تجربتي المريرة مع قناة الجزيرة بقلم :الاعلامي السابق في الجزيرة عماد مهدي
النخيل-هذا المقال ليس نشر غسيل لقناة الجزيرة كما سيظن البعض بل وقائع احداث جرت من داخل القناة التي سماها الرئيس المصري حسني مبارك علبة كبريت ولم يدر بخلده ان علبة الكبريت هذه هي وكر للدسائس وحياكة المؤامرات ليس من قبل القيادة القطرية او القطريين انفسهم.... بل من العرب الذين يقودون دفة هذه القناة من سلفيين بعضهم مهندم ومتنكر بملابس اوروبية وبعضهم متمسك بالدشداشة القصيرة واللحية الطويلة المدببة ومعهم القومجية الذين يشتمون اميركا واسرائيل ليل نهار وهم في ذات الوقت تعيش عوائلهم هناك وبعضهم يعمل جاهدا للحصول على تاشيرة دخول للولايات المتحدة او الحصول على الغرين كارد الاميركي او الكندي ومنهم ايضا من يبعثون ابنائهم وبناتهم للدراسة في اغلى الجامعات الاميركية ويفخرون بتخرجهم من هناك، ومن كل هذا يستطيع الانسان ان يقدر حجم التناقضات في افعال واقوال هؤلاء، وكما قلت هذه المقالة ليست بنشر غسيل.. فما تفعله الجزيرة تقفز فرحا ولذة عند سماعها للانتقادات والشتائم من الاخرين وتزاداد شراسة ووحشية وتؤكد ان هذا وساما اخر تضيفه على غسيلها.
شريط ذكرياتي لتلك الايام التي قضيتها في الجزيرة القطرية لا حدود له ولكن من اكثرها غرابة تلك اللحظة التي احس فيه الجميع بأن السلطة المؤقتة في العراق والسفير الاميركي بول بريمر على وشك الاعلان في مؤتمر صحفي كبير عن حدث هام.. الجميع كان في حيرة من فحوى هذا الحدث الهام بل كانت هناك تخوفات وقلق واضح على وجوه العاملين في القناة وبالاخص العائلة الشولية بدئا من المدير العام الذي كان يعمل مراسلا في جنوب افريقيا واصبح بقدرة قادر مديرا عاما للقناة وانتهائا بالعاملين في الارشيف وحتى العاملين الاشباه متعلمين القطريين هناك، العيون كانت تتطلع بلهفة على الشاشات التلفازية المنتشرة في ارجاء المكان، وما ان صاح بريمر بلكنته الاميركية المملة " ليديز اند جنتلمان.. وي غات هيم.." حتى بلغت القلوب الحناجر واغر ورقت عيون غالبية الحضور في غرفة الاخبار بالدموع وسكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ولم يسمع في ذلك الوقت الا صرخة فرحة يتيمة خرجت من فم كاتب المقال وزميل اخر يعمل مونتير هناك لتتحول بعد هنيهة هذه الفرحة الى صيحة استهجان عندما رأينا حالة الذل والجبن التي كان عليها ابن العوجة بطل العرب القومي صدام حسين، واستهجاننا كان طبعا ليس عطفا عليه بل احسسنا بالحزن الشديد لكون هذا الجبان الذي يرتعد بين يدي الجنود الاميركيين والقمل والعفن يملأ رأسه ولحيته الكثة، كان حاكما فرديا مفترسا لابناء اعرق واغنى بلدان العالم لاكثر من ثلاثة عقود.
كما تحملني حقيبة ذكريات تجربتي المريرة في الجزيرة الى السؤال الاول الذي يوجه لي لكل من يعرف اني عراقي، وهو السؤال الذي مهما بلغت تبريرات توجيهه فلا يدل الا عن نفس طائفية بغيضة الا وهو " هل انت سني ام شيعي؟؟" واذكر ان هناك من كان يتفنن بتوجيه مثل هذا السؤال لمعرفة الجواب الذي كان يعتمد عليه مستقبلي المهني هناك، وكانت هذه هي الحقيقة التي عانيت منها طوال فترة العمل وظهر بوضوح الفرق في التعامل معي وبين التعامل مع زملائي من كان بعضهم اقل مني مهنية وكفاءة لكنهم نالوا الحظوة والدعم والاسناد وتمتع العديد منهم بفرص لم يكونوا يحلموا بها من قبل، فيما كنت اتابع المشهد الدرامي المضحك المبكي بحسرة والم وانا ارى غيري من حصدوا الشهرة والمال وهم كما قلت اقل مني كفاءة ومهارة، حتى اصابني الاحباط والخيبة من كل ما يجري حولي وانطفأت شعلة الحماس التي كانت تضيء روحي وتجلى ذلك بوضوح من خلال عملي وصار كل همي هو ان تمضي بي ايام العمل بخير وسلامة ودون التعرض لاي ضربات اضافية موجعة من هنا وهناك.
كان اسلوب التعاطي مع الاخبار التي تردنا من العراق لم يكن مهنيا البتة من حيث كتابته وبثه باسلوب ينم عن كراهية وحقد دفين لدى منتجي النشرات ومسؤولييهم، فقد كان الاسلوب المتبع هناك اظهار بطولة وهمية لما يصفونهم بالمقاومة العراقية الشريفة واضفاء طابع الوطنية والقومية على كل من ينادي باخراج المحتل الاميركي حتى وان كان هذا المدعي تاريخه ممزوج بالدم والغدر، كما كان يتوجب علينا عدم التوسع في الكتابة حول تاثير العمليات الوحشية المسلحة في العراق على المدنيين العزل والعمل قدر الامكان للاغفال عنها او حتى تجاهلها!!! واذكر في احدى المرات عندما طلب مني احد المنتجين كتابة تقرير حول عملية الانفجار التي وقعت قرب مقر القوات الايطالية في الناصرية، ما دعى المنتج الى تحويل نص التقرير الى نائب مدير الاخبار احد اعضاء العائلة الشولية المسيطرة على مجريات الامور هناك والمعروف بالنسونجي لكثرة تحرشه بالنساء واحتساء الخمر، اذ قام ذلك الشولي بحذف الفقرة التي تشير الى ضحايا ذلك الانفجار من المدنيين العراقيين واضرارها على المباني والدور السكنية المجاورة للمقر رغم اني اوضحت له ان وكالات الانباء العالمية ذاتها بثت صور هؤلاء الضحايا وكانت اعدادهم اكبر من اعداد ضحايا القوات الايطالية واكثر تضررا!!
وتجدد الامر مرات عديدة حتى اصبحوا يرفضون اعطائي أي خبر في الشان العراقي مخافة من ان اكتب بصورة موضوعية وانقل الحقائق كما هي وكما تعلمتها وتدربت عليها في الكليات والجامعات البريطانية!!!
كما تأخذني الذاكرة الى تساؤلاتي التي كانت تجد اذانا صماء عن سبب ارسال صحفيين وغير صحفيين الى العراق من جنسيات مختلفة بل حتى ممن لا يتقنون اللهجة العراقية او او حتى العربية الفصحى، ويأتيني الرد على هذه التساؤلات بأني عراقي ومن المؤكد ان تقاريري لن تكون حيادية!!! تصوروا هم يقولون عني هذا الكلام دون ان أي اثبات لديهم بل لم يجربوني حتى وهم في نفس الوقت بعثوا الى هناك من ارسل تقارير ملؤها السم الزعاف ما جعل المشاهد العربي والعراقي بصورة خاصة يشعر حينها ان هؤلاء الذين كانوا يبعثون تقارير من العراق قبل اقفال مكتب الجزيرة كانوا يتعاملون مع الاحداث هناك باسلوب التشفي بمصاب العراقيين بل وتغطى افراح العراقيين بصورة قاتمة ومحزنة حتى وكأن لسان حال المراسل هناك يقول " هؤلاء الد اعدائي بل ان ابناء دولة اسرائيل احب الي منهم "، ومن منا ينسى الاسلوب الغريب والزعيق والتهويل الذي كان يمارسه المؤذن السابق الاخونجي احمد منصور في تغطيته للاحداث في مدينة الفلوجة وهو ضيف معزز ومكرم في بيوت الارهابيين التكفيرين الصداميين هناك!!!! الغريب في الامر كله انهم يرفضون ارسال أي عراقي لتغطية الاحداث في فلسطين او غيرها ويولون الامر كله الى ابناء ذلك البلد يفعلون بتغطياتهم الصحفية ما يشاؤون حتى لو وصلت تقاريرهم الى اقصى درجات التحيز والتطرف وهذا ما يحدث دوما، وحجتهم المتناقضة ان هؤلاء ادرى بشؤون بلدانهم لكن هذا الامر لا ينطبق على العراقيين!!!! يتبع..
بقلم :الاعلامي السابق في الجزيرة عماد مهدي
وكالة انباء النخيل