قتل الحسين (عليه السلام) ينسب لمن أمر به
البيان الأول:
وهو جواب عام نجيب به عن هذا السؤال وما يرد من أسئلة على شاكلته,
ونقول:
ان هذه الألفاظ مثل التشيّع والتسنن تدور مدار الاعتقاد وجوداً وعدماً,
فإننا لو راجعنا المراد من معنى التسنن مثلاً لوجدناه هو من يعتقد
بصحة
خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ,
وعليه فلو فرض ان شخصاً كان يحمل تحت جوانحه هذه العقيدة
وقام في نفس الوقت
باغتيال أبي بكر أو عمر أو المشاركة
في قتل عثمان بسبب الخلافة نفسها, فهل
يصح لنا بعد هذا أن نقول
ان القاتل سنيّاً, إنّه لا يمكن ذلك, لأنّه في
الوقت الذي عزم فيه
على قتل من يعتقد بصحة خلافته, وكان القتل يدور حول
موضوع الخلافة
وأنّه ليس أهلاً لها, فهو قد خرج من سنيّته حتماً,
حتى ولو
كان قبل العزم على القتل بلحظات يعتقد بخلاف ذلك..
والذي جرى في كربلاء هو
من هذا القبيل تماماً,
فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يطلب السلطة
التنفيذية وانتزاعها من يزيد
بالاضافة إلى السلطة التشريعية والروحية التي
كان يتمتع بها
بصفته إمام مفروض الطاعة بحسب معتقد الشيعة, فمن خرج عليه
وقاتله
بسبب ذلك فهل تراه يصح وسمه بالتشيّع - هذا فيما لو سلمنا
ان
مقاتليه كانوا من الشيعة قبل هذا الخروج؟!
إن هذا محض التباس في الموضوع,
إذ التشيّع في الاصطلاح واللغة
لا يعني سوى الاتّباع والمطاوعة, والخارج
على إمامه
فهو حتماً ليس متابعاً ولا مطاوعاً له, فكيف يصح ابقاء الصفة أو
الحكم
بعد زوال مدار موضوعها - وهو العقيدة - وجوداً وعدماً.
وليست هي كالأنساب الملحقة بالأنساب قهراً, إذ لا يمكن للإنسان
أن يتخلى عن
نسبه أو انتسابه لآبائه وأجداده المعنيين
إذ المسألة فيها ليست اختيارية
كالعقائد.. فتدبر.
البيان الثاني:
ان اسناد الفعل إلى غير ما هو له أمر سائغ لغة وشرعاً,
ويسمى في البلاغة
المجاز في الاسناد, أو المجاز العقلي, فقول القائل
: أنبت الربيع البقل ,
يعتبر مجازاً في الاسناد - وهذا إذا كان القاتل مؤمناً موحداً
- , حيث اسند
الأنبات إلى الربيع , وهو فصل من فصول السنة
يكون ظرفاً للانبات لا غير,
بينما المنبت الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى,
ولهذا الاستعمال نظائر متعددة
في القرآن الكريم إخباراً وانشاءاً,
كقوله تعالى: (( وَأَخرَجَت الأَرض
أَثقَالَهَا )) (الزلزلة:2)
حيث اسند الاخراج إلى الأرض, وهي ذات طبيعة
جامدة لا قدرة لها على الفعل,
وإنما المخرج للأثقال حقيقة هو الله سبحانه
وتعالى
وقد صح الاسناد بقرينة أنّ الأرض محل لهذه الأثقال ليس إلاّ.
وكذلك
قوله تعالى حكاية عن قول فرعون: (( يَا هَامَان ابن لي صَرحاً )) (غافر:36)
, إذ توجه الأمر ببناء الصرح إلى هامان نفسه, وهو رئيس الجند,
وهو حتماً
سوف لا يبني بيده أو يقوم بمباشرة العمل بنفسه,
ولكن بما أنه سيعطي أوامره
للجنود أو العمال ببناء الصرح صح اسناد الأمر إليه..
ومن هنا يصح اسناد قتل
الحسين (عليه السلام) إلى يزيد
وان لم يباشر هو بنفسه بالقتل لأنّه كان هو
الآمر بذلك.
ونسبة القتل إلى الآمر وإن لم يباشر القتل بنفسه هو مما تعارف الناس
على
نسبته منذ عهد الرسالة إلى يومنا هذا, ويشهد لهذا ما ورد عن ابن أم كلاب
قوله لعائشة:
منك البداء ومنك الغير ***** ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام ***** وقلت لنا أنّه قد كفر
ف هبنا أطعناك في قتله ***** وقاتله عندنا من أمر
(انظر : تاريخ الطبري 3: 477)
ودمتم في رعاية الله
((منقول))