المملكة السعودية تتآكل من الداخل بسبب العجز الصحي لأفراد آل سعود
النخيل-أنهى ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز رحلة علاجية إلى كليفلاند في أميركا وكانت النتائج مطمئنة، بحسب البيان الصادر عن الديوان الملكي قبل أيام، وكان سبقه آخر أعلن عن إجراء الأمير، الذي يشغل في الوقت نفسه منصبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، لبعض الفحوصات الطبيّة من دون أن ترد تفاصيل أخرى، فيما انتشرت شائعات عن إصابته بجلطة دماغية.
صحيفة السفير أكدت أن خبر كهذا لا يمرّ عادياً لدى من يتابع عن كثب مسألة الخلافة في المملكة، فـ"صحّة" آل سعود تندرج في مقدمة المؤشرات "السياسية والاستراتيجية" لمستقبل الحكم السعودي، والتطورات المستجدة في المملكة أو المملكات، إذا جاز التعـبير، بحكم التفرعات السياسية الداخلية في الرياض والتي توحي بوجود أكثرمن "قرار" وأكثر من "تيار".
الصحيفة أوردت تقريرا تناول مستقبل المملكة بضوء العجز الصحي لأفراد العائلة الحاكمة والتنافس المحموم على السلطة والذي قد يمزق المملكة، التقرير تضمن:
يبلغ عدد أبناء المؤسس عبد العزيز عبد الرحمن آل سعود 18، لكن هناك من بينهم ثلاثة من المرجّح أن يخلفوا الملك الحالي نظراً لمواقعهم الحالية وما يمارسونه من نفوذ. وفي حين استطاع الجيل الأول من أبناء المؤسس أن ينظّم الخلافة داخل صفوفه بشكل غير رسمي، أي بمعنى آخر خارج إطار المؤسسات، ستشكل مسألة الخلافة، تحت وطأة التحديات الداخلية والأزمات الخارجية المتزايدة، معضلة تهدّد استقرار الحكم وديمومته مع انتقاله إلى صفوف الجيل الجديد.
وعلى الرغم من مأسسة آلية الخلافة عبرهيئة البيعة التي تأسست في العام 2006، من المستبعد أن تستمر الحال على ما هي عليه على قاعدة «لا مشاكل في المملكة»، نظراً لما يطفو على السطح من خلافات بين الجيل الثاني، المعروف باتساع دائرته واختلاف توجهاته واتجاهاته، بحسب تقرير «ستراتفور» الذي يناقش تعقيدات الخلافة مستقبلاً في السعودية.
في الواقع يُعزى استقرار العلاقة بشأن القيادة في صفوف الأبناء، في جزء معيّن إلى وجود ثلاثة فروع رئيسية داخل العائلة المالكة تمارس الرقابة على بعضها البعض. أولها فرع الملك فيصل الذي خلف الملك سعود، وثانيها فرع الملك عبد الله، أما ثالثها ففرع السديريين (نسبة إلى زوجة المؤسس الثامنة حصة بنت أحمد السديري). وفيما يبدو هذا التقسيم شديد التعقيد، إلا أنه شارك في تعزيز التوازن داخل السلطة، ومنع المئات من أحفاد الملك من اغتصابها.
يضم فرع الملك فيصل وزير الخارجية الأمير سعود وأخويه حاكم مكة الأمير خالد والأمير تركي الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات بين عامي 1977 و2001. سلالة فيصل طالها ضعف واضح في السنوات الأخيرة، حيث لم يعد تركي، الذي كان سفير السعودية في أميركا وبريطانيا بين عامي 2003 و2006، يشغل حالياً أي سلطة وإن كان ما زال مؤثراً في بعض الدوائر، فيما يتولى سعود وزارة الخارجية منذ العام 1975 وهو عرضة للتنحي في أي لحظة نظراً لسنه.
أما فرع الملك عبد الله فهو صغير نسبياً. وعلى الرغم من سيطرة الملك الحالي على رئاسة الحرس الوطني بين عامي 1962 و2010، بقي من دون إخوة أشقاء لديه في مناصب رئيسية، وبالتالي فإن فرعه يعتمد بشكل أساسي على الأبناء. فنجل الملك الأبرز، الأمير متعب، تولى مؤخراً رئاسة الحرس الوطني، ونجله الكبير خالد عضو في هيئة البيعة التي تدير عملية الخلافة، أما مشعل فهو حاكم منطقة نجران، فيما يشغل عبد العزيز منصب مستشار الملك في الديوان الملكي منذ العام 1989.
من جهتهم، فإن السديريين يبدون الأكثر نفوذا، نظراً لأن الملك فهد، وهو من السديريين، حكم من العام 1982 حتى العام 2005. كما يضم الفرع العديد من الأمراء النافذين: ولي العهد الراحل الأمير سلطان، ولي العهد الحالي الأمير نايف، وزير الدفاع والطيران الأمير سلمان، نائب وزير الداخلية الأمير أحمد، ونائب وزير الدفاع والطيران السابق الأمير عبد الرحمن.
وعلى الرغم من أن عشيرة ولي العهد أكبر عددا ونفوذا من عشيرة الملك، إلا أن الطرفين حافظا على التوازن نتيجة سيطرتهما على القوتين العسكريتين الرئيسيتين في المملكة. وكانت هذه الحال منذ تولى الملك فيصل الحكم بعد أخيه غير الشقيق الملك سعود، حيث عيّن الأمير سلطان وزيرا للدفاع والطيران والملك عبد الله رئيسا للحرس الوطني، وقد تولى الطرفان السيطرة على القوتين المنفصلتين لعقود.
بعد أن استشعر صعوبة تقاسم السلطة في المرحلة المقبلة، اقترح الملك عبد الله تشكيل هيئة البيعة في العام 2006، حيث تعنى بتسمية كل من ولي العهد والملك في محاولة لإشراك كل «تيارات» المملكة بقرار الخلافة. وتتألف الهيئة من 35 عضواً، 15 منهم من أبناء المؤسس والـ19 الباقون من الأحفاد. ويحظى جميع أبناء المؤسس بالتمثيل، إما مباشرة أو عن طريق أحفاد.
ويرأس الهيئة الابن الأكبر للمؤسس، وتصل الرئاسة إلى الحفيد الأكبر مع استلام الجيل الثاني للحكم، وعندما يشغر منصب أحد في الهيئة يقوم الملك بتعيين بديل، مع العلم انه لم يتبيّن ما إذا كان الملك عيّن بديلاً عن الأمير فواز بن عبد العزيز الذي توفي في العام 2008.
وعند وفاة الملك، يتولى الامير نايف الحكم، ولكن نظراً لصحته المتدهورة تصبح هوية ولي العهد الجديد محط تساؤل لا سيما على ضوء قانون هيئة البيعة الجديد الذي يقضي انه بعد الاستشارة مع الهيئة، يقدم الملك أسماء لثلاثة مرشحين كي تتم الموافقة على أحدها، ويمكن للهيئة ان ترفض جميع الأسماء وتقترح اسما رابعا غيرها، وإن رفض الملك الأخير تلجأ الهيئة إلى التصويت بين مرشحها والمرشح المفضل لدى الملك. أو يطلب الملك من الهيئة تسمية مرشح، على أن يتم التعيين خلال شهر من الوفاة.
كما يلحظ قانون هيئة البيعة سيناريو محتملا مفاده عجز الملك وولي العهد عن القيام بواجباتهما في مرحلة واحدة، فتلجأ الهيئة إلى تسمية خمسة أعضاء لإدارة مجلس الحكم الانتقالي حتى يستعيد أحد الشخصين عافيته. وفي حال حكم مجلس طبي متخصص بعجز الاثنين فعلى الهيئة تعيين ملك جديد خلال سبعة أيام. أما في حال موت الاثنين معاً فتقوم الهيئة بتعيين الملك الجديد، ويمارس المجلس الانتقالي مهامه حتى استلام الملك في غضون أيام. علما أن صلاحيات ونفوذ المجلس لم يتم تحديدها بشكل دقيق حتى الساعة.
لا بدّ من التذكير بأن الهيئة عاشت أولى اختباراتها مع وفاة الأمير سلطان، حيث كان من المفترض ان تعنى باختيار ولي العهد وفق الشروط التي نص عليها قانون تأسيسها. ولكن ملك الدولة النفطية يأتي على أساس شروط لم يعدّل منها شيء منذ وفاة الملك المؤسس قبل حوالي 60 عاماً، لتلتزم بها هيئة البيعة بدورها. وعزا بعض المتابعين من الداخل قرار الملك إنشاء الهيئة آنذاك إلى رغبته بإبعاد «السديريين» عن ولاية العهد، إلا أن التسويق لاسم الأمير نايف خلفاً لسلطان في العام 2009، حين اشتد مرض الأخير، أحبط محاولات الملك. وقد أكد هذا الأمر أن عبد الله لم يستطع التنصل من «السديريين» (من سلطان إلى نايف). من هنا، يطرح واقع أن الهيئة تشكل ساحة التجاذبات السعودية الداخلية مخاوف كبيرة عند وصول الخلافة إلى صفوف الجيل الثاني.
وفي النهاية، ما يزيد طين الخلافة بلة، هو تسارع انتقال الأخيرة بين أمراء طاعنين في السن في ظلّ تأرجح المملكة بين أزمات واضطرابات إقليمية تحيطها من كل حدب وصوب. والحديث عن الاضطرابات الإقليمية ومقدار ما تشكله من مخاطر على النظام الملكي السعودي.. يجعل المملكة تعيش المأزق الأكثر حساسية منذ تأسيسها في العام 1744.
وبينما يمتلك السعوديون الوقت للتعامل مع عدد من التحديات الخارجية، فهم لا يتمتعون بهذا الترف نفسه في مواجهة تحدياتهم الداخلية. وفيما نجح السعوديون في احتواء خطر تنظيم القاعدة لكن ذلك كلّفهم القيام بإصلاحات جذرية، بقيادة الملك عبد الله، للنجاح في هذه المهمة.
وقد أدت هذه السياسة إلى توسيع الانقسام بين المحافظين والمعتدلين، كما إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير والتي بلغت اوجها في سياق "الربيع العربي" الذي يحد من قدرة السعودية على كبح الحراك الشبابي التي بدأت بوادره تظهر في المملكة.
كل ما سبق يعقد من آلية تغيير النظام في السعودية، حيث ينظر العديد من الأمراء اليوم إلى أنفسهم كلاعبين رئيسيين في النظام السعودي المقبل. ومن هؤلاء مدير الاستخبارات الأمير مقرن، النجل الأصغر للمؤسس وعضو هيئة البيعة، وحاكم محافظة مكة الأمير خالد بن فيصل، ورئيس الحرس الوطني الامير متعب بن عبد الله، ومساعد وزير الداخلية ورئيس مكافحة الإرهاب في المملكة الأمير محمد بن نايف. وفيما يعرف سلمان كآخر أولياء العهد المرشحين من الجيل الأول، فإن مرحلة ما بعد سلمان تحمل الكثير من المفاجآت نظراً لحجم التنافس القائم بين «مرشحي» الجيل الثاني والحساسيات المستفحلة في أروقة القصور الملكية.
وكالة انباء النخيل