جاء في "كشف الخفاء ومزيل الإلباس" لإسماعيل بن محمد العجلونى المتوفى سنة 1162 هـ أن جابر رصى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل خلق الأشياء.
قال: "نور نبيك يا جابر. فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله، ولم يكن في ذلك الوقت لا جنة ولا نار ولا مَلَك ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي" إلى آخر الحديث النبوى.
الحديث الشريف يذكر تصريحًا أن نور النبى محمد هو أول ما خلق الله تعالى، قبل خلق الكون وما فيه ومن فيه، وقبل خلق الملائكة. وحتى لا يلتبس الأمر على القارئ نؤكد له أن الكلام عن خلق الذات النورانية المحمدية السرمدية، وليس عن خلق النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) بشرًا، لأنه لم يخلقه الله تعالى بشرًا إلا في مكة سنة 570 م.
وأما نور النبوة فقد خلقه الله تعالى قبل خلق أي خلق، وجعله الله نبيًا قبل خلقه آدم. هذا عن خلق النور النبوي، فماذا عن نبوته؟
أخرج الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال: "قلت: يا رسول الله متى جعلت نبيًا ؟ قال: وآدم بين الروح والجسد".
وأخرج الترمذى في سننه عن الأوزاعى عن يحيى بن كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قالوا: يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ؟. قال: "وآدم بين الروح والجسد".
هذه الأحاديث النبوية المشرفة تدل على أن الله تعالى خلق نور النبى (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يخلق آدم بزمن طويل... هذا ما قررته أول سورة الرحمن في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ). الرحمن موجود أزلاً، لا له قبل، ولا له بعد، ولا أول له ولا آخر، ولا يحوزه زمان ولا مكان؛ لأن الزمان والمكان مخلوقان، ومحال أن يحوز المخلوق خالقه. والقرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، والقول في الصفة كالقول في الموصوف، فالقرآن أزلى أيضًا.. وقضى الرحمن أزلا أن يُعلّم هذا القرآن، يعلمه لمن ؟.
إنه لم يُعلّمه لآدم، لأن آدم أتى بعد ذلك ذكره في قوله تعالى (خَلَقَ الإِنسَانَ) والإنسان هو آدم كما قال السلف الصالح.. والمقبول عقلاً أن الرحمن عَلَّمَ هذا القرآن لمن خلقه قبل آدم، الذى قدر أزلاً أن يكون رسولاً ومُبلّغًا للقرآن إلى العالمين جميعا.. وبعد ذلك ذكرت السورة (خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ) فالرحمن لم يعلم القرآن لآدم.. وإنما علّمه للنبى محمد (صلى الله عليه وسلم) الذى سيبعث بهذا القرآن في آخر الزمان..
وإنما عَلّمَ اللهُ آدمَ الأَسْماءَ كُلَّها وفيها كل بيان.. من هذا نفهم أن خلق نور النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) وتعليمه القرآن، كان سابقًا على خلق آدم وتعليمه كل بيان. لذلك لما سأل جابر (رصى الله عنه) سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أول ما خلق الله قبل خلق الله كل الأشياء قال: "نور نبيك يا جابر".