من المسبحة الى التزين والهواية ، در النجف يتصدر الاحجار الكريمة في العراق
قد يكون نوعا من البطر ان يتحدث المحاصرون عن الاحجار الكريمة: الزمرد والياقوت والدر والكهرب وغيرها, لاسيما الكهرب, الذي يذكر الناس (مجازا) بما هم فيه من انقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي. ومع ذلك فان للاحجار الكريمة, والمسابح, هواتها, الذين يقتنونها, او الذين باعوا تحت ضغط الحاجة كل شيء ( الاحجار) فبعضها لا يقدر بثمن.
يقول الكاتب والاديب نعمان محمود سيرت: ان النسوة اللاتي عشن في فجر التاريخ البشري, عندما كان الانسان محاصرا من قبل الطبيعة, ويسكن الكهوف والمغارات, كن لا يعرفن الحلي, ولا اي نوع من وسائل الزينة, غير انهن بالطبع, وبفعل روح الانثى الكامنة في كل واحدة منهن, وتوقها الى الجمال, رحن يتزين بالازاهير الملونة, التي يضعنها على الشعر, او قلائد في الرقبة, وكن سعيدات بذلك النوع من الزينة آنذاك. غير ان الانسان القديم منذ ان بدأ يستقر على ضفاف الانهار في مجاميع سكنية متقاربة, وعرف الزراعة وتدجين الحيوانات, وبدأت علاقاته الاجتماعية تنمو, صار يبحث عن اشياء اخرى غير الغذاء والسكن الآمن, وانجرف في تهويمات منوعة كان في مقدمتها البحث عن الجمال, وكان هذا اول بشائر ميلاد الفنون والاداب, والترابط الاسري, الذي كون بمجموعه البذور الاولى لظهور الحضارات.
اصداء الاساطير أثارت الاحجار الكريمة, باشكالها البدائية القديمة, اعجاب المرأة وانتباهها, بالوانها البراقة, واشكالها الجميلة, فسعت الى استخدامها والتزين بها ووضعها حول رقبتها او اصابعها, معجبة بالتماعاتها, ومنذ ذلك التاريخ الموغل في القدم, ظلت الاحجار الكريمة بكل انواعها, تتألق على اصداء الاساطير التي دارت حولها, ونسبت لها الكثير من الخرافات والحكايات المبالغ بها وتتحدث عن تأثيرات تلك الاحجار في العلاقات الاجتماعية, وما تحمل من فأل واستبشار ورزق وحماية من المهالك. وظلت تلك الاقاويل تدور مع القرون, ناسجة الكثير من الحكايات المتشعبة حولها.
احجار الجنة يقول: كريم الظالمي, خبير احجار كريمة, ان هذه الاحجار ورد ذكرها في الكتب المقدسة باسم اللؤلؤ والمرجان والياقوت, ويقال انها (من احجار الجنة), وتستخرج عادة من باطن الارض او البحر, بينما يستخرج الماس من مناجم خاصة. وغالبية الاحجار الكريمة من عائلة (العقيق), ويصنف حسب الوانه, فالاخضر منه يسمى (جات), والابيض (سليماني), والاسود (اونكس), والوردي (ياقوت روبي), تثمن الاحجار الكريمة على اساس قوتها وشفافيتها وخلوها من الشوائب والكاربون. ويوجد في العراق نوع من الاحجار الكريمة يسمى (در النجف) ويكون عادة ابيض وصافي اللون .. وهناك انواع من العقيق في شمال العراق يسمى (السليماني) نسبة الى مدينة السليمانية.
علاقة روحية ويعتقد بعض الناس ان هناك صلة روحية بين الحجر الكريم والانسان, وكان الملوك والامراء القدامى يرصعون تيجانهم وحليهم وقلائدهم بالاحجار الكريمة للزينة و (الاستبشار) وتعتبر بعض الاحجار الكريمة تحفا نادرة تخصص لها اجنحة ثابتة في المتاحف العامة اعتزازا بها. ويضيف الظالمي قائلا ان اللؤلؤ والمرجان من الاحجار الكريمة, ويستخرجان من اعماق البحار والمحيطات وتشتهر بهما دول الخليج العربي, وفي مقدمتها البحرين, وقد قامت بعض الدول المتقدمة بانشاء حقول للؤلؤ, ويوجد المرجان على شكل شعب مرجانية في البحر الاحمر, وبحار امريكا الجنوبية, ويتمتع بصلابة عالية, ويتدرج لونه من الابيض الى الوردي الذي يعتبر اغلى انواعه. ومن الاحجار الكريمة (الكهرب), وله عدة مناشىء عالمية, منها دول البلطيق وروسيا والمانيا, وهو صمغ تنتجه بعض الاشجار, ويتحجر بمرور الزمن ويكون عادة ابيض اللون في البداية, ثم يصبح اصفر او احمر قاتما, ويستخرج على شكل كتل تشبه الفلين, وينقل الى مصانع خاصة لانتاج بعض انواع الحلي ويعرف الكهرب بمناطق استخراجه العالمية, ويسمى الشفاف منه (العطش), والداكن (الحجري) وعندما يكون الكهرب الشفاف طريا قد تلتصق بعض الحشرات به, تاركة فيه بعض اجزائها, فيطلق عليه (الحشري) نسبة الى الحشرة الملتصقة به, ويستعمل الكهرب في الغالب في صناعة المسبحات. وتصنع المسابح عادة من انواع مختلفة من الاحجار الكريمة, ويكون رأس المسبحة على شكل (مئذنة) يطلق عليه اسم (الشاهود) ويبلغ عدد احجار المسبحة الواحدة 33 او مضاعفتها 66 و 99 والاخير هو عدد اسماء الله الحسنى. وتصنع المسابح كذلك من خشب النارجين, وشجرة عصا سيدنا موسى عليه السلام, وهي شجرة تظهر كل مئة سنة مرة واحدة, وتكون عيدانها صلبة جدا, كما تصنع المسابح من (اليسر) وهي اغصان تنمو في البحر الاحمر, ويعتمد في صناعتها على تشذيبها واشتهر بهذه الصنعة المغاربة والمصريون.
اقتناص ضوء القمر يتحدث سمير عبد الحميد (احد هواة جمع الاحجار الكريمة ودراستها), عن نوع آخر من الاحجار, معروف عالميا, وهو (الدر) الذي ورد ذكره في اشعار العرب وادبياتهم وموروثهم الشعبي منذ اقدم الازمنة فيقول : الدر من اندر انواع الاحجار الكريمة واغلاها ثمنا, وتوجد منه انواع كثيرة, وبأحجام مختلفة, وتقام دوريا معارض دولية للدرر النادرة, وينتج الدر حيوان بحري (نوع من المحار) يقال انه يخرج الى اليابسة في الليالي المقمرة, منتظرا اكتمال البدر, ليقبس بعضا من ضوئه ثم يطبق عليه صدفته وينحدر الى الماء, ويبدأ بافراز مادة ينفرد بها, تتكون بتجمعها مع مرور الايام درة تحمل التماعة ضوء القمر, وهو يشع من داخلها, مما يثير جمالية اخاذة تدفع الناس الى اقتنائها والتزين بها. ولان المرأة هي الاساس والهدف في التعامل مع هذه الاحجار التقينا وداد حكمت التي حدثتنا قائلة: ان المرأة بطبعها شغوفة بالحلي, بانواعها, وتحرص على اقتنائها, وهي بالطبع تجهل انواع تلك الحلي, ولكنها تعرف اسعارها جيدا .., وكثيرا ما تتزين بها, ليس من اجل الزينة فقط, وانما من اجل المباهاة ايضا, وعندها ان اجمل الحلي هي تلك التي تكون اغلاها سعرا. وقلما نجد امرأة, مهما كان وضعها المالي مترديا, ومهما بلغت من العمر, لا تمتلك شيئا من الحلي, حتى وان كان خاتما فضيا بشذرة حجرية تضعه في اصبعها, او سوارا معدنيا تضعه في معصمها, واهم الهدايا التي تعتز بها المرأة هي القطع الثمينة من الماس او الياقوت او المرجان او الذهب (حسب الاستطاعة) او حتى الفضة, التي تتلقاها من زوجها او من ذويها, ولدى كل امرأة ( متحف نسوي) منها, مهما كان صغيرا, كأن يكون صرة قماش او سلة خوص او صندوق خشب او خزانة حديد, تضع فيها مقتنياتها من تلك الحلي والاحجار, وتحتفظ بها للحاجة الطارئة, او لبناتها من بعدها.
مخموط .