بسم الله الرحمن الرحيم
علاقاتنا الاجتماعية ـــ واللسان البتّار !!
المجتمع
الاسلامي الذي شيّده نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة
قائم على أسس متينة ورصينة من القيم والمباديء التي تصل الانسان بالسماء،
وأعظم هدية قدمها لنا النبي وللعالم كله هو القرآن الكريم الذي فيه شفاء
لما في الصدور ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو اليوم بين
ايدينا لكن للأسف اننا لانلتقي به إلا في حالات نادرة.
ومن جملة ما يوصينا به القرآن الكريم وسيرة اهل البيت عليهم السلام حفظ
اللسان عن تناول أعراض الناس وخصوصياتهم، وطالما وردت الاحاديث عن خطورة
هذه الجارحة في الانسان، منها ما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: (حدّ السنان يقطع الاوصال، وحدّ اللسان يقطع الآجال) . .
وعنه عليه السلام: (سلامة الانسان في حفظ اللسان).
هناك ثلاث حالات أمامنا يمكن ان ننتخب احدها بكل حرية، لكن مع الاخذ بنظر
الاعتبار العواقب والنتائج، وعلينا ان نتذكر دائماً اننا نحظى بنعمة الهية
عظيمة هي (اللسان) يجب ان لا نقحمها في النار ونجعلها سبباً في خلق
النزاعات والخلافات بين اوساط المجتمع:
الحالة الاولى:
يذهب شخص ما الى آخر وينقل له ما سمعه من شخص يتكلم بسوء عنه، مثلاً: يقول له: (لقد شتمك)! أو (قلل من شأنك)!
وهذا ما يحذرنا القرآن الكريم منه في الآية: "هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ" (القلم /11)
الحالة الثانية:
أن يسكت
الانسان ولا يذهب الى صديقه كما الحالة السابقة، لكن يأتي فوراً الى
اصدقائه ويبدأ بسرد ثغرات وسلبيات صديقه أمام الآخرين. وهنا سنقع في
المحذور الثاني وهي (الغيبة)، التي طالما حذرنا منها القرآن الكريم وأئمة
أهل البيت عليهم السلام، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ" (الحجرات /12).
الحالة الثالثة:
الذهاب
الى صديق والتحدث عن صديق آخر، فيبدأ هذا الصديق بالشكوى من ذلك الانسان
لما يلحقه به من أذى، لكن هذا الصديق القادم يقابل الموقف بالحديث الايجابي
عن ذلك الشخص، بل ينقل عنه كلام ايجابي عن المتحدث الشاكي، حتى وان لم يقل
ذلك، وذلك بهدف تغيير الصورة وازالة التصور السلبي بين الاخوين. قد يسمى
هذا (كذب)، لكنه جائز لغرض الاصلاح فيما بين الاخوة، كما يكون هذا النوع من
(الكذب) جائزاً في حالة اخفاء خبر مفجع او حالة خطيرة قد يتسبب الحديث
عنها بازمة او مشكلة عند البعض.
ان الدين الاسلامي هو دين المحبة والأخوة والاصلاح بين افراد المجتمع
الاسلامي الواحد. واذا اردنا ان نكرس هذه القيم الاجتماعية والاخلاقية
فينا، علينا ان نبدأ بانفسنا وان يكون كل فرد مسؤولاً عن تصرفاته، ولا عليه
بمن اغتاب او شهّر بالآخرين، بل حتى وان راجت هذه الحالة السيئة بين
الناس، فلا يجب ان يكون أحد الداخلين النار، بل عليه الانتباه الى نفسه،
فاللسان الذي يتحدث به سيكون شاهداً عليه وليس على غيره، وما يكتب في كتابه
ويقدم اليه يوم القيامة، حصاد لسانه هو وليس غيره.
إذن؛ علينا الحذر من ركوب الشائعات والكلام الباطل والاتهامات الجزاف ضد
هذا وذاك، بل لابد من التحقق والتأكد قبل الوقوع في المحذور، ثم ليس كل من
قال ونقل يكون صادقاً بالضرورة، تقول الآية الكريمة:
"يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ
نَادِمِينَ" (الحجرات /6).