ثواب البكاء
وكان الإمام (عليه السلام)
يحث الناس على البكاء على أبيه الحسين (عليه السلام) ويبين لهم ثواب ذلك.
قال الإمام الباقر(عليه السلام): «كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (عليه السلام) حتى تسيل على خده بوأه الله تعالى في الجنة غرفا يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خديه من مضاضة أو أذى فينا صرف الله من وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار»(33).
تربية المجتمع
وكان الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يقوم بشراء العبيد والإماء، ثم كان يربيهم تربية إسلامية حسنة ويثقفهم بالمعارف الدينية والأحكام الشرعية، ويعلّمهم أخلاق رسول الله (صلى الله عليه و آله) وتفسير القرآن، ثم يعتقهم في سبيل الله عزوجل،فكانوا نواة الخير في المجتمع آنذاك والناس يرجعون إليهم في معرفة أحكام الدين والقرآن.
من كراماته (عليه السلام)
حجر أسود
عن أبي الخير علي بن يزيد أنه قال: كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام إلى المدينة، فكنت أحسن إلى نسائه، أتوارى عنهم إذا نزلوا وأبعد عنهم إذا رحلوا، فلما نزلوا المدينة بعثوا إليّ بشيء من الحلي، فلم آخذه وقلت: فعلت هذا لله ولرسوله..
فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجراً أسود صماً فطبعه بخاتمه وقال: «خذه واقض كل حاجة لك منه».
قال: فوالله الذي بعث محمداً بالحق لقد كنت أجعله في البيت المظلم فيسرج لي، وأضعه على الأقفال فتفتح لي، وآخذه بيدي وأقف بين أيدي الملوك فلا أرى إلا ما أحب(34).
هذا ابن فاطمة
روي: أنه حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام ـ استلام
الحجر ـ من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين (عليه السلام) وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له.
فقال شامي: من هذا يا أمير؟
فقال: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام.
فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني أنا أعرفه.
فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟
فأنشأ:
يا سائلي أين حل الجــود والكرم************ عنـــــدي بيان إذا طـــــلابه قدموا
هذا الذي تعرف البــطحاء وطأته************ والبيـــــت يعرفه والـــحل والحرم
هذا ابن خير عــــــــباد الله كلهم************ هذا التقــــــــي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحــــــمد المختار والده************ صلى علـــــيه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركـــن من قد جاء يلثمه************ لخر يلـــــثم منه ما وطـــــي القدم
هذا علي رســــــول الله والـــــده************ أمســـــت بنور هداه تهتدي الأمم
هـــــذا الــــذي عمه الطيار جعفر************ والمقتول حـــــمزة لـيث حبه قسم
هذا ابن سيدة النـــــسوان فـاطمة************ وابن الوصــي الذي في سيفه نقم
إذا رأته قـــــريــش قال قائـــــلها************ إلى مكارم هذا ينتـــــهي الكـــــرم
يكاد يمـــــسكه عــــــرفان راحته************ ركن الحـــــــطيم إذا ما جاء يستلم
ولـيــــــس قولك من هذا بضائره************ العرب تــــعرف من أنكرت والعجم
ينـمي إلى ذروة العز التي قصرت************ عن نـــــيلها عرب الإسلام والعجم
يــغضي حياء ويُغضى من مهابته************ فما يـــــــكلم إلا حين يبـــــتســـــم
ينجاب نور الدجى عن نور غرته************ كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفه خـــــيزران ريـــــحــه عبق************ من كــــف أروع في عرنـينه شمم
ما قال لا قـــــط إلا فـــــي تشهده************ لولا التشـــــهد كانــــت لاؤه نعـــم
مشتقة من رسول الله نـــــبـــعته************ طابت عناصـــــره والخــيم والشيم
حمال أثـــــقال أقوام إذا فدحـــــوا************ حلو الشـــــمائل تحــــلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميــــــعهم************ وإن تكـــــلم يومـــــا زانه الــــكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جــــــاهله************ بجده أنـــــبياء الله قـــــد خــــتموا
الله فــــــضله قـــــدما وشـــــرفه************ جـــــرى بذاك له فــــي لوحه القلم
من جده دان فضــــــل الأنبياء له************ وفضـــــل أمـــــــته دانت لها الأمم
عم البرية بالإحسان وانقشـــــعت************ عـــــنها العماية والإمــلاق والظلم
كلتا يديه غيـــــاث عم نفــــــعهما************ يســـــتوكفان ولا يــــعروهما عدم
سهل الخليفة لا تخـــــشى بوادره************ يزينه خصـــــلتان الحـــــلم والكرم
لا يخلف الوعد ميــــــمونا نقيبته************ رحب الفـــــناء أريـــب حين يعترم
من معشر حبهم دين وبغضـــــهم************ كفر وقــــــربهم منجى ومـــــعتصم
يستدفع السوء والبــــلوى بحبهم************ ويســـــتزاد به الإحســــــان والنعم
مقـــدم بـــــعد ذكر الله ذكـــــرهم************ في كل فرض ومختـــــوم به الـــكلم
إن عد أهل التـــــقى كانوا أئمتهم************ أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطــــــــيع جواد بعد غايتهم************ ولا يـــــدانيهم قـــــــوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمـــــة أزمــت************ والأسد أسد الشرى والبأس مـحتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحـــــتهم************ خـــــيم كريم وأيـــــد بالندى هضـم
لا يقبض العسر بســطا من أكفهم************ سيـــــان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إن القـــــبائل ليست في رقابـــهم************ لأوليـــــة هـــــذا أو لـــــه نعــــــم
من يعرف الله يـــــعرف أولـية ذا************ فالدين مـــــن بـــيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريــــش يستضاء بها************ في النائبات وعند الحـكم إن حكموا
فجده من قـــــريش في أرومـــتها************ محـــــمد وعلي بـــــعـــده عـــــلم
بدر له شاهد والشــــــعب من أحد************ والخندقان ويوم الفــــتح قد علموا
وخـــــيبر وحنين يشـــــــهدان له************ وفـــــي قريظة يوم صـــــيلم قتــم
مواطن قد علـــــت في كل نائـــبة************ عـــــلى الصحابة لم أكتم كما كتموا
فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟!
قال: هات جداً كجده، وأبا كأبيه، وأما كأمه، حتى أقول فيكم مثلها.
فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين(عليه السلام) فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: «أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به».
فردها وقال: يا ابن رسول الله، ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا.
فردها إليه وقال: «بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها»(35).
فأين ربك؟
خرج علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة حاجاً حتى انتهى إلى بين مكة والمدينة، فإذا هو برجل يقطع الطريق، فقال لعلي بن الحسين (عليهما السلام): أنزل.
قال(عليه السلام): «تريد ماذا؟».
قال: أريد أن أقتلك وآخذ ما معك.
قال (عليه السلام): «فأنا أقاسمك ما معي وأحللك».
قال: فقال اللص: لا.
قال: «فدع معي ما أتبلّغ به».
فأبى.
قال: «فأين ربك؟».
قال: نائم!.
قال: فإذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه وهذا برجليه.
قال: «زعمت إن ربك عنك نائم»(36).
حينما تشكو الظبية
روي: بينا علي بن الحسين (عليهما السلام) كان جالساً مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بحذاه وضربت بذنبها وحمحمت، فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله، ما تقول هذه الظبية؟
قال: «تزعم أن فلان بن فلان القرشي أخذ خشفها بالأمس وإنها لم ترضعه منذ أمس شيئاً»، فوقع في قلب رجل من القوم شيء.
فأرسل علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى القرشي فأتاه، فقال له: «ما لهذه الظبية تشكوك؟».
قال: وما تقول؟
قال: «تقول: إنك أخذت خشفها بالأمس في وقت كذا وكذا، وإنها لم ترضعه شيئاً منذ أخذته، وسألتني أن أبعث إليك فأسألك أن تبعث به إليها لترضعه وترده إليك».
فقال الرجل: والذي بعث محمداً (صلى الله عليه و آله) بالحق لقد صدقت عليّ.
قال: فأرسل إلى الخشف فجيء به.
قال: فلما جاء به أرسله إليها، فما رأته حمحمت وضربت بذنبها ثم رضع منها..
فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للرجل: «بحقي عليك إلا وهبته لي».
فوهبه له.
ووهبه علي بن الحسين (عليهما السلام) لها، وكلمها بكلامها.
فحمحمت وضربت بذنبها وانطلقت وانطلق الخشف معها.
فقالوا: يا ابن رسول الله ما الذي قالت؟
قال: «دعت لكم وجزتكم خيراً»(37).