الفرق بين القدوة الصالحة والأسوة الحسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين
ان القدوة تعني تعني الاتباع للمثل الاعلى والسير على خطاه .
والغاية المتوخاة من البحث تكمن في:
اولاً: البحث عن المثل الاعلى .
ثانياً: توجيه الناس والمجتمع لاختيارهم القدوة الصالحة .
ثالثاً: طرح المنهج الصالح الذي ينتهجه القدوة .
ومحاور البحث تكون في :
1_ الفرق بين الاسوة الحسنة والقدوة الصالحة لغةً.
2_ علاقة القدوة بالتشيع .
3_ الاحتذاء والسلوك المشابه .
4_ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة للأقتداء الصالح .
5_ (الأقتداء ) احدى مقاصد الشريعة .
المثل الاعلى
لعل الباحثين صبوا مفهوم القدوة في قالب المثل الاعلى وهو صحيح الى حد ما , والانسان له بطبيعة الحال توجهات مختلفة تحدد مساره في الحياة , والامر مقرون بما يحب الانسان وما يكره ولذلك قال سبحانه:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
فبعض الناس توجهاتهم شيوعية فأنهم يتخذون رموز الشيوعية مثلاً اعلى وقدوة كـ ليلين وماركس وغيرهم , وبعض الناس توجهاتهم علمانية فأنهم يتخذون الرموز العلمانية قدوة لهم وهكذا الليبراليين والاسلاميين بجميع مذاهبهم والديانات الاخرى .
هكذا تتغير العوامل التي تتحكم عند اختيار القدوات بتغير الزمان و المكان و الأولويات و المعتقدات ، على مستوى الأفراد ، وفي هذا العصر بالذات ما أحوج المجتمعات البشرية إلى إبراز القدوات الصالحة، حيث أن إعلام الحضارة المادية، يصنع ويقدم للناس قدوات زائفة فاسدة، تتمثل في العناصر المتاجرة بجمالها ومفاتنها، والمجاهرة بالانحراف والفساد الأخلاقي، فالمجلات والصحف تتسابق على نشر صور المغنين والمغنيات، والممثلين وعارضات الأزياء، وعلى متابعة أخبار هذه الطبقة بما فيها من مجون وخلاعة وفساد، وفي عصر العولمة، أصبحت هذه العناصر بترويج الإعلام لها شخصيات عالمية، تنشر صورها وأخبارها في كل مكان. ومازال العالم يتذكر كيف شغلت (ديانا) في حياتها، مساحة واسعة من اهتمام الناس، في شتى بقاع الدنيا، وكيف كانت أخبارها تغطى بدقة ومتابعة، وكيف أصبحت وفاتها الحدث الأمثل والأهم لفترة من الزمن، فبكاها الكثيرون، ورثاها الشعراء والأدباء، وتابع مراسيم تشييعها مئات الملايين، ومعروف أنها كانت ذات مغامرات عاطفية لا شرعية حتى لحظة مقتلها بصحبة عشيق، وقد اعترفت بخيانتها لزوجها ولي عهد بريطانيا على مرأى ومسمع من العالم كله.. وهي بهذه السيرة تقدم كنموذج وشخصية رائدة!!..
القدوة تؤثر في قطاع كبير من الناس، فهي محرك نفسي عظيم في المجتمع، لا يقل دوره عن باقي العوامل المشاركة في بنـية المجتمع وتقدمه، فحينما نضع أمام المجتمع الشخصيات الصالحة والناجحة ليقتدي بها الناس، فسيعود ذلك على المجتمع بتأثير إيجابي كبير، فيكثر الصالحون والعلماء والناجحون ويقوى المجتمع ويتقدم؛ وحينما تكون القدوة من أهل الفساد والسفهاء والفساق وأهل المجون؛ فسيكثر الفساد، وتتربى الأجيال على شاكلة النماذج التي اتخذوها قدوة، فيزداد المجتمع ضعفاً، وتتسارع إليه عوامل الانهيار.
ولذا فمسؤولية المجتمع كبيرة في حماية مكانة القدوة، وقصرها على أهلها من الصالحين، ورفض كل قدوة سيئة وحماية الأجيال منها، فلا ينبغي إذن أن نترك تلك المكانة الشريفة والمنزلة الرفيعة لأهل الفساد يعبثون بها كما يشاؤون، والموقف الإيجابي إزاء ما نراه من عبث بهذه المنزلة هو تفعيل عملية الإحياء لمكانة القدوة الصالحة، وبذل مزيد من الجهد في إبراز قدوات الأمة الحقيقيين، من الأنبياء والصالحين، ومن أهل البيت (ع)، ومن أهل الخير والنفع وتقديم الخدمات الجليلة للأمة، ومن أهل العلم في كل مجال من دين وطبيعة وطب، وإبرازه صفاتهم ومميزاتهم وهديهم، لذا يقول الامام الصادق(ع):
شيعتنا كونوا زينا لنا ولا تكونوا شيناً علينا , أو كونوا دعاة لنا بغير السنتكم .
بشتى وسائل المعرفـة والاتصال بالناس من كتب وصحف وبرامج وغيرها، ولا سيما الموجهة إلى الشباب.
وفي الوقت نفسه نجتهد في التحذير من تلك الجهات التي ترفع من شأن المنحرفين، من صحف ومجلات وقنوات، حتى لا يتمكن أهل الفساد من الوصول إلى منزلة القدوة في المجتمع، كما تشير بذلك الآية الكريمة في قوله – تعالى -: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة: 124).
الفرق بين الاسوة الحسنة والقدوة الصالحة لغةً
يقول السيد الطباطبائي في الميزان:قوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا» الأسوة القدوة و هي الاقتداء و الاتباع، و قوله: «في رسول الله» أي في مورد رسول الله و الأسوة التي في مورده هي تأسيهم به و اتباعهم له و التعبير بقوله: «لقد كان لكم» الدال على الاستقرار و الاستمرار في الماضي إشارة إلى كونه تكليفا ثابتا مستمرا.
و المعنى: و من حكم رسالة الرسول و إيمانكم به أن تتأسوا به في قوله و فعله و أنتم ترون ما يقاسيه في جنب الله و حضوره في القتال و جهاده في الله حق جهاده.
و في الكشاف:، فإن قلت: فما حقيقة قوله: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»؟ و قرىء أسوة بالضم.
قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه في نفسه أسوة حسنة أي قدوة و هو المؤتسى أي المقتدى به كما تقول: في البيضة عشرون منا حديد أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد.
و الثاني: أن فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها و تتبع و هي المواساة بنفسه انتهى و أول الوجهين قريب مما قدمناه.
و قوله: «لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا» بدل من ضمير الخطاب في «لكم» للدلالة على أن التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خصلة جميلة زاكية لا يتصف بها كل من تسمى بالإيمان، و إنما يتصف بها جمع ممن تلبس بحقيقة الإيمان فكان يرجو الله و اليوم الآخر أي تعلق قلبه بالله فآمن به و تعلق قلبه باليوم الآخر فعمل صالحا و مع ذلك ذكر الله كثيرا فكان لا يغفل عن ربه فتأسى بالنبي في أفعاله و أعماله. انتهى
اقول:
الاسوة : اصلها أسي يتأسى فهو متأسِ, من المأساة . والأصل أسى , فمن كان به أسى فهو صاحب المأساة , وللناس أن يتأسوا به وهنا يكمن السر في قوله أسوة حسنة ولم يقل أسوة صالحة
وقدوة : اصلها اقتدى يقتدي فهو مقتدِ,من الاقتداء . والأصل قادَ , فمن كان قائداً حق لمريديه أن يقتدوا به , فهو قدوتهم .
ولذا فأنا أرجح الوجه الثاني الذي ذكره الطباطبائي .
فأن من تأسى بمأساة الصالحين هانَ ما نزل به . بل من الاولى أن الذي يتأسى به يقتدى به لأنه صبر عند البلاء وثبت والاولى في قضية القدوة ان يستفاد من الآية : وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
علاقة القدوة بالتشيع
أن القدوة بعناها الذي وصلنا اليه من خلال البحث يعني جعل قائد يقتدى به , سواء كان هذا القائد حي أم ميتاً ,
ومن خلال القرآن نجد أنه رفع الحيرة وأوجد القيادات المناسبة , وأخبر كيف يجد الانسان قياداته .
قال سبحانه :
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)
القصص
فالذي استغاث بموسى كان يتخذ من موسى (ع) قدوة له بأخبار القرآن , فأذا قلنا أن الاتباع هو الاقتداء فعلينا أن نقر بأن الآية تتكلم من القدوة .
يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان :
و قوله: «فوجد فيها رجلين يقتتلان» أي يتنازعان و يتضاربان، و قوله: «هذا من شيعته و هذا من عدوه» حكاية حال تمثل به الواقعة، و معناه: أن أحدهما كان إسرائيليا من متبعيه في دينه - فإن بني إسرائيل كانوا ينتسبون يومئذ إلى آبائهم إبراهيم و إسحاق و يعقوب (عليهما السلام) في دينهم و إن كان لم يبق لهم منه إلا الاسم و كانوا يتظاهرون بعبادة فرعون - و الآخر قبطيا عدوا له لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل، و من الشاهد أيضا على كون هذا الرجل قبطيا قوله في موضع آخر يخاطب ربه:«و لهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون»: الشعراء: 14. انتهى.
وأقول لم يقصد من التبعية التبعية النَسَبية بل السلوكية بقرينة النسب .
وبما أن التشيع لا يتم ألا بالولاية أذن فقد نصب الله القدوة للناس تحت شرط التسليم والاتباع لأن الولاية تعني ذلك قال سبحانه :
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
الاحتذاء والسلوك المشابه
ونقصد بالأحتذاء أن يسير حذو فلان أي خلف فلان متبعاً خطواته .
يقول الله سبحانه :
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ (19)
يقول صاحب الميزان :
قوله تعالى: «لتركبن طبقا عن طبق» جواب القسم و الخطاب للناس و الطبق هو الشيء أو الحال الذي يطابق آخر سواء كان أحدهما فوق الآخر أم لا و المراد به كيف كان المرحلة بعد المرحلة يقطعها الإنسان في كدحه إلى ربه من الحياة الدنيا ثم الموت ثم الحياة البرزخية ثم الانتقال إلى الآخرة ثم الحياة الآخرة ثم الحساب و الجزاء.
انتهى.
ويخطر ببالي أن الرسول الاكرم (ص) قد فسر الآية بقوله :
لتحذن ما حذت بنو أسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
و عن جوامع الجامع، في الآية عن أبي عبيدة: لتركبن سنن من كان قبلكم من الأولين و أحوالهم: و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام).
ولكن الفرق بين الاحتذاء و الاقتداء , هو أن الاحتذاء قد يكون سلوك مشابه عن قصد أو غير قصد (من حيث يدري أو لايدري) والاقتداء
يكون ناتج عن حب القائد واستحسان سلوكه .
_ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة للأقتداء الصالح
أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر له الدور الكبير في توجيه الرعية الى القدوة سواء كان من القدوة أو من الرعية .
جاء في كتب اللغة أن المعروف : ما يستحسن من الافعال ، وكلّ ماتعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه (1).
والمنكر : كل ما قبّحه الشرع وحرّمه وكرّهه (2).
وقيل عن المعروف : هو اسم لكلِّ فعل يُعْرَف بالعقل أو الشرع حسنه . والمنكر : ما ينكر بهما (3) ، أي كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو تتوقف في استقباحه واستحسانه ، فتحكم بقبحه الشريعة (4).
وجاء في مجمع البيان أنّ المعروف : الطاعة ، والمنكر : المعصية .
صدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى الله تعالى ، بنبذ عبادة الاصنام ، والاستسلام له في العبودية ، والتعالي على مفاهيم وقيم الجاهلية ، فقد دعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى المعروف الاكبر وهو الاِيمان بالله تعالى وتوحيده ، ونهى عن المنكر الاَكبر وهو الكفر والشرك ، فخاطب العقول ثم القلوب ثم الارادة ، ليكون الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليكون السلوك والممارسات الاخلاقية منسجمة مع ما أراده الله تعالى .
فدعا إلى البر والتقوى ، وإلى الصدق والامانة ، وإلى العدل والرحمة ، وحفظ العهد ، ومطابقة القول للفعل .
ونهى عن الشر والعصيان ، وعن الكذب والخيانة ، وعن الظلم والاعتداء ، وعن الخداع والغش ، وعن سائر الموبقات .
ودعا إلى حسن العلاقات الاجتماعية ونهى عن التقاطع والتدابر .
وكان يدعو الكفار كما يدعو أهل الكتاب ، وكان يذكّر المسلمين بالفضائل والمكارم ، وينهاهم عن الرذائل وسوء الاَفعال ، ولم يتوقف عن ذلك في جميع مراحل حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي جميع الظروف.. في مرحلة العهد المكّي حينما كان مضطهداً ومطارداً من قبل المشركين ، وفي مرحلة العهد المدني بعد تأسيسه للدولة الاِسلامية .
وتابع أمير المؤمنين عليه السلام سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في القيام باداء مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع مراحل حياته ، إلى أن وصل إلى مرحلة المجابهة بالسيف على من ارتكبوا المنكر الاكبر وهو التمرد على الامامة الحقّة ، وارادوا شق عصا المسلمين ، فأجاب عليه السلام من اعترض عليه في مواجهته العسكرية للبغاة في صفيّن : « ... ولقد أهمّني هذا الاَمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينيه ، فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
(الأقتداء ) احدى مقاصد الشريعة
ان احد الغايات التي دعى اليها الله سبحانه وتعالى هو التوجه الى القادة الحقيقين والأقاداء بسيرتهم
ومن ذلك وردت احاديث كثيرة تحث على الأقتداء بهم منها حديث الثقلين ومنها حديث السفينة المعروفين فأن التوجيه بهذه الأحاديث يفيد بتعيين القادة المقتدى بهم وتوجيه الناس الى اتباعهم وختصرنا في هذا الموضوع لانه ذكر في المطولات وكتب الأحاديث .
والحمد لله رب العالمين
م
ن
ق
و
ل
تحياتي واحترامي لكم