هل صحيح ان اهل العراق اهل نفاق وشقاق ؟ هل سينصرون الامام الحجه ام لا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
نجد في كثير من الروايات والمقالات ما يذم أهل العراق ويتّهمهم بالنفاق، ولذا نجدهم قد وضعوا منهجيّة تنشر اليأس في قلوب الكثيرين، وتخمّد الروح الثوريّة لدى الناس، لأنّها في الغالب تذكر السلبيّات دون الإيجابيّات.
الجواب:في الواقع لا توجد رواية: يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق في نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وإنّما هو افتعال قام به الأمويّون لأجل حربهم ضدّ العلويين باعتبار أنّ العراق تأريخياً كان علوياً نشأةً، وكان علوياً جهاداً، وكان علوياً سياسة، وفي كل أبعاده بقي العراق مع أهل البيت وسوف يبقى العراق مع أهل البيت إلى أن يظهر المهدي إن شاء الله تعالى.ولذلك حظي العراق بحرب ضروس من الأمويين فاختلقوا من تلك الأكاذيب التي تحدّثوا فيها عن أهل العراق. وأمّا ما نجده في بعض الروايات من خطب أمير المؤمنين عليه السلام فهو ما نعبّر عنه منطقيّاً وبالمنطق الأورسطي بالقضيّة الخارجية، فكان عليه السلام إنما يتحدّث عن مجتمع عاصره وقد عانى هو عليه السلام من هذا المجتمع المرارات، ولذلك كان يتحدّث عن بعض الحاضرين ولم يكن قد تحدّث عن المجتمع كمجتمع على نحو القضية الحقيقية، بل بالعكس فلو أراد الفقيه أن يحدّد الصورة الدينيّة والرؤية الإسلاميّة والشيعيّة للمجتمع العراقي لرآه مجتمعاً ممدوحاً، وأهم رواية _ في نظري _ تحدّثت عن الكوفة هي ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام بصيغ مختلفة تؤدي كلها معنى: (يا كوفة ما أرادك جبّار بسوء إلاّ قصمه الله)،(1) يعني أنّ الله نصر الكوفة وسوف ينصر الكوفة ويحفظ الكوفة ويجعلها المنطقة التي تؤدي دورها المطلوب في دولة الإمام.
الهوامش :
1: روي الحديث بصيغ عدّة منها:ما رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة 1: 93/ ح 46، وفي طبعة ثانية 1: 17 قال عليه السلام: (كأني بك يا كوفة تمدين مدّ الأديم العكاظي، تعركين بالنوازل، وتركبين الزلازل؛ واني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل).وفي الوسائل 14: 36/ الرقم العام 19386/ طبعة آل البيت؛ ونقله الشيخ النوري في مستدرك الوسائل 10: 203؛ والمجلسي في البحار 57: 209، و97: 385؛ والشيخ الحائري في شجرة طوبى 1: 12؛ والشيخ النمازي في مستدرك سفينة البحار 9: 199؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3: 193؛ وروى الشيخ الكليني في الكافي الشريف 4: 563 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (... مكّة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلاّ قصمه الله).ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام 6: 12 ولكن بتغيير قليل: (... والكوفة حرمي لا يريدها جبار يجور فيه إلاّ قصمه الله).وفي روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 407: (والكوفة حرمي لا يريدها جبار يجور فيها إلاّ قصمه الله).ورواه الحر العاملي في الوسائل 10: 282/ الرقم العام 19389.وروى الشيخ الطوسي في الأمالي: 51 عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال له الخضر: (انك في مدرة لا يريدها جبار بسوء إلاّ قصمه الله).ونقله ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب 2: 84؛ والسيد هاشم البحارني في مدينة المعاجز 2: 320؛ والمجلسي في البحار 39: 131، و97: 393.وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2: 196 ويقول للكوفة عند نظره إليها: (أهلاً بك وبأهلك! ما أرادك جبار بكيد إلاّ قصمه الله).وروى القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار: 417/ ح 766 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال وقد ذكر الكوفة: (أما أنها مدرة لا يريدها جبار بسوء إلاّ قصمه الله عز وجل).
===================
أود الإضافة لما سبق بإن مقولة إن أهل العراق أهل شقاق ونفاق لم تصدر من معصوم وننقل هنا ما ذكر بهذا الخصوص من موقع موسوعة أهل الشيعة لأهل السنة:
لم نر حديثا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا النص، بل نقل في المصادر انها صادرة عن أعداء أهل البيت الذين يكيلون التهم والسب لاهل العراق لان فيهم جذوة الثورة ورفض الظلم ولم يتقبلوا الحكام المتسلطين وانكروا الاسلام المزيف الذي حاولوا الترويج له, و من أولئك الاعداء :
1ـ معاوية : فانه قال للوليد بن جابر الطائي : ((وانك لتهددني يا أخا طي بأوباش العراق, أهل النفاق ومعدن الشقاق. .. )) انظر شرح نهج البلاغة ج16 ص 13
2ـ الحجاج: فانه قال في احدى خطبة : (يا أهل العراق, يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الاخلاق, أما والله لالحونكم لحو العصا, ولاعصبنكم عصب السلم ولاضربنكم ضرب غرائب الإبل. ..).
وفي خطبة اخرى : (يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق، ان الشيطان استبطنكم. ..) انظر شرح نهج البلاغة ج1 ص 243 ـ 345.
3 ـ الجلاد عثمان بن حيان والي المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك: قال في خطبة له عند ما وصل المدينة : (أيها الناس انا وجدناكم اهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقد ضوى اليكم من يزيدكم خبالاً أهل العراق, أهل الشقاق والنفاق, هم والله عش النفاق. ..)
ولو افترضنا صدور مثل هذا الكلام من أحد المعصومين فانه لا يشمل الموالين لاهل البيت (عليهم السلام), بل هو خاص بأعدائهم من أهل العراق, فان العراق في ذلك الوقت بعد لم يكن كل أهله من الموالين لاهل البيت, بل فيه الكثير من المعاندين, وعلى هذا الاساس يفسر ماورد في الزيارة (فقد تآزر عليه من عزّته الدنيا. .. واطاع من عبادك اهل الشقاق والنفاق) وهم أعداء أهل البيت ولم يقل في الزيارة ان كل أهل العراق أو بعضهم من اهل الشقاق والنفاق, بل ان المطاعين أمثال عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمرا المتسلطين من قبل السلطة الأموية هم أهل الشقاق والنفاق.
والخلاصة: ان منهج أهل البيت (عليهم السلام) واضح, وهو منهج القرآن الذي لا يرى للقوميات والاعراق والبلدان اثر في ايمان أو نفاق الشخص, فقد رفع الاسلام سلمان واذل ابا لهب, وعلى هذا لا يمكن ان يصدر من اهل البيت (عليهم السلام) مثل هكذا قول, فينسب امة بكاملها الى الشقاق والنفاق، بل قد حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المقياس في ذلك بقوله في خطبة الغدير (الا ان اعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق, والحادون وهم العادون وأخوان الشياطين. ..) الاحتجاج ج1 ص79 .
نعم نسب هذا القول الى أمير المؤمنين (عليه السلام) الطوسي في (تفسيره التبيان) ولكن أورده مرسلا دون ذكر طريق له أو من اين اخذه، مع ان المصادر عليه كـ(البيان والتبيين) للجاحظ و (تاريخ الطبري) و اللاحقة له كـ(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد و(البداية والنهاية) لابن كثير أوردت نفس الكلام عن الحجاج مخاطبا به أهل العراق (وهو الذي مر سابقاً)، فلاحظ وتأمل.
كما ذكر العلامة المحقق السيد سامي البدري في بحث له مدحٌ للعراق والعراقيين على لسان المعصومين عليهم السلام، ننقله هنا للفائدة:
إن العراقيين أتباع أمير المؤمنين عليه السلام، المؤمنون بمشروعه، السائرون على نهجه منذ البداية، حيث كانوا وما زالوا يحملون همَّ هداية الأمة ومؤازرة القائد الإلهي المذخور لها، وسنستعرض هنا قبساً من كلام المعصومين عليهم السلام في مدحهم، نبتدأها بقول لأمير المؤمنين عليه السلام:
(وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة) (1) في إشارة واضحة إلى أنه عليه السلام كان يقيس حرص أهل الشام على الدنيا بحرص العراقيين على الآخرة.
وقال مخاطباً العراقيين (أنتم الأنصار على الحق والإخوان في الدين والجنن يوم البأس والبطانة دون الناس)، وعنه عليه السلام في وصف الكوفة أنه قال: (هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا ). وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (تربة تحبنا ونحبها )، وعنه عليه السلام: )اللهم ارم من رماها، وعاد من عاداها )(2).
ولا زالت الكلمة الرائعة التي تمثل بها إمامنا الحسن عليه السلام، حين رحل عن الكوفة بعد معاهدة الصلح، وقد حفظها لنا التأريخ ليثبت حُسن ثقة الإمام بالعراقيين المطيعين له، وهي قوله عليه السلاموما عن قلبي فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي وذماري) (3).
ومن حديث للإمام الصادق عليه السلام قال في آخره ..... وأهل كوفة أوتادنا ، وأهل هذا السواد منا ونحن منهم) (4).
....عن عبد الله بن الوليد ، قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام في زمن بني مروان، فقال: (ممن أنتم ؟ قلنا : من أهل الكوفة . قال: ما من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة، لا سيما هذه العصابة، إن الله هداكم لأمر جهله الناس، فأحببتمونا وأبغضنا الناس، وبايعتمونا وخالفنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا، وأماتكم مماتنا،....)(5).
وفي مدح أهل العراق عموماً نجد الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (الحمد الله الذي جعل أجلّة مواليّ بالعراق)(6).
ونقرأ عنه: (إن ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال والأمصار، فما قبلها قبول أهل الكوفة)(7).
وعنه عليه السلام: (إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد)(
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. نهج البلاغة/الرسائل/ 17، وانظر أيضاً: الأخبار الطوال - ج1/الدينوري: 187.
2. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 57: ص 210.
3. صلح الحسن-ج20/عبد الحسين شرف الدين.
4. بحار الأنوار/ العلامة المجلسي - ج 57: ص 214.
5. الأمالي / الشيخ الطوسي: ص 144.
6. الأمالي للطوسي ص : 698، وانظر بحارالأنوار/العلامة المجلسي- ج101: ص259.
7. بحارالأنوار/العلامة المجلسي- ج60: ص209.
8. بحارالأنوار/العلامة المجلسي- ج60: ص213.