عقيدتنا في معنى التشيع عند آل البيت
إن الأئمة من آل البيت عليهم السلام لم تكن لهم همة - بعد أن انصرفوا عن أن يرجع أمر الأمة إليهم - إلا تهذيب المسلمين وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم ، فكانوا مع كل من يواليهم
- ص 107 -
ويأتمنونه على سرهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الأحكام الشرعية وتلقينه المعارف المحمدية ، ويعرفونه ما له وما عليه . ولا يعتبرون الرجل تابعا وشيعة لهم إلا إذا كان مطيعا لأمر الله مجانبا لهواه آخذا بتعاليمهم وإرشاداتهم .
ولا يعتبرون حبهم وحده كافيا للنجاة كما قد يمني نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات ويلتمس عذرا في التمرد على طاعة الله سبحانه . أنهم لا يعتبرون حبهم وولاءهم منجاة إلا إذا اقترن بالأعمال الصالحة وتحلي الموالي لهم بالصدق والأمانة والورع والتقوى .
" يا خيثمة ! أبلغ إلينا أنه لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل ، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع ، وإن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره " ( 1 ) .
بل هم يريدون من أتباعهم أن يكونوا دعاة للحق وأدلاء على الخير والرشاد ، ويرون أن الدعوة بالعمل أبلغ من الدعوة باللسان : " كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع " ( 2 ) .
ونحن نذكر لك الآن بعض المحاورات التي جرت لهم مع بعض اتباعهم ، لتعرف مدى تشديدهم وحرصهم على تهذيب أخلاق الناس :
1 - محاورة أبي جعفر الباقر عليه السلام مع جابر الجعفي ( 3 ) :
* هامش *
(1) أصول الكافي كتاب الإيمان باب زيارة الإخوان .
(2) نفس المصدر باب الورع .
(3) نفس المصدر باب الطاعة والتقوى . ( * )
- ص 108 -
" يا جابر ! أيكتفي من ينتحل ( التشيع ) أن يقول بحبنا أهل البيت ! فوالله ما ( شيعتنا ) إلا من اتقى الله وأطاعه " .
" وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع ، والتخشع ، والأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم والصلاة ، والبر بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث . وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء " .
" فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ! ليس بين الله وبين أحد قرابة . أحب العباد إلى الله عز وجل أتقاهم وأعملهم بطاعته ( 1 ) "
" يا جابر والله ما نتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو . وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع " .
2 - محاورة أبي جعفر أيضا مع سعيد بن الحسن ( 2 ) : أبو جعفر : أيجئ أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟ سعيد : ما أعرف ذلك فينا . أبو جعفر : فلا شئ إذن .
* هامش *
(1) وبهذا المعنى قال أمير المؤمنين في خطبته القاصعة : " أن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض واحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه
هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين " .
(2) أصول الكافي كتاب الإيمان : باب حق المؤمن على أخيه . ( * )
- ص 109 -
سعيد : فالهلاك إذن . أبو جعفر : أن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد .
3 - محاورة أبي عبد الله الصادق ( ع ) مع أبي الصباح الكناني ( 1 ) : الكناني : لأبي عبد الله : ما نلقى من الناس فيك ؟ ! أبو عبد الله : وما الذي تلقى من الناس ؟ الكناني : لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام ، فيقول : جعفري خبيث . أبو عبد الله يعيركم الناس بي ؟ ! الكناني : نعم ! أبو عبد الله : ما أقول والله من يتبع جعفرا منكم ! إنما أصحابي من اشتد ورعه ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه . هؤلاء أصحابي !
4 - ولأبي عبد الله عليه السلام كلمات في هذا الباب نقتطف منها ما يلي :
أ - ( ليس منا - ولا كرامة - من كان في مصر في مائة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه ) .
ب - ( إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا ومريدا ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع . فتزينوا به يرحمكم الله ) .
ج - ( ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن ، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم خلق الله أورع منه ) .
* هامش *
(1) نفس المصدر باب الورع . ( * )
- ص 110 -
د - ( إنما شيعة " جعفر " من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه . فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر ) .
الشيخ المظفر