مساواة الرجل والمرأة بحث و وجهات نظر
وهذه هي الركيزة الثانية التي هتف بها الغربيون، وبالغوا في الهتاف بها والدعوة اليها، واقاموا عليها حكمهم في شأن المرأة، وفي تعيين منزلتها من الرجل ومنزلتها من المجتمع.
الغربيون مثوى، والغربيون هوى.
هتف بها اولئك وصفق لهم هؤلاء.
المساواة التامة بين الرجل والمرأة.
ولنتبين جيداً ما تعني هذه المساواة التي يهتف بها الهاتفون.
المساواة التامة في حقوق الحياة؟ والمساواة التامة في حقوق الانسانية، والمساواة التامة امام محاكم العدل وسلطات التنفيذ، والمساواة التامة بين الرجل المسلم والمرأة المسلمة في حقوق الاسلام؟.
نعم، وكل اولئك قد كان، وقد قرره الاسلام وثبت قواعده واقام دعائمه وشيد بناءه قبل هتاف الهاتفين بعديد من القرون، فماذا يريدون غير ذلك؟.
مساواة المرأة للرجل في كل مجال وفي كل وجهة وفي كل نشاط؟.
فهل هذا من العدل؟ وهل هو مما تقره الفطرة؟.
فطرة الانسان السوي المستقيم الذي لا يلتوي ولا يخادع.
فاذا قسمت الطبيعة اعباء الحياة واثقالها الى قسمين متكافئين:
متكافئين في القدر، ومتكافئين في الاهمية، ومتكافئين في التضحية، ومتكافئين في التأثير، بحيث لا تستقيم الحياة ولا تنسجم ولا تسعد ولا ترقى ولا تدوم إلا بهما مجتمعين.
قلت: فاذا قسمت الطبيعة اعباء هذه الحياة الى شطرين متكافئين، ثم عهدت الى الانسان الذكر باحد هذين القسمين، والى الانسانة الانثى بالقسم الثاني، واعدت كل واحد من الجنسين لوظيفته المعينة بتكوينه وتركيبه، وبجميع اجزائه وابعاضه، فهل يسوغ لنا نحن ان نتجاهل هذا التوجيه الطبيعي الحكيم ثم نطلب من الأنثى ان تنهض باعباء الحياة جميعاً، بحصة الاناث منها وحصة الذكور؟!
إن القدرة الخالقة المديرة اعدت الأنثى بتكوينها وبجميع اجزائها لوظيفة في الحياة لن يستطيع ان يقوم بها اقوى الرجال واشدهم شكيمة وابرعهم حيلة، ومن الظلم والعسف ان نكلفها باعباء الرجل ايضاً.
اما ان المرأة اعدت بجميع اجزائها وبجميع خلايا جمسها اعداداً خاصاً يخالف اعداد الرجل في اجزائه وخلايا جسمه، فقد اصبح هذا من بدهيات العلم التي فرغ من تقريرها واثباتها ولم تعد مجالا للشك، وانظر أي كتاب شئت من الكتب التي يفصل فيها كيف يتكون الجنين، وكيف تتركب خليته الأولى الملقحة التي منها ينشأ، وكيف تتكاثر خلاياه وتتوالد، تجد الحقيقة التي لا مراء فيها ولا ريب.
تجد النظرية الثابتة التي لا خلاف فيها من احد ان الخلية الأولى الملقحة التي يتكون منها جسم الأنثى تتألف كروموسوماتها من (x،x) ثم تنشطر الخلية وتتكاثر بطريقة الانقسام. وكل خلية جديدة تتولد. هي من هذا النوع الخاص ايضاً. ثم تتصف الخلايا. ويتوجه كل صنف منها الى بناء جانب معين من الجسم او الى اقامة جهاز خاص من اجهزته.
ويتم بناء الجسم كله وتكوين اجهزته وغدده من هذا النوع الخاص من الخلايا. وتفرز الغدد وتتحرك الاجهزة وتعمل القوى داخل الجسم، وجميع امدادها من هذا النوع، وجميع انتاجها لاقامة هذا النوع.
وان الخلية الأولى الملقحة التي يتألف منها جسم الذكر تتألف كروموسوماتها من ( و) فاذا انشطرت الخلية وتكاثرت كانت الخلايا المتولدة عنها كلها من هذا النوع واستقام بناء الجسد وتم تكوين اجهزته من هذه المادة، ثم كان النشاط الحيوي في جسم الذكر كله متميزاً بهذا الطابع منطبعاً بخاصته.
اما الاجهزة الخاصة التي تختص بالأنثى والتي تختص بالذكر وتميز احد الجنسين عن الآخر، واثر هذه الأجهزة في توجيه النشاط وتوجيه الجسم وتوجيه السلوك، اما هذا وتوابعه فهو غني عن البيان.
انظر أي كتاب شئت من كتب علم الأجنة تجد فيها هذه الحقائق مشروحة مبسطة، فما معنى ذلك !.
ليس معناه ان القدرة الحكيمة الخالقة تعد الانثى بتكوينها لوظائف خاصة في الحياة تخالف وظائف الذكر، وتحملها اعباءاً معينة تشاطر اعباءه !.
واذن فهما متقابلان في مهمات الحياة، متقاسمان لأثقالها، متآزران على القيام بها، والعدل الكامل في التشريع ان يقدر هذا الاعداد الطبيعي فتوكل الى كل من الجنسين مهمته المعينة التي توجه اليها بتكوينه، وان يكمل اعداده لها بتربيته وتعليمه، وان يزود لها بتجارب المجربين والمجربات من اسلافه.
وعلى ذلك تركزت نظرة الاسلام في توزيع الوظيفة، وعليه أسس الأحكام والحقوق التي تخص المرأة والأخرى التي تخص الرجل، واقام العدل فيهما كلا بمقدار ما يحتمل وكلا بحسب ما اعد.
وبعد فصلة مسألة الحجاب بحديث مساواة الرجل والمرأة فيما يعتقدون: انه اذا وجبت المساواة التامة بين الذكر والأنثى كان من حق الأنثى ان تبرز الى ميادين الحياة، وان تزاول انواع النشاط فيها كما يبدو الذكر وكما يزاول سواء بسواء، فما حجاب وما نقاب؟.
اما وجوب ان تقيد الحرية الفردية بأن لا تزاحم حريات الافراد الآخرين وان لا تزاحم الحقوق العامة للمجتمع، وان لا تزاحم الحريات الأخرى لذلك الفرد نفسه، واما وجوب ان يراعى في مساواة الرجل والمرأة التوجيه الطبيعي الذي اودعه الخالق في تكوين كل واحد من الجنسين، اما هذا وذاك فلا يستوجب الاهتمام عندهم، لأنه يؤدي الى خلاف ما يشتهون! وما دين الله فانه يقول قولته واضحة المعالم راسخة الدعائم رضي بها من رضي واباها من ابى، (فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه، ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل)[1].
ـ 10 ـ
والنظرة المادية الخالصة التي دان بها الغرب وفسر بها كل ما في الكون، فالمادة كل شيء فيه، وليس ثمة شيء سواها.
هي المبدأ الأول للكون والحياة والانسان، وهي الغاية الاخيرة لها جميعاً.
اليهاترد كل علة وتؤول كل نتيجة، وبها يتقوم كل مقياس، فلا علة ولا مبدأ ولا غاية ولا مقياس غير المادة.
ونتيجة معلومة محتومة لذلك فلا إله ولا رب، ولا دين، ولا خلق، غير لمادة وتوابعها، ومقتضياتها، وغير طرق توفيرها، ووسائل الحصول عليها والانتفاع بها.
وقد اصبحت هذه النظرة عقيدة متأصلة لدى الغربيين، درجوا عليها في سلوكهم، وفي تفسيرهم للاشياء وتقييمهم لها، وفي صلاتهم بالأشياء وبالناس وصلات الناس بهم، ولتمحيص هذه النظرة وابطالها وتبيين مواضع الزيف فيها كتب خاصة كثيرة اوضحت منها ما التبس، وفي الحلقة الأولى من كتابي (الاسلام) وفي مقدمة الحلقة الثانية منه (التوحيد في القرآن) بحوث لا يستغنى عنها في هذا السبيل.
النظرة المادية الخالصة التي نسفت هناك كل عقيدة بآله ودين، وقطعت كل صلة بخلق وشريعة، وابطلت كل تقدير لقيمة او تقليد، اقول: هذه النظرة المادية المجحفة هي المبدأ الأول لكل ذلك.
واذا كانت المادة هي كل شيء في هذه الحياة واليها ترد جميع العلل والمقاييس فيها فلماذا لا تزاحم المرأة الرجل في ميادين الكفاح من اجل المادة وفي سبل الحصول عليها، وهي مثيلة الرجل في التكوين ونظيرته في القدرة وعديلته في كل ما يؤهل لذلك؟
واذا لم يكن إله ولم تكن شريعة ولم تكن أسس ثابتة للخلق والقيم الرفيعة وللآداب العالية فلماذا تبقى المرأة تحت نفوذ الرجل وتحت سيطرته يتحكم في امرها كما يريد ويشرع فيها الاحكام والقوانين كما يشاء؟ لماذا لا يكون ذلك؟ ولماذا تبقى في كفالته وقيمومته ورعايته لا حول لها ولا طول، إلا حيث يفسح الرجل لها المجال ويطلق لها التصرف حسب شهواته وتحكماته؟ والحجاب هو مظهر ذلك.
والنظرة على ما يبدو وليدة غلو وحقد معاً.
هي وليدة مغالاة مفرطة في تقدير طريقة العلم التي التزم بها في اثبات النظريات واستنتاج النتائج.
فقد اخذ العلم على نفسه ان لا يؤمن بنظريته ولا يقر بنتيجة ولا يعطيها صفة الثبوت والقرار ما لم تثبتها التجربة وتشهد بصحتها الملاحظة، وانما التزم هذه الطريقة مفاداة عن مخادعة الحس ومغالطة الوهم.
وضروري ان المجال الممكن لشهادة الحس وشهادة التجربة وشهادة الملاحظة انما هي الأمور المادية وحدها، وما وراء المادة لا يمكن ان ينال بشيء من هذه الوسائل فهي خارجة عن نطاق العلم التجريبي.
وخروجها عن مجال العلم التجريبي وامتناعها ان تدرك بوسائله المحدودة لا يعني ابداً ان العلم ينكرها أو يتنكر لها.
إنها ليست من مجالاته الخاصة ليبحث فيها، فليتركها للفكر المجرد، والفلسفة التي تهمها هذه النواحي وتملك وسائل الاثبات فيها، وليتركها للدين الذي انزل لتصحيح هذه الناحية من التفكير الانساني، وزوده بما يسعف من البينات، وارشده الى ما يثبت، من ركائز الفطرة وضروريات العقل وموحيات الطبيعة.
هذا هو سبيل الانصاف الذي لم يعده العلم، ولم يفارقه رعيل كبير من العلماء، من العلماء التجريبيين، بل ومن اقطاب الحركة فيه، فهم يؤمنون بالله ايماناً لا ريبة فيه، ومنهم من يؤمن بالدين وبالخلق ايماناً لا مداجاة معه، وهم يعتزون بايمانهم ويجهرون به ويذكرون مثبتاته، واعترافاتهم بذلك مشهورة مذكورة.
اخذ العلم نفسه بهذه الطريقة في اثبات النتائج فتقدم تقدمه المطرد، وانتج نتائجه المدهشة، وفاز فوزه العظيم.
وافرط بعض الناس فاستمسكوا بهذه الطريقة ذاتها لاثبات كل شيء، فانكروا وجود ما لم يدركه الحس ولم تنله التجربة ولم تبلغه الملاحظة.
انكروا وجود شيء وراء المادة، لأن الآلات والملاحظات والتجارب لا تصل اليه. وما لم يصل اليه الحس والآلات والتجارب فهومعدوم واذن فما وراء المادة كله وهم وخداع. واذن فالله والدين والخلق وما يتبع ذلك وما ينتظم بسلكه كله وهم وخداع. هكذا اوصلهم الاستنتاج.
وهي بعد وليدة حقد مكين دفين.
حقد مكين على الكنيسة. وعلى رجال الدين الذي ارتكبوا الشطط في العصور الوسطى. وانتهجوا العسف، وتحكموا في رقاب الناس وفي دمائهم وفي اموالهم. وفي علومهم ومعارفهم. وحموا الاقطاع. ومكنوا لاستبعاد الضعفاء. وحاربوا العلم وشلوا المواهب. ونكلوا بأولي النبوغ من العلماء المفكرين. وفتكوا بأحرارهم. والتأريخ مليء بسوءآت هذه الفترة الظالمة المظلمة.
وكان من رد الفعل على هذه الاجراءات القاسية ان ينبذ الناس قول الكنيسة وإلهها ودينها ومعارفها. وكلما تدعو اليه وتؤمن به وتكدح في سبيله. ان يحاربوا الكنيسة في كل ما تعتقد وتقول به وترمي اليه.
وساعد هذا الحقد على الثورة. ومكن لتأثيره وانتشاره ما تحتويه معارف الكنيسة من التهافت. وما يتضمنه تشريعها من العسف. كانت الثورة الكبرى في القرن الثامن عشر. ثم كان من توابع ذلك ان رفض الناس هناك كل دين وكل ما يمت الى الدين.
والنظرة المادية للكون وليدة ذلك الغلو المفرط وهذا الحقد الثائر فلا ينتظر منها انصاف ولا اعتدال.
-----------------------------------
[1] يونس: 108.
وليس موضع الغرابة ان يستمسك بها غربي شهد ذلك العسف وقاسى آلامه ولمس آثاره، ولكن موضع الغرابة ان يستمسك بها ويدعو اليها مسلم ايقن بنبوة محمد (ص) وصدق بكتابه وآمن بشريعته، فكيف التوافق بين ذلك وكيف الانسجام؟!.
انها نظرة ملحدة، والقائلون بها من الغرب لا ينكرون منها هذه الصفة، بل ويجهرون بها عند نقد الأديان والأخلاق.
اما اصحابنا المسلمون الذين يرددون اصداء الهاتفين بها من سواهم فاكر المحامل رفقاً بهم انهم يجهلون.
ـ 11 ـ
وتبعاً للنظرة المادية الآنف ذكرها، التي طغت على الغرب وفسر بها الحياة وارجع اليها عللها وغاياتها، واقام العلاقات الاجتماعية عليها فماذا ينتظر لعلاقة الرجل بالمرأة اكثر من ان تكون علاقة ذكروة وانوثة يجتمعان لحاجة يفترقان عند انقضائها؟ ما ينتظر لها ان تكون اكثر من علاقة حيوان بحيوانة، لا ينشدان وراء المتعة الموقتة شيئاً، ولا ينظر احدهما الى الآخر إلا انه موضع الاستجابة لفاقته الجنسية.
واذا استظلا معاً تحت سقف واحد او استكنا بين جدران منزل واحد فانما يقصدان بذلك ان يمهدا مكاناً معيناً لقضاء تلك اللبانة.
وما علاقة امرأة ورجل لا تفتقر اليه إلا في هذه الناحية، وما علاقة رجل بامرأة لا يضطر اليها إلا في قضاء هذه المتعة؟
إن الرجل يجد مئات او الوفاً من النساء يفين له بهذه الضرورة اذا شاء، وان المرأة تجد كذلك مئات او الوفاً من الرجال يقومون لها بسداد هذه الفاقة اذا شاءت، فلماذا يتقيدان بشخص معين ويرتبطان بصلة معينة؟.
وان الانطلاق يوفر لهما اللذاذة ويضاعف لهما المتعة، ويعفيهما من التبعات.
اما عبء المعيشة فقد استقل كل واحد منهما عن صاحبه بالعمل وبالانتاج وبالنفقة، ولم يعد محتاجا اليه بشيء من ذلك، واما بناء الأسرة فما الحاجة اليه بعد ان امكن قيام المجتمع من آحاد متفرقة، فالكل للأمة والكل للدولة، والكل للوطن الجامع العام، واما غريزة الأمومة وغريزة الأبوة فما قيمتها بعد ان تغيرت الموازين وانقلبت المقاييس، وموانع الحمل ومسقطات الأجنة هي المفزع الذي يريح من كل اولئك.
واذا الحت غريزة الأمومة وغريزة الأبوة إلحاحهما الشديد، وضايقتا الأبوين مضايقتهما العنيدة فلا حرج في ان تحمل الأنثى ثم تعهد بالطفل بعد وضعه الى المحاضن والمراضع.
اما الامور والآثار الأخرى التي يتحدث عنها المثاليون من اهل العواطف، فقد تبدلت جميعاً بتبدل القيم وزالت بزوال التقاليد، وذهبت بذهاب الدين والشرائع والأخلاق.
ماذا ينتظر لعلاقة الرجل والمرأة تحت ظل تلك النظرة ان تكون اكثر من ذلك؟.
وماذا ينتظر للمرأة نفسها تحت ظل تلك النظرة وتحت ظل تلك العلاقة غير ان تندفع الى الميادين التي يندفع اليها الرجل هناك؟.
الى الميادين كافة كافة، ما يجمل ذكره وما لا يجمل.
والنتائج التي تترتب على هذا الاندفاع كلها لا ضير فيها ولا غضاضة، ما دامت تثمر المادة أو تثمر اللذاذة او تثمرهما معاً وما دامت المساواة بين المرأة والرجل يجب ان تكون تامة من كل وجه، وما دامت الحرية يجب ان تكون مطلقة في كل سبيل !!.
وفي وصف هذه الظاهرة، وفي بيان مدى تغلغلها في نفوس الغربيين يقول الاستاذ ابو الأعلى المودودي في كتابه الحجاب ص 155:
«سبعة او ثمانية في الألف هو معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون في فرنسا اليوم، ولك ان تقدر من هذا المعدل المنخفض كثرة النفوس التي لا تتزوج من اهاليها، ثم هذا النزر القليل من الذين يعقدون الزواج قل فيهم من ينوون به التحصن والتزام المعيشة البرة الصالحة، بل هم يقصدون به كل غرض سوى هذا الغرض، حتى انه كثيراً ما يكون من مقاصد زواجهم ان يحللوا به الولد النغل الذي قد ولدته المرأة قبل النكاح ويتخذوه لهم ولداً شرعياً»، ثم نقل عن العالم الاجتماعي الفرنسي (بول بيورو) ان ذلك قد اصبح من العادات الجارية في طبقة العاملين في فرنسا.
وفي ص 94 من كتاب الحجاب ايضاً يحدثنا عن العالم الفرنسي الآنف الذكر انه: «قد عاد من الهين المعتاد في (برغندي) و(بون) وغيرهما من الأقاليم ان تكون الفتاة قد عاشرت عدة من الأخدان قبل زفافها، ثم لا تجد في نفسها حرجاً من حكاية قصة حياتها الماضية لخاطبها عند الزواج، وكل هذا الفجور منها لا يثير سخطاً او كراهية حتى في اقاربها الأدنين، بل هم يخوضون في احاديث غرامها بانبساط، كأني بهم يتحدثون عن لعبة رياضية او شغل تجاري، واذا كان موعد النكاح ودخل الزوج الذي يكون عارفا لا بحياة عروسه السابقة فحسب، بل بأخدانها الذين قد بقوا يتمتعون بجسدها الى تلك الآونة ايضاً، فانه يحاول جهده، الا يبدو منه ما يوهم الناس ان بنفسه كدراً في شيء مما يعلم من مشاغل عروسه الماضية».
ويقول عنه ايضاً في ص 117: «ان زنا المحصنات والمحصنين لا يعد من العيب او اللوم في فرنسا، فاذا كان احد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته، فلا يرى لاخفاء الأمر من لزوم، وبعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال».
وعن كتاب تاريخ الفحشاء للكاتب الانجليزي (جورج رائيلي اسكات): «ولا تزال تكثر النساء اللاتي يزاولن العلاقات الجنسية قبل الزواج من غير ما تحرج، وفي حكم النادر والشاذ وجود الابكار اللاتي يكن في الحقيقة والواقع ابكاراً عندما يعقدون النكاح عقد الوفاء الأبدي امام منبر الكنيسة».
ويذكر الكاتب الأسباب التي افضت بأحوال المجتمع الى هذا الحد، فيعد من هذه الاسباب الولوع الفاحش بالتبرج الذي قد بعث في نفس كل فتاة اشد الحرص على الازياء الفاتنة من احدث الطرز، ثم حرية النساء المطلقة، فقد بلغ من ضعف رعاية الآباء ورقابتهم لبناتهم ان قد تهيأ لهن من الحرية والانطلاق ما لم يكن ميسوراً حتى للابناء قبل ثلاثين او اربعين عاماً، ثم تهافت النساء على الأشغال التجارية ووظائف المكاتب والحرف المختلفة حيث يختلطن بالرجال صباح مساء. ويقول بعد ذلك: «وقد حط ذك من المستوى الخلقي في الرجال والنساء. وقلل جداً من قوة المدافعة في النساء لاعتداءات الرجال على عفتهن. ثم اطلق العلاقة الشهوانية بين الجنسين منكل القيود الخلقية. فالآن اصبحت الفتيات لا يخطر ببالهن الزواج او الحياة العفيفة الكريمة. حتى صار اللهو والمجون الذي كان يطلبه في الزمان الغابر اوغاد الناس تطلبه كل فتاة اليوم».[1]
ثم ماذا؟.
ثم يريد القارئ مني ان انقل له كل ما ترجم عن الكتاب الغربيين في هذا السبيل؟ وقد سقت له هذه الشواهد ليعرف ان علاقة المرأة بالرجل هناك لم تعد اكثر مما وصفتها له في اول الحديث.
ومنع الحمل ووأد النسل المتشران انتشاراً عظيما في تلك الربوع، اليسا شاهدين على صدق تلك الدعوى؟ على ان علاقة الرجل بالمرأة علاقة شهوة مجردة، فهما يطلبان التخلص من نتائجها، ويلتمسان له الاسباب، ويبتغيان الحيل، ويفزعان الى الطب والى عقاقيره ومستحضراته وآلاته، وهي لديهم ميسورة موفورة، تباع في كل بلدة وفي كل قرية دون أي حذر ودون أي مراقبة.
فهل علمت ان ستماءة الف نسمة ـ على الأقل ـ يمنع توليدها في فرنسا في كل سنة على ما يقدر الاخصائيون من جراء هذه العادة المتشرة في البلاد، وان اربعمائة الف جنين اخرى تسقط من بطون امهاتها[2].
وان في امريكا يسقط مليون ونصف مليون حمل على اقل التقدير في كل سنة، يقتل آلاف من الاطفال من فور ولادتهم، على ما يقول القاضي الاميركي (بن لندسي) رئيس محكمة جنايات الصبيان بدنور[3].
وان 95 في المائة من العلاقات الجنسية الحاصلة اليوم بين الرجال والنساء يحولون بينها وبين نتائجها الفطرية بتدابير منع الحمل[4] ثم لا يعد هذا العمل لديهم اجراماً يعاقب عليه القانون.
هذه علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المرأة بالرجل في ظل تلك النظرة المادية، فهل نطمع بشواهد اكثر ونتائج اكبر؟! وهل في هذا السلوك وفي هذه النتائج ما يشرف المرأة ويرفع من قدرها بل وما يشرف الرجل والمجتمع ويرفع من قدرهما؟!.
ـ 12 ـ
«ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»[5].
في هذه الآية الكريمة يذكر الله سبحانه بعض خصائص الزوجية في ظل الاسلام، وبعض اللوازم التي لا تبارحها.
سكن نفسي وطمأنينة، ثم مودة ورحمة.
سكن نفسي، واذن ففي طبيعة كل من الزوجين حنين دائب وشوق ملح واضطراب لن يقر ولن يهدأ إلا بالانضمام الى زوجة، وهذا بذاته هو منطق الفطرة ليس فيه خفاء، وليس عنه معدى، واذن فهما شطران لا تنظر لهما الحياة ولا تسعد إلا بانضمامهما وانسجامهما.
ومن ادب القرآن الغالي انه نسب السكون الى الرجال خاصة كأن القلق والذبذبة والشوق الملح الى الزوج والفاقة الشديدة الى السكن في ظله مما يختص بالرجال وحدهم، ان خفر المرأة وشدة حيائها يقتضيان ان تبعد عن هذه النسبة في الكلام المهذب البليغ، وبعد ففي هذا التعبير القرآني تلميح الى ايجابية المرأة وسلبية الرجل في هذا السبيل !.
من آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً، من انفسكم ليس من معدن آخر وليس من مقومات اخرى ولا من طباع وغرائز اخرى، من انفسكم، تشعر بشعوركم وتحس بأحاسيسكم، من انفسكم دون فارق في صفات الانسانية وخصائصها عدى ما تتقوم به انوثة الأنثى وذكورة الذكر ويميز احداهما عن الأخرى.
والآية الباهرة ان تخلق من ذات معدن الرجل وبذات مقوماته الانسانية وبنفس طباعه وغرائزه وركائزه انسانة انثى لها مقومات الانوثة واستعداداتها تناسب الانسان الذكر وتسعد بسعادته ويجد كل واحد منهما الراحة والطمأنينة والاستقرار النفسي الدائم في ظل صاحبهما.
والمودة والرحمة ثمرتان محتومتان للانسجام في الطباع والانسجام في الأخلاق.
وهذا السكن النفسي الدائم، وهذه المودة والرحمة هو المهاد الذي تنشأ فيه الأسرة ثم تنشأ وتترعرع وتنمو وتشب فيه الأطفال، من هذه الصدور العامرة بالرحمة تغتذي، ومن هذه القلوب الفعمة بالحب تنهل وترتوي، وفي هذه المحاضن الآهلة بالعطف والحنان تتربى، ومن هذه النفوس المليئة بالطهر وبالطمأنينة النفسية تقتبس، ومن هذه الطباع والخلال والأخلاق المهذبة ترث.
هذه خصائص علاقة الزوجين في ظل الاسلام، وهذا هو نتاجها المرتقب وثمراتها المرجوة في تنشئة الجيل.
واذن فصلة الزوجين في ظل الاسلام صلة وثيقة مقدسة، لها ركائزها من الفطرة، ولها روافدها من المودة والرحمة، ولها قوامها من انشاء الاسلام وصنعه، ولها قوتها ومتانتها من مدد العواطف النبيلة المهذبة وقوتها، ومن نظرة الاسلام الدائمة ورعايته المتصلة، ومن طبع الصلات ذاتها حين تكون لها هذه الوطائد والروافد.
وضروري للفتى والفتاة اللذين ينشآن في ظل الاسلام ويؤمنان برسالته ويخضعان لنظامه ويتمثلان تعاليمه ان يعدا نفسيهما لهذه الصلة، وان ينظر كل منهما في امر صاحبه قبل الدخول فيها، فللنفوس رغباتها، وللحياة ملابساتها، وللمجتمعات اوضاعها وتقاليدها، ولدين الاسلام مقاييسه وموازينه، والحجاب في المرأة والعفاف في الفتى والفتاة من ابرز تلك الموازين، ومن اغلا ما يحافظ عليه الاسلام في هذا الشأن.
ـ 13 ـ
لا يتم تكوين ابن آدم حتى تتحد خليتان وتتفاعل مادتان: [خلية الذكورة وخلية الأنوثة]، وحتى تستقر الخلية الموحدة المركبة منهما في قرارها المكين شهوراً، وحتى تبذل في تنشئتها وتطورها وصيانتها جهود كثيرة متنوعة، جهود حيوية، وجهود مادية، وجهود معنوية.
حتى تنال من الأغذية ما يؤهلها للتطور، ومن المواد الكيماوية ما يصونها عن التعفن ويحفظها عن التلف، وحتى تتناصر على تقليبها قوى، وتتعاهد على امدادها وحراستها طاقات.
وللانثى وحدها كل هذه الجهود، ومنها وحدها كل هذا البذل، ما عدى خلية واحدة تحمل دون ثقل وتوضع دون ازعاج.
ولن يسعد هذا الجنين حتى تشقى هي بولادته، ولن يعيش حتى تجهد هي بتغذيته، ولن يدب حتى تسهر هي على تربيته، ولن يترعرع حتى تحدب هي على تدليله، ولن يستقيم اوده، ولن يشتد عوده، ولن تنشط مواهبه، ولن تتزن طباعه، حتى ينهل من اخلاقها، ويرتوي من حنانها، ويفيد من عرفانها، وحتى يكتسب منها بالميراث، ويكتسب منها بالرضاع، ويكتسب بالحدب ويكتسب بالتلقين، ويكتسب بالاشارة، ويكتسب بالايحاء. ويكتسب بالاقتداء.
فالمرأة نصف المجتمع في التعداد.
والمرأة ثلاثة ارباع المجتمع في الانتاج.
والمرة كل المجتمع في التقويم والتوجيه.
ومعنى كل هذا الذي قدمناه ان الطبيعة قد حملت الأنثى وحدها خدمة بقاء النوع. ولم تحمل على الرجل من هذه الوظيفة شيئاً ولم تكلفه بجهد.
هذه وظيفة المرأة التي جعلها الله لها في الحياة. وهذه هي مهمة المرأة التي اعدها لها في التكوين. في مشاعرها الرقيقة السريعة الانفعال. وفي عاطفتها المتوثبة المرهقة الاحساس. وفي مزاجها العصبي البالغ التحمل. وفي طبيعتها الغيرية التي تسعد باشقاء نفسها لاسعاد غيرها. وفي بناء جسمها وتركيب اعضائها واعداد اجهزتها وتكوين غددها واعصابها. وفي [تكوين الانسجة ذاتها وتلقيح الجسم كله بمواد كيماوية محددة يفرزها المبيض] كما يقول الدكتور الكسيس كاريل في كتابه: «الانسان ذلك المجهول» ص 114.
وبعد فهل هذه وحدها هي الجهود التي تنفقها المرأة في هذا السبيل. في سبيل بقاء النوع وتسلسل الحياة. هل هذه وحدها هي الجهود التي تنفقها المرأة وتترك في جسدها بالغ الضعف عن احتمال سائر الأعباء؟.
والجهود البدنية والنفسية التي تؤديها في فترات الحيض. وفي مدة الحمل. وفي زمان الرضاع. والأعراض الشديدة التي تنتابها. بل ولا تكاد تفارقها في هذه الأوقات. وقد احصى العلماء والاطباء المختصون من هذه الأعراض المؤثرة الشيء الكثيرة. واقوالهم واحصاءاتهم في ذلك مشهورة منشورة.
هذه هي وظيفة المرأة التي جعلها الله لها في الحياة. وهذه هي الجهود التي تنفقها في هذا السبيل. والاسلام يقدر لها منزلتها الكريمة ويشكر لها جهدها المضاعف. ويجعل لها المقام الذي احلتها الطبيعة. ويشرع لها من الحقوق والواجبات والاحكام ما يوائم مركزها وما يواكب حياتها. وفي كتاب [من اشعة القرآن] احاديث مبسطة في ذلك فليراجعها من يطلب
-------------------------------
[1] الحجاب: للمودودي ص 141 ـ 143.
[2] الحجاب: ص 199.
[3] الحجاب: ص 40.
[4] الحجاب: ص 139.
[5] الروم: 21.
المزيد. وقد تقدم في بعض فصول هذا الكتاب ما يزيد الامر جلاءاً ووضوحاً. وقد قلت هناك واقول هنا مجدداً ومؤكداً:
ان الاسلام لم يمنع المرأة حقاً من حقوق الحياة، ولم يمنعها حقاً من حقوق الانسانية، ولم يمنع المرأة المسلمة حقاً من حقوق الاسلام، ويأفك من ينسب غير ذلك الى الاسلام ويجتزم في حق الدين العظيم وفي حق المرأة ويرتكب إثماً كبيراً.
بلى قد تقصر بالمرأة طبيعتها الانثوية في بعض المجالات أو في بعض الحالات، ولا منتدح لدين الله من ان يلاحظ الامر الواقع، لأنه انما يبني تشريعه على الضعيف ذات العبء الذي تحمله على القوي الابد، ومحال على الشريعة الجادة ان تكلف احداً ما تقتضيه طبيعة سواء.
ـ 14 ـ
ومن دعاة التبرج والاختلاط من يتخذ الهزل حجة على ما يريد.
يزعم هذا الفريق من الدعاة: ان الاختلاط بين الجنسين: الذكران والاناث، ورفع الحجاب والحواجز بينهما يوجب لهما التصريف النظيف !! وان الذكر والأنثى معاً يأمنان بذلك من الانزلاق !!.
هذه احدى حججهم لما يقولون، افتستطيع تكذيبها؟؟.
أحضر امام جائع منهوم مائدة شهية المآكل متنوعة الألوان، ودعه يتمتع برؤيتها ساعة او اكثر من ساعة لتستيقن صدق هذه الحجة التي يقيمون.
دعه يتملى بالنظر الى صحافها واحدة واحدة. ويستنشيء روائحها عرفاً عرفاً، ويتقصى الوانها لوناً لوناً، ويعدد فواكهها فاكهة فاكهة، ويعيد النظر ويستانف التعديد والاستقصاء.
دعه يمتع بصره وحواسه كذلك ساعة أو ساعتين ثم سله ألا يزال جائعاً بعد؟ الم يملأ عينيه بالنظر وانفه بالعطر، وذهنه بالتعداد وبالتصور ونفسه بالمتعة، فكيف تبقى جوعته بحالها؟.
ان متعة العين بالنظر الشهي ومتعة السمع بالحديث الملذ ومتعة الحواس الأخرى بالمدركات الجميلة المحببة لن تسد نهمة الجنس ولا جوعة المعدة يا اساتذة، ومن يدعي غير هذا فانما يكذب نفسه وتكذبه البداهة من كل عقل.
وانا اعلم ان المتعة الجنسية متعددة الطرق متنوعة الاساليب، وان الاجتماع بالانثى ونظرة الغزل اليها والانصات الممتع الى حديثها بعض هذه الطرق التي تنطل بها الغريزة، اعلم ذلك جيداً، ولكنني اعلم جيداً كذلك ويعلم القراء معي ان الهدف الاكبر للغريزة امر وراء هذه الصغريات، ونعلم جيداً ايضاً ان الهدف الاقصى للغريزة اذا لم يتحقق فكل هدف دونه عندها هباء.
ونعلم اخيراً ان هذه الاهداف الصغيرة محرضات ومغريات، فكلما تكرر الاجتماع وتنوع الغزل تمردت الغريزة، وعظم خطبها وازداد سعارها. وطلبت المدد وطلبت المزيد.
واذن فمتى يكون التصريف النظيف؟.
ومتى يتحقق الامن من الانزلاق؟.
لعل هؤلاء يتوهمون انها شحنة من الطاقة محدودة القدر محدودة المدد. فاذا صرفت بالحديث وبالغزل قل ضغطها وتقاصر الحاحها وتناهى امرها. غير ان الواقع شيء وراء هذا الذي يتوهمون.
ان الغريزة تلح دون فترة. وان الغدد الجنسية تفرز دون انقطاع. ولا سكون لها إلا بالاستجابة الكاملة. واذا سكنت فالى عودة قريبة. نم والى نشاط اكبر والى دعوة اقوى، فقد مرنت الغريزة. ومرنت الاعصاب. ومرنت الارادة. وقوي الدافع وضعف الوازع.
هذا هو الواقع الذي لا يجهلون.
وهذه الكلمة قالها الغربيون اول مرة. وهم يريدون من التصريف النظيف ان تعبر الغريزة الجنسية عن ذاتها تعبيراً صريحاً كاملا، دون مواربة ودون كبت ودون خفاء. وقد صرح بهذا احد الاساتذة في الجامعات الغربية لتلميذ من اهل الشرق سأله عن الاختلاط العجيب الذي وجده في الجامعة. [وكان التلميذ: (الدكتور) شرقياً متزمتاً على ما يقول] قال له ذلك الاستاذ:
«اننا اذا منعنا طلابنا وطالباتنا عن الاختلاط المكشوف لجأوا الى الاختلاط المستور بعيداً عنا، في جو ملؤه الريبة والاغراء».
«اننا إذ نعترف بما في الطبيعة البشرية من قوى ونهيئ لها ما ينفس عنها في جو من البراءة والطمأنينة نكون بذلك قد وقينا الانسان من مزالق الشطط ومغريات الخفاء».
هذا هو ما اراده الغربيون من معنى التصريف النظيف: التصريف الصريح الذي لا حذر فيه ولا اختفاء ولا كبت، واذا لم يكن بد من السفور، واذا لم يكن وجود حقيقي للاله وللدين وللاخلاق، كان ما يقولونه منطقياً لا معدى عنه.
اما الشرقيون فاخذوا الكلمة وابدلوا معناها، فقالوا ـ وحديثهم مع الشرقيين ـ ومع المسلمين: الاختلاط يوجب التصريف النظيف، ويؤمن الذكر والأنثى من الانزلاق، والشرقيون والمسلمون يفهمون من النظافة معنى الطهر والنزاهة، ويعرفون من الانزلاق التعدي عن الحد المشروع، اخذوا الكلمة وارادوا منها هذا المعنى فوقعوا في التناقض من حيث لا يشعرون.
ان القيم لدى صنف من الناس حصيلة ما تعارف عليه المجتمع في دور من حياته، او في ادوار منها، مما شاع فيه من عادات او فشى فيه من صفات، ولذلك فالقيم عندهم مجموعة من التقاليد الاجتماعية. وبدهي ان التقاليد الاجتماعية لا شمول لها ولا دوام.
فاذا تغيرت مجاري الحياة، واهم مجاري الحياة، بالطبع، هي اساليب الشهوة في عرف هؤلاء السادة، اذا تغيرت هذه وجب ان تتغير القيم وان تستبدل مكانها ما هو اكثر مواءمة واشد انطباقا.
وهذا رأي ادنى ما فيه انه خلط شائن بين القيم والتقاليد. القيم صفات مهذبة تقررها موازين الاخلاق، ثم ترتفع بشانها حتى تكاد تكسبها صبغة اليقين، فهي ـ من اجل ذلك ـ امور ثابتة لا تتغير، او هي كالثابة في بطوء الزوال.
وموازين الخلق وان اختلفت فيها آراء علماء الأخلاق، إلا انها لا تتخالف ما بينها في النتائج مخالفة النقيض للنقيض او الضد للضد، وخصوصاً في الصفات الرفيعة التي اوشكت ان ترتفع الى ذروة اليقين.
اما التقاليد فانها عمال او مظاهر او صفات تفشوا في المجتمع وتتغلغل بين افراده حتى تنال فيه صبغة العموم، وحتى يعود المحيط الاجتماعي حارساً لها ورقيباً على تنفيذها.
ومنشأ التقاليد قد يكون وهماً سخيفا من الأوهام، وقد يكون رأياً سديداً من الآراء، كما قد يكون قيمة رفيعة من القيم او ديناً حقاً من الاديان، او مزيجاً من حق وباطل ومن رشد وغي.
وعلي اية حال فليس الكذب ـ مثلا ـ في عداد القيم، ولن يطمع احد ان يجعله منها في يوم من الايام، وان شاع في المجتمع وارتفع عنه الحرج وكثر التندر به والاصرار عليه، بل وان فشت بين افراد المجتمع قولة ذلك الكاذب: الالتزام بالصدق في القول ينشا من ضعف النفس في الانسان.
وليس الانطلاق مع الشهوات من القيم كذلك، ولن يدخل في عدادها البتة، وان تغلغل في المجتمع وضربت جذوره وتوفرت سبله، وان حاول دعاة الانطلاق ان يستخدموا له الفكر وان يستبيحوه باسم العلم.
وليست الميوعة ولا التفكك الخلقي من القيم ابداً، وان تغنى به مائعون وصفق له متفككون، وان ذكروا التحضر والتحرر في اسانيده وزوقوا العبارات في تأييده.
اما ان الاختلاط بين الجنسين يوجب لهما التصريف النظيف، وان الذكر والانثى يأمنان بذلك عن الانزلاق، اما هذه الدعوى فبرهان الصدق عليها ما نقلناه للقارئ قبل صفحات عن مآسي الاختلاط في الغرب والدنيا الجديدة ! وما سننقله له فيما يأتي من احصاءات واعترافات ! وكل اولئك حقائق واقعة ثابتة، دونها كتاب وعلماء غربيون مشهورون، لا يرسلون القول جزافاً ولا يحكمون بغير علم، وقد كتبوا ذلك للتأريخ وكتبوه للاحصاء وكتبوه للنقد وابتغاء العلاج.
ـ 15 ـ
ويقولون: حجاب المرأة وحجرها عن الرجال تنشأ منه عادة الانحراف الجنسي في الرجل والمرأة معاً، [فقد دلت القرائن على ان المجتمع الذي يشتد فيه حجاب المراة يكثر فيه في نفس الوقت الانحراف الجنسي من لواط وسحاق وما اشبه]، ويدللون على قولهم هذا بأن الرجل ميال بطبيعته نحو المرأة، والمرأة كذلك ميالة نحو الرجل، فاذا منعنا هذه الطبيعة من الوصول الى هدفها بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً الى السعي نحوه في طريق منحرف.
انظر، انظر، ثم احكم ان شئت غير متهم:
اهذه دعوة الى السفور فحسب: الى السفور المحتشم الذي يزعمون، ام الى الانطلاق الكامل في الغريزة الجنسية والى رفع كل قيد لها وكل حجاب عنها؟! وهو احتجاج على حجاب المرأة ام لوجوب بذلها للرجل في كل منحى وفي كل اتجاه؟!.
ان لجوء الطبيعة الى الطريق المنحرف اضطراراً انما يكون اذا اوصد الباب مطلقاً دون الطريق المستقيم، اذا اوصد الباب مطلقاً في وجه الرجل فلم يستطع ان يصل الى المرأة ابداً بطريق معين مشروع، واوصد الباب كذلك في وجه المرأة فلم تستطع ان تصل الى الرجل بوجه ولا بسبيل.
ان الطبيعة القوية المتدفعة فيهما تروم التنفيس، والتيار اذا سدت دونه المجاري طغى على المرتفعات.
اذا اعترفت الشريعة لهما بهذه الضرورة، وقررت لهما الحق في الاستجابة لها، بل واوجبت ذلك عليهما في بعض الاحوال، وعينت لهما الوجه الذي يقضيان به هذا الحق، وحددت السبيل الذي يستجيبان فيه لهذه الطبيعة، فما وجه الشذوذ الجنسي بعد ذلك، وما سبب الاضطرار الى الطريق المنحرف؟!.
ما وجه ذلك وما سببه غير ان يراد لهما الانطلاق الكامل في الشهوة ورفع كل قيد عنها وكل حجاب؟ واحاديث الشهوة المنطلقة لا ينتظر ان يؤيدها علم ولا ان يعترف بها عقل ولا ان يقرها دين.
ومنطق الحجة التي يذكرها هذا القائل انه لا بد من الانطلاق لا الى حد في طبيعة الانسان، فاذا لم يتهيأ لها ذلك بالطريق المستقيم لجأت اضطراراً الى الانحراف له وإلا فما وجه الانحراف اذا حددت للجنسين سبل شرعية خاصة للتصريف النظيف؟ وما وجه الاضطرار الى ان تلقي المرأة حجابها وتختلط اختلاطاً كاملا بالرجال؟.
وواضح ان هذا المنطق المشوة لا يعرتف به علم، وان ذكر هذا القائل ان ذلك طبيعة اجتماعية، وكأنه يؤمي الى انه من مقررات علم الاجتماع.
قد يقرر علم الاجتماع، وقد يقرر علم النفس ان منع أي غريزة في الانسان واي طبيعة اصيلة فيه عن الوصول الى هدفها بالطريق المستقيم يلجئها الى السعي نحوه بطريق منحرف، ولكنه لن يقول مطلقا ان الانحراف طبيعة اجتماعية لا بد من ظهورها في كل بلد تحجب فيه النساء عن الرجال، على ان يراد هذا النوع من الحجاب الذي يقرره الاسلام.
اما اذا تطرقت بعض المجتمعات وتجاوزت الحد الذي وضعه الاسلام في هذا الشأن، فمنعت المرأة ان تقترب من الرجل مطلقاً ومنعت الرجل ان يقترب من المرأة كذلك، وكتبت على اهلها الرهبانية العامة فلا زواج ولا اقتران، او شددت امر النكاح بغلاء المهور مثلا حتى عز على الكثرة الغالبة من الناس، فلا بد من ظهور هذه النتائج وامثالها من الموبقات.
وعلى أي حال فالدليل المتقدم لا يقوم حجة لمنع الحجاب.
ـ 16 ـ
ويقولون: ان الاختلاط بين الجنسين ورفع الحواجز والموانع بينهما يرفع عنهما الكبت والعقد النفسية الكثيرة التي تحدث بسببه.
والاختلاط الذي يذكرونه وينعتونه بهذه النعوت قد يعنون به ما يلازم الانطلاق وراء الشهوة دون قيد ولا مانع، وهو بهذا المعنى مما يزيل الكبت بلا ريب، واي مبتغى للغريزة اكثر من ان تلفي مطاليبها موفرة في كل مكان ميسرة في كل سبيل دون حوج ولا حذر، وما وجه الكبت اذا تهيا لها جميع ذلك؟.
ولكن لنتسائل جادين: ما شأن المجتمع الذي تشيع فيه هذه الموبقات في بناء المعالي؟ وما منزلته بين المجتمعات التي تتسابق الى المجد؟ ولنترك مسألة الاسلام عن رأيه فيه، فان رأي الاسلام في امثال هذا المجتمع مشهور معلوم.
وقد يريدون الاختلاط الذي يستمك المختلطون فيه بأهداب العفة، اذا صح هذا الفرض وامكن لهم تجريد الاختلاط عن نتائجه الطبيعية المحتومة، اقول: قد يريدون من الاختلاط ان يجتمع الفتى بالفتاة يتبادلان النظر والحديث، ويتزاملان في الدرس والعمل، ويترافقان في الشارع والمنتزه، ثم لا يتجاوزان هذه الحدود، ولا ينحرفان بهذه الغايات، والمسألة التي يجب التفكير فيها ـ اذا صح مثل هذا الفرض ـ ثم يجب الجواب عنها هي انه: كيف يكون هذا الاختلاط مانعاً للكبت؟.
ان الغريزة صريحة في ابتغاء هدفها دون خفاء ودون التواء. واذا التوت فهي انما تنشد بالتوائها سبيلا جديداً يفضي بها الى غايتها الأصيلة. ومتى منعت من هدفها الاقصى ومتى حيل بينها وبين التعبير الصريح عنه. ومتى اكتملت سائر المؤثرات الأخرى التي يشترطها علماء النفس كان الكبت الذي يحذرونه وكانت العقد النفسية التي تتبعه. والأعراض الشديدة التي تحدث بسببه.
والاختلاط حتى في حدوده تلك لن يخلو من دعوة وتحريض. ولن يخلو من فتنة واثارة ما دامت غريزة ابن آدم هي غريزته. اما التصريف النظيف فقد علمنا مبلغه من الصحة.
وبعد: فلنقل كما يقولون: الاختلاط بين الجنسين يرفع عنهما الكبت. فما يعني هذا القول وما ينتج؟
هل يعني ان الحجاب يورث الكبت لنقول بمنعه من هذا الطريق؟.
الكبت؟.
ومتى حرم الاسلام على الغريزة ان تعبر عن ذاتها ليحدث هذا الكبت؟.
ومتى حتم على نفس الانسان ان لا تشعر بهذا الشعور وان تستقذره في باطنها ليرتد ذلك عقدة نفسية في منطقة [اللاشعور]؟ اليس هذا هو الشرط الأساس لحدوث الكبت كما يقول العلماء النفسانيون؟.
وما صنعه الاسلام انما هو تعيين السبيل الذي يجوز ان تنطلق فيه الغريزة وتحديد الوجه الذي يصح ان تصرف فيه الطاقة.
انما هو التنظيم لأعمال الغريزة والتحديد لحركاتها وتمرين النفس على ضبط اهوائها. وفرض سيطرتها وسلطانها. والفارق كبير جداً بين كبت الغريزة ومنعها من حقها الفطري المشروع وبين تعيين السبيل لانطلاقها وتحديد المنهج لأعمالها.
ـ 17 ـ
ويقولون: رفع الحجاب عن المرأة وخروجها مع الرجل الى ساحات العمل يوجب مضاعفة الايدي العاملة والاذهان المنتجة. وذلك يوجب مضاعفة اسباب المعيشة ومعطيات الثروة. ويتضاعف من اجل ذلك الرصيد الاقتصادي في المجتمع. ويتهيأ للأمة من موجبات العمران والتقدم في ميادين الحضارة. ويتسنى لها من اسباب القوة والتمدن ضعف ما كان يتيسر لها قبل رفع الحجاب وقبل اشراك المرأة مع الرجل في ميادين العمل.
اما الحجاب فانه يعطل نصف الأمة عن العمل والانتاج ويئد نصف مواهبها.
وهذه الحجة مقتطعة عن النظرة المادية التي اسلفنا الحديث عنها في فصل تسلسل (10). عن النظرة المادية في الكون التي دان لها الغرب. واندفع معها في كل سلوكه ومعتقداته ونظمه واعماله وصلاته. وقد تبينا هناك مواضع الضعف فيها فليرجع القارئ الى ذلك البحث اذا شاء.
وهذه الحجة مبتنية كذلك على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل مجال، وقد تقدم البحث عن هذه الفكرة في فصل تسلسل (9) ولا موجب للتكرار.
وبعد فالانسان في نظر الفطرة وفي نظر العقل وفي نظر الاسلام دين الفطرة والعقل متعدد الجوانب متكثر النواحي، والمادة احدى الجوانب الكثيرة التي يتقوم منها كيانه وتقوم بها حياته والاقتصاد احدى النواحي الخطيرة التي يتوقف عليها بقاؤه ويتكيف ويتطور بتأثيرها اجتماعه.
ولكن في الانسان جوانب اخرى لا يسوغ ان تغفل، وتأثيرها في الحياة وتأثيرها في بناء المجتمع وفي تكييفه وتطويره لا يقل عن تأثير الاقتصاد، والعفة والاتزان في الغريزة الجنسية والاعتدال في مطاليبها وتحديد طرق الاستجابة لها من اهم هذه النواحي المؤثرة في الحياة، وفي بناء المجتمع وتطويره، فلا بد من النظر فيها، ولا بد من ايتائها ما تستحقه من العناية والتقدير، ولا بد من وضع الضمانات القانونية لصيانتها في المجتمع وتثبيتها بين طبقاته وفي نفوس افراده، والحجاب من اوثق ما تضمن به هذه الفضيلة وتصان به حدودها.
ومشاطرة المرأة للرجل في بناء الكيان الاجتماعي للامة، وفي مضاعفة الايدي والطاقات والاذهان العاملة، وفي توفير اسباب المعيشة الرضية، وفي تهيئة موجبات العمران والتقدم في ميادين الحضارة، وتوفير اسباب القوة والتمدن، اقول: ومشاطرة المرأة للرجل في كل اولئك لا تتوقف على رفع الحجاب ولا على الاختلاط بالرجال وعلى اخراجها الى ساحات العمل.
وقد اعدتها القدرة الخالقة المدبرة للشطر الذي تختص به من الاعباء واعدت له مواهبها، وقد فصلت هذا فيما تقدم، وعلى المجتمع وعلى الحكومة التي ترأس الأمة ان تكمل اعداد المرأة لذلك بالثقافة الصحيحة وبالعلم المجدي، لتقوم بوظيفتها افضل قيام وتستثمر مواهبها خير استثمار.
وعلى أي حال فان الحجاب الذي فرضه الاسلام لم يعطل نصف الأمة عن الانتاج كما قالوا: ولم يئد نصف مواهبها. فقد وجه الاسلام هذا النصف من الأمة وجهته الطبيعية الصحيحة. ولكن ماذا يصنع الاسلام لاتباعه اذا هم لم يحسنوا استثمار هذا التوجيه ولم يفيدوا من هذا الاعداد؟.
واذا رغبت المرأة في ان تعمل، واذا احبت ان تساند زوجها في حقل الاقتصاد وتشاركه في احتمال اعباء المعيشة، فاي مانع لها من ذلك ما لم تصادم بعملها ذلك حقاً من حقوق الناس، ولم تتعد حداً من حدود الله، ولم تخالف حكما من احكامه؟.
ـ 18 ـ
ويقولون: معنى فرض الحجاب على المرأة انها متهمة في سيرتها بما يخدش ويشين، وان سلوكها مما تحوم حوله الظنون، ومن اجل هذه التهمة حبست في هذا المضيق، وفرضت عليها هذه الحدود:
نعم هذا بعض ما يقولون !.
افرأيت كيف يكون الانحراف عن القصد؟!.
انها اساليب يراد منها اثارة الحفائظ، وهي بعض ذرائعهم الى ما يريدون.
لا. ان الاسلام لا يتهم المرأة ولا يتهم الرجل بما هما بريئان منه، ورسول الاسلام انزه الناس جميعاً عن هذه الخلال، وكتاب الاسلام ارفع الكتب كافة عنها، ودين الاسلام اشد الاديان واعظم القوانين حرصاً على تنزيه مجتمعه عن التهم وتجنب اتباعه مواردها.
ولكنه لا يتجاهل الواقع ولا يتغافل عنه، ويعمل العمل الذي يتطلبه ويصف العلاج الذي يقتضيه.
والضمانات والوثائق والوسائل التي وضعتها القوانين لحفظ حقوق الناس ودمائهم واموالهم، والأخرى التي تعارف عليها الناس فيما بينهم لهذه الغايات ضمانات ووثائق ووسائل عادلة مشروعة، وقد درجت عليها القوانين ودرج عليها الناس والحكام وايقنوا بعدالتها ومشروعيتها، ولم يدخل في تفسيرها انهم بهذه الضمانات يخونون الناس ويتهمونهم بأنهم جناة وسراق، ولم يدر في وهم احد من الناس ان ينقدها بهذا النقد.
انما هي احتياطات يقصد منها بالنظرة القريبة قطع الطمع فيما لو صح وجود طامع، وسد الذريعة فيما لو فرض وجود متذرع، ويراد منها بالنظرة البعيدة تنشئة المجتمع على خلق الامانة وطبعها في نفوس افراده، وتمرينهم عليها في معاملاتهم واعمالهم، وهذه بذاتها هي النظرة التي وجهها الاسلام الى العفة والى الحجاب.
ـ 19 ـ
ويقولون ايضاً: رفع الحجاب عن المرأة واشراكها مع الرجل في مهمات الامور وفي مختلف الميادين، واعدادها لذلك بالتعليم العالي والثقافة الكاملة الراقية، كل هذه قد اصبحت من متطلبات الامم التي تطمع ان تساير ركب الحياة الصاعد، ولا يمكن ان تقف دونها شريعة الاسلام السمحة السهلة المرنة، التي تماشي الحياة وتواكب الازمان.
ونحن قد نظرنا فيما تقدم من الابحاث في هذه الامور التي قالوا عنها انها من مقتضيات التقدم ومن متطلبات الامم التي تطمع ان تساير الكرب الصاعد، نظرنا فيها النظرة الجادة المستقصية، واستفتينا الفطرة واستفتينا العقل واستفتينا طبيعة المرأة واقوال علماء الأجنة وعلماء الاحياء وعلماء وظائف الاعضاء، فرأينا المرأة قد اعدت بتركيب جسدها وبتركيب خلاياها وبجميع ركائزها لوظائف خاصة معينة من وظائف النوع، ليست الوظائف الأخرى التي يقوم بها الرجال بأوفر منها في الجهد، ولا باكثر منها في التضحية، ولا بأسمى منها في المنزلة. ولا بأجدى منها للانسانية. ولا بأعود منها على الحضارة والتقدم والعمران. ولا باكثر حاجة منها الى التعليم العالي والتثقيف الرفيع.
وعلمنا ان نظرة العدل تقتضي مراعاة هذا التوجيه الطبيعي في الجنسين. فيخصص كل واحد منهما بالوظائف التي اعد لها بتكوينه. ويزود بالثقافة العالية التي تمكنه من البروز فيها والارتقاء بها. وتستغل مواهبه وطاقاته في الأعمال التي تتصل بتلك الوظائف الخاصة. وعلمنا ان هذا هو النهج القويم للارتقاء بالحياة. والمسلك المأمون المضمون الذي يجب ان يسلكه الركب الصاعد.
هكذا نظرنا، وهكذا اوصلتنا النظرة في الاستنتاج، فماذا غير ذلك؟.
غير ذلك ان تقلب الموازين وتكذب الفطرة ويكذب العقل وتكذب الطبيعة وتكذب حقائق العلم ومقرراته، وتحمل الأنثى ما لم تعد لحمله، ثم يقال هذه متطلبات ركب الحياة، ويراد من شريعة الاسلام ان تقر هذا الوضع، وتنحدر مع الركب الم