عليه
وآله) بين أعضاء الكتلة الإسلامية، كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه).
وهكذا
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذر البذرة الأولى في حقل الإنسانية
لإبداع عالم جديد يقوم على حركة من نوع جديد تحمل أفكاراً ومفاهيم جديدة.
فلأول مرة في تاريخ العالم بدأت أول حركة إصلاحية عالمية شاملة اعتمدت على
السلم والأخلاق والعدالة والحرية والشورى والمساواة ففتحت صفة حضارية
ناصعة البياض وكتبت تاريخاً مشرقاً تفتخر به الإنسانية حتى الأبد.
إن دراسة حياة النبي
(صلى الله عليه وآله) تكشف لنا عن عقل كبير استطاع أن يفهم الحياة بحكمة،
ويتعامل مع الواقع الخارجي بحنكة سياسية كبيرة يندر أن يرى لها التاريخ
مثيلاً، فالحكمة السياسية التي تعامل بها الرسول (صلى الله عليه وآله) مع
أعداءه جعلته ينتصر عليهم بأسرع وقت وأقل الخسائر، فلا يمكن أن نجد
على طول التاريخ قائداً سياسياً كبيراً استطاع أن ينتصر على أعدائه بهذه
السرعة وهذا العدد القليل من الخسائر البشرية والمادية بعد أن كان لا
يمتلك أي شيء من الإمكانات المادية التي تؤهله لأن ينتصر غير عقله الكبير
وحنكته السياسية، فقيادته للحروب مع المشركين واستخدامه لأذكى
الاستراتيجيات العسكرية وخاصة في اختياره للمواقع الحربية واستخدامه
لأساليب الحرب السليمة، تضعه في قمة التاريخ العسكري، وإذا كان تقييم
الخبراء العسكريين لإدارة الحرب، بأنها الانتصار بدون حرب ودماء فإن هذا
يجعله (صلى الله عليه وآله) من أذكى القادة في التاريخ.
ومن
ناحية أخرى فإن الإدارة الحكيمة للصراع السياسي توضح عبقرية الرسول (صلى
الله عليه وآله) وتكشف عن أحد أهم أسباب نجاحه في حركته، ويبدو ذلك جلياً
في صلح الحديبية حيث استفاد منه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحكيم
مواقع الإسلام وامتلاك حرية الحركة لأجل نشره، ويبدو واضحاً أيضاً
في قدرته على إيجاد التوازن والاتحاد بين فئات المسلمين من المهاجرين
والأنصار والأوس والخزرج وذلك من خلال مسألة التأخي التي يمكن أن تعتبر
أكبر مناورة سياسية ناجحة في التاريخ حيث رسخت دعائم الإسلام وأدت إلى
تماسك المجتمع الإسلامي وقيادته نحو هدف مشترك.
وكما
يبدو ذلك أيضاً في تعامله الذكي مع المنافقين الذين كانوا يسعون إلى
تخريب الإسلام من الداخل، ولكنه بحكمته (صلى الله عليه وآله) استطاع أن
يحجمهم ويستوعبهم.
-
وفاؤه: في غزوة بدر أسر المسلمون عباس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وجردوه من لباسه، فعندما أرادوا إكساءه لم يجدوا له ثوباً يناسب جسده لما
كان فيه من عظم الجثة، حتى جاء عبد الله بن أبي وكان في صفوف المسلمين
فألبسه
ثوبه، ثم وبعد سنوات أخذ عبد الله بن أبي يعادي النبي (صلى الله عليه
وآله) ويخاصمه وصار من كبار المنافقين الذين كانوا يؤذون النبي (صلى الله
عليه وآله) في مختلف المجالات ولكن عندما حضرته الوفاة جاءه النبي (صلى
الله عليه وآله) وحضر جنازته ثم كفن بثوبه وصلى عليه، فكان ذلك مقابلة منه
(صلى الله عليه وآله) لإحسانه في بدر لعمه العباس.
-
مزاحمه: كان (صلى الله عليه وآله) في منزل قبا وعنده التمر فجاءه صهيب بن
سنان وهو يعاني من ألم في إحدى عينيه، فأخذ صهيب يشارك النبي (صلى الله
عليه وآله) في أكل التمر، فمازحه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أتأمل
التمر مع ألم عينك، فأابه قائلاً: آكل بالعين التي لا تؤلمني!! فضحك النبي
(صلى الله عليه وآله).
-
خشيته: عن حمران بن أعين عن عبد الله بن عمر أنه قال: سمع رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ذات يوم شخصاً يتلو قوله تعالى: (إن لدينا أنكالا
وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما)(2)، فعند ذلك ارتعد (صلى الله عليه
وآله) ثم أغمي عليه.
-
إكرامه الضيف: كان عدي بن حاتم الطائي مشركاً قد فرّ إلى الشام عندما غزا
المسلمون جبل طي، ولكن بعد فترة جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ليسلم ويعلن إيمانه بالنبي (صلى الله عليه وآله) إكراماً بالغاً فجاء به
إلى بيته وفرش له وسادة وأجلسه عليها وجلس هو (صلى الله عليه وآله) على
التراب، وعندما أمتنع عدي من ذلك أبى (صلى الله عليه وآله) إلا أن يجلسه
على الوسادة ويجلس هو (صلى الله عليه وآله) على التراب.
مقتبس من موضوع
الغرب ينحني تعظيماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)!..ناصر عبد الأمير الطاهر
مع التاخير والتقديم في بعض المقاطع لكي يتناسق الموضوع