قصيدة للشاعر والوزير اللبناني سابقا ( جوزيف الهاشم)
في حق الإمام علي عليه السلام
نعْم العلي، ونعم الاسم واللقب
يا منْ به يشرئب الأصل والنسب
الباذخان: جناح الشمس ظلهما
والهاشميان: أم حرة وأب(1)
لا قبل، لا بعد، في "بيت الحرام"، شدا
طفل، ولا اعتز إلا باسْمه رجب(2)
يوم الفساد طغى، والكفْر منتشر
وغطْرس الشرْك، والأوثان تنتصب
ألله كرمه، لا "للسجود" لها
ولا بمكة أصنام ولا نصب(3)
منذورة نفسه لله، ما سجدتْ
إلا لربك هام، وانطوْتْ ركب
هو الإمام، فتى الإسلام توأمه
منذ الولادة، أين الشك والريب؟
تلقف الدين سباقا يؤرجه
صدر النبي، وبوْح الوحي يكتسب
عشيره، ورفيق الدرب، "كاتبه"
في الحرب والسلم، فهو الساطع الشهب(4)
بديله، في "فراش الدرب"، فارسه
وليث غزوته، والجحْفل اللجب(5)
سيف الجهاد، فتى، لولاه ما خفقتْ
لدعوة الله، رايات ولا قطب
إنْ بردتْ هدْنة "التنزيل" ساعده
كان القتال على "التأويل"، والغلب(6)
أيام "بدرٍ" "حنينٍ" "خندقٍ" "أحدٍ"
والليل تحت صليل الزحْف ينسحب(7)
والخيل تنهل في حرب اليهود دما
ويوم "خيبر" كاد الموت يرتعب(
ولوْ كان عاصر عيسى في مسيرته
ومريم في خطى الآلام تنتحب
لثار كالرعد يهوي ذو الفقار على
أعناق "بيلاطس البنْطي"، ومنْ صلبوا(9)
ما كان درب، ولا جلْد وجلْجلة
ولا صليب، ولا صلْب ولا خشب.
تجسدتْ كل أوصاف الكمال به
في ومْض ساعده الإعصار والعطب
الصفح والعفو بعض من شمائله
وبعضه البر، أمْ من بعضه الأدب
محجة الناس، أقضاهمْ وأعدلهمْ
أدق، أنصف، أدعى، فوق ما يجب(10)
يصوم، يطوي، وزهْد الأرض مطْمحه
والخل مأكله، والجوع والعشب
يخْتال في ثوبه المرقوع، مرتديا
عباءة الله، فهْي الغاية الأرب
منْ رضع الهام بالتقوى، فإن علي
أقدامه، يسفح الإبريز والذهب..
على منابره، أشذاء خاطره
ومن جواهره، الصداحة الخطب
ومنْ مآثره، أحْجى أوامره
ومن منائره، تستمْطر الكتب
إنْ غرد الصوت هدارا "بقاصعةٍ"
كالبحر هاج، وهلتْ ماءها السحب(11)
أو استغاثتْ به الآيات كان لها
روحا على الراح، يا أسخاه ما يهب...
يذود عن هاديات الشرع، يعْضدها
والحق كالصبح، لا تلهو به الحجب
هو الوصي على الميثاق، مؤتمن
على تراث نبي الله، منتدب
هو الخليفة، ما شأْن "السقيفة" إنْ
طغتْ على إهلها الأهواء والرتب
"أْنذرْ عشيرتك القربى" فأنذرها
وقال ربك قولا فوق ما طلبوا(12)
ما غره الغنْم، فاغتابوا تفجعه
على الرسول، ودمع القلب ينسكب
شتان بين لظى المفجوع، يرهبه
هول الفراغ، وذاك المشهد العجب
وبين منْ هام في أحلامه شغفا
فراح يلعب فيه العرض والطلب...
ما هم أن يستحق الغبْن، ما سلمتْ
للمسلمين أمور، وانجلتْ نوب(13)
فكان للخلفاء، الدرع واقية
وللخلافة ظلا، ليس يحْتجب
لولا علي، لما استقوى بها عمر
يوم "النفير" ولولا المرشد النجب(14)
وكان من خطر "الإقطاع"، أنْ هتكتْ
أركان أمته، والشعب منشعب
قفْ... هل تساءلت كيف المسلمون غدوْا
منْ بعد بعْدك...؟ فاسألْ ما هو السبب
ما سر عثمان..؟ كيف الغدر حوله
إلى قميصٍ، بهدر الدم يختضب
وكيف زلتْ خطى الإسلام، وانحرفتْ
عما وقتْه رموش العين والهدب
أين التعاليم..؟ والقرآن مندثر
والشرع يحكم فيه الطيش واللعب
والدين تاهتْ أحاديث النبي به
فحرفوها خداعا، كيفما رغبوا
والجور ساد، وضلتْ أمة، وبغتْ
على بنيها، وطيْف الله ما رهبوا
ومزقتْ فرق، إنْ خف ركْبهم
تلقفتْهمْ جذوع النخْل والكثب
سيف الإمام حبا الإسلام عزته
بأي سيفٍ هم أشياعه ضربوا...!
لم يسْتسغْ بيْعة إلا ليكْلأها
نهج الرسول، وبالآيات تعتصب
فقاوموه.. لأن الشر ما خمدتْ
أدرانه، وجنود الشر ما احْتجبوا...
بأي روحٍ إلهي يمد يدا
"لإبْن ملجم"، وهو النازف التعب(15)
فسطر النبل دستورا وعممه
كالنور في الأرض، تستهدي به النجب
وكبل الزمن المرصود في يده
كأنه، ملك الإيحاء يصْطحب
هو الخلود، ومصباح السماء فلا
يغيب... ما غاب، إلا وهو يقترب
إن الإمام هنا، سيف الإمام هنا
صوت الصهيل هنا، والوقْع والخبب
كالنجم تلتقط الأفلاك جبهته
إنْ غرب الضوء، ليس النجم يغترب..
قمْ يا إمام، فإن الليل معتكر
"والحصن" مرتفع والأفق مضطرب(16)
هم اليهود، وما نفْع "المسار" إذا
سالمْتهمْ غدروا، هادنْتهمْ وثبوا(17)
يدور في عصرنا التاريخ دورته
كمثْل عهدك، أين العهد يا عرب؟
تبددت ريحهمْ في كل عاصفةٍ
وفي الوقيعة، عذر الهارب الهرب
ما بين منكفيءٍ في زهْو نشْوته
وهائمٍ، دأْبه العنقود والعنب
وآفة الشرْق، سفاح بمقْبضها
وليس يردعها شرع ولا رهب
راحتْ تصهْين اسم الله فاسقة
يا.. إنها شعبه المختار والعصب
تدنس الطهْر، والإيمان في دجلٍ
حتى على الله، كمْ يحلو لها الكذب
فجْلجلْ المسجد الأقصى، يثور على
كفْرٍ، وكبرت الأجراس والصلب.
دانتْ لها جبهات الساح صاغرة
وانشلت الخيل، حتى استسْلم الغضب
وروعتْ همم، واستكْبرتْ أمم
واستقْطبتْ قمم، واستهْبطتْ قبب
حتى دوتْ وثْبة ضج الزمان بها
كأنها السيف فوق "الطوْر" منْتصب(18)
لجتْ بزأْرة ليث الشام زمْجرة
كأن "قانا" على راحاته حلب(19)
يشد أزْر جنوبٍ، لمْ يمر به
ركْب الفتوحات، حتى قطعتْ رقب
فخاض عنْ أمةٍ حرب الجهاد فدى
عنْ كل منْ غلبوا غدرا، ومنْ نكبوا.
هي المقاومة السمراء هازجة
رج الوطيس بها، واهتزت الهضب
فكانت الكربلائيات، صوت ردى
"للخيبْريين"، لا رفْق ولا حدب(20)
هذي فلولهم، هذي جماجمهمْ
كالرجْس، تلفظها منْ أرضنا الترب
إذا قضى منْ قضى منهمْ، قضوْا ألما
يا بئْسهمْ منْ بكوْا حزْنا، ومنْ ندبوا
وإنْ شهيد هوى منْ عندنا صدحتْ
بلابل، وتعالى الزهْو والطرب.
هذا الجنوب دم، والماء فيه دم
ونهْرنا النهر سم إنْ هم شربوا(21)
من الجنوب رذاذات الدماء سرتْ
إلى فلسطين، فاهتاج الدم السرب
واستبْسلتْ انتفاضات مخضبة
منْ قال: قدْ ضاع حق وهو مغتصب
منْ أوقدوها لظى كانوا لها حطبا
والنار إنْ أججتْ، فلْيحْرق الحطب
قمْ يا إمام وسن العدل في زمنٍ
خرتْ رؤوس به، حتى علا الذنب
وسنه السيف، يأبى ذو الفقار ونى
إنْ حمْحم السيف عضتْ غمْدها القضب
سادتْ جبابرة الإرهاب ظالمة
فهي العدالة، والمظلوم مرتكب
الأقوياء على خير الضعيف سطوْا
منْ يسْلب الخير، غير الشر لا يهب
فارْدعْ بزنْدك وإليهمْ وعاملممْ
فأْنت مثلك منْ يخْشى ويرْتقب
وازْجرْ بأمْرك وإلينا وعاملنا
مال اليتامى حرام، كيف يسْتلب
ما جاع منا فقير طوْع ساعده
إلا بما متعتْ أشداق من نهبوا
رجوتك أغْضبْ، على الأخلاق حضهم
"لأن منْ ذهبتْ أخلاقهمْ ذهبوا"
تحياتي...