خدعها الشيطان... ضعفت نفسها فوقعت في الحرام، فندمت على ما كان، بل احترقت ندمًا، ولم تدر ماذا تفعل؟ فقد ملت حياتها، وملت خطأها، وتريد أن تكفر عن ذنبها، والمصيبة الكبرى أنها تعيش في عصر النبوة، والنبي r يعيش بينهم:
يدعوهم إلى الخير، ويقرأ عليهم القرآن، يقول تعالى: )وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً([الإسراء: 32].
تراودها نفسها بين الاعتراف بالذنب، والتستر.. الشيطان يقول لها: لا تذهبي، وهي تقول: لا، سوف أذهب لأطهر نفسي.. سوف أعترف بما صنعت، والشيطان يراجعها: سوف يقتلونك.. أنت متزوجة.. عقوبتك الرجم بالحجارة.. لا تفعلي.. ماذا عن زوجك.. عن أولادك.. عن أهلك.. لكنها تصر على الاعتراف، فالجرم أعظم من أن تتحمله بين جوانحها، ولو كان في الاعتراف فضيحة وقتل، إلا أن في الصمت حسرة، وندامة، وعقاب من الله U، وعقاب الله لا يضاهيه عقاب.
أتت إلى النبي r، ودموعها تنهمر، وقلبها يضطرم.. قالت: يا رسول الله، زنيت، فصد عنها النبي r، وهي تصر.
حدثنا عبد الله حدثني أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالسا عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فجاءته امرأة من غامد، فقالت: يا نبي الله، إني قد زنيت، وأنا أريد أن تطهرني، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): ارجعي،
فلما أن كان من الغد، أتته أيضًا، فاعترفت عنده بالزنا، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت، وأنا أريد أن تطهرني، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): ارجعي، فلما أن كان من الغد، أتته أيضا، فاعترفت عنده بالزنا، فقالت: يا نبي الله، طهرني فلعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك، فوالله إني لحبلى، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم) ارجعي حتى تلدي، فلما ولدت جاءت بالصبي تحمله، فقالت يا نبي
الله، هذا قد ولدت، قال فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته جاءت بالصبي في يده كسرة خبز، قالت: يا نبي الله، هذا قد فطمته، فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصبي فدفعه إلى رجل من المسلمين، وأمر بها، فحفر لها حفرة، فجعلت فيها إلى صدرها، ثم أمر الناس أن يرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فنضح الدم على وجنة خالد، فسبها، فسمع النبي (صلى الله عليه وسلم) سبه إياها، فقال: مهلا يا خالد بن الوليد، لا تسبها، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تأبها صاحب مكس لغفر له، فأمر بها فصلى عليها ودفنت .
المرأة كانت تتساءل: لِمَ أرجع (لديها دليل جرمها)؟ يقول لها الرسول (صلى الله عليه وسلم): ارجعي، وهي تتسأل: كيف أرجع؟ أريد أن تطهرني!
ماذا سيفعل النبي r؟ فالمرأة ما زالت مصرة على إقامة الحد؛ تريد أن تضحي بنفسها لله، تريد أن تطهر نفسها من دنس الرذيلة، حرارة التوبة اشتعلت في صدرها، لو سترت على نفسها لقبل الله منها التوبة، ولكنها لا تريد أن يبقى شيء من ذنبها إلى يوم القيامة.
ماتت المرأة، وغسلت، وصلى النبي r وكبار الصحابة خلفه: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وخيرة الصحابة خلفه، وإذا برسول الله r يقول: أبشروا، أبشروا، قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال r : "تابت توبةً لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم"، و في صحيح مسلم (لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم).