درجات الصوم وآدابه
(الحقايق في محاسن الا خلاق – للعلامة المحدث الفيض الكاشاني)
اعلم ان للصوم ثلاث درجات :صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص اما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة وما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وساير الجوارح عن الاثام .
قال الصادق (عليه السلام):{اذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدّ اشياء اخر غير هذا وقال لايكون يوم صومك كيوم فطرك **1
وزاد في خبر اخر :{ودع المراء واذى الخادم وليكن عليك وقار الصيام فان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سمع امراة تسب جاريتها وهي صائمة فدعا بطعام فقال لها: كلي فقالت :اني صائمة فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ان الصوم ليس من الطعام والشراب فقط 2
وعن النبي(صلى الله عليه واله وسلم):{انما الصوم جنة من النار فاذا كان احدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وان امرؤ قاتله او شامته فليقل اني صائم اني صائم **3
وقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم):{من اغتاب مسلما بطل صومه ونقض وضوؤه وان مات وهو كذلك مات وهو مستحل لما حرم الله**4
وقال الصادق (عليه السلام):{ان الكذبة لتفطر الصايم قيل:واينا لايكون ذلك منه قال :ليس حيث تذهب انما ذاك الكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) وعلى الائمة عليهم السلام**6
ومعنى بطلان الصوم بالكذب والغيبة وغيرهما مما لايعده الفقهاء من المفطرات عدم قبول الصوم وترتب الثواب عليه دون الاجزاء والخروج عن عهدة التكليف ولذلك شرطنا ذلك في صوم الخصوص دون العموم.
وما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله واليوم الاخر وبالفكر في الدنيا الا دنيا تراد للدين فان ذلك زاد الاخرة وليس من الدنيا.قال ارباب القلوب :من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فان ذلك من قلة الوثوق بفضل الله وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الانبياء والصديقين والمقربين.
وفي مقابلة من يستكثر من الحلال وقت الافطار بحيث يمتلي فورد: ما من وعاء ابغض الى الله من بطن ملىء من حلال وكيف يستفاد من الصوم فهو شهر الله وكسر الشهوة اذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في الوان الطعام حتى استمرت العادات بان يذخر جميع الاطعمة لشهر رمضان فيؤكل من الاطعمة فيه ما لايؤكل في عدة اشهر ومعلوم ان مقصود الصوم الخوي 7 وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى واذا دفعت المعدة ضحوة النهار الى العشاء حتى هاجمت شهوتها وقويت رغبتها ثم اطعمت من اللذات واشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعثت من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها.
فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في القود الى الشرور ولن يحصل ذلك الا بالتقليل وهو ان ياكل اكلته التي كان ياكلها كل ليلة لو لم يصم واما اذا جمع ما كان ياكل ضحوة الى ما كان ياكل ليلة فلم ينتفع بصومه ولا يخف عليه تهجده.
وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت ومن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة 8 من الطعام فهو عنده محجوب ومن اخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب حتى يخلو همته عن غير الله تعالى وذلك هو الامر كله ومبدأ ذلك تقليل الطعام.
والحاصل ان روح الصائم وسره والغرض الاصلي منه التخلق بخلق من اخلاق الله تعالى اعني الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بقدر الامكان وهذا انما يحصل بتقليل الاكل عما يأكله في غير وقت الصوم فلا جدوى لمجرد تأخير اكله وجمع اكلتين عند العشاء وفيه ايضا: ينبغي لكل صائم ان يكون قلبه بعد الافطار مضطربا معلقا بين الخوف والرجاء اذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين او يرد عليه فهو من الممقوتين وليكن الحال كذلك في اخر كل عبادة يفرغ منها.
روي ان الامام ابا محمد الحسن المجتبى (عليه السلام) مر بقوم يوم العيد وهم يضحكون فقال: ان الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق اقوام ففازوا وتخلف اقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه المبطلون اما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن باحسانه والمسيء عن اساءته.
1- التهذيب :ج4 ص 194 ومن لايحضره الفقيه :ج2 ص67 والكافي :ج4 ص87
2- التهذيب:ج4 ص 194 ومن لايحضره الفقيه :ج2 ص 68
3- احياء علوم الدين:ج1 ص 208
4- عقاب الاعمال:ص 332
5- احياء علوم الدين: ج1 ص209 وص 210
6- الكافي: ج2 ص 340
7- الخوي خلو الجوف من الطعام
8- الخلى: العَشب والمخلاة : ما يجعل فيه الخلى ومنه المخلاة لما يجعل فيه العلف ويعلق في عنق الدابة (المنجد)