التطبير على الامام الحسين مناقشة موضوعية من كل الجوانب وتبيان واضح
قد يسال البعض هذا السؤال
لماذا يتم التركيز على تعذيب النفس من قبيل ( التطبير والضرب بالسلاسل او اللطم بشكل عنيف ) مع العلم ان مثل هذه الافعال ( بشكلها الحالي ) لم تكن موجوده في عصر الائمة ؟
فنجيب عليهم ونقول
إن هؤلاء الذين يفعلون مثل هذه الأمور يختلفون في نواياهم، فقسم لشدة حزنه وتفاعله مع المصيبة ينفعل بالمقدار الذي يؤذي به جسده، كما هو الحال عند الجازع على أية مصيبة أخرى، فأنت لا تستطيع أن تتكلم مع هذا الجازع وتقول له لماذا تفعل بنفسك هكذا؟ لأنه قد تكون تلك الأفعال أشبه بالأفعال اللاإرادية. نعم، أنت تستطيع أن تبين له أن جزعه هذا على مصائبه الدنيوية غير صحيح، فإذا خرج من حالة الجزع توقف عن تلك الأفعال وكذلك مع مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام)، إلا أن الفرق هنا أنك لا تستطيع أن تقول له لا تجزع لهذه المصيبة لأن الجزع هنا غير مكروه، وإذا حصلت حالة الجزع فما عليك إلا أن ترى آثار ذلك الجزع كاللطم والبكاء والعويل والضرب بالسلاسل والتطبير وغيرها من الأمور المؤذية للجسد التي هي آثار لذلك الجزع.
وقسم آخر ينظر إلى التطبير والضرب بالسلاسل واللطم بأنه حالة من المواساة لإظهار الاستعداد والولاء للحسين (عليه السلام) من خلال تحمل المشاق والآلام والمتاعب، وفرق كبير بين من يظهر الولاء بالكلام مثلا وبين من يظهر الولاء بأمور صعبة على النفس ومؤذية فتحمّل هذه الصعاب معناه صدق الولاء وصدق الاستعداد.
ولعل قسماً ثالثاً ينظر لهذه الأمور على أنها وسيلة للإبكاء وإثارة المشاعر.
ثم إنه لا يضر هذه الأمور أن تكون غير موجودة في عصر الأئمة (عليهم السلام) بعد كونها من مظاهر الجزع الجائز في الشريعة، فاختلاف مظاهر الجزع من عصر إلى عصر وجواز ذلك الجزع لا يعني أنه ليس لها مشروعية، بل مشروعيتها من مشروعية جواز ذلك الجزع أو قل ما دامت تلك الأمور من مظاهر الإبكاء، والإبكاء على الحسين (عليه السلام) محبذ بالشريعة ووردت فيه نصوص فدخلت تلك الأمور تحت ذلك العنوان أو قل أنها أصبحت من شعائر الله وتعظيم شعائر الله جائز ومحبذ في الشريعة. ودمتم
وقد يسال اخر ويقول
اللطم والزناجيل والتطبير لم يفعله الأئمة عليهم السلام فلماذا نفعله نحن
ونجيب عليه
الفقهاء لا يتوصلون إلى الحكم الشرعي فقط عن طريق الروايات بل لو لم يكن لفعل من الأفعال أية رواية فانهم يستطيعون الحكم على تلك الأفعال بالجواز وعدم الجواز بل بالوجوب أو الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة أو الحرمة, فلو لم يرد عندنا دليل من السنة على التطبير أو الضرب بالسلاسل فهل معناه أن هذا الفعل حرام؟! كلا أن الفقهاء لا يقولون بذلك بل على العكس من ذلك يقولون أن الأصل في الأشياء الإباحة والجواز لا الحرمة. ثم أن تعظيم الشعائر يكون بطرق مختلفة فنحن كما نشجع على مجالس الوعظ والإرشاد فاننا أيضا لابد من ان نحافظ على الشعائر الحسينية وعلى دميومتها وانتشارها لما في ذلك من رفعة للدين الحق ونصرة للمذهب.
ولا مجال في الأحكام الشرعية للإستحسانات وإنما تخضع للقواعد المقننة في علم الأصول ثم أن الأحكام لم ترد كلها بصورة جزئية حتى نطالب بالروايات الخاصة وإنما قسم من الأحكام جاء على شكل قواعد كليه وعلى الفقيه أن يفرع عليها الفروع والجزئيات, فلاحظ.
وقد يسأل اخر ويقول لنا
ان بعض العلماء يحرمون التطبير فكيف يكون يتراوح الأمر بين الحرمة وآخرى الإستحباب فهناك تفاوت كبير
فنرد عليه ونقول له
كل عمل لم يرد فيه نهي أو حرمة من الشريعة يكون الأصل فيه الإباحة، فالتطبير بالعنوان الأولي مباح عند جمهور الفقهاء فإنه إن كان فيه ضرر, فإن هذا الضرر لا يصله الى مرحلة الحرمة, نعم لو كان في التطبير إزهاق نفس أو تلف عضووماشابه ذلك فانه يدخل تحت عنوان الحرمة.
و الذين يقولون بحرمة التطبير يقولون بحرمته بالعنوان الثانوي من جهة ان هذا العمل يولد نفوراً من المذهب أو الدين الاسلامي.والذي يقول باستحبابه يقول باستحبابه لدخوله تحت عنوان الشعائر. فلا تناقض إذن في الأحكام, فالفقهاء جميعاً متفقون انه إذا ولـّد هذا العمل نفوراً او ضررا يعتد به او اذا كان العمل يخالف مصلحة المذهب أوجب القول بحرمته أو كراهته حسب الحكم الثانوي، وإذا دخل تحت عنوان الشعائر يقال باستحبابه.ويجب على كل مكلف اتباع المرجع الذي يقلده في هذه المسألة مثل جميع المسائل الفقهية.
وقد يسال اخر على الادلة على جواز التطبير
ادلة تذكر في جواز التطبير:
أولاً: ضرب السيدة زينب (ع) بمحمل الرحل , وسيل الدماء من تحت القناع , أمام الامام زين العابدين (ع) عندما رات اهل الكوفة خرجوا ينضرون اليهم , ولم يمنعها الامام (ع) من ذلك .
ثانياً: ذكر الائمة عليهم السلام : (( ان مصرع الامام الحسين (ع) قد اقرح عيون الناس )). وان في القرح الم للناس , فلو كان الحرمة في ذلك لنهو الناس .
ثالثاً: قول الامام الحجة المنتظر (عج) في زيارة الناحية (( لابكين عليك بدل الدموع دما )) فلو كان الادماء حرام فلماذا يفعل ذلك الامام (عج) .
رابعاً: انه ليس كل ما يؤلم الانسان حرام , والا لحرم الختان للصبيان وثقب الاذن والانف .
خامساً: ان في التطبر تاسي بالامام الحسين (ع) الذي ضحى بالغالي والنفيس من اجلنا والذي لم يبق مكان في جسده إلا وقد ادمي , وهو ينادي : (( وا قلّة ناصراه )) فلو خرج من قبره لوجد هذه الحشود التي تلبس الاكفان ومخضبة بالدماء جنودا مجندة تحت رايته , فهذه الدماء أسوة بدماء الحسين (ع) وما اجمل هذه الأسوة من اجل رجل قدم كل ما يملك من اجل رضا الله .
المصادر هي
1- لقد ذكر ضرب زينب لرأسها بمقدم المحمل صاحب البحار في (ج 45/115).
2- لقد ورد في (الأمالي/ 190) عن الإمام الرضا (ع): (ان يوم الحسين أقرح جفوننا وأسيل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء أورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فان البكاء يحط الذنوب العظام).
3- ورد في كتاب (المزار) للمشهدي زيارة خرجت من الناحية المقدسة (ع) حيث قال في فقراتها: (ولأبكين عليك بدل الدموع دما... ).
هذه هي مصادر ما ذكره عصام الحسيني في تعليقه على سؤال الضرر من التطبير.
انّ الأعمال التي يعملها المكلف وهي مستجدة لم تكن في عصر التشريع كركوب الطائرة والسيارة وغيرها ما هو نظر المشرع لها؟ سيكون الجواب: أن الأصل في الأشياء الإباحة.
فالذي لم يرد نص على تحريمه يكون مباحاً، كذلك الحال في هذه الأعمال فأنه لما لم يرد النص تحريمها تكون مباحة.
نعم, قد يقال: أنه ورد نص على حرمة إضرار المكلف نفسه.
قلنا: أنّ ليس مطلق الضرر هو المنهي عنه, بل الضرر الكبير غير المحتمل, فالذي يتناول طعاماً كثيراً قد يسبب له آلاماً وقد يؤدي إلى أعراض على المدى البعيد, انّ مثل هكذا ضرر لا يعتبر محرما ً فكذلك الحال بالضرب بالسلاسل والتطبير، فانها لا تسبب ضرراً كبيراً، بل مجرد جروح بسيطة لا تتجاوز في آلامها عن الحجامة التي هي من الأعمال المحبذة.
ولو فرض أنّ شخصاً تجاوز الحدّ وضرب نفسه بقوة بحيث ادى ذلك إلى التأثير على الجمجمة والرأس والدماغ فإن عمله هذا يعد محرماً، ولا يحصل هذا في التطبير.
تحياتي واحترامي لكم