الإمام الحسين (صلوات الله عليه) نور الله في الأرض، وثق وجسّد إرادة الانسانية ونهضتها بمشاعل ثورته الجهادية الانسانية، ذات البعد التوثيقي المرتبط بمبادئ الحق وأسس العدالة والإصلاح الاجتماعي والعلم ضد الفساد والجهل والظلم، حيث اختاره الله إمام عصره، ليتحمل قيادة تلك الحقبة التاريخية من الصراع، ومعه نخبة من أهل بيته وأصحابه، الذين عرفوا بالقيم والفضائل الكريمة، فكانت ثورته في عاشوراء نهضة سياسية اجتماعية أخلاقية، تجسدت فيها أصول العقيدة الإسلامية وعمقها التاريخي، وأعطت دروساً في جميع مكارم الأخلاق والسمو الإنساني في جميع أركانها وتفصيلاتها، إذ كانت نهضته ذات البعد الروحي والفكري والعقائدي وبالطابع العملي، كونه بحقٍ وارثاً لجميع الأنبياء والمرسلين، الذين قادوا حلقات الصراع كلاً في زمانه، لتستمر حركة الإصلاح لكي يسود العدل، والحد من طغيان الظالمين لإيقاف حركات الفساد والردة الاموية الفاسقة ويزيدهم النكرة ومن هم على شاكلته، وعلينا أن نستمد الدروس والعبر من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام).
وإذا ما أمعنّا النظر في المسيرة الحسينية، نراها الامتداد المستمد من الرحمة الإلهية، المتمثلة بالنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، ولابد من إيصال مضامين الرسالة الحسينية إلى جميع أنحاء العالم، فمن حق كل إنسان في العالم ان تصل إليه معارف ومبادئ النهضة الحسينية، كونها نهضة ليست لفئة واحدة من المسلمين، ولا حتى للمسلمين فقط، إنما للبشرية جمعاء، والذي لا يلتقي مع الإمام الحسين (عليه السلام) من جهة كونه الإمام الثالث من أئمة أهل البيت، أو كون جده محمّد النبي (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء والمرسلين، وان لهم علاقة بالوحي أو بالسماء حتماً، يلتقي معه في بعده الإنساني والحضاري والتحرر، ويتعلم دروس نهضته التي أصبحت باسقة في العالم الإسلامي وتزدهر في العالم بأسره.
لقد شارك في فكر الثوره الحسينية ونهضتها في كربلاء الفتيان والشباب والشيوخ وأهل البيت (عليهم السلام)، وفي مقدمتهم السيدة زينب (عليها السلام) والإمام السجاد (عليه السلام)، بنشر أهداف نهضة الحسين (صلوات الله عليه)، حتى لَيقال ان "يوم عاشوراء حسيني الحدث وزينبي البقاء"، ومع عظم فاجعتها لم تظهر الجانب العاطفي إلا مع نفسها، إنما عمدت إلى إقامة مجالس كانت بمثابة وسائل إعلامية حسب ما كان سائداً آنذاك، ثم أنها أول ما ابتدأت في خطابها الموجه إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، وربطت مقتل الحسين (عليه السلام) بحرمة الله، وان مقتله كان انتهاكاً لحرمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قالت: "الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه"، ليشعر الناس وينتبهوا لانحراف بني أمية وأعوانهم، وانتهاكهم لحرمة الدين وانتهاكهم لحرمة الله بقتلهم النفوس المؤمنة المحترمة، وحرمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتلهم عترته، وكذلك في مجلس يزيد في الشام حين ألقت خطبة، كانت أكبر رسالة إعلامية لتنبيه الناس، وهم في عاصمة الدولة وأمام الحاكم، بأن ثورتهم من اجل العدل المفقود، فالسيدة زينب (سلام الله عليها) أوضحت مبادئ هذه الثورة، لتأخذ طريقها إلى النشر والأعلام، الذي كان له الأثر البالغ في توعية المجتمع الإسلامي وإدراكهم لحقيقة ما يجري في دولتهم، الأمر الذي يشجع على قيام الثورات المتلاحقة ضد الحكم الأموي وإسقاطه من جهة، ثم بناء الجماعة الصالحة.
إن الاقتداء بالحسين (صلوات الله عليه) المثل الأعلى للعطاء والتجديد والإصلاح، فهو قائد ونهضه ومبادئ لكل البشر، ومن حق كل إنسان ان يطلع عليها وينعم بثمارها، خصوصاً وأن الحالة الجديدة للنهضة الحسينية تتناقض وبالضد من مصالح الشؤون الحياتية للأفكار الأموية السوداء، وخاصة الاقتصادية منها، كون بني أمية كل واحد منهم في هذه الحالة مستقتلاً ومستميتاً من أجل الدفاع والإبقاء على الحالة القديمة التي هو فيها، وعدم تقبله للحالة الجديدة ومبادئ التغيير التي تبشر بها ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا يذكرنا بما حدث بالضبط مع التعاليم والمبادئ الجديدة التي جاء بها الإسلام, فأول من أحس بذلك الخطر الداهم هم الغالبية من قبيلة قريش، التي كانت تتزعم بقية القبائل العربية، رغم أن التغيير جاء من نفس قريش ومن الجناح الهاشمي الذي ينتمي اليه الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته، ولقد كان الفكر الأموي السفياني وقف حائلاً قوياً دون انتشار الإسلام، ووضفت كل ممتلكاته وثقله السياسي والعسكري والاقتصادي بالضد في سبيل العوده للمربع الأول، والإبقاء على حالة الكفر والشرك الجاهلي والوأد الدموي الذي انهى معالمه الإسلام، لان الفكر الأموي الجاهلي ينظر الى نبوة نبي الرحمه مجرد الملك والزعامة على قريش والعرب! وهذا ما يؤثر سلباً على الإسلام والمسلمين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك في تقبل الناس للمبادئ الصحيحة للدعوة الجديدة منذ البداية، الا أنها انتصرت وحتى بعد انتصارها والى فترة طويلة حتى حكم الدولة الأموية والعباسية والى يومنا هذا، باعتبار أن الدولة الأموية كإحدى الدورات الزمنية التي وصلت بها الزعامة من جديد الى بني أمية، وقد اعتبرها الكثير من المسلمين انقلاباً على المبادئ التنويرية والإنسانية للدين الإسلامي الحقيقي، الذي يقوم على مبدأ الحرية والعدل الاجتماعي والمساواة، وتحولت الدولة الإسلامية في عهد الدولة الأموية إلى ملك وحكم يتوارثه الأغنياء من حكام بني أمية.
عندما جاءت الثورة الحسينيه الكبرى لإيقاظ الوعي التاريخي بالذات، وابراز الجانب الثوري الجهادي للإسلام، والعمل على تأسيس لتيار يتقاطع بصورة مستمرة مع الحكم الغاشم، لإيقاف إرجاع الانحدار والتهرئ الحضاري والثقافي إلى تلك القرون الممعنة في العتق، واعتبار ان استحواذ الامويون على السلطة هو نقطة الشروع في مسيرة التقهقر القيمي الإسلامي، والعامل الرئيس في اصطناع آليات التوقف في نقطة الانشقاق الفقهي، إلا أن استشهاد النور المحمدي الساطع الإمام الحسين (صلوات الله عليه) كان القربان الأغلى والأسمى الذي قدمه أهل بيت ألنبوة وأتباعهم ومحبيهم، من أجل التحجيم والحد من سرعة وتداعيات الارتكاز الأموي تجاه تغليب قيم الجاهلية، وتعظيم القيم المتعارضة مع النهج الثوري الشعبي، وتكرار التعاكس لمحاولات الحكم الجائر المضادة للإرادة الشعبية، وفرض التقاليد النخبوية التي تهدف الى تسيد المشهد السياسي والفكري المعاش، والاستفراد والتحكم بمغاليق السيطرة على المجتمع في إطار نظام اجتماعي ملتبس، مما يزيف خلفيات وجذور اعتقادية ومقدسة لممارسات وانحرافات سياسية بحتة.
لقد كان رد الفعل الذي أحدثته شهادة الامام (سلام الله عليه) تأصيل وترسيخ أحقية وواجب الأمة في مجابهة الحاكم المبتز لحقها في الخيار الحر، وترسيخ القيم الأصيلة والسامية من أجل حياة أفضل للإنسان، وقد كان الإمام الشهيد الرائد والمعلم الاسمي في مسيرة الخير والتحرر والاستقلال والتنمية والدعوة للعدالة وحقوق الإنسان ومعاني الشرف والبطولة والفداء.
الكاتب: المحامي عبد الإله عبد الرزاق الزركاني | المصدر: شبكة أخبار الناصرية
تحياتي