(( محمد بن الحنفية ....... أنت ابني حقا ))
على مر السنيين والأعوام ولازالت تتكرر دعوة صريحة من مفكرينا وعلمائنا لإعادة كتابة التاريخ بمنهجية وعلمية صحيحة لغرض تنقية واستخلاص أحداث التاريخ مما علق بها من شوائب رواة الأحاديث الموضوعة وكتاب تاريخ الملوك والسلاطين وإنقاذ شخصيات من السقوط كان لها دور كبير في تاريخنا ومسيرة ديننا الإسلامي الحنيف ولعل من ابرز هذه الشخصيات محمد بن علي بن أبي طالب الملقب ( محمد بن الحنفية ) حيث حاولت الأقلام الرخيصة ورواة الأحاديث المأجورين صياغة قصص وروايات وأحداث ودسها بين سطور التاريخ منذ الدولة الأموية وللوقت الحاضر بإظهار هذه الشخصية بالباحث عن السلطة المحاول الوصول لها بأي طريقة وبالأخ التارك لأخيه في وقت الشدة والعم المنافس لابن أخيه على منصب الإمامة . وبالبحث الأكاديمي العلمي الرصين في أحاديث المعصومين يمكن أن نفهم هذه الشخصية في ظل مرحلة صعبة وحالكة من تاريخنا الإسلامي ومحاولين استخلاصها وتنزيهها مما علق بها من شوائب التاريخ ومساوئه إن محمد بن الحنفية من الشجاعة التي لايدانى حيث غذاه والده أمير المؤمنين (ع) الشجاعة والإقدام منذ صباه قطرة فقطرة وكان يحثه بالتقدم بالراية في معاركه وعند توقفه يدفعه الإمام في صدره ويقول له ( احمل أدركك عرق من امك )[1] وكان صاحب رايته في معركة صفين كما كان الإمام علي (ع) صاحب راية رسول الله (ص) ولعل من ابرز ما دس عليه كان في ثلاث أشكال : 1- عدم مرافقة أخيه الإمام الحسين (ع) عند خروجه إلى العراق وعدم نصرته في واقعة الطف التي استشهد بها الإمام (ع) وللباحث عن الحقيقة ينظر أولا إلى وصية الإمام علي (ع) إليه : (( وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما )) [2] وقد حفظ ابن الحنفية هذه المكانة لإماميه حيث يخاطب الإمام الحسين (ع) عند خروجه إلى العراق قائلا : (( أنت كبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لان الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة ))[3] وعندما قيل له : أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين (ع) فقال : هما عيناه وأنا يده والإنسان يقي عينيه بيده وقال مرة أخرى وقد قيل له ذلك : أنا ولده وهما ولدا رسول الله (ص) فان من يملك هذه الروح المضحية في سبيل أخويه لايمكن له ترك أخيه وإمامه إلا لأجل غاية وقد بينها الإمام الحسين (ع) واضحة جلية في خطابه له حيث جعله عينا له في المدينة قائلا : (( وأما أنت فلا عليك أن تقيم في المدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخف عني شيئا من أمورهم ))[4].2- ادعائه فرقة جديدة وهي ما يسمى بالكيسانية بارتباطه بالمختار الثقفي الذي شوه تاريخه أيضا عن طريق ربطه بهذه الفرقة ولقد حاول كتاب التاريخ المأجورين تشويه هاتين الشخصيتين معا وهما عين الحسين (ع) وصاحب ثار الحسين (ع) ولعل من ابرز ما يفند ويدحض أصحاب الادعاء بربط محمد بن الحنفية بفرقة الكيسانية هو إن ظهور هذه الفرقة لم يكن في حياته وإنما بعد وفاته كما أثبتته كتب التاريخ وكتب الفرق لان من ابرز واهم ما يميز هذه الفرقة هي ادعائها إن المهدي هو محمد بن الحنفية .3- منافسة ومزاحمة ابن أخيه زين العابدين (ع) على منصب الإمامة الإلهية وادعائه لها حتى تم التحكيم في حادثة الحجر الأسود الشهيرة وهذا مما يحسب له لا عليه حيث أن ابن الحنفية كان يرى تقدير زين العابدين (ع) فرضا ودينا وكان لا يتحرك بحركة لا يرضى بها وان قضية التحاكم إلى الحجر الأسود كانت في الحقيقة لإزاحة شكوك[5] الناس في ابن أخيه وتثبيت الإمامة للسجاد (ع) وقد نقل أيضا عنه ( انه كان يقبل رجل الإمام السجاد (ع) )[6]ويظهر من هذا انه ممن ثبت وبين إمامة السجاد وليس ممن عارضه ونافسه فيها .ومما تقدم ليس لنا إلا أن نقف بكل إجلال وتقديس أمام هذه الشخصية التي ظلمها التاريخ ومستمر إلى يومنا هذا في ظلمها وقد كانت تكفيه لإنصافه مما علق به من شوائب ومساوئ وتنزيهه أبدا كلمه قالها أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) في حقه : (( أنت ابني حقا))[7] . عادل جبار
[1] أعيان الشيعة ج 1
[2] كشف الغمة ج2
[3] كربلاء الثورة والمأساة
[4] كربلاء الثورة والمأساة
[5] زينب الكبرى للنقدي
[6] مستدرك سفينة البحار ج8
[7] الفصول المهمة