عقيدة الشيعة في الاجتهاد و التقليد بالفروع (فروع الدين)
عقيدتنا في النظر والمعرفة
نعتقد أن الله تعالى لما منحنا قوة التفكير ووهب لنا العقل ،
أمرنا أن نتفكر في خلقه وننظر بالتأمل في آثار صنعه ، ونتدبر في حكمته واتقان
تدبيره في آياته في الآفاق وفي أنفسنا ، قال تعالى : (
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين
لهم أنه الحق ) .
وقد ذم المقلدين لآبائهم بقوله تعالى : (
قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا
يعلمون شيئا ) .
كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال : (
إن يتبعون إلا الظن )
.
وفي الحقيقة أن الذي نعتقده أن عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق
ومعرفة خالق الكون كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي معجزته .
ولا يصح عندها تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغير منزلة وخطرا . و
ما جاء في القرآن الكريم من الحث على التفكير واتباع العلم والمعرفة فإنما جاء
مقررا لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء ، وجاء
منبها للنفوس على ما جبلت عليها من الاستعداد للمعرفة والتفكير ، ومفتحا
للأذهان وموجها لها على ما تقتضيه طبيعة العقول .
فلا يصح - والحال هذه - أن يهمل الانسان نفسه في الأمور الاعتقادية أو يتكل على
تقليد المربين أو أي أشخاص آخرين . بل يجب عليه بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية أن
يفحص ويتأمل وينظر ويتدبر في أصول اعتقاداته ( 1 )
المسماة بأصول الدين التي أهمها التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد .
ومن قلد آباءه أو نحوهم في اعتقاد هذه الأصول فقد ارتكب شططا وزاغ عن الصراط
المستقيم ولا يكون معذورا أبدا . وبالاختصار عندنا هنا إدعاءان :
( الأول )
وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد ولا يجوز تقليد الغير فيها .
( الثاني ) إن هذا وجوب عقلي
قبل أن يكون وجوبا شرعيا . أي لا يستقي علمه من النصوص الدينية وإن كان يصح أن
يكون مؤيدا بها بعد دلالة العقل . وليس معنى الوجوب العقلي إلا إدراك العقل
لضرورة المعرفة ولزوم التفكير والاجتهاد في أصول الاعتقادات .
هامـــــــــش
(1)
ليس كل ما ذكر في هذه الرسالة هو من أصول الاعتقادات ، فإن كثيرا من
الاعتقادات المذكورة كالقضاء والقدر والرجعة وغيرهما لا يجب فيها الاعتقاد
ولا النظر ، ويجوز الرجوع فيها إلى الغير المعلوم صحة قوله كالأنبياء
والأئمة ، وكثير من الاعتقادات من هذا القبيل كان اعتقادنا فيها مستندا إلى
ما هو المأثور عن أئمتنا من صحيح الأثر القطعي ( * )