آداب أو دعاء قبل الافطار و مما يستحب أن يفطر عليه و فيما نذكره من القصد بالافطار
فيما نذكر من آداب أو دعاء وقراءة يعملها ويقولها قبل الافطار .
فمن الاداب عند الطعام : ما رويناه باسنادنا إلى أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، من كتاب الاداب الدينية ، فيما رواه عن جدنا الحسن السبط الممتحن بمقاساة الدولة الاموية ، صلوات الله على روحه العظيمة العلية ، فقال : قال
الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام : في المائدة أثنتا عشرة خصلة تجب على كل مسلم أن يعرفها : أربع منها فرض ، وأربع منها سنة وأربع منها تأديب . فأما الفرض : فالمعرفة ، والرضا ، والتسمية ، والشكر ، وأما السنة : فالوضوء قبل
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 238 : -
الطعام ، والجلوس على الجانب الأيسر ، والأكل بثلاث أصابع ، ولعق الاصابع ، وأما التأديب : فالأكل مما يليه ، وتصغير اللقمة ، والمضغ الشديد ، وقلة النظر في وجوه الناس . ( 1 )
أقول : ومن آداب شرب الذي يريد الشراب وأكل الطعام أن يستحضر المنة لله جل جلاله عليه ، كيف أكرمه أو أزاحه
( 2 )عن استخدامه في كل ما احتاج إلى الطعام والشراب إليه ، مذ يوم خلق ذلك إلى حين يتقدم بين يديه . فانه جل جلاله
استخدم فيما يحتاج الانسان إليه الملائكة الموكلين بتدبير الأفلاك والأرضين ، والأنبياء والأوصياء ، ونوابهم الموكلين بتدبير مصالح الادميين والملوك . والسلاطين ، ونوابهم وجنودهم الذين يحفظون بيضة الاسلام ، حتى يتهيأ الوصول إلى الطعام ،
واستخدام كل من تعب في طعامه من أكار ( 3 ) ونجار وحدادين ، وحطابين ، وخبازين ، وطباخين ، ومن يقصر عن حصرهم بيان الأقلام ولسان حال الأفهام . وكيف يحسن من عبد يريحه سيده من جميع هذا التعب والعناء ، ويحمل إليه
طعامه ، وهو مستريح من هذا الشقاء ، فلا يرى له في ذلك منة كبيرة ولا صغيرة ، أفما يكون كأنه ميت القلب والعقل ، أعمى عن نظر هذه النعم الكثيرة .
ومن الدعاء عند أكل الطعام :
ما رويناه باسنادنا إلى الطبرسي ، عمن رواه عن الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام ، قال : يقول عند تناول الطعام :
الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، ويجير ولا يجار عليه ، ويستغني ويفتقر إليه ، اللهم لك الحمد على ما رزقني من طعام
وادام ، في يسر منك وعافية ، من غير كد مني ومشقة . بسم الله خير الأسماء ، بسم الله رب الأرض والسماء ، بسم
الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء ، وهو السميع العليم ، اللهم أسعدني من مطعمي هذا بخيره
، وأعذني من شره ، وأمتعني بنفعه ، وسلمني من ضره . ( 3 )
3 - عنه البحار 98 : 10 .
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 239 : -
ومن الدعاء المختص بالافطار في شهر الصيام :
وما رويناه باسنادنا إلى المفضل بن عمر رحمه الله قال : قال الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن هذا شهر رمضان قد أقبل ، فاجعل دعاءك قبل فطورك ، فان جبرئيل عليه السلام
جاءني فقال : يا محمد من دعا بهذا الدعاء في شهر رمضان قبل أن يفطر ، استجاب الله تعالى دعاءه ، وقبل صومه وصلاته ، واستجاب له عشر دعوات ، وغفر له ذنبه ، وفرج همه ، ونفس كربته ، وقضى حوائجه ، وأنجح طلبته ، ورفع عمله
مع أعمال النبيين والصديقين ، وجاء يوم القيامة ووجهه أضواء من القمر ليلة البدر ، فقلت : ما هو يا جبرئيل ؟ فقال : قل :
اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ورب الشفع الكبير ، والنور العزيز ، ورب
التوراة والإنجيل والزبور ، والفرقان العظيم . أنت إله من في السموات وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك ،
وإنت جبار من في السموات وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك ، أنت ملك من في السموات ، وملك من في
الأرض ، لا ملك فيهما غيرك ، أسألك باسمك الكبير ، ونور وجهك المنير ، وبملكك القديم . يا حي يا قيوم ، يا حي
يا قيوم يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرق به كل شئ ، وباسمك الذي أشرقت به السموات والأرض ، وباسمك
الذي صلح به الأولون ، وبه يصلح الاخرون . يا حيا قبل كل حي ، ويا حيا بعد كل حي ، ويا حي لا إله إلا أنت صل
على محمد وآل محمد ، واغفر لي ذنوبي ، واجعل لي من أمري يسرا وفرجا قريبا ، وثبتني على دين محمد وآل محمد
، وعلى هدى محمد وآل محمد ، وعلى سنة محمد وآل محمد ، وعليه وعليهم السلام . واجعل عملي في المرفوع
المتقبل ، وهب لي كما وهبت لأوليائك وأهل طاعتك ، فاني مؤمن بك ، ومتوكل عليك ، منيب إليك ، مع مصيري إليك
، وتجمع لي ولأهلي ولولدي الخير كله ، وتصرف عني وعن ولدي وأهلي الشر كله . أنت الحنان المنان بديع السموات
والأرض ، تعطي الخير من تشاء ، وتصرفه عمن تشاء ، فامنن علي برحمتك يا أرحم الراحمين ( 2 ) .
2 - عنه البحار 98 : 10 ، المستدرك 7 : 360 .
ومن الدعاء عند الافطار : ما وجدناه في كتب أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ما من عبد يصوم فيقول عند إفطاره :
يا عظيم يا عظيم أنت إلهي لا إله لي غيرك ، اغفر لي الذنب العظيم ، إنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم . إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ( 3 ) . وأما القراءة عند الافطار : فاننا رويناها ووجدناها مروية عن مولانا زين العابدين عليه السلام أنه قال : من
* ( هامش ) *
3 - عنه البحار 98 : 11 ، الوسائل 10 : 169 . ( * )
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 241 : -
قرء ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) عند فطوره وعند سحوره ، كان فيما بينهما كالمتشحط ( 1 ) بدمه في سبيل الله تعالى ( 2 )
فصل ( 5 ) فيما نذكره مما يستحب ان يفطر عليه
اعلم أننا قد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب كيفية الاستظهار في الطعام والشراب ، ونزيد هاهنا بأن نقول : ينبغي أن يكون الطعام والشراب الذي يفطر عليه مع طهارته من الحرام والشبهات ، قد تنزهت طرق تهيأت لمن يفطر عليه ، من أن يكون
قد اشتغل به من هيأه عن عبادة لله جل جلاله ، وهي أهم منه ، فربما يصير ذلك شبهة في الطعام والشراب ، لكونه عمل في وقت كان الله جل جلاله كارها للعمل فيه ، ومعرضا عنه .
وحسبك في سقم طعام أو شراب أن يكون صاحبه رب الأرباب ، كارها لتهيأته على تلك الوجوه والأسباب ، فما يؤمن المستعمل له أن يكون سقما في القلوب والأجسام والألباب .
أقول : وأما تعيين ما يفطر عليه من طريق الأخبار ، فقد رويناه بعدة أسانيد : فمن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى الفقيه علي بن الحسن بن فضال التبلمي ( 3 ) الكوفي من كتاب الصيام ، باسناده إلى جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يفطر على الأسودين ، قلت : رحمتك الله ! وما الأسودين ؟ قال : التمر والماء ، والرطب والماء ( 4 ) .
ورأيت في حديث من غير كتاب علي بن الحسن بن فضال عن النبي صلى الله عليه
* ( هامش ) *
1 - عنه البحار 98 : 11 ، الوسائل 10 : 149 .
2 - شحطه : ضرجه بالدم .
3 - في الاصل : التميمي ، ما اثبتناه هو الصحيح ، نسبة الى تيم الله بن ثعلبة .
4 - عنه الوسائل 10 : 160 ، رواه الشيخ في التهذيب 4 : 198 ، عنه البحار : 98 : 12 ، الوسائل 10 : 146 . ( * )
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 242 : -
وآله أنه قال : أفطر على تمر حلال زيد في صلاته أربعمائة صلاة ( 1 ) .
ومن ذلك ما رويناه أيضا باسنادنا إلى علي بن الحسن بن فضال من كتاب الصيام ، باسناده إلى غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، أن عليا عليه السلام كان يستحب أن يفطر على اللبن ( 2 ) .
ومن ذلك ما رويناه باسنادنا إلى أبي جعفر ابن بابويه باسناده إلى الصادق عليه السلام أنه قال : الافطار على الماء يغسل ذنوب القلب ( 3 ) .
أقول : ولعل المقاصد من الأبرار في الافطار ، كانت لحال يخصهم أو لامتثال أمر يتعلق بهم من التطلع على الأسرار ، وكلما كان الذي يفطر عليه الانسان أبعد من الشبهات ، وأقرب إلى المراقبات كان أفضل أن يفطر به ، ويجعله مطية ينهض بها في الطاعات ، وكسوة لجسده يقف بها بين يدي سيده .
* ( هامش ) *
1 - عنه البحار 98 : 12 ، الوسائل 10 : 168 .
2 - عنه الوسائل 10 : 161 ، رواه البرقي في المحاسن : 491 ، والشيخ في التهذيب 4 : 199 ،
عنهما البحار 98 : 12 ، الوسائل 10 : 158 .
3 - رواه الصدوق في ثواب الأعمال : 104 ، الشيخ في التهذيب 4 : 199 ، عنهما الوسائل 10 : 157 ، البحار 98 : 12 . ( * )
فصل ( 6 ) فيما نذكره من دعاء انشأناه ، نذكره عند تناول الطعام
نرجو به تطهيره من الشبهات والحرام نقول :
اللهم إني أسألك بالرحمة التي سبقت غضبك ، وبالرحمة التي ذكرتني بها ولم أك شيئا مذكورا ، وبالرحمة التي أنشأتني
وربيتني صغيرا وكبيرا ، وبالرحمة التي نقلتني بها من ظهور الاباء إلى بطون الامهات من لدن آدم عليه السلام إلى
آخر الغايات ، وأقمت للاباء والامهات بالأقوات والكسوات والمهمات ، ووقيتهم مما جرى على الامم الهالكة من
النكبات والافات . وبالرحمة التي دللتني بها عليك ، وبالرحمة التي شرفتني بها بطاعتك والتقرب إليك ، وبالرحمة التي
جعلتني بها من ذرية أعز الأنبياء عليك ، وبالرحمة التي حلمت بها عني عند سوء أدبي بين يديك . وبالمراحم والمكارم
التي أنت أعلم بتفصيلها وقبولها وتكميلها ، وبما أنت أهله أن تصلي على محمد وآل محمد ، أن تطهرنا من العيوب
والذنوب ، بالعافية منها والعفو عنها ، حتى نصلح للتشريف بمجالستك ، والجلوس على مائدة ضيافتك ، وأن تطهر
طعامنا هذا وشرابنا وكل ما نتقلب فيه من فوائد رحمتك ، من الأدناس والأرجاس وحقوق الناس ، ومن الحرامات
والشبهات . وأن تصانع عنه أصحابه من الأحياء والأموات ، وتجعله طاهرا مطهرا ، وشفاء لأدياننا ، ودواء لأبداننا ،
وطهارة لسرائرنا وظواهرنا ، ونورا لعقولنا ، ونورا لأرواحنا ، ومقويا لنا على خدمتك ، باعثا لنا على مراقبتك ،
واجعلنا بعد ذلك ممن أغنيته بعلمك عن المقال ، وبكرمك عن السؤال ، برحمتك يا أرحم الراحمين . ( 2 )
2 - عنه البحار 98 : 12 .
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 243 : -
فصل ( 7 ) فيما نذكره من القصد بالافطار
اعلم أن الافطار عمل يقوم به ديوان العبادات ، ومطلب يظفر بالسعادات ، فلا بد له من قصد يليق بتلك المرادات ، ومن أهم ما قصد الصائم بافطاره ، وختم به تلك العبادة مع العالم بأسراره ، امتثال أمر الله جل جلاله بحفظ حياته على باب طاعة
مالك مباره ومساره . وإذا لم يقصد بذلك حفطها على باب الطاعة ، فكأنه قد ضيع الطعام وأتلفه ، وأتلفها وعرضها للاضاعة ، وخسر في البضاعة ، وتصير الطاعات عنه عن قوة سقيمة
- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 1 ص 244 : -
النيات ، كانسان يركب دابة في الحج أو الزيارات بغير إذن صاحبها أو بمخالفة في مسالكها ومذاهبها ، أو فيها شئ من الشبهات . وأي كلفة أو مشقة فيما ذكرناه من صلاح النية ، ومعاملة الجلالة الإلهية ، حتى يهرب من تلك المراتب
والمناصب ، وشرف المواهب ، إلى معاملة الشهوة البهيمية والطبع الخائب الذاهب ، لولا رضاه لنفسه بذل المصائب والشماتة به بما حصل فيه من النوائب .