سنة المشي لزيارة الامام الحسين عليه السلام:
وهي من اعظم السنن التي نطقت بها الروايات المروية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والائمة الطاهرين عليهم السلام ففي رواية ابي الصامت قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام وهو يقول: " مَنْ أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكل خطوة الف حسنة، ومحى عنه الف سيئة، ورفع له الف درجة، فاذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك، وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل، فاذا أتيت باب الحائر فكبر اربعاً.. الحديث "(2).
وفي رواية ابي سعيد القاضي قال: دخلت على ابي عبد الله عليه السلام في غرفة له فسمعته يقول: " مَنْ أتى قبر الحسين ماشياً كتب الله له بكل خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل.. الحديث "(3).
_______
1- نقباء البشر: ج 2، ص 547.
2- راجع وسائل الشيعة، كتاب الحج، ابواب المزار ومايناسبه: باب 41، ح 3.
3- راجع وسائل الشيعة، كتاب الحج، ابواب المزار ومايناسبه: باب 41، ح 6.
-----------------------
وفي رواية علي بن ميمون الصائغ عن ابي عبد الله عليه السلام قال: " يا علي زر الحسين ولاتدعه.
قلت: ما لمن زاره من الثواب؟
قال: مَنْ أتاه ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة، ومحى عنه سيئة، وترفع له درجة.. الحديث "(1).
والروايات في ذلك مستفيضة كما وردت الروايات في استحباب الحج مشياً وكذلك زيارة امير المؤمنين عليه السلام، ولذلك كانت السنة المتعارفة عند المتشرعين القيام بهذه الشعيرة الالهية احسن قيام. ولكن يبدو ان هذه السنة حذفت من الاعمال العامة ككثير من المستحبات التي تركت اهمالا وتكاسلا، ولكن الشيخ النوري قدس سره كان همّه احياء السنن الداثرة والقيام بالشعائر الالهية المتروكة فكان " مما سنّه في تلك الاعوام: زيارة سيد الشهداء مشياً على الاقدام ".
فقد كان ذلك في عصر الشيخ الانصاري من سنن الاخيار واعظم الشعائر. لكن ترك في الاخير وصار من علائم الفقر وخصائص الادنون من الناس، فكان العازم على ذلك يتخفى عن الناس لما في ذلك من الذل والعار، فلمّا راى شيخنا ضعف هذا الامر اهتم له والتزمه فكان في خصوص زيارة عيد الاضحى يكتري بعض الدواب لحمل الاثقال والامتعة ويمشي هو وصحبه. لكنه لضعف مزاجه لايستطيع قطع المسافة من النجف الى كربلاء بمبيت ليلة كما هو المرسوم عند اهله بل يقضي في الطريق ثلاث ليال يبيت الاولى في (المصلى) والثانية في (خان النصف) والثالثة في (خان النخيلة) فيصل كربلاء في الرابعة، ويكون مشيه كل يوم ربع الطريق نصفه صبحاً، ونصفه عصراً، ويستريح وسط الطريق لاداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمة يحملها معه.
______
1- راجع وسائل الشيعة، كتاب الحج، ابواب المزار ومايناسبه: باب 41، ح 4.
-----------------------
وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء بالامر، وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذل الى ان صار عدد الخيم في بعض السنين ازيد من ثلاثين لكل واحدة بين العشرين، والثلاثين نفراً)(1).
وفي الواقع ان هذه الشعيرة الالهية ترسخت بعد الشيخ النوري قدس سره وتحولت بمرور الزمن الى ظاهرة سياسية خطرة على الوجود العلماني بالعراق مما دعى بالنظم السياسية العلمانية التي حكمت العراق ان تقف امام هذه الظاهرة بشدة وأعتى مظاهرها مجريات عام (1977) للميلاد في ظل نظام البعث الحاكم للعراق والتي ادت الى ثورة دينية سياسية وهياج شعبي.
موقعه في نفوس تلاميذه:
كل من كتب عنه كان معجباً بشخصيته حتى اولئك الذين لم يرتضوه وقدحوا بشيء ما في كتاباته، فانهم ارتضوا اخلاقه وصلاحه غير العادي ووصفوه باعلى صفات الصالحين. وكان له موقع كبير في نفوس تلاميذه واصحابه ومن يراه.
فهذا شيخ الباحثين مع ما اوتي من الفضل والعمل والصلاح والتقوى يقف موقف الرهبة والخشوع عندما يتذكر استاذه النوري بعد خمس وخمسين سنة، فيقول:
" ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم، واستوقفني الفكر عندما رأيت نفسي عازماً على ترجمة استاذي النوري، وتمثل لي بهيئته المعهودة بعد ان مضى على فراقنا خمس وخمسون سنة، فخشعت اجلالا لمقامه، ودهشت هيبته له، ولاغرابة فلو كان المترجم له غيره لهان الامر، ولكن كيف بي وهو من اولئك الابطال غير المحدودة حياتهم واعمالهم، اما شخصية كهذه الشخصية الرحبة العريضة فمن الصعب جداً ان يتحمل المؤرخ الامين وزر الحديث عنها، ولا ارى مبرراً في موقفي هذا سوى
______
1- نقباء البشر: ج 2، ص 547 - 548.
----------------------
الاعتراف بالقصور عن تأدية حقه... "(1).
وقال في مكان آخر:
" تشرفت بخدمته للمرة الاولى في سامراء في (1313) بعد وفاة المجدد الشيرازي بسنة وهي سنة ورودي العراق... وذلك عندما قصدت سامراء زائراً قبل ورودي الى النجف فوفقت لرؤية المترجم له بداره حيث قصدتها لاستماع مصيبة الحسين عليه السلام، وذلك يوم الجمعة الذي ينعقد فيه مجلس بداره، وكان المجلس غاصاً بالحضور والشيخ على الكرسي مشغول بالوعظ، ثم ذكر المصيبة وتفرق الحاضرون، فانصرفت وفي نفسي ما يعلمه الله من اجلال واعجاب واكبار لهذا الشيخ اذ رأيت فيه حين رأيته سمات الابرار من رجالنا الاول. ولما وصلت الى النجف بقيت أُمني النفس لو ان تتفق لي صلة مع هذا الشيخ لاستفيد منه عن كثب "(2).
وقال الشيخ عباس القمي وهو من ابرز تلاميذه في وصف استاذه النوري ومؤبناً له ومتأسفاً بلوعة حرى على ايامه:
" ويحق لي ان اقول ولقد عشت بعد الشيخ عيشة الحوت في البر، وبقيت في الدهر ولكن بقاء الثلج في الحر، فلقد كان [له] (3) رحمه الله عليّ من الحقوق الواجب شكرها ما يكل شبا يراعتي وبراعتي عن ذكرها، وهو شيخي الذي اخذت عنه في بدء حالي وانضويت(4) الى موائد فوائده يعملات رحالي، فوهبني من فضله ما لا يضيع، وحنى عليّ حنو الظئر على الرضيع، ففرش لي حجر علومه، وأَلْقَمَني ثدى معلومه، فعادت عليّ بركات انفاسه، واستضاءت من ضياء نبراسه، فما يسفح به
______
1- نقباء البشر: ج 2، ص 543.
2- نقباء البشر: ج 2، ص 545.
3- اضيفت لتتم الجملة.
4- في المصدر المطبوع (وانفيت).
---------------------
قلمي انما هو من فيض بحاره، وما ينفح بها كلمي انما هو من نسيم اسحاره، وانا اتوسل الى رب الثواب والجزاء ان يجعل نصيبه من رضوانه أوفى الانصباء، وكم له رحمه الله من الله تعالى الطاف خفية، ومواهب غيبية، ونعم جليلة، اعظمها انه قدس سره مع كثرة اسفاره الف تأليفات كثيرة رائقة، وتصنيفات جليلة فائقة تبلغ عددها مايقرب من ثلاثين تخبر كل واحد عن طول باعه وكثرة اطلاعه... "(1).
* * *
_
1- الفوائد الرضوية (الشيخ عباس القمي) مؤلف كتاب مفاتيح الجنان المشهور: ص 150 - 151.